حماية الأمومة بـ “تعليمات” وزارية؟


2023-12-21    |   

حماية الأمومة بـ “تعليمات” وزارية؟

في مقال سابق، أشارت المفكرة القانونية إلى أوجه النقص في توفير حماية الأمومة للمرأة العاملة في الأردن واستغلال الفجوات التشريعية للتمييز ضدها. بعد كتابة هذا المقال، صدرت تعليمات عن وزيرة العمل الأردنية، ناديا الروابدة، تهدف إلى حماية المرأة الحامل والمرضعة في بيئة العمل، كما تطرقت هذه التعليمات إلى حماية ذوي الإعاقة والأشخاص الذين يؤدون عملاً ليلياً[1]. فما هي هذه الحماية التي تقدمها هذه التعليمات، وهل يمكن لها التصدي للممارسات التمييزية التي تتعرض إليها النساء في مجال العمل بسبب الحمل أو الولادة؟

تدابير الحماية الجديدة

بداية تجدر الإشارة إلى أن التعليمات الصادرة عن الوزير هي تشريع لتطبيق أحكام القانون أو النظام، ويفترض أن لا تأتي بحقوق إضافية أو أحكام قانونية جديدة وإنما وضع قواعد تفصيلية لتطبيق القانون.  وفيما يلي أبرز ما جاء فيها:

أولا: حظرت التعليمات الجديدة تشغيل المرأة بعد الوضع بأي حال من الأحوال خلال الستة أسابيع التالية للوضع. يلاحظ أن هذا النص لم يقدم جديدا؛ إذ أن قانون العمل الحالي ينص من خلال المادة 70 على أنه “للمرأة العاملة الحق في الحصول على إجازة أمومة بأجر كامل قبل الوضع وبعده مجموع مدتها عشرة أسابيع، على أن لا تقل المدة التي تقع من هذه الإجازة بعد الوضع عن ستة أسابيع، ويحظر تشغيلها قبل انقضاء تلك المدة”. وبالتالي ليس الأمر إلا إعادة تقديم ما ينص عليه القانون.

ثانيا: حظرت التعليمات الجديدة تشغيل المرأة الحامل أو المرأة المرضعة ليلاً من دون موافقتها الخطية. ويجوز لها التراجع عن الموافقة في حال استدعت حالتها الصحية أو حالة جنينها أو رضيعها ذلك بموجب تقرير طبي معتمد. هذه الفقرة تشكل إضافة لم يتطرق لها قانون العمل، لجهة أن العزوف عن العمل ليلا لا يشكل إخلالا بالتزامات المرأة العاملة المرضعة أو الحامل.

ثالثا: حظرت التعليمات تشغيل المرأة الحامل أو المرضعة في 16 مهنه محددة على سبيل الحصر. ويفهم من طبيعة هذه المهن أنها تشكل خطرا على صحة المرأة أو الجنين مثل العمل في المناجم والمحاجر، صناعة الزفت والكاوتشوك، صهر المعادن، لحام المعادن، والأعمال التي يتعرّض فيها العمال للمخاطر الكيميائية أو أدخنة مشتقات البترول وغيرها من الأعمال. مبدئيا هذه الحماية لم تكن متوفرة سابقا، لكن بحسب المادة 3 من اتفاقية حماية الأمومة، فإن تحديد الأعمال الضارّة بصحة المرأة والطفل يتمّ من خلال التشاور مع المنظمات الممثلة لأصحاب العمل والعمال، كما لا يفترض أن تكون محددة على سبيل الحصر، بل يترك المجال مفتوحا لأيّ عمل آخر يتبين أنه يُشكّل خطرا جسيما على صحّة الأم أو الطفل اعتمادا على تقييم معتمد. كما أنه بحسب المعايير الدولية، الحظر يكون لطبيعة العمل المقدم، وليس ذكر عمل معين أو محدد، مثل الأعمال الشاقة بدنيا أو الأعمال التي تنطوي على التعرض لعوامل كيميائية أو تشكل خطرا على الوظائف الإنجابية أو العمل الذي يتطلب حفظ التوازن على نحو خاص كما جاء في توصية منظمة العمل الدولية رقم 191. كما  أن الحالة الصحية للمرأة الحامل قد تقتضي الراحة التامة حتى لو كانت تقوم بأعمال مكتبية أو أعمال قد تبدو أنها لا تؤثر على صحتها أو صحة الجنين. لذلك يجب أن يكون للرأي الطبي دور في هذا الخصوص.

رابعا: حظرت التعليمات الجديدة فصل المرأة لأسباب تتعلق بالحمل أو الولادة أو الرضاعة أو خلال إجازة الأمومة. بداية يحمي قانون العمل المرأة الحامل من الفصل بداية من الشهر السادس أو خلال إجازة الأمومة. وبالتالي، لا توجد إضافة في هذا المجال. أما الجزئية المتعلقة بالرضاعة فهذه إضافة. لكن التعليمات لم تحدّد مدة الرضاعة؛ إذ من الممكن أن تستمرّ حتى يبلغ الطفل من العمر سنتين. إلا أن هذه الحماية تبقى نسبية، طالما أنها تحظر الصرف إذا تعلّق بالرضاعةـ مما يفهم منه أن صاحب العمل يستعيد إمكانية الصرف إذا أثبت أنّ سبب انهاء الخدمة ليس له علاقة بالرضاعة مثل عدم الوفاء بالتزامات العقد أو الغياب المتكرّر.

خامسا: ألزمت التعليمات الجديدة صاحب العمل بمنح فترة راحة للمرأة الحامل مدتها ساعة واحدة خلال ساعات العمل إضافة إلى فترات الراحة الممنوحة لجميع العمال، ولا يترتب عليها تخفيض الأجر. ويجب أن لا تقل مدة الراحة للمرأة الحامل والمرأة المرضعة ما بين نهاية العمل وبداية العمل في اليوم التالي عن (12) ساعة، إضافة إلى ضرورة توفير أماكن آمنة وصحية مخصصة لراحة المرأة الحامل والمرأة المرضعة في المؤسسة التي تعمل بها.

هذه الحماية لم ينص عليها قانون العمل، لكنها غفلت عن منح المرأة الحق بأن تترك عملها عند الضرورة، بعد إخطار صاحب العمل، بغرض إجراء فحوصات طبية.

الحماية المنقوصة؟

وبالعودة إلى التحديات التي تواجه المرأة الحامل المشار إليها في المقال السابق، والمتمثلة ب:

  • استبعادها من سوق العمل بسبب الحمل أو احتمالية حدوث الحمل،
  • عدم الاستفادة من تأمين الأمومة من خلال مؤسسة الضمان الاجتماعي إذا كان لديها أقل من ستة اشتراكات قبل تمتعها بإجازة الأمومة؛ أي أنها مارست العمل النظامي أقل من ستة أشهر.
  • عدم حماية المرأة الحامل أو المرضعة من التمييز خلال العمل او عند الاستخدام.

 ومن البين أن التعليمات لم تقدم أية حماية حقيقية، بل أغلب ما جاء فيها هو تكرار لما جاء في قانون العمل. كما أن فكرة وضع حماية الأمومة في تعليمات ينتقص من أهميتها؛ إذ يجب النصّ عليها في متن القانون، طالما أن حماية النساء تتطلب هنا الحدّ من الحرية التعاقدية.

وبالتالي، يمكن القول أن التحدّيات التي تواجه المرأة العاملة الحامل ستبقى كما هي، إلا إذا تمّت معالجة الأمور التالية:

  • النص صراحة في قانون العمل على أن لا تشكل الأمومة سببا للتمييز في الاستخدام أو التعيين أو فرص الحصول على عمل؛ إذ يثبت الواقع العملي أنه يتم استبعاد النساء لاحتمالية الحمل، فكيف يكون الأمر إذا كانت حاملا بالفعل؟
  • النص صراحة على حق المرأة في العودة إلى نفس عملها أو عمل مماثل عند انتهاء إجازة الأمومة،
  • وجود ضمانات قانونية لعدم تعرض العمال والعاملات إلى التمييز في المهنة أو الاستخدام بسبب المسؤوليات العائلية كما في اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 111 الخاصة بمنع التمييز في الاستخدام والمهنة ورقم 156 الخاصة بتكافؤ الفرص والمساواة للعاملات والعمال ذوي المسؤوليات العائلية.

ويبقى التحدي الأكبر قائما، وهو ان النساء اللواتي يعملن في القطاع غير المنظم لا يتمتعن بأي نوع من أنواع الحماية الاجتماعية بما في ذلك حماية الأمومة. السمة المشتركة للعاملات في القطاع غير المنظم أنهن غير مسجلات لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي، الجهة المسؤولة عن توفير تأمين الأمومة المتمثل بتوفير أجر يعادل أجرها الأخير أثناء إجازة الأمومة. النساء اللواتي يعملن في القطاعات غير المنظمة يحاولن العودة إلى عودة للعمل في أقرب وقت ممكن لاستعادة مصدر الدخل، مما يحرم حديثي الولادة من الرعاية والاهتمام اللازمين.

من الناحية القانونية، تستفيد العاملات غير النظاميات من الحقوق الواردة في قانون العمل والذي يتضمن حماية الأمومة، حتى إذا لم يكن هناك عقد عمل مكتوب. ومع ذلك، قد تجد بعض العاملات صعوبة في المطالبة بحقوقهن من خلال القضاء أو وزارة العمل، حيث إن اغلبهن عاملات مياومات ليس لديهن صاحب عمل محدّد يمكن مطالبته بهذه الحقوق أو عاملات مهاجرات أو لاجئات يخشين الإبعاد بسبب عدم حصولهن على تصريح عمل أو إذن إقامة. فضلا عن أن نقص الوعي بحقوقهن وقلة المساعدة القانونية عوامل إضافية تمنعهن من الحصول على الحماية المطلوبة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ النساء الأردنيات العاملات في القطاع غير المنظم، يمكن لهن الاستفادة من البرامج المقدمة من قبل وزارة التنمية الاجتماعية أو صندوق المعونة الوطنية، إلا أن هاتين الإدارتين لا تقدّمان أية برامج أو آليات دعم للأمهات العاملات الحوامل لكن يمكن الاستفادة إذا اندرجن تحت فئات مستهدفة أخرى مثل الايتام والعائلات الفقيرة. كما توفّر وزارة الصحة خدمات الأمومة والطفولة مجانًا للأردنيين غير المؤمّنين صحياً، ولكن هذه الخدمات لا تشمل الولادة. النساء العاملات في القطاع غير المنظم لديهن الخيار في تغطية تكاليف الولادة في المستشفيات الحكومية عن طريق دفع 50 دينار أردني (أي ما يعادل 70 دولار أمريكي) لتأمين أنفسهن لمدة سنة وفقًا لبرنامج التأمين للنساء الحوامل.

وفيما يتعلق بالحماية التي نصت عليها التعليمات للأشخاص ذوي الإعاقة، فقد نصت على توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة وإمكانية الوصول التي تتيح للأشخاص ذوي الإعاقة القيام بالمهام الوظيفية أو العملية والاستمرار والترفيع فيهما وحظر التمييز على أساس الإعاقة، وهي ذات الحقوق التي تضمّنها قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017، كما لا توجد أي نصوص في التعليمات خاصة بالنساء العاملات من ذوات الإعاقة.


[1] نشرت في الجريدة الرسمية، عدد رقم 5890، ص 5621، بتاريخ 1 تشرين الثاني 2023.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ، فئات مهمشة ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، الأردن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني