قرار قضائي بسجن قاتل قطّة في المغرب


2023-03-13    |   

قرار قضائي بسجن قاتل قطّة في المغرب

أصدرت المحكمة الابتدائية بتطوان شمال المغرب بتاريخ 23 فبراير 2023 حكما يقضي بإدانة متهم بقتل قطة بالسجن النافذ لمدة 3 أشهر. الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية جاء بناء على شكاية تقدّمت بها جمعية محلية للرفق بالحيوان يُعتبر سابقةً في مجال التقاضي حماية لحقوق الحيوانات. وكان لافتا فيه أن المحكمة اعتمدت مفهوما موسّعا لإسباغ الحماية على كافّة الحيوانات المستأنسة سواء كانت مملوكة للغير أو غير مملوكة لهم.

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى شهر أغسطس 2022 حينما عاينتْ جمعية محلية للرفق بالحيوان في مدينة تطوان انتشار شريط فيديو على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي يوثّق جريمة قتل بشعة لقطّة أليفة عندما كانت تحتمي من الكلاب الضالّة مختبئة أسفل إحدى السيارات. فقد دنا منها أحد الأشخاص وأوهمها بالإحساس بالأمان حتى تمكّن من الإمساك بها  ووضعها تحت قدميه وقام بدهسها قبل أن يقوم بضربها من جديد عرض الحائط مما أدّى إلى وفاتها. أقدمت الجمعية على تقديم شكاية إلى النيابة العامة معزّزة بمقطع فيديو، ملتمسة فتح بحث في القضية قصد التوصل إلى الجاني ومعاقبته. وبنتيجة البحث الذي أجرته الشرطة القضائية، أدلى الجاني أنه هو من قتل القطة كونه كان في حالة عصبية وعلى وشك الخلود للنوم وأن القطة كانت تموء بشكل أقلق راحته. وبعدما نزل من منزله من أجل إبعادها وبشكل غير شعوري وأمام ردّة فعلها الشرسة وذلك لإصابتها له بأظافرها قام برفسها بقدميه وقام بإلقائها بزقاق مجاور، وأضاف أنه بعد إلقائه لها كانت لاتزال على قيد الحياة.

قررت النيابة العامة متابعة المتهم في حالة سراح مقابل كفالة مالية من أجل جنحة قتل حيوان مستأنس طبقا للفصل 603 من مجموعة القانون الجنائي.

موقف المحكمة

خلال إجراءات المحاكمة، نازع دفاع المتهم في شرعية متابعة النيابة العامّة لغياب مشتك تضرر بشكل شخصي من القضية، خاصة وأن الحيوان المستأنس ليس له صاحب، وأن سند تجريم المشرع في القانون الجنائي لفعل قتل الحيوان ينصب أساسا على حماية مالكها ولا يمتد إلى حماية الحيوان نفسه، معتبرا أن الفعل يعد مجرد مخالفة لا جنحة. كما تقدم الدفاع أيضا بنسخة من شهادة طبية تثبت أن المتهم يعاني من اضطراب نفسي.

وقد قررت المحكمة إدانة المتهم من أجل المنسوب إليه، اعتمادا على العلل التالية:

  • إن جنحة قتل حيوان مستأنس المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 603 لا تتوقّف تحريك المتابعة بشأنها على تقديم شكاية ما يجعل الدفع المثار من طرف محامي المتهم بعدم قبول المتابعة لا أساس له ويتعين معه والحال ما ذكر رده.
  • –           إن القط، لكونه حيوانا مستأنسا بطبيعته، لا يمكن أن يستثنى من مجموعة الحيوانات التي تحظى بالحماية الجنائية للمشرع، على اعتبار أن فصل المتابعة أحال على الفصل 601 من القانون الجنائي الذي أورد كائنات حية على سبيل الذكر وليس الحصر، وهي كائنات قد تكون مستأنسة وغير مستأنسة.
  • إن الشهادة الطبية المدلى بها  لا أثر لها في تقدير المسؤولية الجنائية  لأنها مؤرخة بعد ارتكاب السلوك الجرمي ما يجعلها غير منتجة في إثبات كون الجاني لم يكن سليم العقل قادرا على التمييز وفق ما يتطلبه الفصل 132 من القانون الجنائي.
  • إن الاعتراف التمهيدي للمتهم المضمن بمحضر الضابطة القضائية، وعدم منازعته في مضمون  القرص المدمج عند عرضه عليه يجعل محتوى الفيديو الذي يظهر فيه المتهم وهو يعتدي بالضرب المتواصل على القطة دليلا صحيحا ومعززا لاعترافه التمهيدي.
  • بالنظر إلى خطورة الفعل المرتكب من طرف المتهم لما يخلقه من اضطراب على مستوى الأمن العام وسكينة المجتمع وسلامة الأشخاص وبيئتهم بدون ضرورة من جهة، ولمساس هذا الفعل الإجرامي بقيم المجتمع التي تمنع الاعتداء على الحيوانات وبالنظر أيضا لخطورة الشخصية الإجرامية للمتهم الذي لم يُبدِ أي ندم على ما اقترفه، ارتأتْ المحكمة معه جعل العقوبة الصادرة في حقه نافذة خاصة وأن النيابة العامة قد التمستْ تشديد العقاب في حقه.

وعليه، قضت المحكمة بمؤاخذة المتهم من أجل المنسوب اليه والحكم عليه بثلاثة أشهر حبسا نافذا وغرامة مالية نافذة قدرها ثلاثمائة درهم.

تعليق على الحكم

يعتبر الحكم سابقةً في مجال التقاضي لحماية حقوق الحيوانات الشاردة، ويعزّز دور المنظّمات غير الحكوميّة في الدفاع عن هذه الفئة واللجوء الى القضاء لحمايتها. يجرّم القانون الجنائي المغربي الاعتداءات الواقعة على الحيوانات بوصفها مخالفات، ويعاقب عليها في الفصول من 601 الى 604 بغرامات مالية فقط، ويجرم أيضا الاعتداءات الواقعة على الحيوانات المستأنسة المملوكة للغير ويعتبرها جنحا معاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية. ويلاحظ من ظاهر هذه الفصول أن سبب التجريم يعود إلى حماية حق ملكية الأشخاص لهذه الحيوانات ولا يمتدّ الى حماية الحيوانات نفسها. كما يلاحظ أن المشرع أغفل التنصيص على القطط ضمن الحيوانات المستأنسة[1].

اللافت في هذا الحكم أن المحكمة اعتمدت تعريفا موسعا معتبرة أن القطط، لكونها حيوانات مستأنسة بطبيعتها، لا يمكن أن تستثنى من مجموعة الحيوانات التي تحظى بالحماية الجنائية للمشرع. هذا المفهوم مكّنها من تجاوز عدم ذكر القطط صراحة في الفصل الذي يجرّم الاعتداءات على الحيوانات (601 من القانون الجنائي)، على اعتبار أن النص عدّد بعض الحيوانات على سبيل المثال وليس الحصر، وأنه أراد من ذلك رفع اللبس بشأن حماية الحيوانات التي قد تكون مستأنسة أو غير مستأنسة كالكلاب والأسماك. وهو ما لا يسري على القطط لانتفاء أي التباس بخصوصها والتي تعدّ تاليا مشمولة بحماية النص من دون حاجة لذكرها صراحة. وإذا ما تم إعمال تقنية التفسير الكاشف التي يأخذ بها الفقه الجنائي من أجل الوقوف على نية المشرع ومبتغاه من إقرار النص الجنائي، فإن إخراج القط من مجال الحماية الجنائية سيتعارض مع روح الفصل 603 وسيفرغه من محتواه، لأن تفسير النص الجنائي تفسيرا ضيقا لا يتعارض مع كشف إرادة المشرع وفهم مضمون النص في سياقه وقراءته ضمن التبويب الذي ورد فيه، وعدم إتيان النص على تعداد كل الحيوانات المستأنسة ليس القصد من ورائه حماية بعضها دون غيرها، وإنما غاية ذلك إدراج بعض الحيوانات غير المستأنسة بطبيعتها وإلحاقها بالحيوانات المستأنسة بطبيعتها دون إخراج هذه الأخيرة من دائرة الحماية الزجرية لأنها هي الأصل في مناط الحماية الجنائية للحيوانات”.

ورغم ان النيابة العامة فتحت بحثا في الشكاية المقدمة من طرف جمعية الرفق بالحيوان التي انتصبت كمطالبة بالحق المدني والتمست الحكم لها بتعويض مدني قدره 10000 درهم، إلا أن المحكمة قضت بعدم قبول الدعوى المدنية عملا بالمادة 7 من قانون المسطرة الجنائية التي تشترط لصحة انتصاب الجمعيات المدنية أن تكون مؤسسة بصفة قانونية منذ أربع سنوات على الأقلّ قبل ارتكاب الجريمة أو أن تكون متمتّعة بصفة المنفعة العامة وأن تكون الجريمة تمسّ بمجال اهتمامها بحسب قانونها الأساسي. وتطالب الجمعيات المدنية في المغرب برفع هذه القيود وتوسيع نطاق ولوجها إلى الحقّ في التقاضي بما يعزز دور المنظمات غير الحكومية.

نسخة من حكم المحكمة الابتدائية بتطوان

مواضيع ذات صلة

حكمان قضائيان يدينان عمليات قتل الكلاب “الضالّة” بالمغرب: تطبيق مبدأي الضرورة والتناسب في التعامل مع الحيوانات

حكم قضائي يقر مبدأ حماية الحيوان في المغرب

خطة جديدة لمواجهة الكلاب الضالة في المغرب

اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقوق القطط المتشردة في المغرب

مشروع قانون حماية الحيوانات والرفق بها:

عون يوقع على قانون حماية الحيوانات والرفق بها: يمكننا العيش بلا ذهب، لكن ليس من دون حيوان ونبات


[1] – ينص الفصل 601 من القانون الجنائي على أنه: “من سمم دابة من دواب الركوب أو الحمل أو الجر، أو من البقر أو الأغنام أو الماعز أو غيرها من أنواع الماشية، أو كلب حراسة، أو أسماكا في مستنقع أو ترعة أو حوض مملوكة لغيره يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم”.

وينص الفصل 603 على أنه: “من قتل أو بتر بدون ضرورة، أحد الحيوانات المشار إليها في الفصل 601 يعاقب على التفصيل الآتي:

– إذا ارتكبت الجريمة في مكان يملكه أو يستأجره أو يزرعه الجاني فعقابه الحبس من ستة أيام إلى شهرين وغرامة من مائتين إلى مائتين وخمسين درهما أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

– إذا ارتكبت الجريمة في أي مكان آخر، فعقوبتها الحبس من خمسة عشر يوما إلى ثلاثة أشهر وغرامة من مائتين إلى ثلاثمائة درهم”.

انشر المقال



متوفر من خلال:

قرارات قضائية ، مقالات ، المغرب ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني