العفو العامّ لا يشمل “جرائم الرأي والفكر”: أو انتقاد الحكم جريمةٌ لا تغتفر


2024-04-05    |   

العفو العامّ لا يشمل “جرائم الرأي والفكر”: أو انتقاد الحكم جريمةٌ لا تغتفر

في 20 آذار 2024، وجه ملك الأردن، عبد الله الثاني بن الحسين، الحكومة إلى إعداد مشروع قانون للعفو العام يراعي المصلحة العامة ويحافظ على الحقوق الشخصية والمدنية، ويساهم في التخفيف من أعباء المواطنين، ويعمل على تصحيح مسار الخاطئين، ويعزز روح الإيجابية والتسامح في المجتمع، ويعزز مفهوم العدالة التصالحية. ويأتي هذا القانون بمناسبة اليوبيل الفضي لتولي الملك عبدالله سلطاته الدستورية[1] وهو القانون الرابع من نوعه في عهد الملك عبدالله الثاني. إذ صدر القانون الأول في العام 1999 بعد تولي الملك عبدالله الثاني العرش[2]، والثاني في العام 2011 بعد المظاهرات المطالبة بإصلاح النظام في الفترة التي عرفت باسم الربيع العربي[3]، والثالث كان في عام 2019 بهدف التخفيف من الأعباء التي تثقل كاهل المواطنين، والمساعدة في التخفيف من وطأة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمرّون بها[4]. وسبق أن صدر 9 قوانين للعفو العام في عهد الملك الحسين بن طلال أثناء توليه سلطاته الدستورية[5]، اما المجموع الكلي لقوانين العفو منذ انشاء إمارة شرق الأردن فقد بلغ عددها 18 قانونا.

الجرائم التي يستثنيها قانون العفو العام

يشمل قانون العفو الجرائم الجنائية والجنحية والمخالفات والأفعال الجرمية التي وقعت قبل التاسع عشر من شهر آذار الحالي، بحيث تزول حالة الإجرام من أساسها وتسقط كل دعوى جزائية وعقوبة أصلية كانت أو فرعية تتعلق بتلك الجرائم، إضافة الى إعفاء القضايا المشمولة من الغرامات والرسوم المفروضة بكاملها. في حين يستثني القانون، 38 جريمة أبرزها، الواقعة على أمن الدولة مثل جرائم الخيانة والماسة بالقانون الدولي والنيل من هيبة الدولة والشعور القومي، الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والفتنة والإرهاب وتقويض نظام الحكم السياسي والجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية والنيل من مكانة الدولة المالية، وجرائم جمعيات الأشرار والجمعيات غير المشروعة. والإرهاب، والأسلحة والذخائر، والمفرقعات، والمخدرات، وجمعيات الأشرار وغير المشروعة، والإخلال بواجبات الوظيفة العامة وتزوير أختام الدولة، والتزوير الجنائي، والاغتصاب، هتك العرض، الخطف الجنائي، القتل، والتسبب بالوفاة، والإيذاء، وإضرام الحريق، والسرقة، والإفلاس الاحتيالي، فضلاً عن جرائم التجسس، والجرائم الاقتصادية، جرائم الوزراء، والرق، والإتجار بالبشر، وغسل الأموال، الاعتداء على طرق النقل والمواصلات، التنقيب عن المياه، هدم أو قلب أو تخريب إنشاءات المياه، والجرائم الإلكترونية. وفيما يتعلق بالغرامات، فقد تم استثناء غرامات ضريبة الدخل والمبيعات والجمارك التي تذهب إلى خزينة الدولة، في حين تم شمول مخالفات السير التي تحول للبلديات بموجب قانون الإدارة المحلية رقم 22/2021.

وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى استثنائين: 

الأولى، الجرائم الالكترونية المرتكبة وفقا لأحكام القانون القديم لسنة 2015 والقانون الحالي لسنة 2023، بالرغم من الانتقادات التي تعرّض لها هذا القانون لأنه يضيّق من مساحة حرية التعبير عن الرأي خاصّة إذا تعلق الأمر بانتقاد الحكومة، مع العلم إنه لم يتمّ استثناء هذه الجرائم في قانون العفو السابق لسنة 2019.  إذ لم تقدّم الحكومة أيّة تبريرات لاستثناء هذا القانون، الأمر الذي ولّد الاعتقاد لدى العامة أنّ الحكومة غير متسامحة مع من ينتقدها.

الثانيّة، تمّ استثناء الجرائم المرتكبة سندا لأحكام قانون منع الإرهاب وكذلك جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقد تمّ استثناء هذه الجرائم في قوانين العفو السابقة. وقد سبق أن تعرّض هذا القانون للانتقاد كونه يوسع من صلاحيات محكمة الدولة إضافة إلى تبني تعريف موسع للإرهاب[6] بحيث يشمل على سبيل المثال القيام بأعمال من شأنها أن تعرّض المملكة لخطر أعمال عدائية أو تعكر صلاتها بدولة أجنبية أو تعرض الأردنيين لخطر أعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم. كما أن القانون يُسهّل ملاحقة النشطاء السياسيين بسبب العبارة الفضفاضة في نصوصه مثل ما ورد في المادة 2 مثل “إلحاق الضرر بالبيئة أو المرافق والأملاك العامة او الأملاك الخاصة” بخاصة أن المعايير الدولية حددت هذا الموضوع بقولها الأضرار الجسيمة وليس الأضرار العادية. ومن السهل استخدام القانون كوسيلة لتقييد حرية الرأي والتعبير. ويبرز ذلك بشكل واضح في المادة 3/هـ التي من ضمن ما جاء فيها استخدام نظام المعلومات، أو الشبكة المعلوماتية، أو أي وسيلة نشر، أو إعلام أو إنشاء موقع إلكترونيّ لدعم جماعة إرهابية أو تنظيم أو جمعية تقوم بأعمال إرهابية أو الترويج لأفكارها أو القيام بأيّ عمل من شأنه تعريض الأردنيين أو ممتلكاتهم لخطر أعمال عدائية أو انتقامية تقع عليهم. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن تعريف الإرهاب في الأصل واسع وفضفاض، فإن الدعم والترويج للجماعات أو التنظيمات أو الجمعيات التي تراها الحكومة أنها إرهابية أكثر اتساعا. وبالتالي، هناك إمكانية لإدراج العديد من المواد الإعلامية تحت بند الأعمال الإرهابية. ومن أبرز تطبيقات هذا القانون اعتقال نائب المراقب العامّ للإخوان المسلمين، زكي بني رشيد، على إثر قيامه بالنشر على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” عبارات موجهة لدولة الإمارات العربية المتحدة على إثر قرار لها بتصنيف جماعات معينة من ضمنها الإخوان المسلمين كجماعات إرهابية؛ إذ رأت الأجهزة الرسمية الأردنية أن ما كتبه نائب المراقب العام تجاوز للقانون الأمر الذي يستوجب توقيفه واحالته لمحكمة أمن الدولة. وقررت محكمة أمن الدولة إدانة بن رشيد بتهمة تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية والحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات. وتمّ تخفيف الحكم إلى سنة ونصف السنة مع الأشغال الشاقة المؤقتة عملا بالأسباب المخففة التقديرية.

واعتمادا على ما تقدم، يستثني قانون العفو العام ابرز السجناء في الأردن خلال الخمس سنوات الأخيرة مثل باسم عوض الله الوزير ورئيس الديوان السابق والشريف حسن بن زيد اللذين تم ادانتهما في قضية “الفتنة” المعروفة، بجناية التحريض على مناهضة نظام الحكم السياسي وجناية القيام بأعمال من شأنها تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وإحداث الفتنة. كما يكون استثنى النائب المفصول أسامة العجارمة المدان لمدة 12 عاما بعد تجريمه بعدة تهم من بينها “تهديد حياة الملك”، والنائب السابق عماد العدوان الذي رفعت عنه الحصانة ويحاكم حاليا بتهمة محاولة تهريب أسلحة من الأردن إلى الضفة الغربية.

وقد وجّه نقيب المحامين، يحيى أبو عبود، رسالة إلى رئيس مجلس النواب قبل البدء بمناقشة مشروع القانون، أشار فيها إلى أبرز انتقادات القانون، التي يمكن تلخيصها على النحو التالي:

  • تمّ استثناء جرائم الرأي والاعتقاد والفكر التي يفترض أن تكون هي المستهدف الأول من عملية الإصلاح.
  • شمل قانون العفو العام معظم الجرائم الواقعة على الأموال، وهذا بدوره يؤثر على الحقوق الخاصة.
  • شمول جرائم الإخلال بسير العدالة والمخلة بالثقة العامة والتزوير، حيث يتوقف محو آثار هذه الجرائم على ثبوت ارتكابها جزائيا وإلا سيتعذر محو آثارها، ومن الممكن شمولها بالعفو إذا اقترنت بصفح المتضرر.
  • ضرورة شمول قانون العفو العام كافة الغرامات من دون استثناء بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة لأن تصالح الفرد مع الدولة ضرورة.

الانتقادات الأخرى للقانون تتشابه إلى حدّ كبير مع موقف نقابة المحامين. وفي السياق نفسه، أكّد النائب ينال فريحات أنه كان من الأولى شمول قضايا الحريات وقضايا الرأي والتعبير في العفو، معتبراً أن الاستثناءات خيّبت الآمال، وأن عدم شمول قضايا الحريات يكشف عن نوايا لتكميم الأفواه والتي تم التعبير عنها بقوانين سابقة جرى إقرارها، وكذلك عدم شمولها بقانون العفو العام.

بالمقابل، سيستفيد بحسب تصريحات وزير العدل، د. أحمد الزيادات، من قانون العفو 7355 نزيلا في مراكز الإصلاح، ويمكن ربط هذا التصريح بتصريح آخر لوزير الداخلية، مازن الفراية، في آذار 2024 الذي أفاد بأن نسبة الاكتظاظ بالسجون وصلت إلى 190 في المئة وأن هناك 25 ألف نزيل في السجون، في حين أنّ الطاقة الاستيعابية للسجون تبلغ 13 ألف نزيل. ويكلف السجين الواحد الدولة الأردنية نحو 750  دينارا بشكل شهري (ما يقارب ألف دولار أمريكي) داخل مراكز الإصلاح والتأهيل وفقا لأرقام رسمية، ما يعني أن النزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل يكلفون الدولة حوالي 19 مليونا دينار شهريا ( أي ما يقارب 26.8 مليون دولار أمريكي).

الحقوق الشخصية وقانون العفو العام

بحسب المادة 4 من قانون العفو، لا يوجد ما يمنع أن يحكم للمدعي الشخصي بالالتزامات المدنية ولا من إنفاذ الحكم الصادر بها، إلا أن المطالبة ستكون من خلال القضاء المدني الذي يتصف بطول أمد التقاضي، إضافة إلى دفع رسوم وأتعاب محاماه. عادة في القضايا الجزائية التي يكون فيها جانب مالي، يعتمد المشتكون على العقوبة الجزائية لقيام المشتكى عليه بدفع الالتزامات المترتبة عليه، من دون أن يكون هنالك حاجة للادّعاء بالمطالبة المالية وبالتالي تجنب دفع الرسوم المقررة، كما هو الحال في قضايا الشيكات مثلا. إذ أنّ العقوبة المقرّرة بحسب المادة 421 من قانون العقوبات هي سنة وبغرامة لا تقل عن مائة دينار، لكن في حالة استيفاء قيمة الشيك تسقط عقوبة الحبس وتستبدل بغرامة تعادل 5% من قيمة الشيك بشرط أن لا تقلّ عن 100 دينار ولا تزيد عن 5000 دينار. شمول جريمة الشيك بدون رصيد بقانون العفو تعني أن على المدعي أن يطالب بقيمة الشيك مدنيا، ودفع الرسوم المستحقة في مراحل التقاضي وكذلك الرسوم المستحقة عند التنفيذ. وهنا تجدر الإشارة إلى أن قانون العفو العام لسنة 2019 استثنى جرائم الاحتيال وجرائم الشيك وجرائم إساءة الائتمان، واستثنى القانون العفو العام لسنة 2011 جرائم الاحتيال وجرائم الشيك، في حين استثنى قانون العفو العام لسنة 1999 جرائم الشيك فقط. ومن الممكن أن يكون السبب في استثناء جرائم الشيكات رفع الحماية الجزائية (الحبس) عن إصدار شيكات بدون رصيد في العام 2025 بحسب تعديل قانون العقوبات في العام 2022[7].

سرعة في إقرار القانون وإغفال دور اللجنة القانونية في مجلس النواب

في الوقت الذي لاقت فيه التوجيهات الملكية ترحيبا شعبيا، إلا أن سرعة إعداد القانون من قبل الحكومة وإقراره من قبل البرلمان كانت محل انتقاد من قبل الناشطين والأحزاب.

مشروع قانون العفو عرض بشكل مباشر على مجلس النواب، من دون أن يسبق مراجعته من قبل اللجنة القانونية كما هو متبع في مشاريع القوانين. كما تمّ تحديد مداخلة النواب بدقيقتين فقط، الأمر الذي أدى إلى انسحاب كتلة الإصلاح النيابية، التي تمثل حزب جبهة العمل الإسلامي، من مناقشة مشروع القانون. والنتيجة كانت إقرار مشروع القانون كما ورد من الحكومة من دون أية تعديلات. بالمقابل راجعت اللجنة القانونية في مجلس الاعيان النصّ واعتمدته كما جاء من مجلس النواب، ووافق مجلس الأعيان على القانون من دون أية تعديلات.


[1] جاء في الأسباب الموجبة لقانون العفو العام لإتاحة الفرصة لمن ارتكبوا بعض الجرائم من العودة لإصلاح انفسهم والبدء بحياة جديدة قوامها الاستقامة وإعادة ادامجهم بالمجتمع وإدخال الفرحة إلى نفوس ذويهم بمناسبة احتفالات المملكة باليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية.

[2] قانون العفو العام رقم 6/1999

[3] قانون العفو العام رقم 15/2011

[4] قانون العفو العام رقم 5/2019

[5] وكان ذلك في الأعوام 1951، 1953، 1958ـ 1960، 1962، 1965، 1971، 1973، و1992.

[6]  تم تعديل تعريف العمل الإرهابي في العام 2014 بحيث بات يشمل “كل عمل مقصود او التهديد به او الامتناع عنه ايا كانت بواعثه واغراضه او وسائله يقع تنفيذا لمشروع اجرامي فردي أو جماعي من شأنه تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر أو إحداث فتنة إذا كان من شأن ذلك الاخلال بالنظام العام أو القاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم للخطر أو الحاق الضرر بالبيئة أو المرافق والأملاك العامة أو الأملاك الخاصة أو المرافق الدولية أو البعثات الدبلوماسية أو احتلال أي منها أو الاستيلاء عليها أو تعريض الموارد الوطنية أو الاقتصادية للخطر أو إرغام سلطة شرعية أو منظمة دولية أو إقليمية على القيام بأي عمل أو الامتناع عنه أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو الأنظمة”.

[7] بررت وزارة العدل هذا التعديل، بأن رفع الحماية كليا عن الشيكات سيوقف اللجوء إلى الشيكات المؤجلة، ويكرس استخدام الشيك كوسيلة للوفاء وليس للائتمان، وبما يظهر الحجم الحقيقي للمبيعات والمشتريات، بالإضافة إلى أن “إصدار شيك بدون رصيد ” هو الجريمة المالية الجزائية الأكثر انتشارا في المحاكم الأردنية، وتكلف الدولة الكثير من الوقت والجهد والمال في مراحل التوقيف والتقاضي والحبس.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، تشريعات وقوانين ، حرية التعبير ، مقالات ، الأردن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني