قانون جديد للمجلس الأعلى للقضاء في الجزائر: أكثر من ثلثي أعضاء المجلس قضاة منتخبون ولكن…


2022-08-17    |   

قانون جديد للمجلس الأعلى للقضاء في الجزائر: أكثر من ثلثي أعضاء المجلس قضاة منتخبون ولكن…

بعد الإصلاحات القضائية بالمغرب وتونس (ما قبل 25 جويلية 2021)، شهدت الجزائر بدورها إصلاحا جديدا للقوانين المنظمة للقضاء، حيث نشر مؤخرا بالجريدة الرسمية القانون العضوي رقم 22-12 الذي يحدد طرق انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للقضاء وقواعد تنظيمه وعمله[1].

القانون الذي يأتي عقب حراك قضائي غير مسبوق عرفته الساحة الحقوقية والقضائية بالجزائر، تضمّن عدّة مكتسبات في ظلّ الدستور الجديد من أبرزها توسيع نطاق تشكيلة المجلس وانفتاحها على عضوية رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى جانب 6 شخصيات من خارج سلك القضاء، مع إبعاد وزير العدل، وإضافة صلاحيات جديدة للمجلس على رأسها حماية استقلال القضاة والإشراف على تكوينهم إلى جانب صلاحية إبداء الرأي.

أبرز مستجدّات القانون الجديد للمجلس الأعلى للقضاء بالجزائر

يتكوّن القانون الجديد من 76 مادة موزّعة على أربعة أبواب، خصّص الباب الأول لأحكام عامة، والثاني لانتخاب القضاة أعضاء المجلس، والثالث لتنظيم المجلس وعمله، بينما خُصّص الباب الرابع لأحكام مختلفة وختامية.

من حيث الشكل، جاء القانون الجديد أكثر تفصيلا حيث تضمن 76 مادة في مقابل 40 مادة كان يتكوّن منها القانون السابق.

من حيث الموضوع، تضمن القانون الجديد عدة مكتسبات جاءت تفاعلا مع الحراك القضائي التي شهدتْه الجزائر قبيل المصادقة على الدستور الجديد، ومن أبرزها:

– مراجعة تشكيلة المجلس من خلال رفع عدد الأعضاء من 20 إلى 26 عضوا، وزيادة عدد القضاة المنتخبين من 10 إلى 17 قاضيا، مع الإبقاء على عضوية 6 شخصيات مستقلة تُعيّن بحسب كفاءتها من خارج سلك القضاء، إلى جانب التنصيص ولأول مرة على عضويّة رئيس المجلس الوطنيّ لحقوق الانسان؛

– التنصيص ولأول مرّة على عضوية ممثّلين عن النقابة الوطنية للقضاة، حيث نصّت المادة 14 من القانون على أنه: “ينتخب أعضاء المجلس الوطني والمكتب التنفيذي للتشكيل النقابي للقضاة من بينهم قاضييْن إثنين”. ورغم أهمية هذا المقتضى في دعم تمثيلية الروابط والتنظيمات التي يؤسسها القضاة داخل تشكيلة المجلس، إلا أن حصرها نطاق التمثيلية في التشكيل النقابي للقضاة يعني من الناحية العملية حظر التعددية النقابية والجمعوية للقضاة، بحيث تصبح النقابة الوطنية للقضاة هي الإطار الوحيد القانوني المعترف به[2]، خاصة وأنّ المشرع لم يستعمل أيّ معايير موضوعية لتبرير هذا التمثيل من قبيل النقابة أو الجمعية الأكثر تمثيلا؛

– إبعاد وزير العدل من تشكيلة المجلس، وحذف المقتضيات التي كانت تتيح للمدير المكلف بتسيير سلك القضاة بالإدارة المركزية لوزارة العدل حق الحضور لأشغال المجلس دون المشاركة في المداولات؛

– التنصيص على تمتع المجلس بالاستقلال المالي والإداري بعدما كان سابقا تابعا لوزارة العدل. وفي هذا الصدد، نصّت المادة 73 من القانون على أن المجلس يصادق على مشروع ميزانيته، وتُسجّل الاعتمادات المالية الضرورية لعمله بالميزانية العامة للدولة.

– رفع سنّ الأقدميّة المطلوبة للترشيح لعضوية المجلس من 7 سنوات الى 15 سنة من الخدمة الفعلية في سلك القضاء وهو ما يعتبر محاولة لتطويق حراك القضاة الشباب؛

– إقرار التفرّغ بالنسبة لأعضاء المكتب الدائم حيث تنص المادة 41 من القانون على أنّ المجلس “ينتخب في أول جلسة له، من بين أعضائه القضاة، مكتبا دائما يتألف من 8 قضاة”، … و”يتفرغ أعضاء المكتب الدائم لممارسة عهدتهم..”.

– إعداد مدونات سلوك: جعل القانون الجديد من صلاحيات المجلس إعداد مدوّنة أخلاقية لمهنة القضاة تنشر في الجريدة الرسمية بعد المصادقة عليها. كما يقوم المكتب الدائم بإعداد مشروع مدوّنة سلوك عضو المجلس التي تعرض بدورها على المجلس للمصادقة عليه.

– الدّور الاستشاريّ للمجلس وابداء الرأي: نصّت المادة 73 على أن المجلس يُستشار حول المسائل العامة المتعلقة بالتنظيم القضائي. ويلاحظ في هذا الصدد أن الصلاحيات الاستشارية للمجلس جاءتْ محدودة بالتنظيم القضائي مقارنة مع بلدان أخرى وسعت نطاق الاستشارة لتشمل كل الأمور المتعلقة بالقضاء والعدالة[3]. كما نصّت الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أن المجلس يبدي آراء واقتراحات وتوصيات حول المسائل التي تندرج في اطار صلاحياته.

– الاشراف على تكوين القضاة: نصت الفقرة الثانية من المادة 73 من القانون على أن المجلس يسهر على التكوين المستمر والتكوين المتخصص للقضاة وتجديد مداركهم وهو ما يعني نقل صلاحيات تكوين القضاة من وزارة العدل الى المجلس الأعلى للقضاء، وذلك بعد تعديل شروط الالتحاق بالمهنة برفع سن الولوج الى 27 سنة، ورفع مدة التكوين بالمعهد الى ثلاث سنوات[4].

خطوات عملية لحماية استقلال القضاة

وفق القانون الجديد، لم تعُدْ صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء بالجزائر محصورةً في تدبير الوضعية الفردية للقضاة من خلال البتّ في تعيينهم وطلبات انتقالهم وترقيتهم وتأديبهم، وإنما أضاف القانون الجديد مهمة حماية استقلالية القاضي. وفي هذا الصدد نصت المادة 47 على أنه: “يخطر القاضي المجلس في حالة تعرضه لأي مساس باستقلاليته، بموجب عريضة مسببة تحدد فيها أوجه المساس والجهة الصادرة عنها.

توجه العريضة إلى رئيس المكتب الدائم للمجلس، بكل وسيلة متاحة، بما في ذلك الطريق الإلكتروني”.

وأكّدت المادة 48 على أن رئيس المكتب الدائم يعيّن أحد أعضائه “للقيام بالتحريات والتحقيقات الضرورية التي تفتضيها دراسة العريضة المذكورة بما في ذلك سماع القاضي المعني وكلّ من يرى ضرورة في سماعه، ويحيل المكتب العريضة ونتائج التحريات والتحقيقات على المجلس”.

وأضافت المادة 49 أنه: “إذا عاين المجلس أن الوقائع محل العريضة تشكل مساسا فعليا باستقلالية القاضي، فإنه يتّخذ التدابير الآتية:

– إخطار النيابة العامة المختصة من أجل تحريك الدعوى العمومية، إذا كانت الوقائع موضوع المساس تحمل طابعا تأديبيا؛

– ممارسة سلطته التأديبية، إذا كانت الوقائع موضوع المساس صادرة عن قاض”.

 وبالرغم من أهمية هذه المقتضيات، يُلاحظ أنّ المشرع لم ينصّ على جزاء عدم التبليغ عن محاولات المسّ باستقلاليته، مما قد يحدّ من فعاليتها على خلاف بعض القوانين المقارنة التي اعتبرتْ عدم التبليغ خطأ جسيما يوجب المسؤولية التأديبية للقاضي[5].

في أبرز اعتراضات المحكمة الدستورية على قانون المجلس الأعلى للقضاء

سجّلت المحكمة الدستورية[6] بمناسبة مراقبتها لمدى دستورية هذا القانون تحفّظاتها بخصوص مادتين تتعلقان بطبيعة الشخصيات المعينة من خارج سلك القضاء، وبمدّة الأقدمية المطلوبة للترشح لعضوية المجلس من طرف القضاة المنتخبين.

فمن جهة أولى وبخصوص المادة 3، اعتبرتْ المحكمة أن المادة 180 من الدستور تشير إلى اختيار 6 شخصيات بحكم كفاءتهم خارج سلك القضاء.

واعتبرت أن المادة 3 حينما استعملت عبارة “شخصيات وطنية” تكون قد خالفت الحكم الوارد في الدستور الذي يحدد اختيار الشخصيات المذكورة حسب كفاءتها، لذلك يتعين على المشرع التقيد بالعبارات الواردة في الدستور.

ومن جهة ثانية بخصوص المادة 17 (الفقرة الأولى) والمتعلقة باشتراط أقدمية معينة للترشيح لعضوية المجلس اعتبرتْ المحكمة أنه :”اذا كان اشتراط المشرع لخمس عشرة سنة خدمة فعلية، على الأقلّ، في سلك القضاء للترشح لعضوية المجلس مقبولا بالنسبة للمحكمة العليا ومجلس الدولة والمجالس القضائية والجهات القضائية الإدارية، غير قضاة مجلس الدولة، فإن المحكمة الدستورية تلفت عناية المشرع أن تطبيق هذا الشرط على قضاة المحاكم الخاضعة للنظام القضائي العادي، قد يحرم هذه الفئة من التمثيل داخل المجلس مما قد يمس بمبدأ المساواة في التمثيل، في حالة عدم وجود قضاة على مستوى هذه الجهات القضائية ممن يتوفرون على سنوات الخدمة المطلوبة”، وأضافت بهذا الشأن: “إذا كان قصد المشرع لا يهدف استبعاد تمثيل هذه الفئة داخل المجلس الأعلى للقضاء في حال توفر العدد الكافي من

القضاة في المحاكم ممن يستوفون شرط المدة المطلوبة، فإن هذه الأخيرة تعتبر دستورية شريطة مراعاة هذا التحفظّ”.

لقراءة المزيد عن القانون الجديد للمجلس الأعلى للقضاء في الجزائر وقواعد تنظيمه وعمله اضغط هنا

لقراءة المزيد عن قرار المحكمة الدستورية في الجزائر اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

دستور الجزائر الجديد: الحراك يثمر ضمانات لاستقلالية القضاء

نادي قضاة الجزائر ينشأ في ظل الحراك ولدعمه: نرفض الإشراف على انتخابات الرئاسة

نادي قضاة الجزائر يضع القضاء في خدمة الشعب: مقاطعة الإشراف على الانتخابات الرئاسية

إضراب مفتوح لقضاة الجزائر: حركة قضائية تشمل 3000 قاض خلافا لمبدأ عدم نقل القاضي إلا برضاه

نقابة القضاة بالجزائر تنتخب قياداتها الجديدة: انتصار قضاة الحراك ووعود بخدمة الشعب

النقابة الوطنية للقضاة بالجزائر تشكل مجموعة عمل مع وزارة العدل لدراسة ملفها المطلبي

نقابة القضاة بالجزائر تعقد مجلسها الوطني الأول: مطالبة بالتعديل الفوري لقوانين السلطة القضائية

ملاحظات نقابة القضاة في الجزائر حول مسودّة مشروع تعديل الدستور

نقابة قضاة الجزائر تعارض إستئناف القضايا التي عيّن فيها محامٍ: اغتصاب لمبدأ المساواة أمام القضاء

نقابة القضاة بالجزائر تطالب وزارة العدل باحترام القانون

نقابة القضاة بالجزائر ترفض التعليمات الفوقية

نقابة القضاة بالجزائر ترفض التدخل في استقلال القضاء


[1]- الجريدة الرسمية، العدد 44، بتاريخ 27/06/2022، ص 7.

[2]- عرفت الجزائر خلال فترة الحراك القضائي تأسيس نادي قضاة الجزائر.

[3]- لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع الى الدراسة التي أصدرتها المفكرة القانونية حول الإصلاحات القضائية في المغرب وتونس بعد دستور 2011.

[4]- مرسوم تنفيذي رقم 22-243 مؤرخ في 30 يونيو سنة 2022، يعدل المرسوم التنفيذي رقم 16-159 المؤرخ في 30 مايو سنة 2016 الذي يحدد تنظيم المدرسة العليا للقضاء وكيفيات سيرها وشروط الالتحاق بها ونظام الدراسة فيها وحقوق الطلبة القضاة وواجباتهم، الجريدة الرسمية العدد 46، بتاريخ 06 يونيو 2022، ص 10.

[5]- ينص الفصل 109 من دستور 2011 بالمغرب على ما يلي: “يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء؛ ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات، ولا يخضع لأي ضغط.

يجب على القاضي، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة.

يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة”.

[6]- قرار رقم 03/ق م د/ر م د/22 بتاريخ 24 ماي 2022، يتعلق بمراقبة مطابقة القانون العضوي الذي يحدد طرق انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للقضاء وقواعد تنظيمه وعمله، للدستور، الجريدة الرسمية العدد 44، بتاريخ 27/06/2022، ص 5.

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكم دستورية ، قرارات قضائية ، تشريعات وقوانين ، استقلال القضاء ، مقالات ، محاكمة عادلة ، الجزائر



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني