ضعف الحماية واعتكاف القضاة يزيدان الخطر المحدق بالنساء: 15 حالة عنف أسري في 3 أيام و3 ضحايا في أسبوع


2022-09-17    |   

ضعف الحماية واعتكاف القضاة يزيدان الخطر المحدق بالنساء: 15 حالة عنف أسري في 3 أيام و3 ضحايا في أسبوع

نجت تهاني حرب (30 عاماً، البقاع) من الموت بأعجوبة بعدما خضعت لعملية استئصال الطحال إثر الضرب الذي ارتقى إلى محاولة قتل، مارسه زوجها عليها. أيام معدودة وأعيدت تهاني إلى بيتها الزوجي وكأنّ شيئاً لم يكن. نبيلة عيدان (36 عاماُ، عكار) قضت بست رصاصات في جريمة تتهم عائلتها زوجها بارتكابها وما زالت التحقيقات جارية. هناء خضر (21 عاماً، طرابلس) قتلت وهي حامل في الشهر الخامس بعدما أضرم زوجها النار بها، أمّا غنوة علاوي فخرجت بعد نجاتها من التعنيف المستمر أعواماً لتروي قصتها ولسان حالها يقول إنّ نساء كثيرات جداً يعانين من العنف الأسري والزوجي وراء الجدران، وأنّ ما يخرج إلى العلن ليس إلّا النذر القليل. هنا، في بلادنا، تحيا النساء كل يوم وكأنّهن على موعد مع الموت. فإنْ لم يكن الخطر يحدق بحياة إحدانا، فهو يحوم حول صديقة، أو جارة، أو حتى امرأة أخرى في بقاع الأرض، فجرائم العنف ضدّ النساء باتت جزءاً من يومياتنا وتقتات من تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والقضائي، لتزداد يوماً بعد يوم مع غياب المراقبة والمحاسبة. وبحسب منظمة “أبعاد”، فإنّ 18 امرأة وقعن ضحايا جرائم قتل في العام 2021، مقارنة بـ 14 ضحية لغاية 25 آب 2022. وبحسب منظمة “كفى”، بدأت وتيرة العنف ضدّ النساء تشهد ارتفاعاً مؤخراً وصل إلى حدّ قتل ثلاث نساء في أسبوع واحد، كما نشرت المنظمة (كفى) جدولاً مقسّماً وفق المناطق بالحالات الطارئة لـ15 سيدة تعرّضن للعنف ولجأن إليها من تاريخ 23 آب إلى 25 آب 2022، ولم يُتّخذ بحقّ كلّ من هذه الحالات أي إجراء قانوني بسبب اعتكاف القضاة.

فيما تشير أرقام القوى الأمن الداخلي إلى أنّها تلقّت 568 شكوى عنف أسري منذ بداية هذا العام 2022 ولغاية تموز 2022، مقارنة بـ 830 شكوى في الفترة نفسها من العام 2021. 

غنوة علاوي: أنا لست على ما يرام

“أنا هنا لأروي قصّتي، ولكنّني لست على ما يرام”. بهذه الجملة عبّرت السيدة غنوة علاوي، البالغة من العمر 41 عاماً والحائزة على شهادة ماجستير، عن رحلة زواجها التي أنهكتها حتى انتهى بها الأمر بعيدة عن أطفالها الثلاث، وتخضع للعلاج النفسي بعد 4 محاولات انتحار. “لقد تزوجت من عيّاش طراق الذي يعمل ضمن وحدة القوى السياّرة في قوى الأمن الداخلي منذ 12 عاماً، وتعرّضت للتعنيف على أشكاله منذ بداية زواجنا، من تعنيف نفسيّ وجسديّ، وبدأت المشاكل تزداد بشكل تصاعديّ”، تقول غنوة في اتصال مع “المفكرة”، مؤكدة أنّها لطالما رغبت في الهرب من وحشية زوجها، ولكنّ تهديده لها كان الرادع الأساسي لامتناعها عن ذلك، وتقول “لطالما هدّدني بحرماني من أطفالي إذا قرّرت ترك المنزل، وكنتُ إن فكّرت بأن أخطوَ خطوة واحدة خارج المنزل، أعود أدراجي على الفور”، موضحة أنّها لم تلجأ للقانون لضعف إيمانها بإمكانية تحقيق العدالة في قضيّتها، وتضيف “لقد تابعت قصص نساء أخريات وصلوا إلى حائط مسدود في قضاياهنّ أمام القضاء، وأخريات يهدَّدن بالقتل إذا طلبن الطلاق، ومنهنّ من يُقتلن. تخوّفي من أن تسلك قصّتي المسار نفسه جعلني أتردّد عن طلب الحماية من القانون، فأنا أريد حلاً جذرياً وفعالاً لمشكلتي”.

العيش تحت نير الظلم لسنوات وإحساسها بانعدام فرص النجاة، دفع غنوة في نهاية الأمر إلى محاولة الانتحار في العاشر من آب الماضي، فتناولت كمية كبيرة من الأدوية وحاولت قطع شرايينها، ظناً منها بأنّ إنهاء حياتها سيكون بمثابة عقاب لزوجها وراحة لها. محاولة الانتحار باءت بالفشل، ولكنها نجحت في أن تكون الشرارة التي أعلنت انتفاضة عائلتها على الواقع المرير الذي تعيشه ابنتهم. حيث تمكّنت العائلة من العثور على فيديو قديم كان قد وثّق فيه الزوج اعتداءه على غنوة بالضّرب وإذلالها وهي جاثية على ركبتيها، وما كان منهم إلّا أن نشروا المقطع المصوّر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مطالبين بإنقاذ ابنتهم، لتتحوّل القضية بعدها إلى قضية رأي عام. وعقب ذلك، تحرّكت الجهات المعنية وأوقفت الزوج، في حين تكفّلت منظمة “كفى” بمتابعة ملفّ غنوة.

ما كانت تتخوّف منه غنوة قد حصل فعلاً، فهي اليوم بعيدة عن أطفالها الموجودين لدى عائلة زوجها، في حين استقرّت هي في منزل أهلها بعدما خرجت من المستشفى، وهي تخضع للعلاج والمتابعة الطبية بسبب الآثار النفسية التي أرخت بثقلها عليها جرّاء ما مرّت به في تجربتها الزوجية، ولا زال الخطر يحدق بها. وفي هذا السياق، توضح “ما عدتُ أذكر الكثير من التفاصيل التي عشتها مع زوجي. بتُّ أعاني من مشاكل في الذاكرة في ما يتعلّق بكلّ ما عشته معه. أشعر بالضّياع”. جلّ ما تريده غنوة اليوم أن ينصفها القانون التي لجأت إليه أخيراً بإصرار من أهلها، وأن تحصل على طلب حماية وعلى الطلاق وحضانة أطفالها كي تضمّهم إلى صدرها، مؤكدة على ضرورة وضع حدّ للتعنيف الذي تتعرّض له النساء يومياً بشكل علني أو خلف جدران البيوت. ولا تنفي علاوي التي كُتبت لها الحياة من جديد، وجود تدخلات سياسية للحؤول دون معاقبة الزوج، مشيرة إلى أنّ “اعتكاف القضاة جاء لمصلحتها في هذه النقطة، حيث لم يتمكّن زوجها من الحصول على قرار إخلاء سبيل أو حكم بعقوبة مخفّفة نظراً إلى أنّه لم يرتكب جناية بحسب القانون”.

هناء خضر… رحلت وأخذت معها قصّتها

رحلت هناء خضر وأخذت معها قصّتها. فارقت ابنة الواحد والعشرين حياةً لم تنصفها، بعد مضيّ 11 يوماً على وجودها في مستشفى السلام في طرابلس، بعدما أضرم زوجها عثمان عكّاري النيران بها. عنّفها، ضربها، وأبى إلّا أن يحرقها حيّة وهي حامل في الشهر الخامس بطفلها الثالث. وقعُ رحيل هناء التي تزوّجت وهي قاصر في الـ 14 من عمرها، أيقظ جروح النساء اللّواتي أصبحت حيواتهنّ في مهبّ الريح وسط كثرة الأزمات، ووضعنا أمام ثلاثة جرائم: زواج قاصر وقتل جنين في بطن أمّه، وقتل والدته.

“في اللحظات الأخيرة التي سبقت وفاتها، لمحتُ وجهها وقد خُطف لونه. بدأ يميل إلى الاسوداد. علمتُ أنّها تلفظُ أنفاسها الأخيرة”. هذا آخر ما حُفر في ذاكرة والد هناء، محمد خضر، قبل أن تغمض ابنته عينيها إلى الأبد. “هناء هي ابنتي البكر، والجرح كبير، لكنّني قد سلّمت الأمر إلى القضاء بانتظار محاسبة زوجها”، يقول والد هناء في حديث مع “المفكرة”. وفي حين تمنّعه عن ذكر أيّ تفاصيل، روى عمّ الضحية تفاصيل الجريمة في اتصال مع “المفكرة” قائلاً “كان قد وقع خلاف في وقت سابق بين الزوج (عثمان عكّاري) ووالدته وشقيقه وقاموا بطرده من المنزل، عندها أرسل الزوج هناء إلى منزل والدها مع طفليها، وبعدما تصالح مع عائلته قرّر أن يعيد هناء إلى المنزل، وعندها بدأت حدّة الخلافات بالتصاعد بينهما”، وتابع “في لحظة وقوع الجريمة، كانت هناء متواجدة في منزل والدة زوجها الذي يقع مقابل منزلها الزوجي، وكانت الخلافات بينهما في أوجها بخاصّة وأنّه قد طلب منها إجهاض طفلهما بحجّة الضائقة المالية. أتى زوجها وطلب منها أن تعود معه إلى المنزل فرفضت طلبه، فقام بضربها على بطنها وتعنيفها على مرأى من أعين والدته وطفليهما، وتجنّباً لتفاقم المشكلة عادت هناء إلى منزلهما عملاً بنصيحة حماتها، وهناك استفرد بها. ضربها بشدّة على بطنها محاولاً إرغامها على إجهاض طفلهما وهي حامل في الشهر الخامس، ووصل به الإجرام إلى حدّ إشعال قارورة الغاز متعمداً إحراقها”. 

وكيل الضحية، المحامي عامر ياسر الخجا، أوضح لـ “المفكرة” أنّ هناء كانت قد حاولت أن تهرب من النيران مرات عدّة لكي تنقذ نفسها “في المرة الأولى حاولت الهرب باتّجاه المطبخ لكنّه لحق بها وأضرم بها النيران مجدّداً، وعندما حاولت الهرب لإطفاء نفسها في المرة الثانية، عاود ضربها من جديد وركلها بقدميه، وداس على صدرها، مصرّاً على ضربها وحرقها وتعنيفها بأبشع الطّرق”. ولفت المحامي إلى أنّه “على ما يبدو أنّ هناك خلافات سابقة بين الزوجين”، الأمر الذي أكّدته والدة الضحية في حديث مع منظمة “كفى” في إشارة إلى أنّ زوج هناء كان يعنّفها منذ بداية زواجهما وقد هدّدها بالقتل مرات عدّة. وروت أنّ والد هناء زوّجها إلى عثمان وهي في الـ14 من عمرها، بعد انفصال والدَيها. وجاء في رواية الوالدة “قبل وقوع الجريمة، تعرّضت هناء لضرب مبرح من زوجها، فلجأت إلى منزل والدها للاحتماء به، فلحق بها زوجها وحماتها، وقد أُرغمت على العودة إلى منزلها رغم الخوف الكبير الذي كان يعتريها. وعقب ذلك، ترك الزوج طفليهما في منزل والدته، ودخل مع هناء إلى منزلهما الخاص حيث كان قد خطّط لجريمته بشكل مسبق”.

الخجا أشار إلى أنّ العائلة الآن بانتظار ما سيتوصّل إليه التحقيق، مضيفاً “نريد التأكد مما إذا كان هناك محرّض على الجريمة أم لا، لا سيّما أنّه قد تمّ تشجيع هناء على الدخول إلى منزلها باعتبار أنّ زوجها لن يتسبّب لها بأيّ مكروه”، ولفت إلى أنّه قد تمّ إجراء التحقيق الأوّلي مع الزوج ولكن لم يتم استجوابه من قبل قاضي التحقيق حتى تاريخ نشر هذا المقال، بسبب إضراب القضاة، وهو لا زال موقوفاً في نظارة قصر العدل في طرابلس. وقال المحامي إنه سيطلب من القضاء “إنزال أشدّ عقوبة بحقّه خاصة بوجود جريمتين، قتل جنين وقتل زوجته”.

هناء خضر

المحامية فاطمة الحاج من منظمة “كفى”، أبدت استغرابها من “تفنّن الزوج في أساليب القتل”، مؤكدة أنّ قضية هناء خضر هي قضية رأي عام، والقانون واضح في هذا الخصوص، حيث قالت “نحن أمام جريمة قتل قصدي مع التنديد بالضحية والتعذيب، ونطالب بالعقوبة المشددة، وعدم إطلاق سراح الزوج، ومحاكمته بشكل سريع أمام محكمة الجنايات من دون أي تباطؤ، ليكون هذا الحكم بمثابة رادع للحدّ من جرائم العنف، خاصة مع وجود نساء هم بمثابة ضحايا مستقبليات”، محذرة من التباطؤ في إصدار الحكم كما حصل في قضية رولا يعقوب حيث صدر  الحكم عن محكمة التمييز في بيروت بعد مرور 9 سنوات الذي خلص إلى إدانة زوج رولا، كرم البازي، بتهمة القتل عن غير قصد سنداً للمادة 550 من قانون العقوبات وسجنه لمدّة خمس سنوات والتعويض لوالدة رولا بمبلغ مالي وقدره 300 مليون ليرة لبنانية، وتجريده من حقوقه المدنيّة، ما اعتبرته منظمة “كفى” بمثابة “عدالة متأخرة، ولكنها أفضل من اللاعدالة”.

تراجع في تطبيق قانون العنف الأسري والحماية الاقتصادية غائبة

أوضحت المحامية فاطمة الحاج أنّ الجمعيات تستعدّ عادة لازدياد وتيرة العنف الأسري في شهرَي أيلول وتشرين الأول، أي مع اقتراب موسم العودة إلى المدارس بسبب الضغوطات المالية التي فرضتها الأزمة الاقتصادية، ولكنّ جرائم العنف التي تحصل بشكل كبير اليوم تنذر بالأسوأ، على حدّ قولها. فالأزمات الاقتصادية تعدّ بيئة خصبة لازدياد جرائم العنف بحقّ النساء والأطفال، ويضاف إلى ذلك غياب الأمن الاجتماعي من خلال تقاعس الهيئات القضائية وغيرها من الجهات عن القيام بدورها، وبالتالي لا تؤخذ جرائم العنف ضدّ النساء على محمل الجدّ في ظلّ ما نمرّ به من أزمات، وهذا بالتأكيد ليس مبرراً لاستمرار هذه الممارسات. 

“نحن في مجتمع عنيف وذكوري، وقد ساهمت أزمة كورونا بازدياد وتيرة العنف، ويضاف إلى ذلك الانهيار الاقتصادي الذي لحق بلبنان ما أدّى إلى تفاقم جرائم العنف، والقضايا التي نعلم عنها ليست سوى عيّنة صغيرة من حالات العنف ضدّ النساء الموجودة في المجتمع”، تقول المحامية الحاج، وتستطرد “إحدى السيدات تعرّضت للضرب العنيف من قبل زوجها وتمّ نقلها إلى المستشفى التي لم تستدعِ القوى الأمنية من أجل التحقيق بالقضية، لتعود من بعدها السيدة إلى منزلها غير الآمن”. وفي سياق الحديث عن حالة أخرى تقول “قصدتنا إحدى السيدات وقد هربت من منزلها مع أولادها بعدما تعرّض لها زوجها بالضرب مستخدماً السلاح، قمنا بتأمين مسكن آمن لها، ولا زلنا نطالب القوى الأمنية بإجراء محضر لمتابعة قضيّتها، ولكن لا استجابة”.

“لدينا القانون 293/2014 المتعلّق بحماية حقوق النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، والذي ينصّ على التشدد في التعاطي مع قضايا العنف، إلّا أننا نشهد اليوم تراجعاً كبيراً في تطبيقه، حيث أصبحت النساء في مهبّ الريح”، بحسب المحامية الحاج، وتربط هذا التراجع “بغياب الرقابة على عمل القضاة، وتجذّر الذهنية الذكورية لدى بعضهم، إضافة إلى حجج أخرى تؤول دون توقيفهم للمعنّفين، ومنها اكتظاظ السجون، وعدم توفّر مكان لاستقبالهم في النظارة، وانتشار فيروس كورونا، إضافة إلى وجود تعميم صادر عن مدّعي عام التمييز يدعو إلى الحدّ من التوقيفات”، وبالتالي فإنّ كل هذه الحجج التي يستند إليها بعض القضاة تجعل من النساء عرضة للضّرب والعنف وصولاً إلى حدّ القتل.

من جهة أخرى، نشرت منظمة “كفى” تقريراً حمل عنوان “اعتكاف القضاة يسدّ كلّ طرق الحماية القانونية للنساء”، وجاء في التقرير أنّ رفض قضاة دائرة التنفيذ تنفيذ أحكام بتسليم أطفال عن قضاة العجلة رغم أنّ صدور هذه الأحكام سابق للاعتكاف، كما وأحكام مشاهدة وحضانة ونفقة صادرة عن محاكم الأحوال الشخصية المختصة، جعل من هذه الأحكام حبراً على ورق مما أعطى المعنّف الأمان والثقة في التمادي بارتكابه العنف. وبحسب التقرير، فإنّ اعتكاف قضاة النيابة العامة وتوقّفهم عن توقيع وتحويل شكاوى العنف الأسري وامتناعهم عن تلقي الاتصالات من عناصر قوى الأمن لإصدار الإشارات بتلقّي الشكاوى والإخبارات، سيؤدّي حتماً إلى تفاقم العنف الأسري من خلال ارتفاع منسوب الخطر على النساء والأطفال وسيخلّف أضراراً جسيمة أسرية واجتماعية، وقد بدأنا نشهد مؤخراً ارتفاع وتيرة العنف ضدّ النساء وصل إلى حدّ قتل ثلاث نساء في أسبوع واحد.

وتشير المحامية في المفكرة القانونية، يمنى مخلوف، إلى أنّه “في حال لجوء السيدة إلى قانون العنف الأسري وحصولها على قرار حماية، فإنّها تجد نفسها أمام عوائق أخرى لعدم توفّر حماية اقتصادية، أبرزها أنّ هذا القانون يخلق صندوق تعويضات، إلّا أنّه غير مفعّل بسبب عدم وجود مرسوم لخلق هذا الصندوق، ثانياً ما زالت مراكز إيواء النساء المعنّفات غير منشأة من قبل الدولة اللبنانية، والمراكز الوحيدة الموجودة تُوفّرها الجمعيات التي لا تزال إمكانيات البعض منها محدودة”. إضافة إلى ذلك، تشير مخلوف إلى أنّه “وبحسب القانون، عندما يحدّد المرجع الروحي السلفة المالية الشهرية المتوجّب على الزوج دفعها لزوجته، يتمّ التوقف عن العمل بالسلفة المالية التي حدّدها القاضي المدني، وتكون الأخيرة عادة أكثر من تلك التي يحدّدها المرجع الروحي”. وقد تجاهل قانون تعديل قانون حماية النساء وأفراد الأسرة من العنف الأسري الذي أقرّه المجلس النيابي عام 2020، العديد من العوائق الواقعية أمام ضمان حماية النساء. وعليه، وفيما أخذ بعين الاعتبار العنف الاقتصادي (مثل حرمان النساء من النفقة أو التقييد على حقوقهن المالية)، فإنه في المقابل لم يعالج الإشكاليات المتأتّية عن التفاوت الاقتصادي بين الزوجين عند إقرار تدابير الحماية.

الثغرات الاجتماعية تهدّد أمن النساء

وتتعدّد العوامل الاجتماعية التي تغذّي نسب ازدياد جرائم العنف الأسري والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وبحسب المنسقة التقنية لإدارة الحالات في منظمة “أبعاد”، ليلى حمدان، نذكر منها “ثقافة التبرير الموجودة في المجتمع، والتي تساهم في التبرير للمعنّف ومسامحته بحسب المعايير الثقافية تحت حجّة “معليه إذا ضربك، مش لازم تضهري من البيت”، وغيرها من التبريرات المجتمعية خوفاً من أن تجلب المرأة العار لعائلتها”. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انتشار العنف وتفجير السلوك العنفي الموجود في الأصل لدى الفرد، ويُضاف إليها بحسب حمدان، انتشار الأعراف الاجتماعية غير المتكافئة، كأن يكون للرجل سلطة على المرأة من منطلق ممارسته لرجولته، والأحكام البطريركية السائدة، وتدنّي مستوى المعيشة والفقر، إضافة إلى غياب المعرفة القانونية لدى المرأة بحقوقها، وخاصّة بأحكام القانون 293″.

وبهدف تحقيق الأمن الاجتماعي للنساء لا بدّ في بداية الأمر من الاستماع إلى الناجية وتصديقها، تقول حمدان لـ “المفكرة” وتتابع “من الضروري تصديق الناجية عندما تلجأ إلى إحدى الجمعيات أو إلى أهلها، فهي قد قامت بالخطوة الأولى لكسر دائرة العنف العالقة فيها”. وتأتي في الخطوة الثانية ضرورة “العمل قانونياً على تطبيق القانون وتطويره وتفعيل إجراءاته”. وهنا تشير حمدان إلى أنّ “بعض المخافر لا تلتزم بالإجراءات، وتطلب من الناجية العودة إلى منزل زوجها، من هنا تأتي أهمية توعية الكادر الأمني والقضائي، والاجتماعي، والإنساني، بكافة أقسامه من أجل تأمين حماية النساء قانونياً على مستوى لبنان”.  

وتشرح حمدان “بعض النساء يتراجعن عن طلب الحماية لغياب الدعم الاقتصادي الذي من شأنه أن يعطيهنّ الشعور بالأمان تجاه أنفسهنّ وتجاه أولادهنّ، كما أنّ سيدات كثيرات يواجهن صعوبة في الحصول على الطلاق والحضانة والنفقة بسبب أحكام المحاكم الدينية التي يتبعن لها”. والزوجة تتراجع عن القيام بهذه الخطوة قانونياً بسبب “التهديد الذي تتعرّض له والذي في أغلب الأحيان يرتكز على تهديد الزوج لها بحرمانها من أطفالها، فالرجل يستمدّ القوة من القوانين الدينية والقوانين المدنية الموجودة في لبنان التي تجبر السيدة على السكوت والعضّ على جرحها، مقابل أن تعيش مع أطفالها، الذين يتأثرون سلباً بعلاقة والديهما غير المستقرة “من توتر وغضب شديد، ولم الطفل لنفسه”.

وتشير إلى أنه يعتبر كل من العنف النفسي، والجسدي، والجنسي، من أنماط العنف الأسري الأكثر شيوعاً، وعادة يستخدم المعتدي العنف كوسيلة للسيطرة على المرأة ويتمادى بفعلته في ظلّ غياب المحاسبة، بحسب حمدان، التي تشير إلى أنواع أخرى من العنف، ومنها “أن يمنع الزوج زوجته من الحصول على علاج طبي، أو إجبارها على تعاطي المخدرات والكحول في بعض الحالات، إضافة إلى ممارسة العنف الجنسي وإجبار المرأة على ممارسة الجنس، ولا ننسى العنف الاقتصادي الذي يمارسه الزوج على زوجته ومنعها من العمل، أو العكس، حيث يجبرها على العمل ويعتمد عليها مادياً، يضاف إلى ذلك مطاردة الزوج لطليقته أو لزوجته في حال لجأت إلى منزل عائلتها أو أحد مراكز الحماية، وغالباً ما يتعمّد مصالحتها وتقديم الوعود الفارغة ليعاود تعنيفها من جديد بعد عودتها إلى المنزل، وبالتالي تستمرّ دائرة التعنيف من دون توقّف”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، أجهزة أمنية ، تشريعات وقوانين ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني