قراءة في التقرير الأول للجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالمغرب


2022-03-01    |   

قراءة في التقرير الأول للجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالمغرب

بعد طول انتظار، قدمت اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه بالمغرب مؤخرا تقريرها الأول، الذي يغطي فترة سنتيْن من عمل اللجنة مند تنصيب أعضائها في يونيو 2019، حيث يقدم التقرير ولأول مرة مجموعة من المعلومات والمعطيات والإحصائيات والمؤشّرات التي تعكس رصد جريمة الإتجار بالبشر والجهود المبذولة لمواجهتها، والثغرات القائمة في القانون والممارسة. كما يقدم التقرير مجموعة من التوصيات.

تذكير بالإطار القانوني المنظم لعمل اللجنة الوطنية 

يتمثّل الإطار القانوني المنظم لعمل اللجنة في المادتين 6 و7 من قانون مكافحة الإتجار بالبشر، حيث تنصّ المادة 6 على إحداث لجنة وطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الإتجار بالبشر والوقاية منه، وهي لجنة تحدث لدى رئيس الحكومة، ويحدد نص تنظيمي تأليفها وكيفية سيرها.

كما تحدد المادة 7 من نفس القانون مجموعة اختصاصات موكولة لعمل اللجنة من بينها “إعداد تقرير وطني سنوي حول المجهودات المبذولة في مجال مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه والعوائق والإكراهات المتعلقة بهذا المجال”.

مؤشرات جريمة الإتجار بالبشر بحسب التقرير الأول

يظهر التقرير الأول للجنة الوطنية أنّ عدد قضايا الإتجار بالبشر بالمغرب عرف ارتفاعا ملحوظا تجاوز %200 بالنسبة لسنة 2018، و%96 بالنسـبة لسـنة 2019. كمــا بلــغ عــدد الأشخاص المتابعين 585 بين راشد وقاصر، و84 من الأجانب و144 من الإناث.

في نفس السياق، أكّدت المعطيات الإحصائية التي قدّمها التقرير أن عدد ضحايا الاتجار بالبشر عرف بدوره تزايدا مهما خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث بلغ 719 ضحية منهم 414 من الضحايا الذكور، و305 من الضحايا الإناث، علما أن عدد الضحايا المغاربة بلغ 536 مغربيا وعدد الضحايا القصر 192.

وبخصوص أشكال الإتجار بالبشر، يلاحظ أن الاستغلال الجنسي يبقى أكثر صور الإتجار بالبشر شيوعا بالمغرب حيث بلغ عدد حالاته 283 حالة، يليه الاستغلال في التسوّل ب 56 حالة، ثم السخرة ب 35 حالة، بالإضافة إلى باقي الصور الأخرى للإتجار بالبشر والتي توضح في إجابات الجهات المعنية مما يجعل إعداد قاعدة بيانات وطنية دقيقة مسألة حتمية للوقوف على الإتجار بالبشر.

وبخصوص الأحكام القضائية الصادرة إعمالا لقانون مكافحة الإتجار بالبشر، سجّل التقرير وجود ميل إلى تجنيح بعض الأفعال أو تمتيع المشتبه في ارتكابها لظروف التخفيف، إذ أن حوالي 40% صدرت في حقّهم عقوبات تقلّ مدتها عن 5 سنوات، وهي المدة المحددة للجنح، علما أن غالبية جرائم الاتجار بالبشر هي جنايات تفوق مدة عقوبتها 5 سنوات. كما أظهر نفس التقرير أن غالبية العقوبات المحكوم بها هي عقوبات سالبة للحرية، مع تسجيل عدد محدود من تدابير الحماية. في المقابل لم يتطرق التقرير الى إشكالية وصول ضحايا الإتجار بالبشر إلى التعويضات المدنية، ومدى حصولهم على الحق في الانتصاف، حيث يثار على المستوى العملي غياب صندوق لجبر ضرر الضحايا في حالة عدم إمكانية تنفيذ التعويضات المقررة.

أهـم الإكراهـات والتحديـات المطروحـة

رصد التقرير الأول للجنة عدة إشكاليات تواجه إعمال قانون محاربة الإتجار بالبشر من بينها “الغمــوض” عــلى مســتوى المنظومــة القانونيــة، خاصــة علــى مســتوى العنــاصر التكوينية للجريمة بفعل تعدّد أركانها وتشابهها والتي أثارت لبسا سواء على مستوى فهمها لدى المتدخّلين من سلطة تنفيذية وقضائية أو من حيث اكتشاف ضحاياها، وبالتـالي تفريـد خدمـات نوعيـة حسـب صـورة الإتجـار التي تتعرض له كل ضحية، فضلا عن صعوبة كشف جريمة الإتجار بالبشر لكونها جريمة منظمـة بحسـب طبيعـة التخطيـط لهـا وطـرق تنفيذهـا، وهي جريمــة مركّبــة لكون ركنهــا المــادي يتكــوّن مــن أكــثر مــن فعــل أو يتكــون مـن أفعـال ذات طبيعـة مختلفـة يصلـح كل منهـا ليكـون وحـده جريمـة مسـتقلة. يضاف إلى ذلك إشكاليات أخرى إجرائية ولوجستيّة بفعل غموض تصوّر واضح لتطبيق المادة 4 من قانون مكافحة الإتجار بالبشر، والتي ألزمت الدولة في حدود الوسائل المتاحة بتوفير الحماية والرعاية الصحية والدعم النفسي والاجتماعي لفائدة ضحايا الإتجار بالبشر والعمل على توفير أماكن لإيوائهم بصفة مؤقتة وتقديم المساعدة القانونية اللازمة لهم، وتيسير سبل اندماجهم في الحياة الاجتماعية أو عودتهم الطوعية إلى بلدهم الأصليّ أو بلد إقامتهم حسب الحالة إذا كانوا أجانب. وقد وقف التقرير في هذا السياق على صعوبة تحديد نوعية الخدمات الواجب تقديمها للضحايا، وصعوبات تحديد مسارات التكفّل بهم حسب نوع الاستغلال، وصعوبات في متابعة تنفيذ بعض الإجراءات المقررة لحماية الضحايا ومن بينها تدبير المنع من الاتصال أو الاقتراب من الضحية.

ملاحظات حول توصيات التقرير الأول

من حيث الفترة الزمنية، يلحظ أنّ المادة السابعة من قانون مكافحة الإتجار بالبشر تتحدث عن تقرير سنوي. والحال أن التقرير الأول يغطي فترة تزيد عن سنتين من تاريخ إحداث اللجنة.

قدم التقرير الأول للجنة مجموعة توصيات، ركزت على الجوانب التالية:

الجانب القانوني وإشكالية التكييف والتعرف على الضحايا:

وقف التقرير على معطى أساسي مفاده وجود تفاوت في تعامل المحاكم مع جرائم الإتجار بالبشر وهو ما يظهر من خلال اختلاف “المحاكم” في إعمال سلطة تكييف الأفعال. وقد أرجع التقرير ذلك إلى خصوصية جريمة الإتجار بالبشر كجريمة مركّبة، تجمع في عناصرها التكوينية مجموعة أفعال مجرّمة بدورها كجرائم مستقلّة، من قبيل جرائم التسوّل أو الاستغلال الجنسيّ. وهنا تكمن ضرورة مراجعة القانون الجنائي بهدف إعادة النظر في مجموعة من الجرائم التي تحتمل أكثر من وصف قانوني، من قبيل جرائم استغلال الأشخاص في الدعارة أو البغاء أو التسول والتي تعدّ في جوهرها جريمة إتجار بالبشر متى اجتمعت أركانها المتمثلة أساسا في الفعل والوسيلة والهدف المتمثل في نية الاستغلال، علما بأن التقرير نفسه وقف على معضلة تباين المحاكم في تكييف جرائم الإتجار بالبشر من دون أن يقدم أمثلة تطبيقية لهذه الخلاصة.

في نفس السياق، توقّف التقرير على صعوبة ثانية تواجه عملية التعرّف على الضحايا، وإعمال تدابير الحماية في حقهم، ومتابعة تنفيذ إعمال هذه التدابير، التي تبقى حديثة العهد على المنظومة الجنائية كمنظومة ظلّت لعدة سنوات تهتمّ بالمقتضيات المتعلقة بالتجريم والعقاب أكثر من اهتمامها بالجانب الحمائي.

وأوصى التقرير في هذا المجال بضرورة الإسراع بوضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإتجار بالبشر، وهي توصية تلتقي مع توصية سابقة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

كما أوصت اللجنة بإحداث آلية وطنية جديدة لإحالة ضحايا الاتجار بالبشر على غرار عدد من التجارب المقارنة، ومراجعة عدد من التشريعات لتستجيب للمعايير الدولية والممارسات الجيدة.

الجانب الاحصائي:

من جهة ثانيّة، تكمن أهمية التقرير في كونه توقّف عند إشكالية هامة تتعلق بغياب مؤشرات موحدة تعتمدها أجهزة الإحصاء لدى الجهات المتدخلة في محاربة جرائم الإتجار بالبشر. فأرقام النيابات العمومية مثلا تختلف عن الأرقام التي تقدمها وزارة العدل أو المديرية العامة للأمن الوطني، (وهي نفس الملاحظات المتعلقة مثلا بقضايا العنف ضد النساء)، وهي إشكالية تطرق إليها تقرير اللجنة داعيا إلى إعداد قاعدة بيانات وطنية لمكافحة الإتجار بالبشر والتكفّل بضحاياه يتمّ اعتمادها على الصعيد الوطني وتمكّن من توفير معطيات دقيقة حول الجريمة ومسارات التكفل بالضحايا. ولعل هذه الملاحظة ستكون محفّزا للإسراع بإخراج مرصد وطني للجريمة مهمته توحيد المؤشرات المعتمد عليها في رصد الجرائم.

الإمكانيات المادية واللوجستية:

تطرق التقرير لعدد من الصعوبات التي تواجه اللجنة في القيام بعملية التنسيق أهمها غياب اعتمادات مالية مخصصة للجنة لتسهيل تنفيذ المهام الموكولة اليها، حيث تعتمد حتى الآن في أنشطتها على إمكانيات وزارة العدل أو دعم في إطار اتفاقيات شراكة مع منظمات وطنية ودولية، وهو ما يفرض تخصيص الموارد المالية الكافية لعملها.

التحسيس والتوعية:

دعا التقرير الأول للجنة إلى بذل جهود أكبر على صعيد التوعية من خلال الاستمرار في التعريف بجريمة الإتجار بالبشر وتعزيز قدرات السلطات المكلفة بإنفاذ القانون، والانفتاح على الجامعات وإعداد دلائل عملية، والاستفادة من التجارب الفضلى المقارنة، والاستعانة بدور الإعلام في رفع منسوب الوعي لمواجهة ظاهرة الإتجار بالبشر وإذكاء ثقافة التبليغ ونشر الوعي بتواجد تدابير للحماية كفيلة بحماية الضحايا والشهود والمبلغين.

مواضيع ذات صلة

تنصيب اللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر في المغرب

قانون مكافحة الإتجار بالبشر بالمغرب… أي آليات لحماية حقوق الضحايا؟

منشور لرئيس النيابة العامة في المغرب لحماية ضحايا الإتجار بالبشر

مكافحة جريمة الإتجار بالبشر يضّعفها نصوص القانون

أول الأحكام في قضايا الاتجار بالبشر: والجناة مواطنون سوريون دفعوا أبناءَهم الى التسوّل

مكافحة جريمة الإتجار بالبشر يضّعفها نصوص القانون

عقبات تعيق حماية ضحايا الإتجار بالبشر: غياب الآليات الرسمية والتمويل الحكومي

قانون منع الاتجار بالأشخاص في تونس: خطوات هامة لتجريم الاستغلال مع خوف على الحريات

انشر المقال

متوفر من خلال:

تشريعات وقوانين ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني