بيان ائتلاف استقلال القضاء حول كمّ أفواه القضاة: إطفاء أضواء العدليّة بآداب المهن

بيان ائتلاف استقلال القضاء حول كمّ أفواه القضاة: إطفاء أضواء العدليّة بآداب المهن
ائتلاف استقلال القضاء في لبنان

في خضمّ النقاش العامّ حول تقييد حريّات المحامين، وجّه وزير العدل القاضي هنري الخوري في تاريخ 26 نيسان 2023 تعميميْن للقضاة كافة. التعميم رقم 352 نص على وجوب امتناع القضاة عن الظهور الإعلامي بجميع أشكاله وعن اتخاذ أي موقف علني على أي منصّة إعلامية أو إلكترونية أو غيرها من دون الحصول على إذن مسبق من المرجع المختص. أما التعميم رقم 348 فقد طلب من القضاة عدم التواصل المباشر وغير المباشر مع أي سفارة أو منظمة حكومية وغير حكومية أو أي جمعية بهدف المشاركة في ندوات أو ورش عمل في الداخل أو الخارج أو أي سبب آخر قبل تقديم طلبات بذلك من الجهة الداعية إلى وزير العدل وفقًا للأصول القانونية. كما فرض التعميم نفسه على القضاة الاستحصال على إذن مسبق بالسفر قبل عشرة أيام على الأقل من الوزير.

وعليه، وفي حين يهدف التعميم الأوّل إلى كمّ أفواه القضاة، يهدف التعميم الثاني إلى عزل القضاة عن أي تواصل مع أي جهة خارج القضاء، على نحو يحبس القضاة بالصمت والعزلة، وهي الشروط المثلى لممارسة الضغوط عليهم. 

ولم ينسَ الوزير شيطنة التواصل مع غير القضاة، معتبرًا أنّ بعض القضاة ينسجون علاقات مع الخارج بهدف المشاركة في سفرات وورش عمل في الخارج، كل ذلك من دون إيلاء أي أهمية لإيجابيات انفتاح القضاء على القوى الاجتماعية والمشاركة في الندوات وورش العمل. كما لم ينسَ تهديد أي قاضٍ يتجاوز الموانع بالملاحقة المسلكية.

تبعًا لهذا التطوّر السلبي، يهمّ ائتلاف استقلال القضاء إبداء الآتي:

1- الحدّ من حريات القضاة وتاليًا من ضمانات استقلاليتهم

المفعول الأوّل للتعميمين هو الحدّ من حريات القضاة خلافًا للدستور ومبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلالية القضاء الصادرة في 1983 وأخلاقيات بنغالور. إذ عدا عن أنّ من شأنهما المسّ بالحريات الدستورية للقضاة، فإنهما يحدّان أيضًا من ضمانات استقلاليتهم، طالما أنّ حرية التعبير والتواصل تعدّ من أهم ضمانات الاستقلالية في مواجهة التسلّط والتدخل والتعطيل. وأكثر ما نخشاه أن يؤثّر هذان التعميمان بشكل خاصّ على أداء نادي القضاة وقدرته على إصدار بيانات أو عقد مؤتمرات صحافية والاحتكام إلى الرأي العامّ. ولا يردّ على ذلك بأنّ القضاة ملزمون بموجب التحفّظ، طالما أنّ هذا الموجب يبقى محصورًا بواجب الحفاظ على الحيادية في القضايا المعروضة على القضاء، في حين يكون واجب القضاة استهجان في كل ما يمس بمبادئ حقوق الإنسان واستقلالية القضاء. وهذا ما كان الائتلاف بيّنه بوضوح في اقتراح استقلالية القضاء المقدّم منه منعًا لأي التباس قبلما تهشّمه لجنة الإدارة والعدل.  

2- خطوة إضافيّة ضمن مخطّط التعتيم على العدلية

يأتي تعميما الوزير ليكملا قرار نقابة المحامين في بيروت في 3/3/2023 الذي أخضع حريات المحامين للرقابة المسبقة، على نحو يؤدّي عمليًا إلى ضبط حريات القضاة والمحامين والتحكّم بها، وكلّ ذلك في ظروف يستشعر فيها الرأي العام حاجة ملحّة وفائقة إلى المعرفة. وهذا الأمر إنّما يؤكد التساؤلات والمخاوف التي كنّا عبّرنا عنها سابقًا لجهة ارتباط قمع حريّات المحامين بمخطّط يهدف إلى التعتيم على شؤون العدلية وصولًا إلى تحصين نظام الإفلات من العقاب إزاء أي ضوء أو صوت. ومن شأن هذه التساؤلات والمخاوف أن تدحض أقوال مجلس النقابة بأنّ قراره شأن داخلي محض. فلا قرار النقابة داخلي، ولا قرار الوزير كذلك. بل كلّها قرارات وُضعت للنيل من الحريات العامة وتاليًا لحق المجتمع في العدالة التي لا سبيل إليها من دونها.

3.  “فزّاعة العقوبة التأديبية”

الأمر الثالث الذي نستشفّه هو الميل المستجدّ إلى استخدام الأدوات التأديبية لقمع الحريّات وفرض نماذج رسميّة لممارسة المحاماة والقضاء، بعيدًا عن الإعلام والفضاء العام أو أيّ احتكام إلى الرأي العام. بمعنى أنّ إطفاء العدلية يتمّ من خلال استخدام آداب المهن. وإذ دلّ على ذلك الأداء الانتقائي لهيئة التفتيش القضائي في التغاضي عن مخالفات واستخدام الزجر بالنسبة إلى أخرى، فإنّه تكلّل بالقرار الصادر بصرف القاضية غادة عون من قبل المجلس التأديبي للقضاة. وبخلاف ما قد توحي به هذه الملاحقات التأديبية، فإنّ من الواجب التنبيه والتشديد على أنّها لا تقلّ في الظروف الحاضرة سلطوية وقمعًا عن الملاحقات الجزائية. 

وعليه، وإذ يسجّل الائتلاف تفاقم قمع الحريات داخل العدلية، فإنّه يوجه الدعوات الآتية:

  1. دعوة وزارة العدل إلى العدول فورًا عن التعميمين المخالفين لمبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلالية القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات والدستور، 
  2. دعوة مجلس نقابة المحامين إلى الاستفادة من إرجاء النظر في الطعن ضدّ قراره الصادر في 3/3/2023، لإعادة النظر فيه والعدول عنه وبخاصة بعدما بدأت تتّضح أهدافه الحقيقية،
  3. دعوة جميع القضاة والمحامين إلى التصدّي جماعيًا أو فرديًا للقرارات والتعاميم التي تستهدف الحدّ من حرياتهم،
  4. دعوة القوى الاجتماعية ووسائل الإعلام كافة إلى التنبّه إلى الآثار الخطيرة لسريان هذه القرارات والتعاميم على الصالح العام وعلى حظوظ العدلية في تجاوز نظام الإفلات من العقاب،
  5. دعوة محكمة استئناف بيروت النقابية إلى التنبّه إلى أبعاد القضية المعروضة عليها، بعدما اقترنت قضية حرية المحامين بصورة متلازمة مع قضية حرية القضاة واستقلاليّتهم،

على أن يباشر الائتلاف اتّخاذ أيّ إجراء متاح محليًا أو دوليًا لجبه هذا التوجّه في قمع أصوات العدل وإطفاء أضوائه.

لقراءة البيان باللغة الانكليزية

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، المرصد القضائي ، حرية التعبير ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني