محكمة القنيطرة المغربية: للمدمن العلاج بدلاً عن الملاحقة


2021-11-15    |   

محكمة القنيطرة المغربية: للمدمن العلاج بدلاً عن الملاحقة

في سابقة بالمغرب، أصدر عبد الرزاق الجباري القاضي بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة حكماً فريداً في قضية إدمان على المخدرات قضى بعدم قبول المتابعة في حقّ “مستهلك” لعدم إشعاره من طرف النيابة العامّة بحقه في العلاج من الإدمان.

ويكتسي هذا الحكم أهمية استثنائية بحيث أضاء مجدداً على أنّ معاقبة مستهلكي المخدرات لا تهدف إلى محاسبتهم عمّا فعلوه في الماضي بل قبل كلّ شيء إلى الضغط عليهم للتحرر من استهلاك المخدرات مستقبلاً؛ فإذا اختار الشخص المدمن الخضوع للعلاج، وجب التوقف عن ملاحقته فوراً. والاستثنائي فيه ليس تطبيق هذه القاعدة وحسب، إنّما التركيز قبل كلّ شيء على دور النيابة العامة في إعلام الشخص المدمن بحقوقه وتوجيهه للاستفادة منها مقابل وقف متابعته.

فتماما كما أن هذه القاعدة غيّرت من أهداف العقوبة الجزائية، فهي غيّرت من وظيفة النيابة العامة التي تتحول من جهاز يستقصي عن فعل جرمي حصل في الماضي إلى جهاز يعمل لوضع الشخص المدمن على سكة العلاج والخروج من حالة الإدمان.

وقبل المضي في عرض تفاصيل هذه القضية وأبعادها، تجدر الإشارة إلى أنّ المفكرة القانونية كانت تطرّقت سابقاً في عدد من الدراسات للأسباب الكامنة وراء استمرار ملاحقة الأشخاص المدمنين من أجل استهلاك المواد المخدرة وتعطيل حقهم في العلاج، ومن بينها، تقاعس الحكومات في تنفيذ القانون وإيجاد مراكز للعلاج المجاني من الإدمان، ورسوخ الموقف المسبق حيال الفئات المهمشة[1].

 

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى تاريخ 08-05-2021، حينما أوقفت عناصر الشرطة شخصا بحوزته قطعة من مخدّر الشيرا اقتناها من شخص آخر بهدف استهلاكها.

استمعت الشرطة للمتهميْن معا في محضر قانوني، حيث اعترف الأول بإدمانه على استهلاك المخدرات، بينما اعترف المتهم الثاني بأنه يتجر بها. وقرّرت النيابة العامة متابعتهما وإحالتهما على المحكمة.

أثناء المحاكمة، أثار دفاع المتهم الأول دفعا شكليا يرمي إلى التصريح بعدم قبول المتابعة في الشق المتعلق باستهلاك المخدرات، وذلك بالنظر إلى مخالفتها لمقتضيات الفصل 8 من ظهير 21-05-1974[2]، حيث لم يعرض وكيل الملك على المتهم إخضاعه للعلاج. وقد ردّ وكيل الملك على هذا الدفع، بأن المتهم متابع بجنحة أخرى غير استهلاك المخدرات، وهي جنحة حيازة المخدرات، وهو ما يلزم النيابة العامة بمتابعته دون أن تعرض عليه إخضاعه للعلاج.

موقف المحكمة

استجابت المحكمة للدفع الشكلي الذي قدمه دفاع المتهم معتبرة أن “تحريك الدعوى العمومية في حالة المتابعة من أجل استهلاك أو استعمال مادة معتبرة مخدرة، يتوقف على ضرورة استفسار السيد وكيل الملك للمتهم، بعد فحص طبي يتم بناء على طلبه، بخصوص ما إذا كان موافقا على الخضوع إلى علاجات القضاء على التسمم التي تقدم إما في مؤسسة علاجية طبقا للفصل 80 من القانون الجنائي، وإما في مصحة خاصة تقبلها وزارة الصحة العمومية، وذلك بتضمين موقفه بمحضر استنطاقه، سواء كان إيجابيا أو سلبيا”، وذلك إعمالا لمقتضيات الفصل 8 من ظهير 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات.

وأضافت المحكمة أنه “بالرجوع إلى محضر استنطاق المتهم من قبل السيد وكيل الملك، والمضموم إلى وثائق الملف، تبين لها، أنه لم يشر إلى كون هذا الأخير قد “عرض على المتهم إجراء فحص طبي، أو استفسره عن مدى موافقته على الخضوع للعلاجات المذكورة”.

وبخصوص ما دفعت به النيابة العامة من كون المتهم متابعا بجنحة أخرى وهي حيازة المخدرات أجابت المحكمة أن “الحق في الاشعار بالخضوع للعلاج لا يمكن تقييده”، لأن القاعدة تقضي بأن “لا تقييد لمطلق إلا بنص”. وعليه، خلصت إلى أن الدعوى العمومية المثارة في حق المتهم، في شقها المتعلق باستهلاك المخدرات، لم تحترم الشكليات الضرورية لإثارتها، مما تكون معه معيبة شكلا، ويتعين القول بعدم قبولها في حقه.

تعليق على الحكم

يعتبر هذا الحكم سابقة في طريقة تعامل القضاء المغربي مع قضايا الإدمان على استهلاك المخدرات، حيث يكرّس الحق في العلاج، وهي إشكالية مطروحة في أغلب بلدان المنطقة العربية.

يبرز الحكم من جهة أولى أهمية دور الدفاع في إثارة الدفع بعدم قبول المتابعة المسطرة من طرف النيابة العامة في حق المتهم لعدم احترامها لشكليات المادة 8 من ظهير 21 ماي 1974[3]، حيث يبدو الدفاع وكأنه أعاد تسليط الضوء على نص مهمل من القانون المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات.

لم تلتفتْ المحكمة للتفسير الذي أعطته النيابة العامة، معتبرة أن الحق في العلاج حق مطلق لا يمكن تقييده، مستعيرة في ذلك الدور الدستوري للقاضي الذي لا يقتصر على التطبيق الحرفي للقانون، وإنما يسعى إلى تطبيقه بشكل عادل، خاصة وأن القضاء هو حامي الحقوق والحريات، ومن ضمنها الحق في العلاج.

وبذلك، سجّلت المحكمة سابقة في تفعيل مقتضيات الفصل 8 من قانون زجر الإدمان على المخدرات، والذي يكرس “حق مستهلك المخدرات في الخضوع للعلاج”، مقابل عدم تحريك المتابعة القانونية في حقه من طرف النيابة العامة في حال ممارسة هذا الحقّ. كما كرّست في الوقت نفسه تحولا في الوظيفة المتوخاة من النيابة العامة في هذا الخصوص والتي يجدر بها إعلام الشخص المدمن بحقوقه وضمنا توجيهه لممارستها مقابل وقف الملاحقة ضدّه كما سبق بيانه.

ومن المأمول أن يعتمد هذا الحكم المبدئي الذي تنشره المفكرة القانونية كإطار ترافعي للدفاع عن الحق في العلاج من الإدمان للأشخاص المدمنين على استهلاك المخدرات.

وتجدر الإشارة في الأخير الى أن المجلس الوطني لحقوق الانسان بالمغرب اقترح في مذكرته بشأن مراجعة مشروع القانون الجنائي عدم استبعاد جنح حيازة المخدرات والإتجار فيها، من إمكانية تطبيق العقوبات البديلة، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يتاجرون أحيانا في مقادير هزيلة من المخدرات لتغطية نفقات ادمانهم أو لظروفهم الاجتماعية، حيث اقترح المجلس الحكم عليهم بعقوبة بديلة تتمثل في الخضوع لتدابير علاجية من الادمان[4].

 

للاطلاع على الحكم انقر/ي هنا

مواضيع ذات صلة

توجه جديد للقضاء بالمغرب في قضايا الإدمان: الإيداع في مؤسسة للعلاج

دورية لتفعيل مسطرة الصلح في قضايا المخدرات في المغرب

الصلح في قضايا تعاطي المخدرات في النيابة العامة بالسمارة جنوب المغرب

تطور لافت في محاكمة حيازة المخدرات في المغرب: “الأصل في الإنسان البراءة

ترك العمل للعلاج من الادمان مبرر في لبنان

مرافعة نموذجية للدفاع عن شخص مدمن على المخدرات

اعلان لجميع قضاة ومحامي لبنان: افادة بتفعيل لجنة مكافحة الادمان

قاض ينقض المنطق العقابي في معاقبة الادمان: لماذا نطبق قانون المخدرات مجتزأ على قاعدة أن “لا اله”؟

تعميم إلى مستشفيات لبنان: حقّ المدمن بالحياة أولى من مكافحة المخدرات

مرافعة نموذجية للدفاع عن شخص مدمن على المخدرات

مبدأ علاج الإدمان كبديل عن ملاحقته في عهدة القضاء

مفعول الدومينو في قضايا الإدمان، تابع… مبدأ “العلاج كبديل عن الملاحقة” أمام جنايات بعبدا أيضاً

قرار جديد بتكريس المنطق العقابي من دون تحفظ

هل أصبح “حق المدمن بالعلاج كبديل عن الملاحقة” نافذا؟ تخلفت الحكومة عن تنفيذ موجبها طوال 15 سنة، فهمشت وهجرت آلافا من المواطنين

[1]– مرافعات نموذجية للدفاع عن فئات مهمشة، اصدار للمفكرة القانونية بتعاون مع المركز اللبناني للادمان سكون، وجمعية حلم، سنة 2016، ص 44.

[2]يتعلق الأمر بظهير بمثابة قانون رقم 1.73.282 بتاريخ (21 مايو 1974 ) يتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات وبتغيير الظهير الصادر في ( 2 دجنبر 1922 )بتنظيم استيراد المواد السامة والاتجار فيها وإمساكها واستعمالها والظهير الصادر في (24 أبريل 1954 ) بمنع قنب الكيف حسبما وقع تتميمهما أو تغييرهم، منشور بالجريدة الرسمية عدد 3214 بتاريخ 05/06/1974 ، ص 1525.

[3]ينص الفصل 8 من ظهير 21 ماي 1974 على ما يلي: “يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة يتراوح قدرها بين 500 و 5000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من استعمل بصفة غير مشروعة إحدى المواد أو النباتات المعتبرة مخدرات.

غير أن المتابعات الجنائية لا تجري إذا وافق مرتكب الجريمة بعد فحص طبي بطلب من وكيل جلالة الملك على الخضوع خلال المدة اللازمة لشفائه إلى علاجات القضاء على التسمم التي تقدم أما في مؤسسة علاجية طبق الشروط المنصوص عليها في الفصل 80 من القانون الجنائي وإما في مصحة خاصة تقبلها وزارة الصحة العمومية، ويجب في هاتين الحالتين أن يفحص الشخص المباشر علاجه كل خمسة عشر يوما طبيب خبير يعينه وكيل جلالة الملك ويؤهل هذا الطبيب وحده للبث في الشفاء.

ويصدر وزير العدل بعد استشارة وزير الصحة العمومية قرارا تحدد فيه الشروط التي قد تمكن في بعض الحالات الاستثنائية المتعلقة بالقاصرين على الخصوص من معالجتهم في وسط عائلي.

وتجرى المتابعة الجنائية فيما يخص الأفعال المنصوص عليها في المقطع الأول بصرف النظر عن المتابعات الخاصة بالجريمة الجديدة إذا عاد الشخص خلال أجل الثلاث سنوات الموالية لشفائه إلى ارتكاب جنحة استعمال المخدرات أو ترويجها.

وإذا فتح بحث جاز لقاضي التحقيق بعد استشارة وكيل جلالة الملك الأمر بإجراء علاج للمعنى بالأمر طبق الشروط المقررة في المقطعين 2 و3 أعلاه، ويواصل عند الاقتضاء تنفيذ الوصفة المأمور فيها بالعلاج المذكور بعد اختتام إجراءات البحث.

وإذا تملص الشخص المأمور بعلاجه من تنفيذ هذا الإجراء طبقت عليه العقوبات المقررة في الفصل 320 من القانون الجنائي.

وتطبق مقتضيات الفصل 80 من القانون الجنائي فيما إذا أحيلت القضية على هيئة الحكم.

[4]– مذكرة المجلس الوطني لحقوق الانسان حول مشروع قانون رقم 10.16 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، أكتوبر 2019، ص 44.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، محاكم مدنية ، قرارات قضائية ، استخدام المخدرات ، محاكمة عادلة وتعذيب ، المغرب ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني