دعوى لإبطال تعميم تصريف الأعمال: أو عن نظام الموافقات الاستثنائية


2022-07-21    |   

دعوى لإبطال تعميم تصريف الأعمال: أو عن نظام الموافقات الاستثنائية

كلمة المفكرة القانونية في المؤتمر الصحافي المنعقد في 21 تموز 2022 في مقرّ المفكرة القانونية للإعلان عن تقديم طعن ضد تعميم “حكومة تصريف الأعمال من شخصين” 

ما أنْ باتتْ حكومة السيد نجيب ميقاتي حكومة تصريف أعمال تبعاً لبدء ولاية جديدة للمجلس النيابي حتى سارع هذا الأخير إلى إصدار تعميمه رقم 17/2022 بشأن كيفية اتخاذ القرارات في فترة تصريف الأعمال. وفي هذا الخصوص، عاد التعميم ليكرّس آلية الموافقات الاستثنائية أي الموافقات التي يتولّى شخصان هما رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة اتخاذها من دون الرجوع إلى الحكومة المستقيلة ومع أو من دون الوزير المختص حسب الحالات. وهي آلية ابتدعها للمرة الأولى السيد نجيب ميقاتي في 2013 بعد استقالة حكومته الثانية آنذاك من دون أن يكون لها أي سند دستوري، بل بصورة منافية تماماً للدستور الذي ينيط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعاً (مادة 65). وتنبني هذه البدعة على بدعة أخرى تتمثل في التوقف عن دعوة مجلس الوزراء للانعقاد أيضاً خلافاً لهذه المادة التي تفرض أن ينعقد مجلس الوزراء دورياً من دون أن تحرّر الحكومات المستقيلة من هذا الموجب. بمعنى أنّ هذه الآلية تفترض تعطيل مجلس الوزراء وتنويمه مقابل منح صلاحيات خارقة لشخصين هما رئيسي الحكومة والجمهورية، وكل ذلك خلافاً لما يفرضه الدستور. وعليه، يتحوّل موجب تصريف الأعمال إلى امتياز يتفرّد رئيسا الجمهورية والحكومة في التمتع به وممارسته أو عدم ممارسته في الغرف المغلقة وبمعزل عن أي تداول داخل الحكومة، وفي توجّه يؤدّي عملياً إلى تفاقم ظاهرة إدارة الشأن العام من خارج المؤسسات العامة بعد تحويل هذه الأخيرة إلى ما يشبه هيكل سفينة غارقة. وعليه، شهدنا في حالات توسيعاً لمفهوم تصريف الأعمال ليشمل تمديد فترة الطوارئ أو تخصيص مبالغ طائلة من احتياطي الموازنة مقابل تضييق للمفهوم في حالات أخرى مثل تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى أو المجلس الدستوري. ورغم بداهة عدم دستورية آلية الموافقة الاستثنائية (وهذا ما أثبته ديوان المحاسبة في عدد من قراراته (15 تموز 2021) وما أثبته تقرير صادر عن إحدى قاضيات مجلس شورى الدولة)، يلحظ أن مجمل رؤساء الحكومات المستقيلة بعد 2013 استساغتْها فعمد هؤلاء (تمام سلام وسعد الحريري وحسان دياب) إلى إصدار تعاميم مشابهة بتكريسها. 

وما زاد من خطورة هذه الممارسة، هو امتداد حكومات تصريف الأعمال لفترات زمنية ما فتئتْ تتمدد منذ ابتداع آلية الموافقات المسبقة. فقد بلغ عمر هذه الحكومات منذ صدور أول تعميم بإدخال هذه البدعة (نيسان 2013) 1178 يوما أي ما يزيد عن ثلث المدة الزمنية المنقضية منذ ذلك التاريخ، علماً أنّ عمر حكومات تصريف الأعمال تجاوز 841 يوماً في العهد الحالي أي ما يزيد على 40% من مدته وبلغ 541 يوماً منذ بدء الانهيار في تشرين الأول 2019 أي ما نسبته 54% من مجموع المدة الزمنية المنقضية منذ ذلك الحين. بمعنى أنه منذ الانهيار بات عمر حكومات تصريف الأعمال أطول من عمر الحكومات الحائزة على ثقة المجلس النيابي… وبعبارة أخرى، باتت منذ ذلك الحين الفترة التي تطبق فيها الحكومات المتعاقبة نظام الموافقات الاستثنائية أطول من الفترة التي تعمل فيها هذه الحكومات وفق أحكام الدستور، وهذا ما يقودنا للقول إنّنا نشهد هنا أيضاً وبفعل هذه الآلية نشوء نظام موازٍ للنظام الدستوري وهو نظام موازٍ يحتلّ منذ نشأته حيّزاً واسعاً من المشهد السياسي وهو حيّز أصبح الحيّز الأكبر منذ تشرين 2019. 

لكل هذه الأسباب، رأينا كمفكرة قانونية واجباً أساسياً في التصدّي لهذه الظاهرة، في البحث والتوثيق (وهذا  ما تجسد في الورقة البحثية التي نشرناها الأسبوع الماضي للباحث والأستاذ الجامعي وسام اللحام) ولكن الأهم في وضع الهيئات القضائية أمام مسؤولياتها في حماية الشرعية. 

أوّل مساعينا في هذا الخصوص تمثّل في الطعن في مذكرة تمديد حالة الطوارئ الصادرة عن أمين عام مجلس الوزراء بناء على الموافقة الاستثنائية لرئيسي الجمهورية والحكومة، وهو طعن تضمن بصورة غير مباشرة طعناً بدستورية الموافقة الاستثنائية. فقد كان لافتاً وهجيناً أن تعلن حالة الطوارئ وهي تعتبر أحد القرارات الإدارية الأكثر خطورة على صعيد الحقوق والحريات وتوازن السلطات، بمذكرة من هذا القبيل. آنذاك، صدر تقرير المستشارة المقررة في مجلس شورى الدولة لصالحنا بعدما بيّنت بوضوح عدم دستورية هذه الآلية، في تاريخ 26 أيار 2021. ومنذ ذلك الحين ما زلنا ننتظر أن يحسم مجلس شورى الدولة هذه المسألة في قرار مبدئي يسهم في تقويض مشروعية هذه البدعة. 

المسعى الثاني هو الذي نعلن عنه في مؤتمرنا هذا وهو الطعن في تعميم رئاسة الحكومة مباشرة والذي سجل في 19 تموز 2022 تحت رقم 2025/2022. وقد اعتبرنا من المهم في هذا الإطار أن نمارس هذا الطعن بمعيّة النائبيْن حليمة القعقور وإبراهيم منيمنة تأكيداً على ارتباط هذا الطعن بأسس الديمقراطية وما تفرضه من توازن للسلطات ورقابة والأهم احترام الضوابط القانونية والدستورية. فلا يحتكر الشأن العام عدد قليل من الناس بمعزل عن أي مشروعية أو مساءلة. بقي أن نأمل أن يتصدّى مجلس شورى الدولة هذه المرّة من دون إبطاء لهذه المسألة، من خلال قبول طلبنا بوقف تنفيذ التعميم، صوناً للشرعيّة وتحسّباً لما قد ينشأ عن مخالفتها من مخاطر. وما يزيد من ضرورة الاستعجال في هذه القضية هو أن ولاية رئيس الجمهورية تشارف على الانتهاء مما يفرض إعادة الأمور إلى نصابها قبل ذلك.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، قضاء ، تقاضي استراتيجي ، المرصد القضائي ، البرلمان ، قرارات قضائية ، تشريعات وقوانين ، قرارات إدارية ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني