منذ أوائل الشهر الحالي، دعا مجلس إدارة شركة ميك 2 بناء على طلب الدولة (صاحبة إحدى شبكتي الخليوي المملوكتين من الدولة) المساهمين فيها إلى جمعية عمومية لاتخاذ عدد من القرارات أبرزها المصادقات على الحسابات المالية للشركة منذ 2017 حتى أيلول 2020 وإبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة فضلا عن إبراء ذمة الشركة المشغلة شركة تاتش، وصولا إلى انتخاب مجلس إدارة جديد. ويذكر أنّ الدولة تملك أكثر من 99% من أسهم هذه الشركة وأنها أبرمت عقد لتشغيلها مع شركة تاتش (أو زين) في 2012, وقد جدد هذا العقد تلقائيا حتى آخر 2019. ورغم أن الحكومة المستقيلة أخذت قرارا باسترداد إدارة الشركة في 5 أيار 2020، فإنها لم تتخذ الاجراءات العملية لهذه الغاية، وهو أمر كان يفترض أن يحصل منذ أول سنة 2020. وعليه، شكلت الجمعية العمومية مناسبة لتنفيذ هذا الاسترداد من خلال تغيير أعضاء مجلس الإدارة، وإن تضمنت في جدول أعمالها تنازلا خطيرا عن حقوق الدولة، قوامه الحصول على براءات الذمة لأعمال شركة تاتش والمدراء المعينين منها، وذلك على الرغم ومن جود دعوى جزائية بما يتصل بصفقات تأجير مبنى تاتش وشرائه، وهي دعوى قدمت على خلفية شبهة بهدر عشرات ملايين الدولارات الأميركية من أموال الشركة التي هي بالحقيقة أموال عامة.
ردا على هذه الدعوى، تقدّم المساهم وسيم منصور بطلب أمر على عريضة أمام قاضية الأمور المستعجلة في بيروت كارلا شوّاح. وفيما أيّد منصور في طلبه انتخاب أعضاء جدد لمجلس الإدارة، فإنه طلب شطب بند إبراء ذمة أعضاء مجلس إدارة الشركة والشركة المشغلة من جدول أعمال الشركة على خلفية وجود الدعوى الجزائية. وقد عزز الطلب بلائحة صدرت عن هيئة القضايا تطالب القضاء المستعجل بالشيء نفسه أي بشطب بند منح براءة ذمة، على اعتبار أنها تخفي مصالحة لا يمكن حصولها من دون موافقة هيئة القضايا سندا للمادة 20 من قانون تنظيم وزارة العدل. ومن البين أن كلا الفريقين (وسيم منصور كما الدولة) أصرّا على وجوب إتمام عملية التسليم والاستلام عن طريق انتخاب أعضاء مجلس إدارة جدد من دون منح براءات ذمة لأعضاء مجلس الإدارة الحالي.
تبعا لتقديم طلب الأمر على العريضة، أصدرت القاضية شواح بتاريخ 28 تشرين الأول 2020 قرارا بإبلاغ شركة ميك 2 الطلب مع إعطائها ثلاث ساعات للجواب. وبتاريخ هذا الصباح، اتخذت القاضية قرارا بإلزام الشركة بسحب البند المتعلق بإبراء ذمة رئيس مجلس الإدارة وأعضاء المجلس والشركة المشغلة من جدول أعمال الجمعية وعدم إدراج مثل هذا البند في أي جدول أعمال لاحق قبل البت بالشكوى الجزائية المقدمة من المستدعي السيد وسيم منصور …. بقرار نافذ تحت طائلة غرامة إكراهية قدرها خمسين مليون ل.ل عن كل مخالفة لهذا القرار. وكان مجلس إدارة الشركة أبلغ تحسبا لهذا القرار المساهمين قبل ساعة من صدور القرار قراره بإرجاء انعقاد الجمعية العمومية، معللا ذلك بعدم جواز حصول التسليم من دون المصادقة على الحسابات ومنح براءات الذمة على اعتبار أن المصادقة وبراءات الذمة “هي محل اعتبار أـساسي وحق قانوني مشروع”. وبذلك، بدا مجلس الإدارة وكأنه ينسف انعقاد الجمعية العمومية (وهو أمر تم بناء على طلب الدولة) ومعها تسليم إدارة الشركة، مشترطا حصول ذلك بضمان حصوله على براءات ذمة. كما برّر مجلس إدارة ميك 2 إرجاء الجمعية العمومية بمسألة ثانية وهي عدم موافقة وزارة الاتصالات على أن تأخذ شركة ميك 2 على عاتقها بوالص التأمين الاستشفائي للأجراء وبوالص التأمين لطوارئ العمل وعقد العمل الجماعي.
تعليقا على ذلك، يجدر تبيان الملاحظات الآتية:
أولا، أن هيئة القضايا أبدت من خلال رفض إبراء الذمة في ظل وجود الشكوى الجزائية حرصا على مصالح الدولة، وبدت وكأنها تحمي مصالح الدولة وليس مصالح وزير معين. وهذا تطور هام يُرجى أن يتحول إلى نهج في عملها بما يمهد لحيادية إدارات الدولة حيال السلطة السياسية الحاكمة وهو تطور أكد عليه قرار قاضية الأمور المستعجلة الذي تضمن بالحرف: “أن هيئة القضايا هي من يمثل الصالح العام وتقوم بجميع الأعمال التي يتطلبها الدفاع عنه وليس وزير الاتصالات”. ويلحظ أن هيئة القضايا وصلت في هذا المضمار حدّ المطالبة بالقيام تدقيق جنائي على حسابات الشركة.
ثانيا، أن قاضية الأمور المستعجلة في بيروت كارلا شواح عبّرت مرة أخرى عن تصورها لدور القضاء المستعجل في حماية الحقوق والحريات والصالح العام. وقد تمثل ذلك في تعليلها بأن قضية إبراء ذمة الشركة المشغلة باتت قضية رأي عام وتتعلق بالصالح العام طالما من شأن هذا الإبراء أن يلحق ضررا محدقا بهذا الصالح، وبخاصة في حال ثبوت الدعوى الجزائية وتاليا الهدر الحاصل في القطاع الخليوي وفي أموال الشركة التي هي أموال عامة بالنتيجة وبمبالغ طائلة. كما تمثل في فحوى القرار النهائي كما سبق بيانه.
ثالثا، أن شركة تاتش بدت وكأنها أقوى من الدولة، بحيث اتخذت بقرار منفرد مخالف لطلب هذه الأخيرة (وهي المالكة الفعلية للشركة) قرارا بإرجاء عقد الجمعية العمومية خوفا من إرغامها على تسليم الإدارة من دون إعطائها براءات ذمة. وقد بدت من هذا المنظار وكأنها تبتز الدولة وتضعها أمام خيار: إما استلام إدارة الشركة ومنح براءة ذمة غير مشروطة وإما تبقى هي مهيمنة على إدارة الشركة رغم انتهاء عقد التشغيل الموقع معها منذ آخر 2019. وأبرز ما يعبر عن هذا الموقف هو ادعاؤها غير الصحيح بأن المصادقة وبرتاءة الذمة هي محل اعتبار أساسي وحق قانوني مشروع، وكأنها توحي بذلك أن لها حق مكتسب في هذا الخصوص،
رابعا، ماذا بعد؟
انطلاقا من ذلك، تبقى أجهزة الدولة مدعوة لتطبيق الاسترداد الفوري تبعا لانتهاء العقد منعا لهذا الإبتزاز (وقد سرت أنباء عن قرب حصول ذلك). أما في حال تقاعس هذه الأجهزة عن القيام بذلك، فإن المخرج الوحيد من المأزق يتم من خلال تعيين حارس قضائي من قبل القضاء المستعجل، بما يشكل خطوة إضافية لتكريس دوره في حماية الصالح العام. وهو حارس يحلّ محلّ الإدارة الحالية المنتهية صلاحيتها أصلا وينجز انتقال الإدارة للدولة مع تحديد شروط وأصول منح براءة الذمة كل ذلك تحت إشراف القضاء ورقابته. فبهذه الخطوة المنتظرة، نضمن في حال تقاعس الدولة عودة الإدارة للدولة من دون الرضوخ لابتزاز شركة تاتش. يلحظ أن طلب تعيين حارس قضائي قُدّم من المساهم منصور منذ آب 2020 وقد بات النظر فيه أمرا ملحا اليوم أكثر من أي يوم مضى.
بقي أخيرا الإشادة بالناشطين الذين تداعوا للإعتراض على إبراء ذمة الشركة، ضمانا لحقوق الدولة.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.