التمديد للقضاة بعد سن التقاعد في تونس: لماذا تتمسك الحكومة بارث الفساد القضائي؟


2012-11-07    |   

التمديد للقضاة بعد سن التقاعد في تونس:  لماذا تتمسك الحكومة بارث الفساد القضائي؟

أثار قرار الحكومة التونسية التمديد  للوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس، لمدة عام بعد بلوغه سن التقاعد القانوني، رد فعل سلبي في أوساط الهياكل القضائية.  وجددت جمعية القضاة تمسكها بمواقفها السابقة التي ترفض، بشكل قاطع، التمديد للقضاة السامين بعد بلوغهم سن التقاعد.
وشاركتها الموقف عينه نقابة القضاة مؤكدة، عبر هيأتها الإدارية، أن التمديد يجب أن يخضع لقواعد موضوعية قوامها رغبة القاضي المعني به، ولا يجب أن يترك امتيازا تمنحه السلطة السياسية لمن تريد.
قبل الثورة، كان التمديد رشوة تمنحها السلطة للقضاة الذين قدموا خدمات كبيرة للسلطة ولا زالوا قادرين على مواصلة خدمتها بما لهم من سلطة فعلية على منظوريهم من القضاة. وكشفت لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، في إطار تقصيها لحقائق الحقبة الاستبدادية، عن عثور أعضائها، بمناسبة تفتيشهم للقصر الرئاسي،  على قوائم للقضاة المعنيين بالتمديد مذيلة بملاحظة يعول عليهم، عليها، بمعنى أن التمديد كان يشترط رضاء السلطة على ولاء القضاة لها.
و وأدت الشبهات التي تحيط بقرارات التمديد إلى خلق تيار قضائي يجاهر برفضها، خصوصا وأن التقاعد يمكن أن يعد إحدى آليات تجديد قمة الهرم القضائي بدفعه للطاقات الجديدة التي لم تتورط في الفساد القضائي للمناصب القيادية. وتفسر دراسة تاريخ التمديد، كوجه من وجوه الفساد القضائي، تمسك هياكل القضاة بأدبياتها التي تعد التمديد وسيلة لخلق عقلية التبعية لدى سامي القضاة. فالقضاة الذين شارفوا على سن التقاعد قد تدفعهم رغبتهم في مواصلة العمل القضائي إلى التقرب من اللسلطة التي تمتلك صلاحية التمديد لهم على حساب أخلاقيات مهنتهم واستقلاليتهم.
ولوحظ عقب الثورة عزوف الحكومة عن استعمال آلية التمديد، قد بارك القضاة ذلك، خصوصا وأن تقاعد عدد هام من القضاة السامين سمح لقضاة مشهود لهم بالاستقلالية تقلد مناصب قضائية رفيعة.إلاأن التزام السلطة كان مشوبا بحالتي خرق للقاعدة. مددت الأولى لمدير المصالح العدلية ، ووردت خلال السنة القضائية الماضية، وتعلقت الثانية، خلال هذه السنة، بالوكيل العام لدى محكمة استئناف تونس. ودفعت الواقعتان بهياكل القضاة لطرح السؤال حول جدية ما تدعيه وزارة العدل من احترام لاستقلالية القضاء، من تمسك بعدم التدخل المباشر في أعماله.
جاءت حالتا التمديد  لتذكر باستمرار الممارسات السابقة، فالسلطة مددت لقاضيين انتقتهما دون سواهما من زملائهما في ما بدا تعبيرا منها عن رضاها عن التزامهما بمنهاجها. ويعد الأمر عودة "محتشمة" لشراء الولاء. كما أن إصرار الحكومة على ممارسة صلاحيات قانونية ورثتها من منظومة الفساد القضائي يكشف بدوره عن استمرار الرغبة في تحقيق تدخل السياسي في المسار المهني للقضاة.
تكشف أزمة التمديد عن قصور رؤية جهة القرار الإداري لمتطلبات إصلاح القضاء وتخبط الواقع القضائي بين رفع شعارات تمجد استقلال القضاء، وتؤكد القطع مع ممارسات التدخل في أعماله، و بين ممارسة تصر على استمرار التدخل في القضاء بعناوين متعددة منها التمديد لمن قدّرت السلطة أنها تعول عليه .
م ع ج

انشر المقال

متوفر من خلال:

غير مصنف



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني