مؤشر جديد على تراجع الديمقراطية في تونس: تراجع 21 نقطة في تصنيف حرية الإعلام


2022-05-07    |   

مؤشر جديد على تراجع الديمقراطية في تونس: تراجع 21 نقطة في تصنيف حرية الإعلام

في التصنيف العالمي السنوي لحرية الإعلام الذي صدر بتاريخ 03-05-2022 عن شبكة مراسلون بلا حدود، تراجعتْ تونس من المرتبة 73 التي كانت تحتلّها في تقرير السنة السابقة[1] إلى المرتبة 94 عالميا، ليكون بذلك تهاويها ب 21 نقطة كاملة انتكاسة كبرى لها في حرية الإعلام، وهي المكسب المحقّق بفضل ثورة الحرية والكرامة. كما يؤشر تهاوي التصنيف هذا إلى أن تونس بدأت تسلك طريق العودة لحظيرة المجتمعات القامعة للحرية بعدما كانت مثال للانعتاق من قمع الحريات، مثال يسعى للتمثل به في  الدول العربية[2] والأفريقية[3]. وتعود خسارتها تلك كما كشف تقرير المنظمة وأكّده من بعده بيان صدر عن النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين إلى اعتبارات متعددة، يتصل جانب هام ومؤثر منها بخصوصيات نظام حكم   الرئيس قيس سعيد وجانب آخر يعود لخلل هيكلي في مشهدية المؤسسات الإعلامية استفاد منه الاستبداد والفساد وأضرّ بقيمة الحرية وهي أمور تستدعي تفصيل القول فيها.

حصاد 25 جويلية: تضييق على الإعلام وملاحقات للإعلاميين

كان الإعلام التونسي منصة قيس السعيد التي صنعت منه الشخصية العامة التي يعرفها الجميع. وكان للإعلاميين الذين كانوا يتنافسون في الظفر باستضافة له ويخصّونه دوما بالمدح ولا يوجّهون له أي سؤال قد يقطع استرسال أفكاره أو يحرجه دور بارز في صناعة صورته التي خوّلته الوصول لقصر قرطاج رئيسا للجمهورية. وهو ما كان يتوقع معه أن يكون للإعلام في فترة حكمه حظوة خاصة، الأمر الذي لم يتحقق. فالرئيس بدأ عهده بمقاطعة للإعلام ومحاولة صناعة بدائل له توضّحت أكثر متى أضحى حاكما فردا.

  •  مقاطعة للإعلام والتعويل على صفحات التواصل الاجتماعي

في إطار الحملة الانتخابية الرئاسية، تعهّد سعيّد بأن يجري لقاء إعلاميا بمجرد مرور المائة اليوم الأولى من عهدته الرئاسية. وهو ما تولاه فعلا في سياق سبقه وأعقبه امتناع منه بدا مخططا له عن التواصل معه وعن مده بالمعلومة. إذ يذكر أن الرئيس وفريقه اختارا طيلة ما مضى من العهدة الرئاسية أن تكون صفحة التواصل الاجتماعي للفايسبوك لرئاسة الجمهورية المصدر الوحيد الرسمي للمعطيات التي تتعلق بالنشاط الرئاسي وفي هذا مس بحق الإعلاميين في المعلومة واعتداء على دورهم وهو الأمر الذي تدعم بعد 25 جويلية 2021.

  • الإعلام في مرمى التصحيح

 ساهم الإعلام المحلي التونسي بقدر كبير في صناعة ما سمّي في حينها ترحيبا شعبيا بتصحيح المسار. إذ يذكر أن أغلب وسائله رحّبت بإجراءات سعيّد وغيّبت في طرحها لموضوعها السؤال عن الاستحقاق الديموقراطي لتنخرط في مسارات تشيطن عشرية الانتقال الديموقراطي  ولا تعارض ما تمّ من مس بالحقوق والحريات وربما تبحث عن تبريرات لها في كثير من الحالات. كان من أهم هذه التبريرات، القول بأنها من ضروريات الاستثناء. انسجام لم يمنع الرئيس من العمل على تدعيم نفوذه من خلال اتخاذ قرارات تعلقت بالإعلاميْن العمومي والأجنبي وكان أهمها تعيين مكلّفة بإدارة التلفزة الوطنيّة بادرت لتحجيم النقاش السياسي فيها وسعتْ لجعله حكرا على من يثمّنون التوجهات الرئاسية ويباركون المنجزات. كما شملت هذه القرارات غلق مقر قناة الجزيرة الإخبارية بتونس من دون سند قانوني في خطوة اشّرت على أنّ من سيتجاوز الحدود التي رسمت للحرية سيكون جزاؤه سريعا ولا ضوابط تحكمه. أمور تزامنت مع تنفيذ صارم لقرارات غلق أصدرتها سابقا الهايكا في حق مؤسسات إعلامية سمعية ومرئية توصف بغير القانونية وكان عدد منها يحسب على معارضي الرئيس. في هذا السياق الذي بدا مواليا ولم يخرج منه عن صف التأييد إلا أقلية منها نقابة الصحافيين وعدد من وسائل الإعلام أبرزها إذاعة موزاييك أف أم وبرنامجها الحواري الأهم ميدي شو، لم يتحرج نظام الحكم من توجيه تهم بالتآمر على أمن الدولة على الإعلامي عامر عياد لمجرد إلقائه قصيدة عدها الرقيب الخفي تتجاسر على مقام الرئيس. كما تعددت الملاحقات أمام القضاء العسكري على مدوّنين ومواطنين نسبتْ لهم تهمة “نسبة أمر موحش لرئيس الجمهورية” التي باتت تتّسع لتشمل كل موقف فيه تعبير عن رفض لإجراءاته وقرارته. كما لم يتحرّج من قمع الصحفيين الميدانيين في تغطيتهم لتظاهرات المعارضين.

في ذات السياق، تواصل استعمال سعيّد لمنصاته الرسمية للتواصل الاجتماعي كإعلام رسمي لا تطرح فيه أسئلة ويحكمه صوته وكلامه، وذلك في موازاة هيمنة صفحات فايسبوك ومدونين يُصنفون أنفسهم في خانة المناصرين له ويتولّون التشهير بكل من يبدي مواقف نقدية حيال سياسات القصر. وقد تحولت هذه الصفحات إلى جبهات تبشير بما سيتخذ من إجراءات من سعيّد أو تهديد بما قد يتّخذ من إجراءات ضد معارضيه. ومما يذكر عنه –أي هذا الاعلام المستحدث- أنه ساهم بشكل كبير في ترذيل القضاء وفي التسويق لفكرة حلّ مجلس القضاء. ولم تتراجع سطوته إلا حين استهدف نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد العام للشغل الذي ردّ بهجوم معاكس اتّهم فيه من سمّاه وزيرا نافذا في محيط الرئيس وأصهاره والعائلة بالوقوف وراءه وهو أمر يطرح أكثر من سؤال.

هنا كان الإعلام المهني علاوة على ما لحقه من تجاهل من الحاكم الفرد موضوع هجوم خطابي منه. فاتُّهم في أكثر من خطاب بالكذب وبموالاة من يسميهم سعيّد أعداء الوطن والمتآمرين. كما تم تقييد حرية تواصل مسؤولي الدولة مع هذا الإعلام بتعليمات معلنة صدرت عن رئيسة الحكومة. فضلا عن أنه فقد إحدى أدواته الهامة للقيام بدوره وهو حقّ النفاذ للمعلومة المكتسب بعد 2011، حيث باتت طلباته تركن من دون ردّ. ولا يمكن الجزم هنا إذا كان هذا الأمر أثرا لتوجيهات غير مكتوبة أو نتيجة لسلوك بيروقراطي تماهى مع مناخ السلطة الجديد.

خلل هيكلي يصنع هشاشة الإعلاميين

لم تنجح الديموقراطية التونسية في إصلاح الوضع الاجتماعي للإعلاميين. فلم ينتبه بناتها لضرورة الانتصار للحقوق الاجتماعية للصحفيين وسمحوا بالتالي للمؤسسات الإعلامية باستغلالهم في إطار علاقات شغلية لا تحترم أبسط حقوقهم المهنية. كما أدت ازمة الإعلام الورقي وضعف بنية المؤسسات الإعلامية المالية والتجارية لأن كانت نسبة كبيرة من المؤسسات الإعلامية متعثرة وتعاني صعوبات اقتصادية. واقع فرض عليها تجنّب كلّ مواجهة من السلطة قد تؤدّي لمتابعات في ظاهرها جبائية وفي باطنها تأديبية. كما دفع عددا آخر منها للضغط على إعلاميها لإنتاج مضامين إعلامية تخدم حاكم قرطاج وسياساته وبالتالي تحصنها من كل إفلاس متوقّع.

خلاصة

ويستخلص من كل ما سبق أن تقهقر تونس في مؤشرات حرية الإعلام كان نتيجة لما تمّ من استهداف ممنهج له من الرئيس سعيد ومنظومة حكمه كما هو نتيجة لأزمات التجربة الديموقراطية التونسية التي انتصرت لحرية الإعلام ولكنها لم توفّر شروط حصانتها واستمراريتها ففقدتها متى احتاجتها.


[1]  قبل انتخابات 2019 ، كان ترتيب تونس 72 وقد تراجعت بعدها بنقطة ورد في حينها ذلك لما سجل من تهجم من جانب من النواب على حرية الاعلام ومن تضييق من الحكومة على الحريات الصحفية .
[2]  في ذات الترتيب احتلت موريطانيا المرتبة 97 ، قطر مرتبة 119 ،الأردن المرتبة 120 ، لبنان  المرتبة 130 ،  الجزائر المرتبة 134  المغرب المرتبة 135 ، الامارات العربية 138و هو امر يظهر اتجاه تونس للعودة لمربع منطقتها العربية  وبالتالي سعيها للتخلص من صفة الاستثناء التونسي .
[3]  احتلت في ذات الترتيبي غينيا المرتبة 34 ، افريقيا الجنوبية المرتبة 35 ،الرأس الأخضر المرتبة  36  ،الكوت دي فوار المتربة 37 ، سيراليوني المرتبة 46   ،النيجر المرتبة 59 ، غانا المرتبة 60  ،كينيا المرتبة 69  ،السينغال المتربة 73 ،غينيا المرتبة 84 ،غينيا بيساو المرتبة  92  ،كونغو برازافيل المرتبة  93 ، وهو امر يظهر تقهقر مكانة تونس في المنطقة الافريقية التي كانت تطمح لتكون رائدة فيها في المجال .
انشر المقال

متوفر من خلال:

مؤسسات إعلامية ، حرية التعبير ، تونس ، إعلام



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني