صوتت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين في13-1-2015 على مقترح قانون يرمي إلى تمديد العمل بالمادة 16من مدونة الأسرة، المتعلق بوسائل اثبات الزوجية لخمس سنوات اضافية. واذ نصت هذه المادة على وجوب اعتماد الصيغة الخطية لعقود الزواج، فان المشرع وجد نفسه في 2004 مضطرا على مماشاة الأعراف الاجتماعية واسعة الانتشار المتمثلة بالزواج الشفوي بالفاتحة، فنص على سماع دعاوى اثبات الزوجية لفترة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات، وقد تم تمديدها لمرة أولى وأتى المقترح الجديد بتمديدها مرة ثانية بمثابة اقرار جديد على قوة هذه الأعراف. وهذا المقترح يبرز تاليا بشكل كبير كيفية التفاعل بين القانون والأعراف، ومدى قدرة الأول على تغيير الأعراف أو التغلب عليها في قضايا الأسرة.
عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات العلاقة الزوجية بالمغرب؛ لكن..
نصت المادة 16 من مدونة الأسرة على أن وثيقة عقد الزواج تعدّ الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج. على أنه في حال توفر أسباب قاهرة حالت دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات و كذا الخبرة. وهي تأخذ بعين الاعتبار وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين. وقد نصت المادة ايضا على سماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات، ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ.
وبذلك، تكون الفقرة الأولى من هذه المادة نصت على أن الوسيلة المقبولة قضاء لإثبات العلاقة الزوجية هي عقد الزواج أي الوثيقة المكتوبة طبق الشكل المفروض قانونا، وهو ما يعني أن الكتابة تحولت إلى ما يشبه شرط صحة للانعقاد الزواج. وهو أمر طبيعي بالنظر إلى أهمية الكتابة لتوثيق العقود والتصرفات وحماية الحقوق والمراكز القانونية الناتجة عنها لا سيما أمام التحولات التي تعرفها المجتمعات المعاصرة. لكن الفقرة الثانية سمحت وبصفة استثنائية بإثبات العلاقة الزوجية عن طريق القضاء من خلال تقديم دعوى سماع الزوجية، خلال فترة انتقالية حددت في خمس سنوات من تاريخ صدور مدونة الأسرة (سنة 2004)، وقد انتهى الأجل المحدد سنة 2009، حيث اضطر المشرع للتدخل من جديد وتمديد هذا الأجل لمدة خمس سنوات، تنتهي في فبراير 2014.
1-تمديد الفترة الاستثنائية لسماع دعوى الزوجية والحلقة المفرغة
ان واقع تطبيق المادة 16 من مدونة الأسرة خلال 10 سنوات كشفت عن مجموعة من الملاحظات أهمها:
أ- عندما تتحول القاعدة إلى استثناء :
وضعت المادة 16 من المدونة لكي تجعل الأصل في اثبات العلاقة الزوجية هو عقد الزواج المكتوب للقضاء على ظاهرة زواج الفاتحة الحاضرة في أنحاء كثيرة في المغرب، لكن تطبيق هذه المادة أفرز واقعا معاكسا حيث تحولت إلى أداة لشرعنة "الزواج العرفي" والتحايل على القانون من خلال تشجيع تعدد الزوجات وتزويج القاصرات، ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع على القضاء. وهكذا تم تجريد الفقرة الأولى من المادة16من كل حماية لها وعرضها لخرق مستمر، بدليل استمرار زواج الفاتحة على نطاق واسع يعاكس روح الفقرة الأولى التي اعتبرت عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثباته. وتؤكد لغة الأرقام هذه الملاحظة حيث ارتفعت نسب ثبوت الزوجية بصفة غير منطقية من 6918 حكم سجل سنة 2004 إلى 23057 حكم سنة 2013. وإذا كانت هذه الأرقام تؤكد من جهة المجهودات المبذولة من أجل مواجهة ظاهرة الزواج غير الموثق خاصة الحالات التي تعود لفترات زمنية سابقة لم تكن امكانية توثيق الزواج بشأنها ممكنة، إلا أنه يصعب أن تبرر هذه المجهودات استمرار ارتفاع نسبة الأحكام بتثبيت الزوجية بعدما يقارب عقدا من الزمن، ويرجح أن يثبت أي تحليل هذه الأرقام أن نسبة كبيرة منها تتعلق بحالات زواج حديثة أبرمت بالمدن وأحيانا من طرف أشخاص لهم مستوى علمي متقدم.
ب- عندما يفتح القانون بابا للتحايل عليه:
من أهم المكتسبات التي كرستها مدونة الأسرة أنها أخضعت كل مقتضياتها لمراقبة القضاء، وانفتحت بشكل كبير على المعايير الدولية لحقوق الانسان عموما خاصة من حيث ملاءمتها لاتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وفي هذا الصدد، حددت المدوّنة سن الزواج ب18 سنة لكلا الجنسين، وقيدت من امكانية السماح بزواج القاصر إلا بعد الحصول على اذن قضائي واستنفاذ مجموعة من الاجراءات التي تهدف لحماية المصلحة الفضلى للقاصر، ومن بينها لجوء القاضي لاجراء بحث اجتماعي، أو الاستعانة بخبرة طبية للتأكد من مدى أهلية القاصر للزواج، كما قيدت تعدد الزوجات بشروط "مستحيلة" وأهمها تحقق القضاء من وجود "المبرر الموضوعي الاستثنائي" والامكانيات المادية للزوج.. لكن كل هذه المقتضيات الايجابية يمكن ضربها بعرض الحائط إذ بإمكان أي شخص أن يتهرب من هذه القيود التشريعية التي وضعت أساسا لحماية الأسرة والمرأة والطفل، من خلال الاكتفاء بإبرام زواج الفاتحة وفق الأعراف ثم التقدم بعد مدة من الزمن أمام القضاء بدعوى ثبوت الزوجية.
ان سهولة التعامل القضائي مع المادة 16 من مدونة الأسرة شجعت على تزايد حالات زواج الفاتحة، رغم المخاطر التي يمكن أن تنجم على هذا النوع من الزواج الذي لا يخضع لأي رقابة مسبقة، مما يمكن أولياء أمور بعض الفتيات القاصرات من اكراههن على الزواج، وهو ما قد يعدم عنصر الرضى الذي يبقى أهم عنصر لصحة الزواج.
كما أن وضعية أغلب الأسر المبنية على أساس علاقات زواج غير موثقة (زواج الفاتحة) تتصف عموما بالهشاشة التي تؤثر كثيرا على وضعية المرأة التي تبقى مجردة عن أي حماية قانونية، إذ أن مجرد خلاف بسيط بينها وبين زوجها أو بين عائلته يبقى سببا كافيا لطردها من بيت الزوجية وتجريدها من كل حقوقها وهو ما يؤدي إلى تعميق وضعية الهشاشة والتهميش والعنف الذي تتعرض له.
إن مشروع التعديل الجديد لمدونة الأسرة الرامي إلى تمديد الفترة الانتقالية لسماع الزوجية مدة اضافية بشكل مجرد سيبقى عقيما وربما يفرض تمديدا جديدا مستقبلا. وللحؤول دون ذلك، لا بد من اتخاذ اجراءات عملية موازية، أبرزها:
– مواكبة التعديل التشريعي المرتقب بسياسة عمومية ناجعة تستهدف وضع الآليات والموارد البشرية والمادية اللازمة لتوثيق الزواج وتجاوز الصعوبات التي تواجه بعض المواطنات والمواطنين في تدبير شؤونهم الإدارية اللازمة لتوثيق الزواج خاصة بالمناطق النائية،
– وضع مقتضى تشريعي يمنع اعمال المادة 16 من مدونة الأسرة في حالة التحايل على القانون للتملص من القيود المفروضة على زواج القاصرات أو تعدد الزوجات لكيلا تبقى هذه المادة بمثابة بوابة تشريعية مفتوحة تشرعن حالة التحايل على القانون وتنسف كل المقتضيات التي كرستها مدونة الأسرة التي جاءت أساسا من أجل تغيير مجموعة من الممارسات السيئة، وليس العمل على تطبيعها وشرعنتها ومحاولة ايجاد اطار قانوني لها.
لذا يبقى لزاما على المشرع الابتعاد ما امكن عن اعتماد الحلول الجاهزة أو الحلول التي أثبت التطبيق العملي محدوديتها وعدم جدواها. فمجرد تكرار تعديل 2009 من خلال التعديل المرتقب معناه أننا سنضطر وبعد خمس سنوات لتكرار نفس الممارسة وهو ما يعني وباختصار أننا ندور في حلقة مفرغة.