القضاء الهولندي يأمر بوقف تسليح إسرائيل والدولة تطعن


2024-02-15    |   

القضاء الهولندي يأمر بوقف تسليح إسرائيل والدولة تطعن
من موقع Wikimedia Commons

للاطّلاع على نسخة محدّثة من المقالة اضغطوا هنا

أصدرت محكمة استئناف هولندية في 12 شباط 2024 قرارًا يقضي بإلزام الدولة الهولندية بوقف عمليات تصدير ونقل قطع غيار لطائرات F35 الحربية من هولندا إلى إسرائيل وذلك خلال مهلة سبعة أيّام من صدوره. وبحسب هذا القرار الصادر عن محكمة الاستئناف في لاهاي، فإن ثمة خطرًا واضحًا باحتمال استخدام إسرائيل هذه الطائرات لارتكاب انتهاكات جدّية للقانون الدولي الإنسانيّ في حربها على غزة.

وكانت هولندا قد اشتركت في برنامج الولايات المتحدة الأميركية بشأن طائرات F35 منذ العام 2001، ثم اشتركت فيه إسرائيل في العام 2010. وبموجب هذا البرنامج، أُنشئت ثلاثة مراكز حول العالم تخدم الدول الأعضاء فيه لتأمين قطع الطائرات وصيانتها، وأحد هذه المراكز يقع في هولندا. وفي العام 2016، أصدرت وزارة التجارة الخارجية والتعاون الإنمائي في هولندا لائحة تراخيص عامة تضع قواعد وشروط للحصول على ترخيص باستيراد القطع، ومنها احترام قواعد القانون الدولي الإنساني واحترام حقوق الإنسان في الدولة ذات الوجهة النهائية. وبعد 7 أكتوبر، أجرى وزير التجارة الخارجية والتعاون الإنمائي الهولندي تقييمًا لإعادة النظر في الترخيص الممنوح لإسرائيل بالاستيراد، إلا أنّه خلص إلى الإبقاء على الترخيص من دون تعديل. وهو ما حمل منظمات حقوقية هولندية إلى الاعتراض على هذا القرار لاعتبارها أنّ إسرائيل تستخدم هذه القطع لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية في غزّة. وقد أكّدت الحكومة الهولندية التزامها بتنفيذ قرار المحكمة، كما نيّتها الطعن به.

تأتي هذه القضية ضمن جهود المجموعات الحقوقية لوقف تسليح إسرائيل في حربها الإبادية على غزَة. وقد طرحت مسألة دور المحاكم الوطنية في توجيه السياسات الحكومية الخارجية في بلادها، لا سيّما فيما يتعلّق بالعلاقات العسكرية والتسليح، التي غالباً ما تُحاول الحكومات إبقاءها خارج رقابة المحاكم. وتكمن أهمية قرار محكمة استئناف لاهاي بأنّه أوّل قرار قضائي يصدر عن محكمة وطنية في اتجاه ضبط تسليح إسرائيل، بعدما كانت محكمة في الولايات المتحدّة الأميركية قد أعلنت عدم اختصاصها للنظر في طلب شبيه قبل أسابيع. كلّ ذلك في وقت تستمرّ عدد من الدول في تسليح إسرائيل بالرغم من الشبهة الجديّة بارتكابها مخالفات لاتفاقية حظر الإبادة الجماعية وفقاً لمحكمة العدل الدولية. فما هي تفاصيل هذه القضية وأي آثار لهذا القرار؟

المحكمة الابتدائية: التسليح مسألة سياسية

اعتراضًا على قرار الوزير، قدّمت ثلاث منظّمات حقوقية هولندية هي أوكسفام نوفيب وحركة السلام (PAX)  ومنتدى الحقوق، دعوى أمام محكمة لاهاي المحلية ضدّ الدولة الهولندية، وذلك دفاعاً عن مصالح المواطنين الفلسطينيين في غزة من ضحايا الحرب أو المعرّضين لأن يصبحوا كذلك، ودفاعًا عن المصلحة العامة التي تتحقق بالامتثال للقانون الدولي الإنساني ومنع الإبادة الجماعية، كما جاء في نصّ الدعوى. واعتبرت المنظمات الثلاث أنّ الدولة الهولندية، تنتهك القانون الدولي من خلال تزويد إسرائيل بقطع من معدّات حربية بالرغم من علمها أنّ الأخيرة تنتهك مبادئ أساسية من قوانين الحرب، وتقتل آلاف المدنيين وتدمّر البيوت في غزّة. وطلبت المنظّمات من المحكمة إصدار قرار بإلزام الدولة حظر تصدير أيّة قطع غيار لطائرات F35 الحربية تكون وجهتها النهائية إسرائيل.

بالمقابل، طلبت الدولة ردّ الدعوى وأجابت أنّها غير ملزمة بتطبيق هذا الحظر، وبأن وزير التجارة الخارجية والتعاون الإنمائي قد أجرى تقييمًا واسعًا في ضوء جميع ظروف الحرب، ووجد بأنّ وضع الحرب في غزة “شديد التعقيد” ولا يزال غير واضح، وبأن لدى الدولة الهولنديّة اعتبارات على صعيد السياسة الخارجية والسياسة الأمنية والتزامات قانونية دولية تمنعها من سحب الترخيص بالتصدير لإسرائيل.

وقد أصدرت المحكمة الابتدائية قرارها في 15/12/2023 قضتْ فيه بردّ دعوى المنظّمات معتبرةً بأن الظروف التي أخذها الوزير في عين الاعتبار هي معقولة خصوصًا لجهة افتراضه أن تغيير التصريح بالطريقة التي تطلبها المنظمات، يؤدّي إلى حظر التصدير والنقل إلى جميع الدول التي تزوّد إسرائيل بقطع الطائرات، ما يعني عمليًّا إلغاء نظام التصاريح برمّته.

كما أعلنتْ المحكمة أنّها لم تجد سببًا يدعوها إلى الموافقة على طلبات المنظّمات وأنّ على المحكمة تعقل نفسها عند النظر في قرارات الوزير ذات الطابع السياسيّ وأنّه عليها (أي المحكمة) أن تترك للوزير مجالًا كبيرًا من الحرّية لاتّخاذ قرارات مماثلة وتقدير المصالح والاعتبارات المرتبطة بموضوع الدعوى. وهو موقف شبيه لما صدر عن المحكمة الفيدرالية في كاليفورنيا في الولايات المتحدّة الأميركية في دعوى الإبادة المقامة بوجه إدارة الرئيس بايدن، حيث اعتبرت أنّ مسألة وقف تسليح إسرائيل تخرج عن الاختصاص القضائي وتبقى خاضعة للسلطة الاستنسابية للحكومة.

محكمة الإستئناف: حظر التسليح لاحتمال انتهاك إسرائيل قوانين الحرب

بعد صدور هذا القرار الابتدائي، طعنتْ المنظمات الثلاث به أمام محكمة الاستئناف في لاهاي، معتبرةً أنّ أن الدولة ملزمة بوقف تصدير قطع طائرات F35 إلى إسرائيل بناء على التزاماتها بالقانون الدولي العام واتفاقيات جنيف واتفاقية حظر الإبادة الجماعية واتفاقية تجارة الأسلحة والاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي، وهي جميعها حجج لم تأخذها المحكمة الابتدائية في الحسبان في قرارها المطعون فيه. بينما أجابت الدولة بأن طائرة F35 مهمة جدًّا لأمن إسرائيل، وأن من شأن أي قرار بحظر التصدير أن يؤثّر سلبًا على علاقة هولندا مع إسرائيل والولايات المتّحدة والدول الأخرى الشريكة في برنامج طائرات 35.

وعليه، أصدرت محكمة الاستئناف قرارًا رفضت فيه حجج الدولة ووجدت أن هناك خطرًا واضحًا من احتمال استخدام طائرات F35 الإسرائيلية لارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، وبأنّ إسرائيل لا تأخذ في عين الاعتبار عواقب هجماتها على السكان المدنيين والمنشآت المدنية في غزة، والتي أسفرتْ عن “عدد غير متناسب” من الضحايا المدنيين، بما في ذلك آلاف الأطفال. كما اعتبرت المحكمة أن هولندا طرف في العديد من المعاهدات الدولية التي تمنع تصدير المعدات العسكرية في حال وجود خطر واضح بوقوع انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، مما يعني أنّه يجب وقف تصدير قطع طائرات F35 إلى إسرائيل، الأمر الذي فشل وزير التّجارة الخارجية والتعاون الإنمائي الامتثال له. أمّا بشأن تأثير قرار الحظر على العلاقات مع سائر الدول المستوردة للأسلحة، فوجدت المحكمة أنّه بإمكان الدولة تعديل نظام التصاريح بالاستيراد بطريقة يتمّ فيها استبعاد إسرائيل كبلد ذي وجهة نهائية، وهو أمرٌ متروك للدولة.

الغائب الأكبر في قرار المحكمة الاستئنافية، كان  قرار محكمة العدل الدولية بإصدار أوامر بالتدابير الاحترازية في دعوى الإبادة الجماعية التي أقامتها جنوب أفريقيا ضدّ إسرائيل، حيث لم يتمّ التطرّق إليه ولا للدعوى في أيّ منها. مع العلم أنّ القرار المذكور أقرّ باحتمال مخالفة إسرائيل لاتفاقية حظر الإبادة الجماعية وسلّم بوجود خطر حصولها بحق الفلسطينيّين في غزّة، وأمر إسرائيل باتخاذ جميع التدابير في حدود سلطتها لمنع ارتكاب جميع أفعال الإبادة الجماعية. وقد يعود تجنّب محكمة الاستئناف لهذا الأمر إلى عدم حاجتها للخوض في إثبات وجود خطر بالإبادة طالما أنّه يكفي من أجل اتخاذ موقفها أن تثبت وجود خطر ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية.

بناءً على هذه الأسباب أصدرت المحكمة قرارًا بإلزام الدولة بوقف تصدير هذه القطع إلى إسرائيل خلال أسبوع من صدوره.

تقارير المنظمات الدولية حاضرة في قرار المحكمة

اللافت في القضية، أنّ محكمة الاستئناف استندت إلى تقارير وتصاريح عديدة لمنظّمات دولية وهيئات وأفراد تابعين للأمم المتحدة لإثبات الواقع اللاإنساني في غزة، وذلك على غرار ما فعلته محكمة العدل الدولية في قرارها بشأن التدابير الاحترازية في قضية الإبادة الجماعية التي قدّمتها جنوب أفريقيا ضدّ إسرائيل، مع الإشارة إلى أن محكمة الاستئناف الهولندية لم تتطرّق أبدًا إلى قرار محكمة العدل الدولية، علمًا أنّ الدعوى والاستئناف قدّما قبل صدوره ولم يتطرّقا إليه.

ومن جملة الجهات التي استندت المحكمة إلى تقاريرها، تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الذي تناول الوضع الإنساني في غزة، وذكر فيه أن 44% من الأسر في غزة تعاني من الجوع الشديد وبأن المستشفيات تتعرض لقصف ثقيل وأن عدد المستشفيات الفاعلة في القطاع انخفض من 36 إلى 8. وكذلك استندت إلى تقريرين صادرين عن منظمة العفو الدولية، الأول في 20 تشرين الأول 2023 والثاني في 5 كانون الأول 2023، اعتبرت فيهما أنّه بناء على التحقيقات الميدانية التي أجرتها فإن إسرائيل تستهدف مواقع مدنية وتشنّ هجمات عشوائية ولم تتّخذ الاحتياطات اللازمة لتجنّب المدنيين وأن هناك أدلة دامغة على أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب.

كما استندت المحكمة إلى بيان المقرر الخاص المعني بالحق في الصحة المعيّن من قبل مجلس حقوق الإنسان في  الأمم المتحدة الذي قال فيه أن غزة تعرّضت إلى 363 هجومًا على الأقل على مرافق صحية، وبأن المستشفى الاندونيسي قصف 35 مرة، وأنّ البنية التحتية الصحية في غزة قد دُمرت. كذلك استندت إلى بيان مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في السكن اللائق الذي أدان فيه الهجمات على المرافق المدنية في غزة، وفقًا لما سمّاه DOMICIDE أي جرم قتل المنازل، بالإضافة إلى بيان خبراء الأمم المتحدة التسعة الصادر في 19 تشرين الأول 2023 والذي اعتبر أن إسرائيل ترتكب جرائم ضدّ الإنسانية في غزة.

جولة جديدة مرتقبة

اليوم نفسه لصدور قرار محكمة الاستئناف في لاهاي، أعلن الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بني غانتس بعد لقائه رئيس وزراء هولندا مارك روته أن الأخير أخبره بأن حكومته ستعمل على تعديل القرار القضائي. وبالفعل سارعت الحكومة الهولندية للإعلان أن الدولة ستطعن بالقرار أمام محكمة النقض، مع تأكيدها أنها تحترم قرار محكمة الاستئناف وستُنفّذه.

وبحسب بيانها، اعتبرت الحكومة أن تصدير قطع طائرات F35 الأميركية إلى إسرائيلي هو عمل قانونيّ وأنّه يعود للدولة تحديد سياستها الخارجية، وهو الأمر الذي لم تلتفتْ إليه محكمة الاستئناف بشكل كافٍ، مع التأكيد على موقف هولندا المطالب ب “وقف فوري إنساني مؤقت لإطلاق النار” والسماح بدخول المساعدات إلى غزة.

بالطبع، لم يتطرّق البيان إلى قرار محكمة العدل الدولية الأخير في دعوى الإبادة. ومن المعروف أنّ اتفاقية الإبادة لا تعاقب على فعل ارتكاب الإبادة فحسب، بل أيضاُ على التواطؤ والمشاركة والتآمر على ارتكابها، ما يجعل أية دولة تعرقل إنفاذ قرار محكمة العدل الدولية في موقع اتهام بالمشاركة والتواطؤ في ارتكاب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني. فلماذا تضع الحكومة الهولندية نفسها في موضع شبهة الاشتراك والتواطؤ في جريمة الإبادة؟

انشر المقال

متوفر من خلال:

قرارات قضائية ، الحق في الحياة ، مقالات ، فلسطين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني