عقب الجريمة التي أدّت إلى تفجير مرفأ بيروت، اجتمع مجلس الوزراء في 5 آب 2020 واتخذ قراراً بإعلان حالة الطوارئ. وبالفعل، عقد مدير التوجيه في قيادة الجيش مؤتمراً صحافياً في 6 آب من أجل شرح “الإجراءات المتّخذة خلال فترة إعلان حالة الطوارئ في منطقة بيروت” قائلاً إنّه “إنفاذاً لقرار مجلس الوزراء بتاريخ 5/8/2020 إعلان بيروت مدينة منكوبة وإعلان حالة الطوارئ” بدأت قيادة الجيش باتخاذ مجموعة من التدابير لمواجهة الكارثة ما يعني أن تدابير حالة الطوارئ جرى تطبيقها ابتداء من الخامس من أب أو السادس منه على أقل تقدير.
وبما أن المرسوم الاشتراعي رقم 52 تاريخ 5/8/1967 ينصّ صراحة على أنّ إعلان حالة الطوارئ يتم بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء فقد كان من المتوقع أن يتم نشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية التي صدرت في السادس من آب. لكن من خلال تصفّح هذا العدد من الجريدة الرسمية تبيّن أنّ المرسوم لم ينشر إطلاقاً، ما أثار شكوكاً حول قانونية التدابير المتخذة استناداً إلى حالة الطوارئ في ظلّ غياب هذا المرسوم.
وبالفعل، تبيّن لاحقاً أنّ حالة الطوارئ في مدينة بيروت أُعلنت بموجب المرسوم رقم [1]6792 وهو يحمل تاريخ 7 آب 2020 أي بعد يومين من قرار مجلس الوزراء. وقد نصت المادة الثالثة من هذا المرسوم على العمل به لضرورة الإسراع فور صدوره أي أنه يصبح نافذا قبل نشره بمجرد توقيعه من المراجع المختصة، علما أن هذه الصيغة اتبعت سابقا مع مراسيم إعلان حالة الطوارئ رقم 3991 تاريخ 16 أيلول 1972 ورقم 5513 تاريخ 7 أيار 1973. وهكذا نفهم لماذا استند مرسوم إعلان حالة الطوارئ إلى المرسوم الاشتراعي رقم 9 تاريخ 21 تشرين الثاني 1939 والذي يعلن أن القوانين والمراسيم التنظيمية يمكن أن تصبح مرعية الإجراء دون نشرها في الجريدة الرسمية شريطة أن يحدد النص المعني طريقة النفاذ.
إن صدور المرسوم في 7 آب 2020 ودخول حالة الطوارئ حيز التنفيذ قبل هذا التاريخ تطرح إشكاليات قانونية كبيرة. لذلك لا بد من ابداء الملاحظات التالية:
أن جميع مراسيم إعلان حالة الطوارئ التي عرفها لبنان صدرت في اليوم نفسه من قرار مجلس الوزراء. وهذا ما يظهر جليا من خلال مراجعة هذه المراسيم التي تشير في بناءاتها إلى تاريخ موافقة مجلس الوزراء والتي تتطابق مع تاريخ توقيع المرسوم من قبل المراجع المعنية. وهذا أمر منطقي كون حالة الطوارئ تتسم بالعجلة إذ لا يعقل أن يتخذ مجلس الوزراء قرارا بذلك ومن ثم يتأخر صدور المرسوم ما يعني هدر الوقت، أو أن الحالة الاستثنائية التي ينبغي مواجهتها ليست فعليا استثنائية ما يجرد إعلان الطوارئ من أسباب وجوده وجدواه.
إن دخول حالة الطوارئ حيز التنفيذ منذ قرار مجلس الوزراء يخالف مبادئ القانون الاداري التي ترعى قرارات مجلس الوزراء. فقد أعلن مجلس شورى الدولة الفرنسي أن القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء عقب المداولة في موضوع معين لا تملك الصفة القانونية اللازمة كي تصبح نافذة بحد ذاتها[2]. وهذا ما أكده أيضا مجلس شورى الدولة في لبنان إذ أعلن في قرار له أن “قرارات مجلس الوزراء ليس لها قوة النفاذ بذاتها وإما هي مشاريع لا مفعول قانوني لها إلا إذا اقترنت بقرارات ذات مفعول قانوني إما بمراسيم أو بقرارات وزارية” (قرار رقم 12 تاريخ 16/12/1970). ما يعني أن قرارات مجلس الوزراء كي تصبح مكتملة عليها أن تتخذ الشكل الذي يفرضه الدستور أو القانون كي تصبح تامة وتنتج مفاعيلها كاملة. وبما أن المرسوم الاشتراعي رقم 52 يفرض إعلان حالة الطوارئ بمرسوم (وليس بقرار)، فإن قرار مجلس الوزراء لا يتخذ صيغة النفاذ إلا بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية، عملا بالمادة 56 من الدستور أي أن نفاذ المرسوم قبل هذه المهلة هو خرق واضح للدستور.
أكثر من ذلك، نلاحظ أن المادة الاولى من المرسوم رقم 6792 أعلنت حالة الطوارئ اعتبارا من 5/8/2020 بينما المرسوم لم يصدر إلا في السابع من الشهر نفسه، أي أنه أعطى واقعيا لإعلان الطوارئ مفعولا رجعيا ما يشكل انتهاكا لمبادئ القانون الإداري التي تعلن أن الأعمال الادارية لا يمكن لها أن تصدر مع مفعول رجعي إلا إذا أجاز القانون ذلك بشكل صريح:
« L’autorité administrative peut déroger au principe de non-rétroactivité si elle y est autorisée par une disposition législative expresse »[3].
وهكذا نفهم لماذا صدرت جميع المراسيم السابقة في النهار نفسه التي اتخذ فيه مجلس الوزراء قرار إعلان حالة الطوارئ، إذ أنّ خلاف ذلك يؤدي إلى نتائج خطيرة عبر إعمال أحكام حالة الطوارئ في زمن لم تكن فيه حالة الطوارئ سارية المفعول قانوناً.
جرّاء ما تقدّم، يصبح جليّاً أنّ جميع الإجراءات التي اتخذت قبل السابع من آب تاريخ صدور مرسوم إعلان حالة الطوارئ هي مخالفة للقانون وتشكل تعدّياً على حريات المواطنين، ويمكن أيضاً الطعن بالمرسوم وإبطاله أقله جزئياً بالنسبة للفترة التي لم يكن فيها بعد قد دخل حيّز التنفيذ.
[1] لا بد من ابداء ملاحظة شكلية ان هذا المرسوم يختلف عن كل المراسيم السابقة كون هذه الاخبرة كانت تكتفي باعلان حالة الطوارئ مع تحديد مهلتها بينما المادة الثانية من هذا المرسوم تكرر الاجراءات التي على قيادة الجيش اتخاذها ما قد يفسر ان المرسوم يمكن له ان يختار تطبيق حالة الطوارئ بشكل جزئي عبر تحديد التدابير التي يسمح للجيش بتطبيقها بينما يمنع عليها ممارسة سائر التدابير التي يجيزها المرسوم الاشتراعي رقم 52. وهو أمر مستغرب كون المرسوم الاشتراعي المذكور لا يمكن تطبيقه انتقائيا إذ تنحصر صلاحيات الحكومة باعلان الطوارئ ويترك لقيادة الجيش تطبيق بعض او كل التدابير المنصوص عليها.
[2]Conseil d’Etat, 2 / 6 SSR, 25 novembre 1977. « CONSIDERANT QUE CES DELIBERATIONS SONT, PAR ELLES-MEME, SANS EFFET JURIDIQUE DIRECT ET DOIVENT ETRE REGARDEES COMME UNE SIMPLE DECLARATION D’INTENTION DU GOUVERNEMENT ; QUE, PAR SUITE, ELLES NE SAURAIENT ETRE ATTAQUEES PAR LA VOIE DU RECOURS POUR EXCES DE POUVOIR… ».
[3] René Chapus, Droit administrative general, Tome 1, p. 1148.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.