الانتقال الطاقي في تونس (2): القاطرة التي تجرّها أوروبا


2024-05-09    |   

الانتقال الطاقي في تونس (2): القاطرة التي تجرّها أوروبا

الحُضور الأوروبي الطاغي سواء في شكله الاستثماريّ المباشر (عقود الشركات الأجنبية) أو غير المباشر (وكالات التعاون الدولي التابعة لحكومات غربية) سيؤثّر بلا شكّ على توجّهات الدّولة التونسية في إدارة ملفّ الطاقات المتجددة. وكلّ اتفاقيات التعاون وعقود الاستثمار لن تؤدّ إلى نقل الخبرات والمعارف من الشمال إلى الجنوب، إلا بالقدر الكافي لتكوين عمّال وتقنيّين تونسيين (حتى إن كانوا مهندسين) يقومون بمهامّ محدّدة ومحدودة. ولا يكون خلاف ذلك إلا إذا نجحت الدولة -على افتراض أنها تسعى إلى ذلك- في فرض شراكة حقيقيّة تؤهّل التونسيّين بعد سنوات للتحكّم بشكل حقيقيّ في مسار استغلال الطاقات المتجدّدة. بغياب ذلك، سيكون الانتقال الطاقي في تونس عمليا تحت إشراف “الشركاء” الأوروبيين. وبدلا أن يكون خطوة في اتجاه إرساء السيادة الطاقية، فإنه سيُعيد إنتاج علاقات الهيمنة والتبعيّة المزمنة.   

الطاقات متجدّدة، وعلاقات الهيمنة كذلك  

في 16 أفريل 2024، أعلن كاتب الدولة المكلّف بالانتقال الطاقي، وائل شوشان، أن وزارة الطاقة تَعكف على إعداد مشروع “مجلة الطاقات المتجددة” بهدف تجميع وتنقيح النصوص القانونية المتعلقة بتصدير الكهرباء، وإنتاج الهيدروجين الأخضر ونقله وتصديره، فضلا عن إقرار حوافز جديدة للراغبين في الاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة. كما كشف عن سعي الوزارة لمراجعة نظام التراخيص للمشاريع الصغرى والمتوسطة التي تبيع كل إنتاجها من الكهرباء إلى “الستاغ” حصريا. وجاءت هذه التصريحات خلال ندوة “الطاقات المتجددة في تونس: الإطار التشريعي وآليات التمويل” التي نظّمَتها الغرفة التونسيّة الفرنسيّة للصناعة والتجارة. الكلام واضح والإطار أوضح: تصدير السّلع الطاقيّة إلى الخارج ستكون من أولويات “الانتقال الطاقي”. وهنا نجد تفسيرات أكثر منطقية للـ”كرم” الأوروبي في دعم مشاريع الطاقات المتجددة والبديلة في تونس. يُراد لتونس أن تكون أحد أهمّ الجسور الطاقيّة ما بين جنوب المتوسط وشماله. ما زلنا لم نخرج من معادلة الأنشطة الاستخراجية في الجنوب ومُراكمة الفوائد والأرباح في الشمال، والأطراف في خدمة المركز.   

في الواقع، لم تُولد فكرة ربط القارتين، الإفريقية والأوروبية، بجسور طاقية في السنوات الأخيرة، فهي تتخمر في أذهان الأوروبيين -حكومات وقطاع خاص- منذ مطلع الألفية الثالثة وحتى قبل ذلك (انطلق الربط الكهربائي بين المملكتين المغربية والإسبانية منذ 1997). في 2003، أطلق “نادي روما” بالشراكة مع “منظمة هامبورغ لحماية المناخ” و”المركز الوطني لبحوث الطاقة في الأردن” مبادرة “التعاون عبر المتوسط من أجل الطاقة المتجددة” (Transmediterranean Renewable Energy Cooperation). الفكرة الأساسية للمبادرة تتلخّص في أن استغلال مساحة تقدّر بـ0،3 من إجمالي مساحة الصحراء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يُمكّن من إنتاج طاقة شمسيّة كفيلة بضمان الأمن المائي (تحلية المياه) والكهربائي للدول المنتجة وتوفير فائض كبير يتمّ تصديره إلى أوروبا. باختصار، يلعب الجنوب دور “الحزام الشمسي” (الثروة الخام) في حين تُوفّر أوروبا “الحزام التكنولوجي والمالي” (المعارف والخبرات والاستثمارات). من هذه المبادرة وُلدت في سنة 2009 “منظمة ديزيرتيك” Desertec Foundation، والتي ستمنح اسمها لـ”مبادرة ديزيرتيك الصناعية” كخطوة عملية لتجسيد الفكرة الأساسية، عبر بناء شبكات علاقات بين حكومات ومستثمرين وصناعيين وجامعيين على ضفتي المتوسط.  اصطدمتْ المبادرة بالواقع: فالكلفة التقديريّة للمشروع كانت عالية جدا، كما أن الجهات الحكومية الأوروبيّة قدّرت أن بإمكان أوروبا على المدى الطويل توفير 90% من احتياجاتها الطاقية بالتعويل على إمكانياتها الذاتية من الطاقات المتجددة والبديلة عموما. ومع انسحاب أحد أبرز أعضاء المبادرة -شركة سيمنز الألمانية Siemens -في 2012، تمّ صرف النظر عن الفكرة الأساسية وبدأ الترويج منذ سنة 2013 لفكرة تصدير الكهرباء المنتجة في شمال إفريقيا نحو دول إفريقيا جنوب الصحراء. لكن حتى هذه الاستراتيجية البديلة لم تلقَ قبولًا واسعًا وتعثّرت.

لَعبَتْ الجهات الألمانية -منظّمات وحكومات وشركات- الدور الأبرز في كل هذه المبادرات، وهذا ما يفسر ربّما قلق الفرنسيين في تلك الفترة، حيث قاموا بالإعلان عن مبادرة “ترانسغرين”  Transgreen في 2010 خلال اجتماع وزاري للدول الأعضاء في “الاتحاد من أجل المتوسط”. وتقوم فكرة المبادرة على تصدير الطاقة النظيفة من شمال أفريقيا إلى جنوب أوروبا عبر ربط تونس وليبيا بإيطاليا، والجزائر بإسبانيا وجزيرة سردينيا الإيطالية، ومصر باليونان، وتدعيم ربط المغرب بإسبانيا. ولم يكن مصير المبادرة الفرنسية أفضل من الألمانية.    

لم يتمّ التخلي تماما عن الرغبة الأوروبية في تحويل شمال أفريقيا إلى منجم طاقات متجددة تَغرِف منه “الزبدة وأرباح الزبدة”: طاقة نظيفة ورخيصة تصل إلى بيوت الأوروبيين، وعائدات الاستثمار في الإنتاج والتخزين والنقل. تَزايُد التوتّر مع العملاق الطاقيّ الروسي منذ “حرب القرم” في 2014 وصولا إلى الحرب المستعرّة في أوكرانيا منذ فيفري 2022 -مع ما يعنيه ذلك من تأثير على إمدادات الوقود الأحفوري- جعل أوروبا تسعى بقوة إلى المضي قدمًا في إنشاء الجسور الطاقيّة بين القارتين. توجد تونس، بحكم إمكانياتها الطاقيّة وكونها من أقرب النقاط إلى أوروبا، في قلب كل المبادرات قديمها وجديدها. والدليل على ذلك أنّ أغلب المشاريع الطاقية الضخمة المستقبلية في تونس تقوم في جوهرها على تصدير الطاقة “النظيفة” إلى أوروبا.   

“مشاريع عملاقة”، لكن من المستفيد الأكبر؟   

نستعرض فيما يأتي تفاصيل ثلاثة من أكبر المشاريع الطاقيّة المُعلنة في السنوات الأخيرة:  

  • مشروع “تونور” TuNur: في سنة 2012، احتفتْ دوائر اتّصال حكوميّة وعدّة وسائل إعلام تونسية بجلب استثمار أجنبي ضخم في مجال توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية المُركزة (الديناميكا الحرارية) إلى البلاد، قد يجعل منها من كبار المزوّدين الطاقيين في العالم. وتمّ تقديم أرقام حول حجم الاستثمار وطاقة الإنتاج ومعطيات حول مناطق الإنتاج وكيفية النقل: أكثر من 9 مليار أورو ستُنفق لإنشاء محطة شمسية في “رجيم معتوق” بالصحراء التونسية (ولاية قبلي) تمتدّ على حوالي 10000 هكتار، ثم يتمّ نقل الإنتاج المقدر نظريا بـ4500 ميغاواط سنويا عبر خطوط كهربائية برية وبحرية تربط تونس بإيطاليا ومالطا وفرنسا. وكَرَمًا من المستثمر سيتمّ تخصيص جزء من الإنتاج لتونس، فضلا عن آلاف مواطن الشغل التي سيخلقها المشروع.  وكأنها صفقة القرن. المشروع الذي يقوده المجمع البريطاني Nur Energy رفقة الشريك المالطي مجمع “زاميت” Zammit ومؤسسة “غلوري كلين اينرجي” الفرنسية-التونسية[1]، مازال بعد 12 سنة من الإعلان عنه حبرًا على ورق. ويبدو أن تقديرات المستثمرين لم تكن واقعية وأنهم لم يستطيعوا جمع التمويلات اللازمة، أو أنهم تعمّدوا منذ البداية التضخيم في الأرقام والمردودية حتى يتحصّلوا على دعم الأوروبيين وموافقة المسؤولين التونسيين. ما أنجزته “تونور” إلى حد الآن هو إنشاء محطة شمسية صغيرة في ولاية قابس بطاقة إنتاج لا تتعدى 10 ميغاواط سنويّا، وباستثمار لا يتجاوز 24 مليون دينار. وعلى الرغم من كل هذا، ما زال القائمون على المشروع يتحدّثون عن استثمارات ضخمة قادمة. ففي سنة 2022 مثلا، أعلن هؤلاء عن نيّتهم استثمار 1،5 مليار دولار لبناء محطة شمسيّة ضخمة في ولايتيْ قابس وقبلي بطاقة إنتاج سنوية تقدر بـ500 ميغاواط. ربما ظلّوا ينتظرون نضوج عوامل عدة، من بينها تنقيح الإطار التشريعي لإنتاج الطاقات المتجددة ونقلها وتصديرها وتطوير شبكة نقل الكهرباء في تونس واستثمارات أوروبيّة. ويبدو أنّ اللحظة المناسبة اقتربتْ.  
  • إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر: لم تتطرّق الاستراتيجية الوطنية للتحكّم في الطاقة التي أُعلِنَ عنها في جوان 2014 إلى مسألة الهيدروجين الأخضر، لكن النّسخة المحيّنة أي “الاستراتيجية الوطنية للطاقة في أفق 2035” الصادرة في أفريل 2023 خصّصت لها حيّزا هامّا. اعتبرَ واضِعو الاستراتيجية الجديدة أنه يجب على تونس أن تتموقع كمزوّد رئيسي للهيدروجين الأخضر في أوروبا، مؤكّدين أنّ البلاد تمتلك المؤهّلات الضرورية: “إمكانيات كبيرة في مجال الطاقات المتجدّدة، والقرب الجغرافي من أوروبا، وتوافر بنية تحتية جيدة (الموانئ والصناعة)”. لكن ما الذي تغيّر ما بين 2014 و2023؟ وكيف أدرج الهيدروجين الأخضر على جدول أعمال الانتقال الطاقي في تونس؟ الأولويات والتّأثيرات الأوروبية مرّة أخرى[2]. في ديسمبر 2020 وقّعت الحكومة التونسية مذكرة تفاهم مع وزارة التعاون الدولي الألمانية لإطلاق مشروع مشترك يحمل اسم “باور تو اكس” Power To X، وأعلنت ألمانيا تقديم هبة تقدر ب 31 مليون أورو لمرافقة تونس في وضع استراتيجية وطنية في هذا المجال. كما خصص الطرف الألماني 860 ألف أورو لتمويل دراسة تشرح “الفرص التي يتيحها الاستثمار في الهيدروجين الأخضر ومشتقاته”(2021). وكانت وزارة الطاقة قد أعلنت في 2022 أن الاستراتيجية الوطنية لانتاج الهيدروجين الأخضر ستكون جاهزة نهاية سنة 2024، وحدّدت سنة 2030 موعدا لانطلاق الإنتاج والتصدير. وأكدت أن الدولة تطمح إلى طاقة انتاجية تصل إلى  8 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويا في أفق سنة 2050، تذهب منها 6 ملايين طن (75% من إجمالي الإنتاج) إلى التصدير وتخصص الكمية الباقية للاستهلاك المحلي في شكل هيدروجين أخضر أو مشتقاته مثل الأمونياك الأخضر (لصناعة الأسمدة “الخضراء”) والميثانول والوقود الاصطناعي.  
  • مشروع “الماد” Elmed للربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا: انطلق النّقاش حول المشروع منذ سنة 2003 أي في نفس الفترة التي بدأت تظهر فيها المبادرات والاستراتيجيات الأوروبية لإنشاء جسور طاقيّة بين أفريقيا وأوروبا. ولم تكن “نظافة” الطاقة الكهربائية التي ستنقل بين البلدين محورا أساسيا في المفاوضات. كانت الصيغة الأولى من المشروع تقوم على إنشاء خطّ كهربائيّ (كابل تحت بحري) بطاقة 1 جيغاواط وبناء محطة إنتاج بطاقة 1،2 جيغاواط في تونس يمكنها تصدير حوالي 800 ميغاواط إلى إيطاليا سنويا. تمّ توقيع اتفاق مبدئيّ بين الدولتين في مارس 2009 وقدّرت تكلفة المشروع آنذاك بحوالي 1،5 مليار دينار. لكن صعوبات ايجاد التمويل ثم تأثيرات ثورة جانفي 2011 عطلت المشروع، وتطلّب الأمر سنوات إضافية من المفاوضات للوصول إلى اتفاق جديد بين الطرفين في مارس 2019: مدّ خط تحت-بحري بطول 200 كم بين تونس وإيطاليا بتقنية التيار المستمرّ بجهد 400 كيلو فولط وبطاقة إنتاج تبلغ 600 ميغاواط، وبناء محطّتيْن للتحويل المزدوج من التيار المستمرّ إلى التيار المتردّد واحدة في صقلية الإيطالية والأخرى في منزل تميم التونسية، وخطوط كهربائية هوائية بجهد 400 كيلوفولط تربط بين محطّة التّحويل المحدثة ومحطة الضغط العالي بالمرناقية. وتقدّر كلفة المشروع ب1014،3 مليون أورو تدفع منها الجانب الإيطالي 432 مليون أورو (شركة TERNA)، وتدفع تونس (ممثلة في الشركة التونسية للكهرباء والغاز “ستاغ”) 582،3 مليون أورو نظرا لأنها مطالبة أيضا بإدخال تحسينات على شبكتها الوطنية لتوزيع الكهرباء. وتَعتمد تونس في تمويل المشروع على الخارج بشكل شبه كامل: 153،5 مليون أورو من الاتحاد الأوروبي (نصف قيمة الهبة المقدرة بـ307 مليون أورو والمخصّصة لدعم الطرفين)، وقرض بقيمة 247 مليون أورو من البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وقرض مُيسّر بقيمة 20 مليون دولار من “الصندوق الأخضر للمناخ” (بالإضافة إلى هبة بقيمة مليون دولار ممنوحة من نفس الجهة)، وقرض بقيمة 45 مليون أورو من قبل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وقرض بقيمة 35 مليون أورو من قبل المؤسسة الألمانية للقروض من أجل إعادة الإعمار.

اخضرار فاقع يُشتّت الناظرين  

مشروع عملاق، استثمار أجنبي، خلق آلاف مواطن الشغل، الأسواق العالمية، جلب العملة الصعبة؛ يكفي أن تتمتم ببعض هذه العبارات السحرية حتى تَفرش لك الدولة التونسية السجاجيد الحمر وتحتفي بك وسائل الإعلام ويستبشر الرأي العام بك خيرا. في الواقع، خلَقَت سياسات الدولة منذ الاستقلال هوسا بالاستثمار الأجنبي والتصدير، حتى صارَا من مقدّسات الاقتصاد التونسي ولا يُرجى من غيرهما نماء ولا رخاء. طبعا لا جدال في ضرورة التعويل على الطاقات المتجدّدة وسلوك نهج الانتقال الطاقي، سواء إن كان ذلك من أجل حماية المناخ وحقّ البشر في بيئة نظيفة ومستدامة أو تقليص النفقات الطاقية للدولة وتوجيه الأموال نحو أولويات أخرى. لكن الانتقال الطاقي يجب أن يكون عادلا وسياديا. الإطناب في الترويج للاخضرار (طاقة خضراء، صناعة خضراء، اقتصاد أخضر، الخ) يحجب عنّا البقع السوداء الكبيرة في تونس والدول ذات الأوضاع المشابهة[3]: الحضور الطاغيّ للأوروبيين في كل مراحل المشاريع من الدراسات الأولية إلى التنفيذ، التعويل الكلي تقريبا على التمويل الأجنبي مما يعمق المديونية والتبعية، توجيه الانتقال الطاقي نحو الاستثمارات الربحية والتصدير. هذا على المستوى السياسي-الاقتصادي، أما الأثمان الاجتماعية والبيئية المحتملة فهي تكاد تغيب تماما في الخطاب الرسمي وفي المواد الإعلامية التي تتطرق للانتقال الطاقي.[4] توليد الكهرباء والوقود اعتمادا على الطاقات المتجددة لا يعني أن كل المسار أخضر ومحايد كربونيّا وصديق للبيئة والمجتمعات المحليّة. مثلا، تحتاج محطات الطاقة الشمسية المركّزة إلى ما يقارب 3000 متر مكعب من المياه لإنتاج 1 جيغا واط ساعة من الكهرباء، ويتطلّب إنتاج كيلوغرام واحد من الهيدروجين الأخضر عبر تقنيّة التّحليل الكهربائي ما بين 10 و20 لترًا من الماء. وكل هذا في بلد يعيش إجهادا مائيّا مُتفاقما وأعلَنَ في 2023 حالة الطوارئ المائية. طبعا هناك “حلول سحريّة” لهذه المشكلة: تحلية مياه البحر. تعوّل تونس بشكل كبير على هذا الحلّ لتوفير الكميات الضروريّة لإنتاج الطاقة النظيفة، على اعتبار أن تحلية مياه البحر تقنية نظيفة وصديقة للبيئة لا ينتج عنها ترسّبات مضرّة بالأحياء البحرية. مزارع الرياح لها هي أيضا آثارها على البيئة والمجتمعات المحلية المحيطة بها، ومن بينها التلوث السمعي والأضرار التي تسببها نواعير الرياح للطيور المهاجرة وفصائل حيوانية أخرى. ولا يمكن أيضا أن نُغفل مسألة ما يسمّيه ناشطون بيئيون بـ “الاستحواذ الأخضر” المتمثل في استيلاء المستثمرين -بعقود إيجار رخيصة أو بدونها، وبتواطؤ من السلطات- على أراضٍ دولية واشتراكية (قبَليّة) وتغيير صبغة بعض الأراضي الفلاحية لكي يصبح بالإمكان تركيز أنشطة صناعية فوقها. وقد شهدَت تونس في السنوات الأخيرة عدة تمظهرات لهذه السياسات الاستحواذية خاصة في جنوب البلاد.  

الانتقال الطاقي هو بلا شك أحد أكبر المشاريع الوطنية خلال ربع القرن القادم وقد يمتدّ تأثيره لآخر القرن. وأيّ توجهات خاطئة في الأسس ستؤثر آجلا أم عاجلا على كامل البناء، واحتكار السلطة السياسية للرأي والتفاوض والقرار في مسار بهذه الأهمية لا يعطي تطمينات بخصوص الالتزام بالحقوق البيئية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين. وتُتّخذ حاليا قرارات حيويّة سيَستمر مفعولها لأجيال، وكل هذا من دون حوار سياسي مدني مجتمعي حول الموضوع.    

لقراءة الجزء الأول من المقال


[1]  لتفاصيل أكثر حول مشروع “تونور” انظر/ي: عايدة دالبواش وآريانا بوليتي، “تونور، أي ثمن لتصدير الشمس التونسية إلى أوروبا؟”، موقع انكفاضة بتاريخ 16 نوفمبر 2022.  

[2]  للاطلاع أكثر على الموضوع، أنظر/ي: عايدة دالبواش، “استراتيجية وطنية لمشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس: من المستفيد؟” مبادرة الإصلاح العربي، ديسمبر 2022.   

[3]   للاطلاع أكثر على سياقات التحول الطاقي في المنطقة العربية انظر/ي : حمزة حموشان وكاتي ساندويل (تحرير)، تحدي الرأسمالية الخضراء، العدالة المناخية والانتقال الطاقي في المنطقة العربية، دار صفصافة للنشر والتوزيع. 2024 

[4]  انظر/ي الدراسة التي أنجزها المرصد التونسي للاقتصاد: الطاقة “المتجدّدة” في تونس: انتقالٌ غيرُ عادِلٍ. سبتمبر 2022  

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، مقالات ، تونس ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني