محكمة النقض بالمغرب تتوسع في تعريف “الإضراب التعسفي”


2022-04-05    |   

محكمة النقض بالمغرب تتوسع في تعريف “الإضراب التعسفي”

أصدرت محكمة النقض بالمغرب قرارا جديدا يخص الحق في الاضراب[1]، حيث اعتبرت أنه وبالرغم من طبيعته كحق دستوري، فإن عدم تحديد مدته من طرف الأجراء يجعله تعسفا في استعمال الحق، مما ينفي عنه وصف المشروعية. القرار قدم خلال افتتاح السنة القضائية، ضمن ما وصف بالقرارات المبدئية لمحكمة النقض، فيما يوحي بوجود توجه لاعتماده من طرف باقي محاكم الموضوع، في غياب صدور قانون ينظم الحق في الاضراب.

ملخص القضية

تعود فصول القضية الى مقال افتتاحي تقدم به أجير الى المحكمة الابتدائية بتمارة، في ضواحي العاصمة الرباط بتاريخ 01/06/2018، يعرض فيه أن كان يعمل لدى الشركة المدعى عليها، مند سنة 1996، إلى أن تم طرده بدون مبرر قانوني بتاريخ 18/05/2018، ملتمسا الحكم له بالتعويضات المقررة قانونا، عن الطرد التعسفي. وأجابت الشركة المدعى عليها، بكون المدعي تغيب عن العمل بشكل غير مبرر، وتم إنذاره بشكل قانوني للرجوع الى العمل داخل أجل 24 ساعة، ولم يلتحق بالعمل إلا بعد مرور أسبوع من تاريخ الإنذار، أي خارج الأجل المحدد، مما تكون معه واقعة الطرد التعسفي منتفية، ملتمسة رفض الطلب.

وبعد انتهاء الإجراءات القضائية، استجابت المحكمة الابتدائية لطلب المدعي، وقضت بأداء الشركة المدعى عليها، للتعويضات المقررة عن الطرد التعسفي.

وبعد استئناف الحكم الابتدائي من طرف الشركة المدعى عليها، تمّ تأييده استئنافيا، فتقدمت الشركة من جديد بطلب لنقض القرار الاستئنافي أمام محكمة النقض.

موقف محكمة النقض

قضت محكمة النقض بإلغاء القرار الاستئنافي فيما قضى به من تعويضات لفائدة الأجير عن الطرد التعسفي، معتمدة على العلل التالية:

  • ممارسة الإضراب وإن كانت حقاً دستورياً، بغرض الدفاع عن مصالح الأجراء المهنية في إطار التمثيلية النقابية، فإنه مع ذلك تبقى مشروطة بعدم التعسف في ممارسة ذلك الحق؛
  • تأكيد الأجير بكونه لم ينقطع عن العمل، وانما كان مضربا عن العمل من تاريخ 09/05/2018 الى 18/05/2018، تنفيذا لقرار المكتب النقابي بخوض اضراب مفتوح مصحوب باعتصام داخل الشركة، يعتبر اقرارا منه بتغيبه عن العمل؛
  • ممارسة الإضراب من دون تحديد مدته من شأنها أن تلحق الضرر بالمشغلة، ما دام أن ملف القضية خالٍ مما يفيد سبق وجود مفاوضات بخصوص الملف المطلبي بين الأطراف دون الوصول إلى أيّ اتّفاق”.

وعليه، خلصت المحكمة إلى أنّ عدم تحديد مدّة للإضراب عن العمل ينفي عنه وصف المشروعية ويعتبر تعسفاً، مما يجعل الأجير الذي يخوض إضرابا مفتوحا عن العمل في حالة تغيّب عن العمل بشكل غير مبرر.

تعليق على القرار

تكمن أهمية هذا القرار الذي تنشره المفكرة في كونه يعيد الى الواجهة مآل القانون التنظيمي للإضراب والذي ما يزال عالقا مند عقود. فقد نصت جميع الدساتير التي عرفها المغرب على أن “حقّ الاضراب مضمون، وسيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق”.

رغم مرور 60 سنة على دسترة حق الاضراب في المغرب والإحالة على قانون تنظيمي يضع شروطا وإجراءات ممارسة هذا الحق، لم يصدر هذا القانون، مما جعل ممارسة الحق في الإضراب تخضع لموازين القوى وليس لقوة القانون[2].

يلاحظ أن مدونة الشغل لم تتطرق الى الحقّ في الاضراب بطريقة مباشرة إلا في مادتين. فقد نصت المادة 320 منها على أن “الإضراب يوقف عقد الشغل”. وهكذا فإن التسريح أو الفصل من العمل بسبب الاضراب يعتبر فصلا تعسفيا إلا إذا تمّ ارتكاب خطأ من طرف الأجير خلال خوضه للإضراب. كما نصت المادة 496 منها على أنه: “لا يمكن إحلال أجير محل أجير آخر في حالة الإضراب”. ويلاحظ أن هذه المادة لم تنص على أي عقوبة في حالة خرق هذه القاعدة القانونية.

في غياب قانون تنظيمي ينظم الحق في الاضراب، يسجل تفاوت في تعامل المحاكم بالمغرب مع ممارسة الحق في الإضراب وبالأخص بين المحاكم الإدارية التي تتجه إلى تقييد ممارسة هذا الحق في القطاع العام من خلال فرض شروط جديدة في غياب نص قانوني كوجوب إشعار الإدارة وتحديد تاريخ الإضراب ونهايته، وإعطاء مهلة للإدارة[3]، والمحاكم العادية التي تقرّ مشروعية ممارسة هذا الحق في القطاع الخاص وتتوسع في حمايته من دون قيود حماية للأجراء من الطرد التعسفي[4].

يشكل قرار محكمة النقض تحوّلا في طريقة تعامل القضاء مع ممارسة الحق في الإضراب في القطاع الخاص حيث اعتبر عدم تحديد مدة للإضراب عن العمل من طرف الأجراء ينفي عن الإضراب وصف المشروعية ويجعله في حكم الإضراب التعسفي، مما يجعل الأجير الذي يخوض إضرابا مفتوحا عن العمل في حالة تغيب عن العمل بشكل غير مبرر.

يكرس قرار محكمة النقض الصادر بالمغرب الاتجاهات السائدة في عدد من بلدان المنطقة من أجل تضييق ممارسة الحق في الإضراب في القطاع الخاص على غرار القطاع العام. ومن المأمول أن يسهم صدور هذا القرار الجديد لمحكمة النقض في التعجيل بمسطرة مناقشة والمصادقة على مشروع قانون تنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب بعد مرور عدة سنوات على إعداده من أجل توطيد هذا الحق الدستوري والإسراع بإيجاد قانون ناظم له يحدد حقوق والتزامات كل الأطراف بتوافق بين كافة الفرقاء الاجتماعيين، وعلى أساس المعايير الدولية ذات الصلة.

مواضيع ذات صلة

الاضراب جريمة بأمر من المحكمة الإدارية العليا المصرية

ملاحظات مجلس الدولة المصري على قانون العمل الجديد: جردة ب 60 ملاحظة
 جمعية القضاة تعلن الاضراب ….وحق القضاة في الاضراب يعود الى واجهة النقاش

انكماش حراكات المجتمع المدني في 2017 عنها في السنوات السابقة: “المرصد” يوثق تعرية عمال لبنان ومكتسباتهم ومؤسسة الضمانقوانين أنجزتها الحركة العمالية قبل الحرب


[1]قرار رقم 314/2 بتاريخ 17/03/2021 ملف اجتماعي عدد 488/5/1/2020.
[2]الحاج الكوري وأحمد بوهرو: إشكالية تنظيم وتقنين ممارسة حق الاضراب بين القانون الدولي والتشريعات الوطنية، مطبعة المعارف الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى 2012، ص 71.
[3]جاء في حكم للمحكمة الإدارية بفاس: ان مماسة حق الاضراب تستلزم قيام التنظيم النقابي بإخطار الإدارة مسبقا، ويتضمن الاخطار الهدف من اللجوء الى الاضراب وبدايته ونهايته، وإعطاء مهلة محددة قبل القيام به، حتى يمكن اتخاذ الإجراءات والاحتياطات الضرورية للمحافظة على الأمن العام وتأمين تقديم الخدمات للجمهور، لكون الاضراب المباغت أو الطارئ يعتبر غير مشروع”.
-حكم المحكمة الإدارية بفاس، عدد 732، بتاريخ 17/07/2007، ملف رقم 358، منشور بمجلة المعيار عدد 39، سنة 2008.
[4]جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بمراكش: “ان عدم احتكام الطرفين الى هيئة المصالحة والتحكيم لا أثر له على مشروعية الاضراب، لكون الهيئة المذكورة ليس لها أي وجود فعلي”.
-قرار محكمة الاستئناف بمراكش، رقم 1118 بتاريخ 27 أبريل 1994.
انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، عمل ونقابات ، محاكم إدارية ، نقابات ، قرارات قضائية ، تشريعات وقوانين ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني