شورى الدولة يُبطل آلية تحويل إيرادات الخلوي: تعديل المادة 36 لا يلغي المخالفة


2022-02-10    |   

شورى الدولة يُبطل آلية تحويل إيرادات الخلوي: تعديل المادة 36 لا يلغي المخالفة
مصدر | من صفحة مجلس شورى الدولة فيسبوك

كل الحجج التي كانت تُردّد في وزارة الاتصالات وفي شركتي الخلوي عن استحالة تطبيق المادة 36 من قانون موازنة 2020 لا قيمة قانونية لها، بشهادة مجلس شورى الدولة. صحيح أن هذه المادة عُدّلت بقانون مؤخراً، إلا أن ذلك لا يعفي المسؤولين من المخالفة، وبالتالي التسبّب بهدر المال العام بما لذلك من تبعات قانونية. ففي القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة في 20 كانون الثاني 2022، تمّ دحض كل الحجج التي سيقت لتبرير عدم تطبيق القانون. 

ومن المهم أن المجلس أكّد على صفة صاحب السّهم الواحد وسيم منصور ومصلحته في تقديم هذه الدعوى بخلاف ما طلبته الدولة. وهذا الأمر مهم لأنه يؤكد أحقية منصور في الاستمرار في دعاوى أخرى قدمها بالتعاون مع المفكرة القانونية للدفاع عن مصالح الشركة المملوكة من الدولة وعن حقوق الخزينة العامة في العائدات المحققة منها، ومن أهمها الدعوى الجزائية المقدمة ضد الوزيرين جمال الجراح ومحمد شقير وآخرين على خلفية صفقة إيجار مبنى تاتش ومن ثم شرائه والتي كلّفت الدولة 100 مليون دولار، فضلاً عن طلب أمام القضاء المستعجل للحؤول دون إبراء ذمة الشركة المستثمرة إلى حين انتهاء الدعوى الجزائية. ويذكر أن بنك عودة (الذي يدير أسهم الدولة في شركة “ميك 2” المعروفة بشركة تاتش) كان وجّه بعد تقدّم منصور بهذه الدعاوى إنذارا لمنصور بوجوب تسليم سهمه، وهو الأمر الذي اعتبره منصور بمثابة انتقام من كاشف الفساد وتوجّه إلى النيابة العامة المالية بطلب ضمان حمايته على أساس قانون كاشفي الفساد.   

للتذكير، نصّت المادة 36، كما وردت في قانون موازنة 2000، على “إلزام الشركات المشغّلة لقطاع الخلوي تحويل الإيرادات الناتجة عن خدمات الاتّصالات الخلوية المحصّلة، باستثناء الرواتب، إلى حساب الخزينة يوميْ الإثنين والخميس من كل أسبوع، على أن تحدد آلية دفع المبالغ التي تتوجّب على الخزينة لصالح الشركات من بدل إدارة ونفقات وأعباء ومشتريات وخلافه بموجب قرار يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري الاتصالات”. وقد أتت هذه المادة من ضمن إصلاحات عدة للتخفيف لضبط هدر المال العام في النفقات التشغيلية والاستثمارية، وبخاصة بعدما ثبت تراجع كبير لقيمة الإيرادات المحولة من شركتي الخليوي إلى الخزينة العامة رغم تزايد مداخيلها. ويذكر أن هذه الموازنة وضعت كمبادرة من السلطة العامة لاستيعاب الغضب العام الذي تمثل في انتفاضة 17 تشرين.  

لكن بدلاً من تنفيذ هذا النص، وضع وزيرا الاتصالات طلال حواط والمالية غازي وزنة بموافقة مجلس الوزراء، آلية دفع مخالفة لها وذلك في 7 تموز 2020. وعليه، وفق هذه الآلية، تم تمكين الشركات من تحويل الإيرادات شهريا وليس مرتين في الأسبوع، كما مكّنها ليس فقط من حسم كلفة الرواتب بل أيضا “كافة المصاريف التشغيلية”. وبذلك، يكون هذا القرار الصادر عن هذين الوزيرين بموافقة مجلس الوزراء قد جرّد المادة 36 من بعدها الإصلاحي ليفتح مجددا مجالا واسعا للهدر. وهذا ما حدا بالمساهم منصور إلى الطعن فيه. 

الدولة تدافع عن “المخالفة” في المحكمة و… البرلمان

في حين قدّمت هذه الدعوى بهدف الدفاع عن شركة مملوكة بأكثر من 99% منها من الدولة وتاليا عن حقوق الخزينة العامّة، فإن الدولة تسلحت بكل ما لديها من وسائل لردها أو إجهاض مفعولها. وبدل أن تلاقي إيجابا مبادرة مساهم للدفاع عنها، طلبت ردّ الدعوى بحجة أن هذا المساهم لم يعد مساهما طالما أن السّهم المُعطى له ارتبط فقط بعضويته في مجلس إدارة الشركة ويفترض أن يكون فقده تبعا لإنهاء عضويته تلك. 

وإذ رأت هيئة القضايا (وهي التي تمثّل الدولة أمام المحاكم) تبريرا لمخالفة القرار المطعون فيه أن تطبيق المادة 36 متعذر طالما أن من شأنه أن يؤخر تسديد النفقات التشغيلية والرأسمالية وأن يؤثر تاليا على خدمات الاتصالات، قدم 4 نواب (هم تباعا حسين الحاج حسن ونقولا صحناوي وعماد واكيم وأنور جمعة) من الكتل النيابية الوازنة اقتراحا بتعديل المادة 36، وهو اقتراح عاد مجلس الوزراء ووافق عليه وفق ما جاء في دفاع هيئة القضايا. وعليه، وبدل أنْ تنشط السلطات العامة لضمان موافقة مقرّراته مع النصّ القانونيّ، عملت على العكس من ذلك تماما على تعديل القانون ليصبح متوافقا مع ما يرغب به من طريقة دفع. وهذا ما أثارته هيئة القضايا ضمن حججها الدفاعية طالبة رد الدعوى على أساس أن مجلس الوزراء وافق على مشروع قانون يرمي إلى تعديل المادة 36 من القانون بما يتلاءم مع الصيغة النهائية لدفتر الشروط وعقد الإدارة الجديد. 

كما تجدر الإشارة إلى أن مفوضة الحكومة لدى مجلس شورى الدولة فريال دلول ذهبت في الاتجاه نفسه، أي في اتجاه المطالبة برد الدعوى على اعتبار أن القرار المطعون فيه لا يمس بوضعه القانوني حتى لو كان مساهما في الشركة. 

وفي النتيجة، استكمل المجلس النيابي إنهاء مفاعيل تلك المادة، وأقر مشروع القانون المذكور في جلسته التشريعية المنعقدة في 7 كانون الأول 2021. وقد صدر القانون فعليا بتاريخ 15/1/2022.

الشورى يبطل آلية الدفع مثبتاً الهدر الحاصل بفعلها

في قراره الصادر في 20 كانون الثاني 2022، ردّ “الشورى” كل الحجج التي قدّمتها الدولة على أساس الأمور الآتية:

  • إن قرار مجلس الوزراء يخالف “صراحة نص المادة 36 من قانون الموازنة ليس لناحية مجال تطبيقه فحسب، بل أيضاً لناحية الآلية المقرّرة في متنه، متجاوزاً الإطار العام الذي حدّده القانون لناحية تواريخ إحالة الإيرادات والمبالغ المحسومة منها”. كما أوضح أنه “عند صراحة النص التشريعي لا يعود للإدارة الحق في التوسّع في تفسيره بطريقة تشوّه فيها مضمونه، كما لا يعود لها تعديل أحكام نص تشريعي بموجب قرار إداري أياً كانت الحجّة أو المبرر لذلك تحت طائلة إبطال القرار المطعون فيه لمخالفته أحكام البند الثالث من المادة 108 من نظام مجلس شورى الدولة”.
  • لا يُردّ على ذلك بأن هذه المادة بصيغتها الحالية غير قابلة للتطبيق، لا سيّما أن الجهة المستدعى بوجهها لم تُحدّد أوجه الاستحالة والرابط بين تطبيقها والأضرار البليغة التي قد تلحق بخدمات الخلوي من جرّائها، خاصة أن انتقال إدارة شركتي زين وأوراسكوم إلى الدولة نفسها من خلال وزارة الاتصالات من شأنه اختصار المعاملات والتعجيل بها لا جعلها غير قابلة للتطبيق. فإذا كانت هذه الآلية، في الأصل، قابلة للتطبيق دون أي تأخير يذكر عندما كان القطاع يدار من قبل الشركات الخاصة، فإنه من باب أولى أن يكون تطبيقها ممكناً باختصار وسلاسة أكثر وبتعقيدات أقل بعد أن انتقلت إدارة القطاع إلى الوزارة نفسها. 
  • أن صدور القانون رقم 9، تاريخ 15\1\2022، الذي عدّل المادة 36 من قانون موازنة 2020 موضوع المراجعة الراهنة، لا يلغي إمكانية النظر في قانونية القرار. فالنص التشريعي لم يعطِ نفسه مفعولاً رجعياً، وبالتالي لا يمكن الحديث عن تصديق تشريعي ضمني للقرار المطعون به، مع العلم أنه خارج إطار التصديق التشريعي يبقى أن صحة العمل الإداري وشرعيته تُقدّر بتاريخ صدوره.

وفي مسألة صفة ومصلحة المستدعي، كان لافتاً اعتبار “الشورى” أن ملكية وسيم منصور لسهم في الشركة ثابتة في الشركة وأن هذه الملكية “تجعله في موقع مشروع للمدافعة عن مصالحه للطعن في القرارات التي تضرّ بمصالحه الشخصية المتمثلة بتحديد الطرق والآلية المثلى لإدارة الشركة بالشكل الذي يراه متوافقا مع أحكام القانون والتحقّق من حسن إدارة الأموال الموضوعة تحت تصرّفها والتصرف بالمبالغ المحصّلة من جراء عملها بالطرق المشروعة لأنّ أي مخالفة قانونية قد ترتكب ستنعكس نتائجها السلبية المادية والمعنوية عليه وعلى الأرباح التي يتوخاها من مساهمته في الشركة”. فضلا عن ذلك، وتأكيدا على قبول صفة منصور في تقديم الدعوى، عاد مجلس شورى الدولة ليذكر “أن القاضي الإداري يبدي تساهلا ملحوظا في نطاق الإبطال لجهة تقدير المصلحة رغبة منه في الوصول إلى إبطال قرار يكون مغايرا للقانون لأجل الحفاظ على مبدأ الشرعية وصيانة المصلحة العامة..”. 

وعليه، قرّرت الغرفة التي يرأسها القاضي فادي الياس، ويشارك في عضويتها القاضيان لمى أزرافيل (وهي المستشارة المقررة في هذه الدعوى) وكارل عيراني، إبطال القرار المطعون فيه.

هل يتحرك الديوان؟

باختصار، يؤكّد القرار الصادر عن شورى الدولة أن عدم الالتزام بالقانون ليس مجرد خطأ أو مخالفة إدارية عابرة، بل هي مخالفة تؤدّي إلى هدر المال العامّ. علماً أن وقف هذا الهدر كان الهدف الأساس من إقرار المادة. وبغض النظر عن صدور تعديل لها، فإن ذلك لا يلغي حصول المخالفة، ما يطرح السؤال عن دور ديوان المحاسبة في التحقيق فيها وبنتائجها. 

لقراءة القرار الصادر عن شورى الدولة

انشر المقال



متوفر من خلال:

محاكم إدارية ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة ، تقاضي استراتيجي



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني