الشرطة تقتحم مطعما بالمغرب: عودة الحراك لرفع التجريم عن الإفطار في رمضان


2022-04-29    |   

الشرطة تقتحم مطعما بالمغرب: عودة الحراك لرفع التجريم عن الإفطار في رمضان

داهمت عناصر من الشرطة أحد المطاعم وسط مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمغرب، زوال يوم الأربعاء 28 أبريل من العام الجاري، حيث تم توقيف عدد من الأشخاص الذين كانوا بصدد تناولهم للطعام واقتيادهم إلى مخفر الشرطة للتحقيق معهم. وتعيد هذه القضية إلى الواجهة مطالب الحركة الحقوقية بالمغرب بمراجعة مقتضيات القانون الجنائي لرفع التجريم عن الإفطار العلني خلال شهر رمضان، بما يكفل احترام الحريات الفردية والحق في الخصوصية.

قانون تجريم الإفطار في رمضان

ينص الفصل 222 من القانون الجنائي، على ما يلي: “كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من اثني عشر إلى مائة وعشرين درهما”. [1]

يثير هذا النص العديد من الإشكاليات على مستوى طريقة صياغته والتي تتسم بالعمومية بشكل يتنافى مع مبدأ الشرعية الجنائية وما يقتضيها من عدم قابلية النص الجنائي للتفسير الواسع. فما المقصود بعبارة “من عرف باعتناق الدين الإسلامي”؟ وكيف يمكن إثبات اعتناق الشخص للدين الإسلامي طالما أنّ هذا المعطى يدخل ضمن المعطيات الشخصية، والتي لا تتم الإشارة إليها في وثائق الهوية بالمغرب؟ وهل الأصل هو اعتناق الشخص للدين الإسلامي؟ ومن يقع عليه عبء إثبات هذا الشرط؟ على السلطات المكلفة بإنفاذ القانون، أم الشخص الذي يتم توقيفه؟ وكيف يمكن إثبات أن الشخص معروف باعتناقه الدين الإسلامي؟ وكيف يمكن لهذا الأخير أن يثبت خلاف ذلك؟

من جهة ثانية، تطرح عبارة “التجاهر” عدة إشكاليات في تكييف الفعل. فهل تتحقق هذه “الجريمة” بمجرد تواجد الشخص وهو بصدد تناول الطعام في مكان عمومي، أو يمكن أن يتحقق هذا الشرط حتى في حالة تواجد الشخص في مكان خاص وهو يتناول الطعام واطلاع الأغيار على ذلك؟

من جهة ثالثة، فإن شرط انتفاء “العذر الشرعي” الذي يبيح الإفطار يطرح بدوره إشكالات أعمق، خاصة وأنه لا يوجد أي قانون يفرض الصوم، ويحدد حالات الأعذار “الشرعية” المبيحة للإفطار، والتي تبقى أمورا دينية تقبل التأويل بحسب مذاهب الفقه، وتخضع لحرية الاعتقاد والضمير. علما بأن هذه العبارة تطرح إشكاليات أخرى حول الجهة التي يعود إليها تقدير مدى توافر العذر الشرعي المبيح للإفطار في رمضان، ومدى صلاحية تخويل السلطات المكلفة بإنفاذ القانون من شرطة ودرك صلاحية مراقبة مدى توافر هذا الشرط.

من جهة رابعة، يلاحظ عدم الانسجام بين العقوبة السجنية التي يحددها هذا النص والتي تصل الى 6 أشهر حبسا، والغرامة المالية المخففة والتي قد لا تتجاوز 200 درهم/ حوالي 20 دولار. وهو ما يبرز هول السلطة التقديرية الواسعة الموكولة للسلطات المكلفة بانفاذ القانون في تطبيق هذا النص.

الملاحقات بتهم الإفطار في رمضان وسؤال السياسة الجنائية

تثير واقعة اقتحام مطعم الدار البيضاء إشكالية أخرى تتعلق بسؤال أولويات السياسة الجنائية في علاقتها ببعض الأفعال المرتبطة بالحريات الفردية.

وأول سؤال يطرح في المجال، حول الجهة التي أعطت التعليمات بمداهمة المطعم وتوقيف المفطرين في رمضان، وما إذا كان الأمر يرجع الى اختصاص الشرطة الإدارية، أي يندرج ضمن أعمال الوقاية من ارتكاب الجريمة والتي تقوم به دون إشراف النيابة العامة، أو يرجع إلى اختصاص الشرطة القضائية التي يكون هدفها التدخل عقب ارتكاب الجريمة وبعد تلقي التعليمات اللازمة من طرف النيابة العامة.

يشير تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2020، إلى تسجيل 64 قضية فقط تتعلق بالإفطار العلني في رمضان خلال سنة 2020، تمّ على إثرها متابعة 68 شخصا من أجل هذه الجريمة، وتبقى معدلات الملاحقات القضائية بهذا الفعل ضئيلة جدا مقارنة بالأفعال الأخرى المتعلقة بالحريات الفردية.

بخصوص القضايا التي تم رصدها وتداولها على نطاق واسع خلال الأعوام السابقة، للتوقيفات بسبب الإفطار العلني في رمضان يمكن التمييز بين حالتين:

– الحالة الأولى: وهي التوقيفات التي تتم عقب إطلاق حملات للإفطار العلني من طرف نشطاء يطالبون برفع التجريم عن هذا الفعل، حيث تتدخل السلطات وتقوم بمنعها.

– الحالة الثانية: وقائع معزولة في بعض المدن أو القرى حيث يتم مداهمة بعض مفطري رمضان في الأماكن العامة أو الخاصة من طرف مواطنين في إطار ما يسمى بشرع اليد، حيث تتدخل السلطات لتوقيف المفطرين.

لكن واقعة اقتحام مطعم الدار البيضاء يشكل سابقة في تنظيم حملات أمنية لاستهداف المطاعم التي تقدم وجبات الطعام في نهر رمضان لغير الصائمين، خاصة وأن الموقوفين بحسب وسائل الإعلام التي تداولت الخبر، هم أشخاص عاديون اختاروا عدم الصوم لأسبابهم الخاصة، وتواجدهم بالمطعم لا علاقة له بدعوات سابقة للنشطاء المناهضين للفصل 222 من القانون الجنائي.

عودة الحراك المناهض لتجريم الإفطار العلني في رمضان

بمجرد تداول خبر اقتحام مطعم الدار البيضاء، انطلقت حملة واسعة للتنديد بهذا التدخل الذي يمس بحرية المعتقد والضمير والحق في الخصوصية. وفي هذا الصدد انتقد رئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب، سامي لمودني، إيقاف شبان يأكلون بعيدا عن الأنظار، للاشتباه في ارتكابهم جنحة الإفطار العلني خلال شهر رمضان. وقالت كريمة ندير، ناشطة حقوقية، إن الأمر يتعلق بـ ”محاكم التفتيش في عهد النموذج التنموي”. من جهته أدان عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، واقعة مداهمة المطعم، قائلا: “كلما ظننا أننا نتقدم تأتي واقعة تعيدنا خطوات إلى الوراء”، مشيرا إلى أن “الإفطار في مقهى أو مطعم لا يعتبر علنيا”، موضحا بأن المطعم المذكور ظل مفتوحا منذ بداية رمضان، معتبرا أن مداهمته في هذا الوقت المتزامن مع اقتراب نهاية رمضان، “تحمل إشارة قوية إلى أننا لا نحترم حقوق الإنسان”، مستنكرا أن تأتي هذه الواقعة عقب يومين على مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري للحقوق السياسية والمدنية الذي ينص على حرية المعتقد والضمير.

كما شدد منتدى الحداثة والديمقراطية على ضرورة إلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي وبقية الفصول المجرمة للحريات الفردية، واستحضار روح دستور 2011 الذي ينص على حرية الفكر والضمير.

وتجدر الإشارة الى أن النيابة العامة قررت إخلاء جميع الموقوفين عقب الاستماع إليهم في محاضر قانونية. وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة، في تصريحات إعلامية عقب الضجة التي خلفها هذا الخبر، بأن عملية التوقيف من طرف الشرطة تمّت في ظروف انسانية تحترم بدقة المقتضيات القانونية، في وقت أكدت فيه العديد من منظمات المجتمع المدني على مواصلتها لحملات المناصرة لإلغاء الفصول التي تجرم الحريات الفردية تزامنا مع ورش مراجعة القانون الجنائي.

مواضيع ذات صلة

المغرب: حراك لإلغاء تجريم الافطار العلني في رمضان

الأكل ليس جريمة”: حملة لإلغاء عقوبة الإفطار العلني في شهر رمضان في المغرب

المغرب: الإفطار العلني في رمضان.. جريمة تقود للسجن وجدل بمواقف متناقضة

المغرب: أحكام بالسجن تلاحق مجاهرين بالإفطار في رمضان

ناشطو الفايسبوك يفضحون تجاوزات الأمن ويفرضون الحق في الافطار في تونس

بدء مناقشة تعديل القانون الجنائي في المغرب:

ظاهرة “شرع اليد” في المغرب


[1] – بعد رفع الحد الأدنى للغرامات الجنحية إلى 200 درهم بمقتضى الفصل الثاني من قانون رقم 3.80 المغيرة بموجبه بعض مقتضيات القانون الجنائي، أصبح الحد الأدنى للغرامة في هذا الفصل أكبر من الحد الأقصى. ولذلك فإن مبلغ الغرامة في هذه الحالة لا يمكن أن يقل عن الحد الأدنى.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، أجهزة أمنية ، حركات اجتماعية ، إقتراح قانون ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني