دعاوى لوقف تسليح إسرائيل: القضاء الهولندي أوّل من يستجيب


2024-04-09    |   

دعاوى لوقف تسليح إسرائيل: القضاء الهولندي أوّل من يستجيب
رسم رائد شرف

في إطار جهود المجموعات الحقوقية لوقف تسليح إسرائيل في حربها الإبادية في غزّة، أصدرت محكمة الاستئناف الهولندية في لاهاي في 12/2/2024 قرارًا يلزم الدولة الهولندية بوقف تصدير ونقل قطع غيار لطائرات F35 الحربية من هولندا إلى إسرائيل وذلك خلال مهلة سبعة أيّام من صدوره. وأشار القرار إلى الخطر الواضح باحتمال استخدام إسرائيل هذه الطائرات لارتكاب انتهاكات جدّية للقانون الدولي الإنسانيّ في حربها على غزة.

وكانت هولندا قد اشتركت في برنامج الولايات المتحدة الأميركية بشأن طائرات F35  منذ العام 2001، قبل أن تشترك فيه إسرائيل في عام 2010. وبموجبه، أُنشئت ثلاثة مراكز حول العالم تخدم الدول الأعضاء فيه، لتأمين قطع الطائرات وصيانتها، وأحدها يقع في هولندا. وفي 2016، أصدرت وزارة التجارة الخارجية والتعاون الإنمائي في هولندا لائحة تراخيص عامّة تضع قواعد وشروط للحصول على ترخيص باستيراد القطع، منها احترام قواعد القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في دولة الوجهة النهائية. وبعد 7 أكتوبر، أجرى وزير التجارة الخارجية والتعاون الإنمائي الهولندي تقييمًا لإعادة النظر في الترخيص الممنوح لإسرائيل بالاستيراد، لكنه خلص إلى الإبقاء على الترخيص بلا تعديل. حمل ذلك منظمات حقوقية هولندية إلى الاعتراض على هذا القرار لاعتبارها أنّ إسرائيل تستخدم هذه القطع لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية في غزّة. وقد أكّدت الحكومة الهولندية التزامها بتنفيذ قرار محكمة الاستئناف، كما نيّتها الطعن به.

طرحت هذه القضية مسألة دور المحاكم الوطنية في توجيه السياسات الحكومية الخارجية في بلادها، لا سيّما بما يتعلّق بالعلاقات العسكرية والتسليح، التي تُحاول الحكومات غالبًا إبقاءها خارج رقابة المحاكم. فما هي تفاصيل هذه القضية وأي آثار لهذا القرار؟

المحكمة الابتدائية: التسليح مسألة سياسية

اعتراضًا على قرار الوزير، قدّمت ثلاث منظّمات حقوقية هولندية هي “أوكسفام نوفيب” و”حركة السلام” (PAX) و”منتدى الحقوق“، دعوى أمام محكمة لاهاي المحلية ضدّ الدولة الهولندية، دفاعًا عن مصالح الفلسطينيين في غزة من ضحايا الحرب أو المعرّضين لأن يصبحوا كذلك، وعن المصلحة العامة التي تتحقق بالامتثال للقانون الدولي الإنساني ومنع الإبادة الجماعية، كما جاء في الدعوى. واعتبرت المنظمات أنّ الدولة الهولندية تنتهك القانون الدولي بتزويدها إسرائيل بقطع من معدّات حربية رغم علمها أنّها تنتهك قوانين الحرب، وتقتل المدنيين وتدمّر البيوت في غزّة. وطلبت من المحكمة إلزام الدولة بوقف تصدير أيّة قطع لطائرات F35 تكون وجهتها النهائية إسرائيل.

في المقابل، طلبت الدولة ردّ الدعوى وأجابت أنّها غير ملزمة بتطبيق الحظر، وبأنّ الوزير أجرى تقييمًا واسعًا في ضوء ظروف الحرب، فوجد بأنّ وضع الحرب في غزة “شديد التعقيد” ولا يزال غير واضح، وبأنّ لهولندا اعتبارات على صعيد السياسة الخارجية والأمنية والتزامات قانونية تمنعها من سحب الترخيص بالتصدير.

وأصدرت المحكمة قرارها في 15/12/2023 بردّ الدعوى معتبرةً أنّ الظروف التي أخذها الوزير في الحسبان معقولة، خصوصًا لجهة افتراضه أنّ تغيير التصريح بالطريقة التي تطلبها المنظمات، يؤدّي إلى حظر التصدير والنقل إلى جميع الدول التي تزوّد إسرائيل بقطع الطائرات، ما يعني عمليًّا إلغاء نظام التصاريح برمّته. وأعلنتْ المحكمة أنّها لم تجد سببًا يدعوها للموافقة على الطلبات، وأنّ عليها أن تعقل نفسها عند النظر في قرارات الوزير ذات الطابع السياسيّ وأن تترك له مجالًا كبيرًا من الحرّية لاتّخاذ قرارات مماثلة وتقدير المصالح والاعتبارات المرتبطة بموضوع الدعوى.

محكمة الاستئناف: حظر التسليح لاحتمال انتهاك إسرائيل قوانين الحرب

طعنتْ المنظمات في القرار الابتدائيّ أمام محكمة الاستئناف في لاهاي، معتبرةً أنّ الدولة ملزمة بوقف تصدير قطع طائرات F35 إلى إسرائيل بناء على التزاماتها بالقانون الدولي العام واتفاقيات جنيف واتفاقية حظر الإبادة الجماعية واتفاقية تجارة الأسلحة والاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي. وهذا ما لم تأخذه المحكمة الابتدائية في الحسبان. بينما أجابت الدولة بأنّ طائرة F35 مهمّة جدًّا لأمن إسرائيل، وأنّ حظر التصدير قد يؤثّر سلبًا على علاقتها مع إسرائيل والولايات المتّحدة والدول الأخرى الشريكة في برنامج الطائرات.

وعليه، أصدرت محكمة الاستئناف قرارًا رفضت فيه حجج الدولة، وأمرتها بوقف تصدير هذه القطع إلى إسرائيل خلال أسبوع من صدوره. ووجدت المحكمة أنّ هناك خطرًا واضحًا من احتمال استخدام طائرات F35 الإسرائيلية لارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، وأنّ إسرائيل لا تأخذ في عين الاعتبار عواقب هجماتها على المدنيين والمنشآت المدنية في غزة، والتي أسفرتْ عن “عدد غير متناسب” من الضحايا المدنيين بينهم آلاف الأطفال. وقد استندت إلى تقارير لمنظّمات دولية وهيئات وأفراد تابعين للأمم المتحدة لإثبات الواقع اللاإنساني في غزة.

كما اعتبرت المحكمة أنّ هولندا طرف في عدد من المعاهدات الدولية التي تمنع تصدير المعدات العسكرية في حال وجود خطر واضح بوقوع انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، ممّا يعني أنّ عليها وقف تصدير قطع طائرات F35 إلى إسرائيل، الأمر الذي لم يمتثل له وزير التّجارة الخارجية والتعاون الإنمائي. أمّا بشأن تأثير قرار الحظر على العلاقات مع الدول الأخرى المستوردة للأسلحة، فوجدت المحكمة أنّ بإمكان الدولة تعديل نظام التصاريح بالاستيراد بطريقة تستبعد إسرائيل كبلد ذي وجهة نهائية، وهو أمرٌ متروك للدولة.

وكان الغائب الأكبر في قرار المحكمة هو قرار محكمة العدل الدولية بإصدار أوامر بالتدابير المؤقتة في 26/1/2024 في الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا ضدّ إسرائيل والذي أقرّ بوجود خطر الإبادة الجماعية في حقّ الفلسطينيين في غزّة ، حيث لم يتمّ التطرّق إليه ولا للدعوى.

جولة جديدة مرتقبة

في اليوم نفسه لصدور قرار محكمة الاستئناف في لاهاي، أعلن الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بني غانتس بعد لقائه رئيس وزراء هولندا مارك روته أنّ الأخير أخبره بأنّ حكومته ستعمل على تعديل القرار القضائي. وبالفعل سارعت الحكومة الهولندية للإعلان أنّ الدولة ستطعن في القرار أمام محكمة النقض، مع تأكيدها أنّها تحترم قرار محكمة الاستئناف وستُنفّذه. واعتبرت الحكومة في بيان أنّ تصدير قطع طائرات F35 الأميركية إلى إسرائيل هو عمل قانونيّ وأنّه يعود للدولة تحديد سياستها الخارجية، وهو الأمر الذي لم تلتفتْ إليه محكمة الاستئناف بشكل كافٍ، مع التأكيد على موقف هولندا المطالب بـ “وقف فوري إنساني مؤقت لإطلاق النار” والسماح بدخول المساعدات إلى غزة.

السبحة تكرّ خارج هولندا

لم يقتصر هذا التحرّك القضائي على هولندا، فقد شهدت المملكة المتّحدة ادّعاءً مماثلًا أمام المحكمة العليا، تقدّمت به مؤسسة “الحق” الفلسطينية لحقوق الإنسان وائتلاف Global Legal Action Network، ضدّ وزارة الأعمال والتجارة البريطانية لوقف بيع قطع الغيار العسكرية والأسلحة لإسرائيل التي تستخدمها لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية. لكن المحكمة ردّت الدعوى في شباط الماضي، إذ اعتبرت أنّ المعيار الذي يجب أن تستند عليه الوزارة هو “الخطر الواضح” و”المخالفة الجسيمة” للقانون الدولي الإنساني. وأضافت أنّ هناك “عقبة كبيرة” يجب تجاوزها لإثبات أن استنتاج الحكومة فيما يتعلّق بمدى مخالفة إسرائيل للقانون الدولي الانساني كان غير منطقيّ، وأنّه لا احتمال واقعي للتغلّب على هذه العقبة في هذه الدعوى. في المقابل، أعلن المدّعون أنّهم في صدد الطعن في هذا القرار.

وفي الموضوع نفسه، تقدّم فلسطينيّون كنديّون وعددٌ من محامي حقوق الإنسان في كندا في 5 آذار 2024 بدعوى لإلزام الحكومة الكندية بوقف رخص تصدير المعدّات والتكنولوجيا العسكريّة التي تكون وجهتها إسرائيل، ولم يصدر فيها قرار بعد. كما أعلنت 4 منظّمات حقوقيّة أنّها ستدّعي على الشرطة الوطنية ووزارة الخارجية في الدانمارك لوقف التصدير المباشر وغير المباشر للأسلحة والمعدّات العسكريّة إلى إسرائيل، لوجود خطر واضح باستخدامها في جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية المحتملة. وفي ألمانيا، سجلّت أوّل شكوى جزائية في شباط 2024 حيث تقدّمت مجموعة من المحامين الألمان الذين يمثّلون عائلات اثنين من سكّان غزة بشكوى ضد المستشار الألماني ومسؤولين حكوميين ألمان، وذلك بتهمة المساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة من خلال تزويد إسرائيل بالأسلحة.

في الخلاصة، من المعروف أنّ اتفاقية الإبادة لا تعاقب على فعل ارتكاب الإبادة فحسب، بل أيضًا على التواطؤ والمشاركة والتآمر على ارتكابها، فهل ستبقى الحكومات الداعمة لإسرائيل بما فيها الرافضة لوقف تسليحها، بمنأى عن الملاحقة بجريمة الاشتراك في ارتكاب الإبادة الجماعية، خصوصًا  بعد ثبوت خطر وقوعها بقرار محكمة العدل الدولية؟

نشرت نسخة أولى من هذه المقالة في تاريخ 15-02-2024

نشر هذا المقال في الملف الخاص في العدد 72 من مجلة المفكرة القانونية – لبنان

لتحمل الملف بصيغة PDF

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، فلسطين ، محاكم أجنبية ، جريمة الإبادة الجماعية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني