مشروع قانون حماية الحيوانات والرفق بها:


2015-03-09    |   

مشروع قانون حماية الحيوانات والرفق بها:

بتاريخ 5/2/2015 صدر عن مجلس الوزراء اللبناني قرار بالموافقة على مشروع قانون يرمي الى حماية الحيوانات والرفق بها وبإحالته الى مجلس النواب.

في الواقع أن وجود قانون يتعلق بالرفق بالحيوانات ليس بالأمر الجديد على لبنان. فهذا الموضوع قد لحظت له قوانين منذ العام 1933 في القرار رقم 297 تاريخ 6/6/1933 الذي يتعلق باقتناء وتربية الحيوانات المعدة للذبح، والقرار رقم 239 تاريخ 7/10/1940 حول تنظيم زرائب الحيوانات والمرسوم الاشتراعي رقم 340 تاريخ 1/3/1940 وتعديلاته الذي يتناول العقوبات، ولكن مرور الزمن على هذه القوانين جعلها بالية ولا تتماشى مع تتطور نمط الحياة والمتغيرات الحاصلة.

وقد أتت موافقة الحكومة اللبنانية على مشروع القانون في ظل الحديث عن سلامة الغذاء وبعد القرارات المتتالية بإقفال عدد من المسالخ في لبنان لأنها “غير مطابقة للمواصفات” وتعيش بها الحيوانات في أوضاع صحية مزرية. وبالتالي، فإن إصابتها بأي مرض سينعكس تلقائياً على صحة المواطن اللبناني. وخلفية مشروع القانون مفادها أن على الإنسان أن يتحمل مسؤوليته في ماهية البيئة التي يعيش فيها. فبقاؤه من بقائها.

مراحل تطور مشروع القانون
يعود وضع صياغة مشروع القانون الى أيلول 2009. عندئذ، أطلقت جمعية “Animals Lebanon” حملة للعمل على صياغة مسودة لمشروع قانون يتعلق بالحيوان في لبنان ثم تحت إشراف وزارة الزراعة اللبنانية. وبالعمل مع مجموعة من المحامين تمكنت الجمعية من الحصول على إجماع وزاري حول مشروع قانون “حماية الحيوانات والرفق بها”. وفي هذا السياق يتحدث المدير التنفيذي للجمعية Jason Mierقائلاً: “أطلقت الحملة في وقت تم فيه استقدام حيوانات من مصر من خلال السيرك. وعندها أصبنا بالقلق من فكرة كيفية التعاطي مع هذه الحيوانات. قمنا بالأبحاث ووضعنا مسودات قانون ثم بدأنا بالتواصل مع وزارة الزراعة التي توصلنا بالتعاون معها الى صياغة مشروع القانون”.

ويتحدث Mierعن الصعوبات التي رافقت عمل الجمعية قائلاً: “يعاني لبنان من انعدام الاستقرار الأمني والانقسام السياسي والحزبي، فضلاً عن شكوى الناس من غياب الماء والكهرباء الخ.. وهذه الأمور تجعل من قانون الحيوان لدى البعض مسألة هامشية. ولكن موضوع الحيوان مهم أيضاً ولا يمكن إهماله بانتظار حل باقي المشاكل، لأن الحلول تأتي في سلة متكاملة، كما أن لكل مشكلة أو قضية وزارة معنية بها”.

تابع: “في البداية كان الناس يضحكون على هذا الأمر. ولكن مع انتشار حملة وزارة الصحة حول سلامة الغذاء وإقفالها العديد من المطاعم والمسالخ غير المطابقة، اختلفت النظرة، فنحن مسؤولون عن الحيوان ليس في تقنية الذبح وحسب بل بدءاً من تربيته ومختلف مراحل حياته، ومن المهم العمل على المحافظة على الثروة الحيوانية في لبنان. فعلى سبيل المثال، يصل اليوم العديد من الحيوانات من أبقار وخراف عن طريق سوريا ونحن لا نعلم ما الذي تحمله من أمراض وأوبئة. ذات مرة، تم إدخال حصان مريض الى سباق الخيل، فنقل العدوى الى بقية الأحصنة، الأمر الذي دفع بالدولة الى قتل جميع الأحصنة الموجودة بالسباق. ومن بعدها تم إجراء فحصوصات لكل الأحصنة الموجودة في لبنان”.

ورداً على سؤال عما إذا كان يعتقد أن الناس ستلتزم بالقانون في حال إقراره، أجاب: “أظن أنه عندما يعلم الناس بوجود قانون لحماية الحيوانات، سيتبعه كثيرون منهم تلقائياً، بغض النظر عن مسألة العقاب والملاحقات القضائية. ما نريده نحن هو أن يصل الناس الى مرحلة يلتزمون بها بالقانون ليس خوفاً من العقاب بل لأنهم يرون أن إلحاق الضرر بالحيوان والتسبب بإيذائه هو خطأ”.

لقد توصلت جمعية “Animals Lebanon” الى وضع مشروع قانون حماية الحيوانات والرفق بها بالتعاون مع مجموعة من المحامين. وعن مسيرة هذا العمل التي لا تخلو من الصعاب تتحدث المحامية رنى صاغية وتقول: “طلبت منا الجمعية المساعدة في وضع القانون وهي بالأساس كانت تملك مسودة للمشروع. كما ساعدتنا بتقديم الدوريات واتفقنا مع العاملين فيها على الأقسام التي من المفروض أن يشملها القانون ثم حوّل المشروع الى وزارة الزراعة في عهد الوزير حسين الحاج حسن الذي شكل لجنة لتهتم بالموضوع. وعندما أنهينا العام، حوّله الى مجلس الوزراء، إلا أن الحكومة كانت قد استقالت. والآن أعاده الوزير أكرم شهيب الى الواجهة. ولعل حملة “سلامة الغذاء” التي أطلقها وزير الصحة وائل أبو فاعور أعطت دعماً كبيراً لهذا المشروع”.

وعن الهدف من وراء إقرار مشروع القانون قالت صاغية: “ينطلق المشروع من أهداف جمعية Animals Lebanonوهو نتيجة حوادث ومشاهدات سجلتها. لذا كان المعنيون بها على وعي تام بضرورة أن يطال القانون كل الجوانب المرتبطة بالحيوان، فالحيوان ليس موجوداً من أجل الترفيه وحسب”.

يتضمن قانون “حماية الحيوانات والرفق بها” قواعد عامة ترعى التعامل مع الحيوانات، سواء على صعيد فردي أو ضمن منشآت، وقتل الحيوانات وشروط نقل الحيوانات وتملكها، وتشرح صاغية التفاصيل التي أدت الى وضع كل قاعدة وقالت: “من يقوم بشراء حيوان، يتملك روحاً عليه الاعتناء بها. فمثلاً، في ما خص حدائق الحيوانات في لبنان التي من المفروض أن تكون بمثابة محمية طبيعية للتربية والتثقيف والحفاظ على الثروة الحيوانية، نجد أن أبسط معايير النظافة والسلامة غير متوفرة. وبالنسبة للمنشآت، فإنه لا قانون ينظم عملها ولا تحديد لمعايير السلامة العامة ولا آلية ملاحقة للأشخاص الذين يقومون بإدخال الحيوانات خلسة الى لبنان والتي معظمها لا تتلاءم طرق عيشه مع البيئة اللبنانية”.

تابعت: “كما تناولنا موضوع الإجراءات التي تتخذ بالمحافظات والبلديات من قتل للحيوانات الشاردة من كلاب وقطط. فقد ثبت عالمياً أن التخلص منها بهذه الطريقة لن يضع حلاّ للمشكلة”. و”بالنسبة للمسالخ، يجب أن تكون مرخصة كما أن أماكن الترفيه كالسير وسبق الخيل يجب أن تخضع لرقابة جهات رسمية، فنحن لا نعرف كيف تعيش هذه الحيوانات وإن كانت معايير السلامة العامة مضمونة للناس الذين يودون زيارة هذه الأماكن. وقد أعطى القانون الذي وضعناه صلاحية واسعة لوزارة الزراعة والبلديات في هذا السياق”.

إذا أصبح للحيوان في لبنان قانون، فإن المخالف له سيخضع لعقوبات ملحوظة في فصل كامل منه. وعن ذلك تقول صاغية: “حاولنا التركيز على فرض الغرامات، لأن الفكرة الأساس ليست في بث الذعر لدى الناس من خلال فرض عقوبات قاسية. ففي هذه الحال، لن يتم تطبيق القانون. وعليه، أردنا أن نوفق بين الطابع الرادع للعقوبة وقابليتها للتطبيق. وطبعاً، العقوبات تتفاوت بحسب الجرم، والحيوانات المهددة بالانقراض تكون العقوبة عليها أكبر. كذلك، يزيد تكرار الجريمة من حجم العقوبات، وقد تعمدنا في هذا المجال أن نترك هامشاً للقضاء حيث بإمكان القاضي أن يتخذ القرار الذي يراه مناسباً”.

ورداً حول سؤال عن نظرة الناس الى قانون حماية حقوق الحيوان في بلد يعاني أناسه من حماية فعلية، أجابت: “إن الموافقة على قانون للحيوان لا يعني أنه ليس بإمكان المجلس التشريعي أن يسن غيره من القوانين. كما أن هذا القانون لا يرتب أعباءً مالية كبيرة بل يفرض رقابة أكثر. وهو لا يتحدث عن حقوق للحيوانات، بل بالدرجة الأولى عن تكامل في النظام البيئي Eco-systemeالذي ما عاد بالإمكان الخروج منه. حتى أن قانون سلامة الغذاء الذي أقرّته اللجان المشتركة في تعريفه للخطر يتحدث عن أي خطر يتناول الإنسان والحيوان والبيئة”.
تابعت: “اليوم نجد الناس فرحين بحملة وزارة الصحة حول سلامة الغذاء. ولكن إن لم تؤمن النظافة في المسالخ والمزارع فكيف سنضمن عدم وجود الأوبئة؟ نحن خرجنا من مسألة حماية الحيوان الى قضية أهم. فالكائنات الحية تعيش بعضها مع بعض ضمن منظومة واحدة. وهذا ما جعل القانون يمر في مجلس الوزراء على أمل أن يمر في مجلس النواب لما فيه من منفعة للناس، لا سيما في موضوع سلامة الغذاء”.

لمحة عن فصول القانون
يتضمن مشروع قانون حماية الحيوانات والرفق بها ثلاثين مادة موزعة على أحد عشر فصلاً. يتضمن الفصل الأول أحكاماً عامة ويشرح أهدافه التي هي حماية الحيوانات الحية والرفق بها وتنظيم المنشآت التي تتعامل معها وتستخدمها.

ويهتم الفصل الثاني بأماكن بيع الحيوانات ومراكز التكاثر. فيلحظ وجوب أن تحصل كل منشأة لبيع الحيوانات أو للتكاثر على ترخيص مسبق أو تقديم تصريح لدى السلطات المختصة وفقاً للقوانين المرعية الإجراء، وذلك بعد استطلاع رأي وزارة الزراعة وبعد التثبت من توافر شروط محددة.

ويتناول الفصل الثالث موضوع حراسة الحيوانات. أما الفصل الرابع فيدخل في التفاصيل المتعلقة بتربية الحيوانات الزراعية واستخدامها في العمل، فيشدد على ضرورة الاستحصال على ترخيص، وإيداع التقارير الطبية الدورية، وموضوع ذبح الحيوانات واستخدامها في العمل.
يعرض الفصل الخامس لمسألة استخدام الحيوانات في التجارب العلمية التي يشدد القانون في المادة 17 منه على ضرورة الحصول على تصريح مسبق من قبل وزارة الزراعة للقيام بها. أما الفصل السادس فهو حول استخدام الحيوانات في مجالات الترفيه والذي يتطلب أيضاً موافقة مسبقة من وزارة الزراعة.

وينفرد الفصل السابع من القانون في تنظيم حدائق الحيوان حيث يفرض في المادة 20 منه الى جانب الحصول على رخصة أن تتضمن أهداف الحديقة المحافظة على الثروة الحيوانية والتنوع البيولوجي وتأمين البيئة الملائمة للحيوان، وأن يتم تحديد الحد الأقصى للحيوانات التي يجوز وضعها في الحديقة وتحديد أنواعها، وأن تكون تحت إشراف طبيب بيطري، وأن تقدم دراسة تفصيلية حول كيفية تربيتها وتأمين الموارد البشرية اللازمة لتأمين حاجاتها.

ويحدد الفصل الثامن من القانون الجهات التي يحق لها إنشاء مراكز إنقاذ للحيوانات، أما الفصل التاسع فيشمل آلية ضبط المخالفات والحجز على الحيوانات وإقفال المنشأة في حال مخالفة صاحبها لأي من أحكام القانون. ويشرح الفصل العاشر العقوبات التي يحصل عليها المخالف حسب نوع الجرم الذي يرتكبه.

وأخيراً، تجدر الإشارة الى أن لبنان صادق في 2-7-2012 على الاتفاقية الدولية لتجارة أنواع الحيوانات والنباتات البرية المعرضة للانقراص “سايتس”.

*صحافية و ناشطة إجتماعية، من فريق عمل المفكرة القانونية

نشر هذا المقال في العدد | 26 |آذار /مارس/  2015 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

تونس و مصر: نموذجين مختلفان لتطبيق الدساتير بعد 2011

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، إقتراح قانون ، الحق في الحياة ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني