نقابة الصحفيين الأردنيين: فضاء للعمل الصحفي أم إطار للسيطرة؟


2024-05-09    |   

نقابة الصحفيين الأردنيين: فضاء للعمل الصحفي أم إطار للسيطرة؟
صورة لمبنى نقابة الصحفيين في الأردن، نقلا عن موقع صوت المملكة الاخباري

قبل أيام من اليوم العالمي لحرية الصحافة، أوصت الهيئة العامة لنقابة الصحفيين الأردنيين “بإحالة منتحلي صفة صحفي للمدعي العام لاتخاذ العقوبات الحاسمة بحقهم كإجراء لتنظيم مهنة الصحافة في الأردن”. وبحسب قانون نقابة الصحفيين رقم 15 لسنة 1998، فإن كلّ من يمارس مهنة الصحافة دون أن يكون مسجلا بالنقابة يعتبر منتحلا ومدّعيا ويعاقب بغرامة لا تقلّ عن ألف دينار (ما يقارب 1400 دولار أميركي) ولا تزيد على ألفي دينار (ما يقارب 2800 دولار أمريكي) وتضاعف الغرامة في حالة التكرار وفق التعديل الذي تمّ على القانون في العام 2014.

كما يلزم القانون المؤسسات الصحفية والإعلامية بعدم استخدام أي شخص في أيّ عمل صحفي إذا لم يكن من الأعضاء المدرجة أسماؤهم في سجل الصحفيين الممارسين. ولمجلس نقابة الصحفيين بموافقة الوزير المعني بشؤون الإعلام أن يسمح لأي صحفي يحمل جنسية إحدى الدول العربية أو الأجنبية بممارسة المهنة في الأردن بالموقع الذي يحدده المجلس وللمدة التي يقررها، شريطة وجود نص قانوني مماثل في تشريع تلك الدولة التي يحمل جنسيتها وعلى أن تتوفر في ذلك الصحفي شرط ممارسة المهنة في الدولة التي ينتمي إليها، وأن يكون لديه إذن رسمي بالإقامة والعمل في المملكة لمدّة لا تقلّ عن سنة، وبالتالي الصحفي الأجنبي الذي يأتي للأردن لتغطية حدث معيّن لمدّة أيام معدودة يعتبر مخالفا لأحكام القانون ومستوجبا الغرامة.

عضوية انتقائيّة لنقابة الصحفيين

قانون النقابة ينصّ على شروط صارمة لانضمام الفرد لممارسة مهنة الصحافة، منها الحصول على شهادة جامعيّة في تخصّص الصحافة أو الإعلام، مع إمكانية الانضمام المباشر للنقابة في حالة الدكتوراه. ولمن لديه درجة الماجستير أو الدبلوم العالي، يجب إكمال فترة تدريب لا تقلّ عن ستة أشهر، بينما يتطلب حامل الشهادة الجامعية الأولى تدريبًا لمدة سنة، والحاصل على دبلوم من كليات المجتمع يحتاج إلى تدريب لمدة ثلاث سنوات. أما فيما يتعلق بمن كان يمارس مهنة الصحافة قبل تعديل القانون ولا يمتلك المؤهلات المطلوبة، فيجب تقديم دليل على قضائه مدّة لا تقل عن ثماني سنوات في المجال الصحفيّ خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذ القانون المُعدّل. في حالة الحصول على شهادة جامعية في تخصّص غير الصحافة، يلزم التدريب لمدة سنتين. كما يشترط التفرّغ التامّ للعمل الصحفي في مؤسسة إعلامية، وبالتالي من يعمل صحفيا حرّا ويتعامل مع أكثر من مؤسسة إعلامية لا يستطيع الانضمام للنقابة.

ويضيف القانون مجموعة أخرى من القيود المتمثلة في العمل فقط في مؤسسة إعلامية التي عرفها القانون على أنّها الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يؤسس في المملكة وكالة أنباء أو إذاعة أو تلفازاً تماثل في أعمالها العمل الصحفي في حقول الإعلام وتشمل دوائر الأخبار والتحرير، وبالتالي يستثني القانون المراسلين ومعدي البرامج أو من يعملون لدى الأحزاب أو مؤسسات المجتمع المدني. كما أنّ العضو في نقابة أخرى لا يحقّ له الانضمام لنقابة الصحفيين كما هي الحال بالنسبة للطبيب أو المهندس أو المحامي.

والنتيجة المترتبة على وضع هذه الشروط للعضوية، سيطرة ستّ مؤسّسات إعلامية كبرى، وغالبيتها حكومية أو شبه حكومية، على أكثر من 75% من تركيبة النقابة.

وقد سبق لنقابة الصحفيين أن عمّمت مذكرة على المؤسسات الحكومية والوزارات تطالب فيها بوقف التعامل مع أي صحفي غير عضو في النقابة. كما خاطبت رئيس الوزراء للإيعاز لجميع المعنيين والمسؤولين بوقف التعامل أو دعوة أشخاص من غير أعضاء نقابة الصحفيين، لأن العديد من الأشخاص غير المسجلين في سجل الصحفيين الممارسين في النقابة ينتحلون صفة الصحفي، ويتصرفون على هذا الأساس ويمارسون المهنة بطرق غير مشروعة، وحضور المؤتمرات الصحفية واللقاءات الخاصة بالصحفيين. كما أشارت إلى أن تصرفات البعض من هذه الفئة تسيئ للصحافة الأردنية عموما ولنقابة الصحفيين والأسرة الصحفية خصوصا.

ومن خلال ما سبق، يتضح بشكل جلي أن نقابة الصحفيين تقدم نفسها على أنها جهة تحتكر مهنة الصحافة، فلا ممارسة لهذه المهنة وذلك من خلال تفويض السلطة لها بواسطة القانون.

ويتّضح من قرارات القضاء، أنّ المحكمة لا تعاقب فقط من يمارس مهنة الصحافة دون الانضمام للنقابة، بل تعاقب أيضا المؤسسات الإعلامية التي تعرّف العاملين لديها بأنهم صحفيون دون الانتساب للنقابة بجرم “التدخل في جرم انتحال صفة صحفي”.[1]

التضييق على الصحافة لا يتم فقط من خلال  قانون النقابة، بل يدعمه في ذلك قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 الذي تم تعديله في العام 2012 الذي اعتبر المواقع الإخبارية الإلكترونية بمثابة “مطبوعات إلكترونية” إذا كانت تنشر الأخبار والتحقيقات والمقالات والتعليقات ذات العلاقة بالشؤون الداخلية أو الخارجية للمملكة، وهي بذلك تكون ملزمة بالتسجيل والترخيص بقرار من مدير عام دائرة المطبوعات والنشر وتطبّق عليها جميع التشريعات النافذة ذات العلاقة بالمطبوعة الصحفية. صدور هذا القانون أدّى إلى حجب 291 موقعا إخباريا من أصل 400 موقع بمجرد نفاذ أحكامه وانتهاء المدّة القانونيّة لتصويب الأوضاع. ومن الأسباب الرئيسية لذلك، اشتراط أن يكون رئيس التحرير المطبوعة الصحفية منتسبا لنقابة الصحفيين لمدة لا تقل عن أربع سنوات.

إلزامية العضوية في النقابات المهنية

تُلقي مسألة العضوية الإجبارية في النقابات المهنية بظلالها على مختلف جوانب العمل المهني، وتثير نقاشًا حادًا حول إيجابياتها وسلبياتها.

من جهة، تُمثّل العضوية الإجبارية قيدًا على حرية الأفراد في اختيار مهنهم وممارستها، ممّا قد يُعيق انضمام ذوي الكفاءات والمواهب الذين لا يندرجون ضمن معايير النقابة الرسمية. كما قد تُؤدي إلى سيطرة فئة معينة على المهنة، مما يُقلل من تنوع وجهات النظر ويُعيق التطور المهني. ومن جهة أخرى، تُقدم العضوية الإجبارية فوائد جمة لحماية العامة وضمان جودة الخدمات المقدمة؛ فمن خلال وضع معايير مهنية، تُساهم النقابات في الحد من انتشار الممارسات غير المهنية والحماية من التعامل مع غير المؤهلين.

بحسب المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها. يفهم من ذلك أن هناك حرية لاختيار الانضمام او عدم الانضمام للجمعيات او النقابات، لكن في الوقت نفسه أية قيود على حرية الفرد يجب أن تكون محدّدة بنص القانون وأن تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية. وتتكرر هذه العبارات في العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان. وكلمة “ضرورية” مهمّة هنا حيث لا يكفي أيّ تبرير، يجب أن تكون للدول أسباب “مقنعة” لتقييد الحقوق. علاوة على ذلك، تتحمل الدول مسؤولية إثبات أن القيد الذي اختارتْه يتناسب مع المصلحة المشروعة التي يتوخّاها هذ القيد. وفي هذا الخصوص، أشارتْ محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان، في رأيها الاستشاري الصادر في العام 1985، إلى أن العضوية الإلزامية تنتهك اتفاقية الدول الأمريكية لحقوق الإنسان كونها تقيّد حرية التعبير من دون أساس مشروع، وتقيد وصول الأفراد إلى مهنة الصحافة، وتتعارض مع حقّ الفرد في الحصول على المعلومات. وقد جاء في القرار: “في هذا السياق، تعتبر الصحافة التجسيد الأساسي والرئيسي لحرية التعبير عن الرأي. لهذا السبب، لأنها مرتبطة بحرية التعبير، والتي هي حق أساسي لكل فرد، فإن الصحافة لا يمكن اعتبارها مجرد مهنة تقدم للجمهور من خلال تطبيق بعض المعرفة أو التدريب المكتسب في الجامعة. … تبدأ المشكلة من حقيقة أن الاتفاقيّة تحمي صراحة الحقّ في الحصول على المعلومات وتلقّيها ونقلها والأفكار بكافة الطرق… إما شفهيًا، أو كتابة، أو في الطباعة…”.

بقي أن نشير إلى أن المادة 15/3 من الدستور تنصّ على أن الدولة تكفل “حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ضمن حدود القانون”، وبالتالي يكفي لمشروعية أي قيد على حرية الصحافة أن يكون هناك نص قانوني دون بيان عنصر “الضرورة” لهذا القيد و ربطه بإحدى الغايات المشروعة لتبرير التقييد مثل الحفاظ على النظام العام أو الحفاظ على حقوق الآخرين.

نقابة أخرى للصحفيين

الصحفيون الذين لا تنطبق عليهم شروط العضوية في نقابة الصحفيين الحالية لا يمكنهم ببساطة إنشاء نقابة أخرى في الأردن، لأن النقابات المهنية في الأردن تنشأ بموجب القانون، بخلاف النقابات العمالية التي يتم إنشاؤها وفقا لقانون العمل. وقد سبق لنقابة الصحفيين أن طعنت بقرار وزير التنمية الاجتماعية بالموافقة على تسجيل جمعية الصحافة الإلكترونية الأردنية، إلا أنّ محكمة العدل العليا قرّرت ردّ الدعوى لانعدام المصلحة حيث لم تثبت نقابة الصحفيين أن القرار المطعون فيه أثر على مركزها القانوني.[2] ويفهم من ذلك أن النقابة تعترض على شكل مبسط من التنظيم للصحفيين غير القادرين على الانضمام للنقابة.

قانون نقابة الصحفيين يقيد العمل الصحفي، وهو بالتالي ينضم إلى مجموعة أخرى من القوانين تخدم نفس الغرض مثل قانون المطبوعات والنشر وقانون الجرائم الإلكترونية. لذلك ليس بالغريب أن يأتي ترتيب الأردن في المرتبة 132 من أصل من 180 دولة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” في العام 2024.


[1] انظر على سبيل المثال الحكم رقم 1223 لسنة 2016 – بداية جزاء – جنح عمان

[2] الحكم رقم 350 لسنة 2011 – محكمة العدل العليا

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، حريات ، عمل ونقابات ، سياسات عامة ، مؤسسات إعلامية ، تشريعات وقوانين ، الحق في الوصول إلى المعلومات ، مقالات ، الأردن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني