ظاهرة “شرع اليد” في المغرب


2018-06-04    |   

ظاهرة “شرع اليد” في المغرب

ظهر مصطلح " قضاء الشارع" أو "قضاة الشارع" مؤخرا في المغرب في وسائل الإعلام بشكل لافت للدلالة على ظاهرة اجتماعية متمثلة في قيام الأفراد أو الجماعات باقتضاء حقوقهم بأنفسهم أو القصاص لحقهم أو للحق العام بأيديهم دون انتظار تدخل  مؤسسات الدولة الشرطية والقضائية منها. كما يعبّر عن هذا الفعل اجتماعيا ب "شرع اليد" وهي كلمة تستعمل في الدارجة المغربية لنفس المعنى.

وقد طفت الحوادث المرتبطة بهذا الأمر كثيرا في السنوات الأخيرة، بحيث تهجم في العديد من المرات بعض  الناس على  شخص أو أكثر نتيجة لارتكابهم فعلا معينا، تم اعتباره من طرفهم إما تعديا على الدين أو الأخلاق الاجتماعية السائدة أو حتى على القانون نفسه.  وبالتالي أصبحت الظاهرة هذه مقلقة جدا، ولا أدل على ذلك من كونها أضحت حديث الإعلام والرأي العام والجمعيات الحقوقية.

فما هي أنواع الظاهرة ومسبباتها؟ وكيف يتعامل معها القانون المغربي؟ وهل المعالجة القانونية كافية؟

 

أولا : أنواع الظاهرة ومسبباتها

إن البحث عن جذور ظاهرة "شرع اليد" في المغرب سوف يقود بكل تأكيد إلى أنها ليست جديدة بالمرة، بل هي مرتبطة بثقافة اجتماعية متجذرة لدى أفراد المجتمع والتي تقضي بعدم السماح في الحق الشخصي لكون ذلك يعد جبنا  أو  بعدم التطبيع مع السلوكيات التي تعتبر مرفوضة اجتماعيا أو قانونيا أو دينيا. وبالتالي لا  يتصور مثلا، أن يجد شخص أحد يمارس العلاقة الجنسية بشكل علني أو يفطر رمضان أو يجاهر بالمثلية الجنسية بشكل علني  دون أن يكون هناك رد فعل اجتماعي تجاه مرتكب مثل هذه الأفعال. وطبعا قوة الرد هاته قد تختلف من منطقة جغرافية لأخرى ومن البادية إلى المدينة وهكذا. إلا أن عدم الرد بشكل نهائي ليس مضمونا، ويبقى الجديد في الظاهرة إذاً هو خروجها إلى الإعلام وتناولها فيه من عدة زوايا، أهمها ربطها بالتطرف الديني أحيانا والعنف الاجتماعي أحيانا أخرى أو الجمع بينهما. وذلك بسبب انتشار الخطاب الحقوقي ونشاط الجمعيات المدنية ذات التوجهات الحقوقية الكونية[1].

وبينما ترتبط الظاهرة في عدة دول بالمجموعات ذات التوجهات الدينية التي تدخل رد الفعل هذا في باب "النهي على المنكر" اعتمادا على تفسيرها لنصوص دينية معينة وفق فهمها الخاص لها، فإن الأمر في المغرب[2] يرتبط غالبا برد فعل تلقائي من طرف شخص أو مجموعة تجاه مرتكب فعل يعتبر بالنسبة إليه مخالفة أو مخلة بالحياء او تعديا على الدين أو غير ذلك من التكييفات التي تُعطى لهذا الفعل. وهو ما يدفع إلى البحث في مسببات الظاهرة التي نذكر أنها ليست جديدة بالمغرب.

يمكن اعتبار أن مسببات الظاهرة متعددة، بحكم أنها تشكل ثقافة اجتماعية لدى فئات عريضة من عامة  الناس،  تنطلق مما ديني وثقافي وتعليمي ونفسي. ففهم الدين وفق تصورات احادية متواترة عبر العصور مع ثقافة اجتماعية تعتمد على بث وزرع بعض الأفكار الخاطئة حول مفاهيم معينة، مثل مفهوم الرجولة والشجاعة والشهامة والنظر لوضعية المرأة وغيرها، وتكريس ذلك بوعي أو بدونه في برامج التعليم، فضلا عن الجانب النفسي للأفراد والجماعات الميال أحيانا للعنف بفعل التنشئة الاجتماعية أو بفعل المؤثرات الخارجية الأخرى ولاسيما وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة. ولذلك فإن علاج الظاهرة والتعاطي معها لا بد وأن ينطلق من هذه المسببات وتصحيحها أولا.

 

ثانيا: العلاج القانوني للظاهرة ومدى فعاليته

نشير في البداية إلى أن هذه الظاهرة بالمغرب وفي العديد من مظاهرها لا تعتبر رفضا للقانون ولسلطان الدولة في توقيع العقاب، كما هو حال ما تؤمن وتقوم به المجموعات الدينية المنظمة. بل، على العكس، هناك إيمان بدور القانون ومؤسسات الدولة لكن رغم ذلك يتصرفون بهذه الطريقة. ولا أدل على ذلك أنه يتم أحيانا القيام برد فعل من طرف الأفراد بشكل تلقائي باستخدام العنف تجاه مرتبك الفعل المسبب "للاستفزاز الاجتماعي"، ثم يسلم لاحقا إلى السلطات أو يتم استدعاؤها لنقله ومحاكمته إذا كان الفعل يشكل مخالفة للقانون. ويلحظ أن ما يقومون به يشكل فعلا مجرما قد تكون عقوبته أشد من الفعل الذي ارتكبه الشخص المعني بالظاهرة.

وأما بالنسبة للقانون المغربي، فإنه وإن لم يخصص للظاهرة مقتضيات قانونية خاصة، فإن الأفعال التي يتم ارتكابها تخضع للقانون الجنائي المغربي ويتم تكييفها من طرف النيابة العامة حسب نوعية الفعل المرتكب، بحسب ما إذا كانت ضربا أو جرحا أو عنفا أو غير ذلك من الأفعال المشكلة للجريمة. كما يتم تكييفها إما على أنها جنحة أو جناية بحسب خطورة الفعل ونتيجته. وفي جميع الحالات التي حصلت في المغرب خلال السنوات الأخيرة، تفاعلت معها النيابة العامة وأصدرت بلاغات وفتحت أبحاثا أفضت إلى تقديم المتهمين في هذه الحالات إلى العدالة. وكان آخرها حادث مماثل وقع في ضواحي مدينة آسفي المغربية يوم 24-5- 2018[3]. إلا انه مع ذلك بقيت هذه الظاهرة تتكرر باستمرار. وبالتالي، هل يمكن القول أن المقاربة القانونية أضحت غير كافية؟

بامكاننا القول أن المقاربة القانونية بشكلها الحالي والتي تعتمد على النصوص العامة للقانون الجنائي لم تعد كافية. فهذه الظاهرة أصبحت بحاجة إلى تخصيصها بمقتضيات جنائية خاصة تستجيب لمتطلبات محاربة الظاهرة من حيث ضرورة استيعاب بعض الأفعال والرفع من العقوبات. إلا أنه رغم ذلك ومهما كان النص الجنائي شاملا فإنه لا يكمن تحقيق نتيجة مهمة ما لم يتم القضاء على مسببات الظاهرة بالشكل المشار إليه أعلاه. وهذا ما يتطلب فتح نقاشات مجتمعية حول بعض المفاهيم الاجتماعية والعمل على تنفيذ التوصيات والمخرجات وفق برامج تشرف عليها جهات مكلفة بالثقافة وفق مقاربة تشاركية مع جمعيات المجتمع المدني المؤهلة. ونفس الأمر يُقال من الناحية الدينية والتعليمية والسلوكية، ما لم تعتمد الحكومة بجميع أجهزتها على حملات تحسيسية وتوعية تجعل أفراد المجتمع جميعا يقتنعون ويؤمنون بأن من مصلحة المجتمع ككل ومصلحة الأفراد أن تحتكر الدولة سلطان التشريع والعقاب، وأن منطق "شرع  اليد" أو "قضاء الشارع" إنما يولد الفوضى التي ليست في مصلحة أحد[4]

 


[1] – المقصود الجمعيات التي تعتمد في ادبياتها على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاعلان العالمي لحقوق الانسان وغيرهما من المواثيق الدولية.

[2] – على الاقل في الحالات التي يتناولها الاعلام  مؤخرا ، لا يبدو فيها بصمة لأي مجموعة دينة ، – انظر بعض هذه الحالات في الرابط الاتي : https://www.maghrebvoices.com/a/agression-morocco-/383839.html تاريخ المشاهدة يوم 03-06-2018

[3] – يراجع تفاصيل الحادث على الرابط الآتي : https://ar.hibapress.com/details-53678.html تاريخ المشاهدة هو يوم 03-06-2018

[4] – انظر عبداللطيف الشنتوف تصريح مصور لموقع هسبريس الاخباري يوم 01-06-2018 متاح على الرابط الآتي : https://m.hespress.com/videos/393854.html

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني