النضال الحقوقي لحملات ذوي الإعاقة في فلسطين والأردن: تجسيدات مختلفة لصناعة القرار


2023-02-02    |   

النضال الحقوقي لحملات ذوي الإعاقة في فلسطين والأردن: تجسيدات مختلفة لصناعة القرار
من حملة ابني- الأردن على فيسبوك

يخوض الأشخاص ذوو الإعاقة نضالاً يوميًا لانتزاع حقوقهم ويخلقون سردية حقوقية قلما تنعكس في وسائل الإعلام التي تصورهم ضمن صور نمطية قائمة على التهميش واستجداء المشاعر أكثر من الإقناع. تحكي الأسطر القادمة قصص أربع حملات مجتمعية ما بين الأردن وفلسطين لأشخاص من ذوي الإعاقة نظموا أنفسهم وفق نهج التنظيم المجتمعي وخلقوا مساحة من العمل القيادي الاستراتيجي وفرضوا مطالبهم كأولوية وتمكنوا من تحقيق نجاحات هامة وجذرية في قضاياهم على تنوع مطالبها.

أهل القضية يمثلون أنفسهم
حملة بهموناالأردن

لسنوات طويلة، لم يكن هناك من يتحمل مسؤولية الدفاع عن حقوق الأطفال ذوي الإعاقة من أبناء قطاع غزة، المتواجدين بشكل رئيسي في مخيم جرش للاجئين الفلسطينيين في الأردن، حتى قررت ثمانية أمهات، فوزية ودعاء وتهاني وتهاني ونسرين وفاطمة وصباح وميّادة، تشكيل فريق قيادي لتأسيس حملة بهمّونا في شباط عام 2021 للمطالبة بالتأمين الصحي الشامل للأطفال. اجتمعت الأمهات معًا كقياديّات في حملة تناضل لإنهاء معاناتهن اليومية لتوفير الرعاية الصحية اللازمة لأطفالهم من ذوي الإعاقة، ممّن خذلتهم مؤسسات وزارة الصحة والمجلس الأعلى لذوي الإعاقة والأونروا ودائرة الشؤون الفلسطينية وألقت كل جهة بالمسؤولية على الأخرى، بحيث تتشتت الأدوار وتغيب المساءلة.

“سئمنا من الخدمات الصحية الرديئة المحدودة لأبناء قطاع غزة، من التكاليف الباهظة للمستشفيات الخاصة والسقف المالي الذي تقدمه الأونروا لإدخالات المستشفيات، من التحويلات ما بين المراكز الصحية وإلغاء الفحوصات وتقليص الأدوية، من استجداء الإعفاءات والمساعدات الطبية، ومن إجراءات وتكلفة تجديد الهوية أو جواز السفر المؤقتيْن اللذين يؤثران على شمولية التغطية الصحية”، تقول فوزية المغربي، منسقة الحملة، مؤكدةً أنهم أدركوا أن تنظيم أنفسهم والضغط على صناع القرار سيتيح لهم بالحد الأدنى تمثيل أنفسهم كأهل القضية، حتى لو اضطروا للقيام بأدوار صانع القرار نفسه من تنسيق اللقاءات ومساءلة النظام الصحي والبحث عن تمويل يغطي تكلفة التأمينات الصحية.

توسّع الفريق المؤسس ليتمكن من حشد 27 أم في فرق الحملة الممتدة التي جمعت 330 توقيعا على عريضة تم تقديمها لرئاسة الوزراء لتوفير التأمين الصحي في بلد صادق على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة واتفاقية حقوق الطفل، اللتين تضمنان حقوق الرعاية الصحية اللازمة بغضّ النظر عن الهوية أو الجنسية. لم تتمكّن الحملة حتى الآن من تحقيق مطلبها بالرغم من توصيل مطلبهم لممثل حقوق الإنسان في رئاسة الوزراء، إلا أنها نجحت في التواصل مع السفارة الكندية ومناقشة إمكانية تمويل تكاليف التغطية الصحية المطلوبة في حال لم تتمكّن الأردن من تغطيتها، والأهم من ذلك أنها شكلت جسمًا منظمًا لأمهات أطفال ذوي الإعاقة في المخيم وخلقت حالة تضامنية بين الأمهات اللواتي سيواصلن الضغط حتى تحقيق المطلب.

تحديد الهدف والتمسك به
حراك حقوق الأشخاص ذوي الإعاقةفلسطين

توجهت شذى وحمد وتحرير وعبد الرحمن وعبد الرحيم في تموز 2018 للاعتصام المفتوح في المجلس التشريعي. خمسة أشخاص من ذوي إعاقة ضاقوا ذرعًا بالواقع السياسي والحقوقي الفلسطيني، وقرروا عدم العودة لمنازلهم من دون انتزاع حقوقهم الصحية المجانية الشاملة من مجلس أصبح لا يتجاوز دوره قيمته الرمزية. الاعتصام والمقصود به المبيت المفتوح حتى تحقيق الهدف ليس تكتيكًا من السهل البدء به، لكنه كان الطريقة الأنسب لوضع مطلبهم بتأمين صحي ومجاني شامل  للأشخاص ذوي الإعاقة على قائمة الأولويات. شكل المجلس التشريعي مساحة للبحث والتفكير والحشد وكتابة بيانات الحراك الدورية على مواقع التواصل الاجتماعي والتواصل مع المؤسسات في المرحلة الأولى، ومن ثم إدارة التفاوض مع المؤسسات المعنية والظهور على وسائل الإعلام في المرحلة اللاحقة.

أغلق الأمن الفلسطيني أبواب المجلس على المعتصمين بعد خمسة أيام من بدء الاعتصام وبدأت مرحلة التفاوض. في زيارة وكيل التنمية الاجتماعية، رفضت الحملة تعليق الاعتصام لمجرد استماعه للمطالب لأن الاستماع للمطالب لم يكن هو الهدف من الأساس. وعلى خلفية الضغط الشعبي في وقفة احتجاجية من الأفراد والمؤسسات الوطنية الداعمة للحراك، زار مستشار رئيس الوزراء الاعتصام وأعرب عن موافقته الشفويّة، متوقعًا بعدها عودة المعتصمين لمنازلهم.

لم يتوقف الاعتصام، رغم بدء حملة التفاوض على المطالب وصلاحياتها، رشح الحراك ممثلين عنه في كل اللقاءات الوجاهية مع المسؤولين بما فيها لقاء رئيس الوزراء الذي أسفر عن الموافقة على مأسسة النظام الصحي ومراجعة المسودة المقترحة التي قدمها الحراك. شملت المسودة حدًا أقصى من المطالب حتى يتسنى التفاوض عليها بدون المغامرة بأهداف محورية، فالحراك الذي تحمل كل الفترات الطويلة من التعرض للظلم وانتقاص الحقوق، لن يقبل أن يرضخ لضغط الوقت بحجة اتخاذ القرار بسرعة. تتوج الاعتصام بانتزاع الحراك لحقهم في الرعاية الصحية. في شباط 2022 بعد 63 يوم ونصف من الاعتصام، أنهى ذوو الإعاقة اعتصامهم بعد مؤتمر صحافي عُقد في المجلس التشريعي، حضره وفد من مجلس الوزراء الذي قام بتسليم المعتصمين نسخة مصدّقة من النظام الصحي المصدّق من الحكومة الفلسطينية،

متابعة تنفيذ القرارات الرسمية
حملة ابني- الاردن

تمكّنت حملة ابني التي انطلقت أكتوبر 2019 وأسسها أشخاص ذوي الإعاقة وأهالي الاشخاص ذوي الإعاقة من تفعيل مواد قانون حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة. وهو ما سيقودهم إلى انتزاع حقهم ونيل التزام وزارة الصحة بتأهيل 12 مركزاً صحياً ليقدم خدمات علاجية وتأهيلية للأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن التي يتجاوز فيها عدد الأشخاص ذوي الاعاقة مليون شخص. تستذكر اليوم روان بركات فرحتهم بافتتاح وزير الصحة لمركز صحي القويسمة الشامل في آذار 2022، تنفيذًا لمذكرة التفاهم التي وقعتها وزارة الصحة مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والحملة.

أما الآن، فتشارك الحملة في مجلس إدارة لجنة معنية بمتابعة تطبيق المذكرة من أجل تعزيز قدرتهم على صناعة القرار ومتابعة افتتاح 11 مركز صحي آخر وحققت تغييرًا بنيويًا في الانضمام لهذه اللجنة كممثلين عن أهل القضية من ذوي الإعاقة. لم يكن الانضمام قرارًا سهلاً على الحملة التي تسعى دائمًا للحفاظ على هويتها النضالية كجزء من الشارع الحقوقي وفي نفس الوقت تنفيذ التزامات الحكومة التي تحقق أهدافهم فعلاً لا قولاً. رغم أن توقيع مذكرة التفاهم والمشاركة في لجنة المتابعة هو أول خطوات تنفيذ الهدف الذي لطالما تطلعت له الحملة، إلا أن الجلوس مع صانع القرار على طاولة واحدة يفرض تحديات إضافية حول الحفاظ على تمثيل أهل القضية ومطالبهم والقدرة على مسائلة الحكومة على دورها.

تريد حملات التنظيم المجتمعي، بما فيها حملة ابني، إعادة انتزاع السلطة والمشاركة في صنع القرار، لكن ذلك لا يجب أن يعني تبني الخطاب الرسمي البعيد عن مطالب الشارع أو التهاون في تنفيذ الأهداف أو تقليل سقف التعبير عن الرأي والانتقاد. ولذلك، تسائل الحملة بشكل جدي انضمامها للجنة وتقوم بنقل مطالب الأشخاص ذوي الإعاقة في كل الجلسات التنسيقية، وتفصح عن ذلك في منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، بحيث تؤمن بأن دورها في هذه اللجنة هي صيرورة ووسيلة مؤقتة، لا بد وأن ينتهي دورها فيها بانتهاء تحقيق الهدف.

من صفحة “حملة ابني” على فيسبوك

تغيير السردية المجتمعية
بكرا أحلىفلسطين

انخرطت حنين السماك في فِرق كثيرة لمساعدة ذوي الإعاقة ودعمهم في غزة التي يبلغ فيها عدد ذوي الإعاقة نحو 48 ألفًا نتيجة الحروب الاسرائيلية المتتالية على المدينة، لكن تجربتها في حملة بكرا أحلى كانت مختلفة، على الصعيد التنظيمي في تشكيل فريق مؤسس مكون من 10 أشخاص ينسقون العمل في خمس فرق جغرافية. وعلى صعيد تحقيق الهدف وهو ضمان وجود 50 شخص ذوي إعاقة في الجمعيات العمومية ومجالس الإدارة للجمّعيات أو المؤسسات في غزة خلال عام 2021.

تقول حنين أن أهمية هذا الإنجاز تكمن في أن ذوي الإعاقة في قطاع غزة لم يأخذوا فرصهم بالمشاركة الفاعلة في اتخاذ القرار في المؤسسات والاتحادات الذين يتعاملون معهم كفئة مستهدفة، لكنهم عن طريق الجمعيات العمومية، وهي مؤسسات أهلية ذات هيئة عامة يحق لأفراد المجتمع المحلي المشاركة في عضويتها التي تخولهم لانتخاب مجلس الإدارة العليا فيها، يمكنهم من الحشد لقضاياهم بشكل أفضل، من مثل المشاركة في عقد البرامج الثقافية، تهيئة الاماكن لخدمة ذوي الاعاقة، وضمان مشاركة هذه الشريحة في التدريبات.

لم تتوقف الحملة عند تعيين 50 شخص في الجمعيات، بل سعت لضمان مشاركتهم في مجالس الإدارة التي تمنحهم صلاحيات أوسع في تصميم البرامج وتنفيذها. واحدة من قصص النجاح هي تعيين شخصين من حملة بكرا أحلى في جمعية الاصدقاء برفح، ومن ثم عضويتهم لمجلس الادارة التي مكنتهم من تنفيذ تدريبات ومؤتمرات تصب في خدمة حملة مناصرة تدعم المشاركة السياسية للنساء ذوي الاعاقة. تتطلع الحملة لاشراك 50 شخص آخرين في مجالس الإدارة وتأمل مع نهاية عام 2023 بتهيئة بيئة صديقة لذوي الإعاقة في المؤسسات والجمعّيات في غزة، سعيًا لتعزيز الهدف الأشمل الذي يسعون له وهو تغيير النظرة الاغاثية للمؤسسات تجاه الاشخاص ذوي الاعاقة إلى الحالة التشاركية التي تتيح لهم أن يكونوا جزءًا من التغيير. 

من صفحة الحملة على فيسبوك

تجسد هذه القصص مستويات مختلفة من القيادة ونضال أهل الحق لحقهم، بحيث يكونون هم الممثلون الشرعيون عن قضاياهم ويعملون بشكل منظم حتى تحقيق الهدف بدون تنازلات ثم متابعة تنفيذه على أرض الواقع بدون أن يصبحوا هم أنفسهم جزءًا من المنظومة البيروقراطية في تنفيذ القرارات. إلى جانب تحقيق الأهداف المطلبية أو السعي المستمر لها، فإن أهمية مشاركة هذه القصص والتأمل بها تتمثل في قدرتها على تغيير السردية السلبية الرائجة بين الناس وترسيخ قوة أهل القضية -إذا ما نظموا أنفسهم- في أذهان المجتمع وصانعي القرار.

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ، فئات مهمشة ، حقوق الطفل ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، فلسطين ، مصر



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني