الجرائم الإلكترونية مهددة بغرامات باهظة في الأردن: مائة ألف دولار من أجل مخالفة واحدة


2023-07-31    |   

الجرائم الإلكترونية مهددة بغرامات باهظة في الأردن: مائة ألف دولار من أجل مخالفة واحدة

بحسب المؤشرات الدولية، يحتلّ الأردن مراكز متأخرة فيما يتعلق بحرية التعبير وضمان الحقّ بالحصول على المعلومات. وإذ تقدمت الحكومة الاردنية بالعديد من التعهدات الوطنية والدولية لتعزيز حرية الرأي والتعبير، إلا انه لم يكن هناك أي خطوات ملموسة بهذا الخصوص.

بسرعة عير اعتيادية، أعدت الحكومة مشروع قانون الجرائم الإلكترونية وأحالته إلى السلطة التشريعية، قام مجلس النواب بإقراره في غضون ساعات قليلة، ليحال من ثمّ إلى مجلس الأعيان استكمالا للإجراءات الدستورية، ومن المتوقع أن يتمّ إقراره بنفس السرعة.

مشروع القانون يؤثر بشكل مباشر على قدرة الأشخاص للتعبير عن آرائهم من خلال الوسائل الإلكترونية وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي. الرفض الشعبي كان واضحا لمشروع القانون، حيث قامت العديد من المنظمات الوطنية بانتقاده على نحو مفصل، وطالبت هيئة تنسيق منظمات المجتمع المدني (همم) تأجيل مناقشته وإجراء مشاورات عامة وواسعة بسبب تداعياته السلبية على الحريات العامة ووجود شبهات دستورية. كما انطلقت مسيرات حاشدة للمطالبة بإسقاط مشروع القانون، وأعلنت مجموعة من الصحفيين إغلاق صفاحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

المشروع الحالي يلغي قانون الجرائم الإلكترونية رقم 27 لسنة 2015، وقد برّرت الحكومة استحداثه بمواءمة القانون مع الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات[1] والمعايير الدولية وتوفير الحماية للحقوق والحريات من الاعتداء مثل الابتزاز الإلكتروني والحضّ على العنف والكراهية وازدراء الأديان وغيرها من الأمور. والطريف بالموضوع أنّ الاتفاقية العربية تمنح صلاحيات واسعة لجهات إنفاذ القانون من دون رقابة قضائية مثل قيام مزوّد الخدمة بتسليم معلومات المشترك اعتمادا على طلب السلطات المختصة بحسب المادة 25 من الاتفاقية. بالمقابل، تنصّ المادة 18 من الدستور الأردني على أن وسائل الاتصال سرية لا تخضع للمراقبة أو الاطلاع أو التوقيف أو المصادرة إلا بأمر قضائي وفق أحكام القانون.

كما أن مشروع القانون تناول العديد من الجرائم التي لم تتطرّق إليها الاتفاقية مثل إثارة الفتنة والنعرات[2]، النيل من الوحدة الوطنية، نشر أخبار كاذبة، الذمّ والقدح، الحضّ على الكراهية، اغتيال الشخصية وغيرها من هذا القبيل، وهي جرائم معاقب عليها أساسا في قانون العقوبات. إلا أن ما يميّز هذا المشروع أنه رفع سقف العقوبات المالية بحيث يمكن أن تصل إلى 75 ألف دينار (حوالي 105 ألف دولار أمريكي). ويمكن مضاعفة العقوبة في بعض الحالات مثل التكرار وتعدّد المجني عليهم. ويحقّ للنيابة العامة أن تتحرّك من تلقاء نفسها إذا تعلّق المحتوى بالمؤسسات الرسمية أو الوزارات أو العاملين فيها. بالمقابل ركّزت الاتفاقية على اختراق النظم وتدمير النظم والاستيلاء على الأموال وحماية حقوق الملكية الفكرية والاحتيال الإلكتروني وحرمة الحياة الخاصة والاستخدام غير المشروع لأدوات الدفع الإلكترونية والجرائم المنظمة والجرائم المتعلقة بالإرهاب والتعاون بين الدول للتصدّي لهذه الجرائم.

العقوبات المالية المرتفعة والعقوبات السالبة للحرية ولدّت الاعتقاد بأن الهدف هو تكميم الأفواه ومنع العامّة من انتقاد الجهات الحكومية. فعلى سبيل المثال بحسب قانون العقوبات، يعاقب على الذم بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين إذا كان موجها إلى مجلس الأمة أو أحد أعضائه أثناء عمله أو بسبب ما أجراه بحكم عمله أو إلى إحدى الهيئات الرسمية أو المحاكم أو الادارات العامة أو الجيش أو إلى أيّ موظف أثناء قيامه بوظيفته أو بسبب ما اجراه بحكمها. لكن بحسب مشروع القانون، العقوبة هي الحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وغرامة تصل 40 ألف دينار (ما يقارب 56 ألف دولار امريكي)، علما بأن الغرامة بحسب قانون الجرائم الإلكترونية الحالي هي في حدّها الأقصى 2000 دينار أردني (أي ما يقارب 2800 دولار أمريكي)[3].

وما يعزز هذا الاعتقاد جعل صاحب الصفحة أو الحساب على مواقع التواصل الاجتماعي مسؤول عن أي مادة غير قانونية حتى لو لم يقم بوضعها. وقد ألزم مشروع القانون مواقع التواصل الاجتماعي بفتح مكاتب في الأردن إذا زاد عدد المشتركين فيها عن 100 ألف مشترك في هذا البلد للتعامل مع الطلبات الرسمية والقضائية. في حال عدم الاستجابة يمكن لهيئة تنظيم قطاع الاتصالات تعطيل الوصول إلى هذه المواقع.

وقد بدأت الحكومة بالفعل بحظر البعض من وسائل التواصل الاجتماعي. ففي 16 كانون الأول 2022، أعلنت السلطات الأردنية حظرًا مؤقتًا على تيك توك، بسبب “سوء الاستخدام من قبل البعض” بالإضافة إلى “فشل المنصّة في معالجة المنشورات التي تحرّض على العنف والفوضى”، بحسب بيان نُشر على صفحة مديريّة الأمن العام على فيسبوك. وقد تمّ استخدام هذه المنصة من قبل مجموعة من المعتصمين جنوب الأردن، عرف باسم اعتصام سائقي الشاحنات، احتجاجا على رفع أسعار المحروقات. ولا تزال هذه المنصّة محظورة حتى الآن بالرغم من انتهاء الاعتصام.

بحسب وزير الاقتصاد الرقمي والريادة أحمد الهناندة، إنّ الغرامات المالية والعقوبات في مشروع قانون الجرائم الإلكترونية “يتناسب مع الضرر الواقع جراء الجرائم الإلكترونية”، إلا أن المنظمات الحقوقية ترى أنه يمثّل مخاطر جسيمة على الحقّ في حرية التعبير وأنه سيعيق حرية الوصول إلى المعلومات، ويزيد الرقابة على الإنترنت.

ويكمن الانتقاد الأكبر لهذا القانون أن المصطلحات المستخدمة يمكن تفسيرها لتجريم انتقاد الحكومة والعاملين فيها. وهذا يتعارض بالضرورة  مع المعايير الدولية المصادق عليها من قبل الأردن والإعلان الحكومي حول تعزيز التعددية السياسية والحكم الديمقراطي، بالإضافة إلى إمكانية تعطيل مواقع التواصل الاجتماعي.  


[1] تم المصادقة عليها بموجب القانون رقم 19 لسنة 2012

[2] بحسب المادة 15 من الاتفاقية فان نشر النعرات والفتن والاعتداء على الأديان والمعتقدات من ضمن الجرائم المتعلقة بالإرهاب والمرتكبة بواسطة تقنية المعلومات

[3] تنص المادة 11 من قانون الجرائم الالكترونية الحالي رقم 27 لسنة 2015 على ” يعاقب كل من قام قصدا بإرسال او اعادة ارسال او نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية او الموقع الالكتروني او اي نظام معلومات تنطوي على ذم او قدح او تحقير اي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر وبغرامة لا تقل عن (100) مائة دينار ولا تزيد على (2000) الفي دينار”

انشر المقال

متوفر من خلال:

حرية التعبير ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، الأردن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني