حملة القمع مستمرّة: محاولات لضرب مبدأ عدم مثول الصحافيين أمام الأجهزة الأمنية


2023-05-24    |   

حملة القمع مستمرّة: محاولات لضرب مبدأ عدم مثول الصحافيين أمام الأجهزة الأمنية

في 11 أيّار الماضي استدعى المحامي العام الاستئنافي في بيروت زاهر حمادة رئيسة تحرير منصّة “شريكة ولكن” الصحافية حياة مرشاد إلى التحقيق في “مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية”، وذلك بعد أقلّ من أسبوعين على استدعاء كلّ من الصحافيين جان قصير ولارا بيطار للتحقيق معهم في مراكز أمنية. وتأتي هذه الاستدعاءات في ما يبدو اتجاهًا قضائيًا جديدًا لضرب مبدأ عدم مثول الصحافيين أمام الأجهزة الأمنية ومخالفة المادة 29 من قانون المطبوعات لجهة حصرية قضاة التحقيق للتحقيق في القضايا المتعلقة بالصحافة.  

ويبدو هذا الاتجاه أكثر وضوحًا في موضوع استدعاء مرشاد إذ أصرّ القاضي زاهر حمادة على مثولها أمام المكتب يوم الخميس في الأول من حزيران رغم إبراز موكّل مرشاد المحامي فاروق مغربي بطاقة انتسابها إلى نقابة المحرّرين، بينما كان الموضوع مختلفًا مع قصير وبيطار إذ تراجع كلّ من النائب العام التمييز غسان عويدات والنائب العام الاستئنافي زياد أبو حيدر عن استدعائهما إلى أمن الدولة ومكتب جرائم المعلوماتية، بعد تصريح وكلاء المستدعيين بأنهما صحافيان، وبعد تضامن الرأي العام معهما.

حمادة: الإصرار على التحقيق الأمني

وفي التفاصيل يقول مغربي إنّ “مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية” استدعى مرشاد للمثول أمامه بسبب شكوى “قدح وذمّ” مقدّمة بحقّها من قِبل المخرج جو قديح على خلفية مقال نُشر في منصة “شريكة ولكن”. ويوضح في اتصال مع “المفكرة القانونية” أنّه وبصفته وكيل مرشاد حضر في اليوم نفسه وأبلغ مكتب جرائم المعلوماتية بقرار موكلته عدم المثول أمام المكتب كونها صحافية وتحمل بطاقة انتساب إلى نقابة المحررين، والمكتب ليس الجهة المختصة للتحقيق بمثل هذه القضايا، ليفاجأ باستدعائها مرة ثانية بسبب رفض القاضي زاهر حمادة التراجع عن الاستدعاء، وطلب حضورها إلى المكتب يوم الخميس في الأوّل من حزيران.

ويوضح مغربي أنّه عاد طلب من القاضي حمادة التراجع عن إشارة الاستدعاء تطبيقًا لقانون المطبوعات، وأوضح مرّة أخرى أنّ المحتوى صحافي وأنّ المستدعية صحافية، ما يعني عدم وجود أي صلاحية للتحقيق لأي جهاز أمني ومنها مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، وأنّه في حال اقتضت الدعوى تحقيقًا قضائيًا فعلى قاضي التحقيق أن يقوم به وأن يحيل القضية على محكمة المطبوعات في مهلة لا تتجاوز خمسة أيام حسب قانون المطبوعات. لكنّ حمادة رفض الطلب وأصرّ على مثولها أمام مكتب جرائم المعلوماتيّة معتبرًا أنّ “المنصة” لا تعتبر مطبوعة.

ويضيف مغربي أنّه وبعد رفض القاضي حمادة، راجع مغربي النائب العام الاستئنافي القاضي زياد أبو حيدر كون حمادة هو من معاونيه، لكن أبو حيدر رفض التدخّل في ملف مدّع عام آخر، فاضطر مغربي إلى اللجوء إلى النيابة العامة التمييزية وقدّم مذكرة طالب فيها بالرجوع عن الإشارة مقدمًا الحجج القانونية ومنها أنّ المحتوى صحافي وأنّ اجتهاد محكمتي المطبوعات والتمييز قد استقرّ على اعتبار المواقع الإلكترونية الإخبارية خاضعة لقانون المطبوعات.

وفي حين لم يصدر حتى اللحظة أيّ بيان عن نقابة المحررين يُدين استدعاء مرشاد إلى التحقيق الأمني، نبّه تجمّع نقابة الصحافة البديلة القاضي حمادة بأنّ بهذا الإجراء يخالف قانون المطبوعات، مطالبًا في بيان صادر في 24 أيار النيابة العامّة التمييزية البتّ بالطلب الذي تقدّم به وكيل مرشاد والمحامي العام الاستئنافي زاهر حمادة بالرجوع عن الاستدعاء.

مرشاد: “إسكات لصوت النساء”

وفي التفاصيل توضح مرشاد أنّ القضية تعود إلى نيسان الماضي حين نشرت “شريكة ولكن”، وهي منصّة إعلامية نسوية، مقالًا انطلاقًا من مبدأ تصديق الناجيات طالبت فيه بالمساهمة في الضغط على مسرح “مونو” لإلغاء عرض مسرحي للمخرج جو قديح المشتبه فيه بالتحرّش، وتضامنًا مع 15 سيّدة كنّ نشرن شهادات تتضمن ادعاءات بتعرّضهن للتحرش من قبله، وأعادت المنصة في سياق المقال نشر بعض هذه الشهادات.

وتضيف مرشاد في حديث مع “المفكرة” أنّ “شريكة ولكن” تُعنى برصد ومتابعة يومية لقضايا النساء وبطبيعة الحال الانتهاكات التي يتعرّضن لها، وأنّه من المحبط أن يتمّ ضرب ما يزيد عن 15 شهادة من ناجيات بينهنّ قاصرات كنّ تلميذاته، عرض الحائط وأنّ على الدوائر الفنية التي تتظاهر بمبادئ المحاسبة والانفتاح أن تتحمّل مسؤوليّتها الأخلاقية والإنسانية بمحاسبة المشتبه فيهم بالاعتداءات وعدم التطبيع معهم. وتضيف أنّه بعد الضغط الذي حصل والاعتراض الواسع على منصات التواصل الاجتماعي ألغي العرض المسرحي، وبعد شهر تقريبًا تمّ استدعاؤها من قبل القاضي حمادة إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة على خلفية شكوى “قدح وذم” تقدّم بها قديح.

وتضع مرشاد قضية الاستدعاء في إطار إسكات الصحافيين، معتبرة أنّ الأخطر أنّه يستهدف منصة تدافع عن قضايا النساء في منظومة أبويّة تطلب من الناجيات إثبات ما يتعرّضن له، وفي ظل غياب قوانين تؤمّن لهنّ الحماية في مواضيع عدة منها التحرّش. وذكّرت مرشاد بأنّه حتى اللحظة لم يشهد القضاء إنصافًا لضحايا تحرّش وخير مثال على ذلك قضيّة الأستاذ المدعى عليه بالتحرّش سامر مولوي في ثانوية جورج صرّاف الذي حكم عليه بالحبس 20 يومًا فقط لمخالفة الواجبات الوظيفية، الأمر الذي يجعل إعلاء الصوت في هذه القضايا أمرًا ملحًّا.

وتستغرب مرشاد كيف لم تُحقّق السلطات المعنيّة مع قديح بعد الشهادات التي كان يجب أن تعتبر إخبارًا ضدّه وتقول: “بدلًا من التحقيق معه على خلفية الشهادات تمّ استدعائي أمام مكتب جرائم المعلوماتيّة على خلفية محتوى صحافي”.

وتساءل تجمّع النقابة البديلة في بيانه عن كيفية حماية النساء وتكريس العدالة لهنّ إذا كان القضاء وبدلاً من أن يستدعي المشتبه بقضايا ارتكابات بحقّهن، يلاحق الإعلام الذي يكشفها، مؤكدًا أنّه ماضٍ بمعركة حماية الحريات العامة والحفاظ على حقوق الصحافيين/ات بشتى وسائل الاحتجاج والضغط المتاحة.

حملة ممنهجة تستهدف الحرّيات

ما حصل مع مرشاد لا يمكن وضعه إلّا في إطار حملة ممنهجة للقمع وإسكات أي صوت معارض كما تقول منسقة تجمع نقابة الصحافة البديلة إلسي مفرّج التي تعتبر أنّ الحملة بدأت مع الصحافيين وبدت واضحة بطريقة اعتراض الصحافي جان قصير وسط الطريق وبعدها تبليغه في المنزل وباستدعائه إلى أمن الدولة ليتدخّل بعدها وزير الإعلام زياد مكاري ويبلغه تراجُع مدّعي عام التمييز، القاضي غسان عويدات، عن الشكوى.

وتُضيف مفرّج في اتصال مع “المفكرة” أنّه مباشرة بعد استدعاء قصير جاء استدعاء الصحافية لارا بيطار للمثول أمام مكتب مكافحة المعلوماتية، وذلك في وقت أيضًا كانت بدأت فيه حملة على “المفكرة” ووصل إنذار إلى منصّة “درج” بعدم التعرّض للمصرفي مروان خير الدين.

وتلفت مفرّج إلى أنّه بالتزامن مع الحملة على الصحافيين والتي تصدّى لها تجمّع نقابة الصحافة البديلة المنبثق من انتفاضة 17 تشرين، قرّر مجلس نقابة المحامين في بيروت تعديل بعض مواد نظام آداب المهنة ليخضع حرية المحامين بالتعبير لإذن مسبق يتحكّم نقيب المحامين في منحه أو حجبه، وبعدها مباشرة تمّ استهداف القضاء إذ وجّه وزير العدل القاضي هنري الخوري تعميميْن للقضاة كافة. نص الأوّل على وجوب امتناع القضاة عن الظهور الإعلامي بجميع أشكاله وعن اتخاذ أي موقف علني على أي منصّة إعلامية أو إلكترونية أو غيرها من دون الحصول على إذن مسبق من المرجع المختص، والثاني طلب منهم عدم التواصل المباشر وغير المباشر مع أي سفارة أو منظمة أو جمعية بهدف المشاركة في ندوات أو ورش عمل في الداخل أو الخارج أو أي سبب آخر قبل تقديم طلبات والاستحصال على إذن مسبق بالسفر قبل عشرة أيام على الأقل من الوزير.

وقد وضع ائتلاف استقلال القضاء في لبنان التعميم الأوّل في إطار كمّ أفواه القضاة والثاني في إطار عزل القضاة عن أي تواصل مع أي جهة خارج القضاء، على نحو يحبس القضاة بالصمت والعزلة، وهي الشروط المثلى لممارسة الضغوط عليهم.

وعند الحديث عن حملة القمع الممنهجة لا بدّ أيضًا من التذكير بما تعرّض له الأساتذة في التعليم الرسمي لا سيّما الذين رفعوا صوتهم من مناقلات كيدية وحسومات من الراتب والضغط عليهم من قبل وزارة التربية بإعادة تذكيرهم  بالمادة ١٥ من قانون الموظفين التي تفرض عليهم الحصول على إذن مسبق قبل النشر، ومؤخرًا أيضًا تحدّث بعض أساتذة الجامعة اللبنانيّة عن توجّه مماثل للجامعة رغم نفي رئيس الجامعة ذلك. “يحاولون إسكات أيّ صوت معارض أو مطالب بحقّ، إذا لم يعلو الصوت الصحافي والمحامي والقاضي والأستاذ صوت من سيعلو؟ وكأنّه يجب أن نعيش الانهيار وكلّ تبعاته من دون اعتراض أو محاسبة” تقول مفرّج.

عودة إلى الوراء 

صحيح أنّ استدعاء مرشاد يأتي في إطار حملة ممنهجة للقمع إلّا أنّ ما حصل معها يعدّ انعطافة في موضوع استدعاء الصحافيين أمام جهاز أمني إذ إنّه في العادة وبمجرّد ما يبرز الصحافي بطاقة انتمائه إلى نقابة المحرّرين أو إثبات أن نشره جاء في إطار صحافي حتى تتمّ إحالته إلى قاضي التحقيق وذلك انطلاقًا من قانون المطبوعات الذي ينصّ في المادة 29 على أنّه إذا “اقتضت الدعوى تحقيقًا قضائيًا فعلى قاضي التحقيق أن يقوم به وأن يحيل القضية على المحكمة في مهلة لا تتجاوز خمسة أيام” وليس عبر جهاز أمني. كما أكّدت محكمة التمييز أنّ المواقع الإلكترونية تخضع لقانون المطبوعات “ما دامت المجلة الإلكترونية هي وسيلة للنشر مرتكزة على تدوين الكلمات والاشكال بالحروف والصور والرسوم، وهي تصدر بصورة مستمرة باسم معيّن وبشكل متتابع، وهي معدّة للتوزيع على الجمهور وفقًا لما هو مبيّن في موقعها المفتوح للكافة، فينطبق عليها التعريف القانوني للمطبوعات، وتكون محكمة المطبوعات مختصة نوعيًا للنظر في الجرائم المرتكبة بواسطتها، بمعزل عن عدم التزامها القانون بتعيين مدير مسؤول لها”.

وتشرح مفرّج أنّ القانون نفسه يعرّف الصحافي بأنّه المنتمي إلى نقابة المحرّرين، مشيرة إلى أنّه عادة كان يتمّ تحويل الصحافي مباشرة إلى قاضي تحقيق عند إبراز بطاقته، ولكنّ القاضي زاهر حمادة أصرّ على استدعاء مرشاد مرة ثانية حتى بعدما توجّه المحامي الموكل بمتابعة القضية إلى مكتب جرائم المعلوماتية وإبلاغهم بقرار عدم المثول مبرزًا بطاقة انتماء مرشاد إلى نقابة المحرّرين، وموضّحًا أنّ الجهة الوحيدة المخوّلة بمتابعة هذه القضية هي محكمة المطبوعات.

وتُضيف مفرّج أنّ ما قام به حمادة هو مخالفة واضحة لقانون المطبوعات الذي “ورغم كلّ تحفّظاتنا عليه أعطى الصحافي نوعًا من الحصانة عبر منع مثوله أمام جهاز أمني”، موضحة في الوقت نفسه أنّ “تجمّع نقابة الصحافة البديلة رفع شعار “لن نمثل” أمام الأجهزة الأمنية وذلك بغض النظر عن انتماء الصحافي إلى نقابة المحررين من عدمه”. 

يُشار إلى أنّ دراسة أطلقها تجمّع نقابة الصحافة البديلة مؤخرًا تحت عنوان “الحرّيات الإعلاميّة في لبنان، صراعٌ على الهامش” بيّنت أنّ الاستدعاءات إلى التحقيق لدى الأجهزة الأمنية وبينها مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية من أبرز الانتهاكات التي تمارس بحق الصحافيين في لبنان، كما أنّ محاكمة الصحافيين بسبب عملهم، لدى محكمة المطبوعات والمحكمة العسكرية من أبرز التحدّيات التي تواجه حرّيتهم.

واعتبر 53.5% من المستطلعين في الدراسة أنّ دور نقابة المحررين ونقابة المرئي والمسموع ونقابة المصورين والمجلس الوطني للإعلام سيئ فيما رأى 42.2% أنّ لا دور لها واعتبر 6.3% فقط أن أداءها جيّد.

وأشارت الدراسة إلى أنّ 52% من المستطلعين وفي تقييمهم لتأثير القضاء على الإعلام رأوا أنّ القضاء يحابي السياسيين على حساب الصحافيين، فيما اعتبر 34% أنّ القضاء يزيد من تكميم الأفواه وقال 9% إنّ لا تأثير له، فيما قالت نسبة 5% المتبقية إنّ القضاء جهة تحكيميّة نزيهة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة ، قضاء ، حريات ، المرصد القضائي ، أجهزة أمنية ، حرية التعبير ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني