لجنة نيابية تسقط علانية الجلسات في القضاء الإداري: استسهال المسّ بمبادئ المحاكمة العادلة


2024-03-06    |   

لجنة نيابية تسقط علانية الجلسات في القضاء الإداري: استسهال المسّ بمبادئ المحاكمة العادلة

في تاريخ 5/3/2024، اجتمعت اللجنة الفرعيّة المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل المكلفة بمناقشة القوانين المتعلّقة بالقضاء الإداري، وخلُصت إلى إسقاط شفهية المرافعات والإجراءات خلافاً للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة وتحديداً المعيار المتعلّق بعلانية المحاكمة وطابعها الشفهي. 

وفي التفاصيل، تتولّى اللجنة الفرعية درس اقتراحيْن متعلّقيّن بالقضاء الإداري معاً: 

الأول اقتراح قانون استقلالية القضاء الإداري وشفافيته وأصول المحاكمات الإدارية الذي قدّمه النائب أسامة سعد في آذار 2021 بالتعاون مع ائتلاف استقلال القضاء وقد أعدّتْه “المفكرة القانونية”، وهو اقتراح يعتمد مبدأ شفاهيّة المرافعات ضمن 20 معيارا دوليا بهدف مواءمة إجراءات مجلس شورى الدولة مع مبادئ المحاكمة العادلة، حسبما أبرزته المفكرة القانونية في عددها المخصّص للقضاء الإداري.   

والثاني اقتراح القضاء الإداري الذي قدّمه النائب جورج عدوان في تموز 2021، وقد أعدّه رئيس مجلس شورى الدولة فادي الياس، والذي استبعد هذا المبدأ في اتجاه إبقاء إجراءات المحاكمة خطية كما هي الحالة في ظلّ النظام الحالي.

وفيما تمسكت النائبة حليمة القعقور بضرورة مبدأ شفوية المرافعات ومعه علانية الجلسات، ذهبت غالبية المشاركين في اللجنة في اتجاه الإبقاء على الوضع الحالي، على أساس حجج قوامها أن الاتجاه الدولي يقوم حاليا على الإجراءات الخطية من دون أي جلسات شفهية وأن اعتماد الإجراءات الخطية أكثر نجاعة وفعالية. وهي حجج خاطئة لا أساس لها من الصحة، طالما أن حرمان المتقاضين من مرافعات شفهية إنما يشكل مسّا صريحا وواضحا بمبدأ علانية المحاكمة وهو أحد أهم مبادئ المحاكمة العادلة وأن النجاعة المطلوبة هي النجاعة الحاصلة في ظل احترام هذه المبادئ وليس على نقيضها. فهل يعقل مثلا التسليم بأصول المحاكمات أمام المحكمة العسكرية بحجة أنها الأكثر إنتاجية أم أن مبادئ المحاكمة العادلة تدعونا إلى تعديل هذه الأصول؟ 

وكانت المفكرة قد نشرت في سياق تفسير الأسس التي انبنى عليها اقتراحها مقالا للأستاذ الجامعي ماثيو ميزونوف تحت عنوان: “علانيّة جلسات المحاكمة: من أجل بثّ “الروح” في القضاء الإداري اللبناني”، وهو مقال يصلح للردّ على موقف اللجنة الفرعية على أمل دفعها للعدول عن موقفها. فبعدما استهلّ ميزونوف مقاله بالتذكير بعبارة جيريمي بنثام الشهيرة ومفادها “العلانية هي روح العدل”، أعلن عن أسفه أنّ القضاء الإداري اللبناني يفتقد هذه “الروح. وقد استشهد الأستاذ الجامعي بعدد من قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (CEDH, 20 mai 1988, arrêt Gautrin et autres c/France; CEDH, 26 septembre 1995, arrêt Diennet c/France; CEDH, 29 septembre 1999, arret Serre c/France)، مفادها أن “العلانية (للجلسات) تحمي الأشخاص من العدالة السرّية التي تجري بعيداً عن نظر الجمهور؛ كما أنّها إحدى الطرق التي تساعد في المحافظة على الثقة في المحاكم. (كما) تساعد العلانية على تحقيق … المحاكمة العادلة والتي يشكّل ضمانها أحد مبادئ أي مجتمع ديمقراطي […] “. بل ذكّر الكاتب أن الأحكام تصدر باسم الشعب اللبناني يعني أن من حق المواطنين أن يكونوا شهوداً على ما يجري بإسمهم، “كي لا تكون هذه العبارة التي نجدها في رأس أحكام مجلس شورى الدولة مجرّد شعار فارغ”. فضلا عن ذلك، انتقد ميزونوف بمنتهى البلاغة “النظرة التقنية الباردة لعدم جدوى الجلسة العلنية في الإجراءات الإدارية” (وهي النظرة التي عبرت عنها غالبية أعضاء اللجنة الفرعية) معتبرا أنها “تتجاهل أمراً أساسياً ألا وهو أنّ الجلسة تمثّل مصالح تتجاوز مسألة الكفاءة الإجرائية”. 

بالإضافة إلى ما تقدم، تكتسي العلانية أهمية مضاعفة في ظلّ الممارسات المعتمدة داخل مجلس شورى الدولة حيث تسود السرية والتكتم ليس فقط على الإجراءات ولكن أيضا على هوية أعضاء الهيئة الحاكمة. إذ أن رئيس الغرفة ما زال يتحكم حتى اليوم في تعيين هؤلاء وأحيانا قبل أيام من إصدار القرار النهائي من دون أن يتسنى للمتقاضين التعرف عليهم، بما يتعارض مع مبدأ القاضي الطبيعي ويحرم المتقاضين من إمكانية طلب ردّ أي منهم أو الطعن بحياديته وذلك بفعل جهل هوياتهم. ويكون كذلك حتى في حال ثبوت حالات تناقض مصالح أو أسباب ارتياب مشروع لدى أي من هؤلاء.  

أخيرا، من المهمّ تسجيل أمرين: 

الأول، أن اللجنة الفرعية في لجنة الإدارة والعدل والتي يرأسها جورج عقيص ما برحت تناقش مواد الاقتراحين منذ 19 تموز 2022. علما أنها عقدت 34 جلسة في هذا الإطار حتى الآن وأنها وصلت إلى المادة 190 من أصل أكثر من 574 مادة. وعليه، يُخشى في حال استمرارها على هذه الوتيرة أن تنتهي ولاية المجلس الحالية قبل انتهاء عملها. وهذا ما حدا برئيسها جورج عقيص إلى مطالبة أعضاء اللجنة بإبداء ملاحظات خطية على المواد المقترحة وعمليا درس المواد والتهيؤ الجدي لمناقشتها قبل انعقاد الجلسة، بعدما كثرت الانتقادات الموجهة إلى اللجنة لجهة بطء عملها. 

والثاني، أنه ينتظر أن تبدي لجنة البندقيّة رأيها بشأن الاقتراح المقدّم من النائب جورج عدوان في منتصف آذار 2024، على أمل أن تسهم توصياتها في رفع مستوى العمل التشريعي وتحديدا في اتجاه تعزيز احترام معايير استقلالية القضاء والمحاكمة العادلة بعيدا عن المساومات والمقاربات السلطوية أو المحافظة. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، تشريعات وقوانين ، مرسوم ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني