المغرب: الإفطار العلني في رمضان.. جريمة تقود للسجن وجدل بمواقف متناقضة


2018-05-22    |   

المغرب: الإفطار العلني في رمضان.. جريمة تقود للسجن وجدل بمواقف متناقضة

في كل سنة، وبالتزامن مع شهر رمضان، يتجدد النقاش والجدل في المغرب، حول حرية عدم الصيام، والإفطار العلني في هذا الشهر، إذ تتعالى الأصوات الحقوقية المطالبة بتعديل البنود القانونية المجرمة لفعل الإفطار العلني، مقابل أخرى تدعو إلى "عدم استفزاز مشاعر الصائمين"، و"تشديد الخناق على دعاة الإفطار علنا في رمضان".

جريمة..

معظم المطاعم تغلق أبوابها نهار شهر رمضان، ما عدا تلك التابعة لشركات عالمية، في حين تستقبل معظمها الأجانب فقط، دون المغاربة، ما عدا بعض التساهلات المعدودة على  الأصابع، والموجودة في المدن السياحية والكبرى.

من جهة ثانية، يُجرم القانون المغربي، فعل تناول الطعام علنا نهار رمضان، إذ يرصد الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي مجموعة من العقوبات التي تترصد أولئك الذين "عرفوا باعتناقهم الدين الإسلامي وتجاهروا بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، ودون عذر شرعي"، تتراوح بين الحبس من شهر إلى ستة أشهر، والغرامة من حوالي 20 إلى 50 دولار.

وعلى الرغم من وضع النص القانوني شرط أن يكون المرء معروفاً باعتناقه الإسلام، إلا أن الواقع القانوني في المغرب، لا يوفر فصولاً قانونية تسمح باعتناق ديانة أخرى غير الإسلام، في حين ينص الدستور المغربي في ديباجته على أن "المملكة المغربية دولة إسلامية"، وأيضاً على أن "الهوية المغربية تتميز بتبوؤ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها".

ويورد الفصل الأول من الدستور "تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي"، والفصل الثالث أن "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية".

في حين، وعلى الرغم من المكانة المهمة التي يوليها القانون المغربي بمختلف درجاته للديانة الإسلامية، إلا أن هناك فئة لا بأس بها من المغاربة، يعتنقون الديانة اليهودية بامتداد تاريخي، لكن تغيير الدين لا يؤطره أي نص قانوني، كما أن نسبة كبيرة من أفراد المجتمع المغربي وإن كانت تتسامح مع باقي الأديان وتتقبلها، إلا أنها لا تقبل تغيير مغربي للإسلام بدين آخر.

 

الأكل ليس جريمة..

في سياق الجدل الدائر حول الإفطار العلني في رمضان، أطلق نشطاء بالمغرب حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، للمطالبة برفع التجريم عن هذا الفعل.

وانطلقت الحملة تحت شعار مثير وهو "الأكل ليس جريمة"، تطالب بإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي.

وتداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورا ساخرة من واقع المفطرين في رمضان الذين يتوجهون نحو الاختباء في مختلف الأماكن بما فيها المراحيض ودورات المياه، في محاولة لتبيان حجم المعاناة التي يتكبدها الشخص المفطر من أجل تناول طعامٍ يسد به جوعه مخافة ضبطه ومعاقبته طبقا للقوانين المعمول بها.

وقد وصفت العديد من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي الفصل المذكور بـ"التمييزي"، لكونه "يهضم حق المواطنين المغاربة الذين اقتنعوا بتوجه عقائدي مخالف للإسلام في المحافظة على نمط حياتهم العادي، الذي يمكنهم من إنتاجية جيدة داخل العمل أو في فصول الدراسة".

وتزامنت حملة "الأكل ليس جريمة" بالجدل الذي تطرحه مسودة تعديل القانون الجنائي المعروضة على الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، إذ يعول الحقوقيون على جهود البرلمانيين، لإقناع الحكومة بالتراجع عن تجريم الإفطار العلني في رمضان، أو التكثل والتصويت ضدها.

حملة أخرى، أطلقتها الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية، المعروفة اختصارا بـ”مالي، لكن هذه المرة بشعار مقتبس من العقيدة الاسلامية، وهي "لا إكراه في الدين"، وذلك في إشارة منها إلى أنه لا يجب إكراه أي شخص على ممارسة طقوس دينية معينة. وقد دعت هذه الحملة إلى التعجيل بإلغاء الفصل المجرم للإفطار علنا في رمضان.

وفي نفس السياق، يرى الحقوقي عزيز إدامين في تصريح "للمفكرة"، أن "عدم إلغاء تحريم الصيام في رمضان وتعديل القانون الجنائي المغربي، مرتبط أساسا بالحكومة الحالية التي تفرض الإسلام كمرجع للقوانين الوطنية". وزاد "تقدم الحكومة الحالية ذريعة كون المجتمع غير مؤهل وأن المنع والتجريم من أجل حماية المفطرين من رد الفعل السلبي من قبل المجتمع"، معتبراً أن "هذه الدريعة هي واهية ومردود عليها، لأن المجتمع المغربي لا يتأثر برؤية شخص يفطر ودليل ذلك في مدن سياحية مثل مراكش واكادير يمكن مشاهدة أجانب يفطرون نهار رمضان، بل منهم من يشرب الكحول بشكل عادي ولا يجد أي ردة فعل من طرف المواطنين"، بحسب قوله.

بين مؤيد ومعارض..

يختلف المجتمع المغربي بخصوص الإفطار العلني في رمضان، بين من يرى فيه حرية فردية لا دخل للمجتمع فيها، وآخرين يعتبرونه مساً بأمنهم الروحي، وتشويشاً على الصائمين واستفزازاً لهم.

وفي هذا الصدد، يرى الباحث في العلوم الشرعية، الدكتور محمد بولوز، أن "في الدعوة للإفطار العلني في رمضان تحدٍ للدستور المغربي الذي صوت عليه أغلب المغاربة وينص على إسلامية الدولة المغربية".

وشدد بولوز، في تصريحات صحافية سابقة، أنه بالإضافة إلى تحدي الدستور المغربي. فدعاة الإفطار العلني في رمضان، يتحدون الغالبية العظمى في المغرب، ويقومون باستفزازها، بحسب تعبيره. موضحا أن "الاستفزاز يتجلى في الدعوة العلنية المنظمة"، وإلا "فلماذا لا يفطر كل واحد من هؤلاء في منزله، ولا أحد سيسأل عنهم أو يبحث عما إذا كانوا صائمين أو مفطرين".

وأضاف "هؤلاء الداعون إلى إفطار رمضان يخالفون الشرع بالإفطار، والمجاهرة وتحريض الغير، والسعي في هدم ركن من أركان الدين الخمسة، كما يخالفون الدستور والقانون ومنطق الديمقراطية أيضا".

في المقابل، يرى الداعية المغربي، محمد عبد الوهاب رفيقي، أن "الدعوات للمطالبة بحق الإفطار العلني وإلغاء الفصل المتعلق بها من القانون الجنائي في نظري، أنها وبغض النظر عن أشكال المطالبة، هي وجه من وجوه المطالبة بضمان الدولة لحرية الناس في اختيار مذاهبهم وعقائدهم".

وقال رفيقي في تصريح للمفكرة القانونية: "إذا كانت المطالبة بحرية الاعتقاد أمرا مشروعا ولازما فكيف بشعيرة أو عبادة من العبادات بما لها من اعتبار وقدسية. في نظري ينبغي طرح الموضوع في هذا السياق بعيدا عن أي تجاذب إيديولوجي أو سياسي". وزاد "التعامل الرسمي مع الموضوع لا زال تقليديا، فالتجريم ما زال يسري به العمل، وليست هناك مؤشرات لإلغائه، رغم أن هذا القانون من مخلفات فترات سياسية تجاوزها المغرب، خاصة وأن التحولات التي عرفها المغرب تستدعي عدم تدخل الدولة في الشأن التعبدي للأفراد، وضمان أداء الشعائر او عدم أدائها على السواء".

 

لا نية لإلغاء التجريم

وعلى الرغم من تزايد الأصوات المنادية برفع التجريم عن الإفطار العلني في رمضان، إلا أن الحكومة المغربية الحالية، التي يقودها حزب العدالة والتنمية ذو المرجعيات الإسلامية، لا تفوت أي فرصة للتأكيد على أن هذا الأمر خط أحمر، لا رجعة فيه.

وأكد المصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان حاليا، ووزير العدل والحريات سابقا، على أنه لا يمكن إسقاط الفصل القانوني محط الجدل.

وقال الرميد في تصريحات لموقع "Horizon Tv" قبل أيام، أن "الحكومة غير معنية بما يثيره البعض بخصوص تعديل الفصل 222 من القانون الجنائي"، معلقا بالقول "لم يسبق أن ناقشت الموضوع ولا ورد في برنامجها الذي نالت على أساسه الثقة البرلمانية".

ورمى الوزير الذي سبق له وأن شغل منصب رئيس منظمة الكرامة لحقوق الانسان، قبل أن يصبح وزيراً، بالكرة في ملعب البرلمان، وذلك من خلال قوله أن "مجال اقتراح التشريع ليس قصرا على الحكومة. فبإمكان أي برلماني في الغرفتين أن يقترح ما يشاء من تعديل" وأردف قائلا: "ما دام برلمانيو جميع الأحزاب والنقابات لم يتقدم أي واحد منهم بذلك فهذا يعني شيئا واحدا هو أن عموم المغاربة غير معنيين بالموضوع وليس له أي أهمية داخل المجتمع"، على حد قوله. وزاد "بإمكان المواطنين المعنيين أن يتقدموا بملتمس تشريعي في الموضوع وفق ما اعتمده القانون التنظيمي الجديد".

في المقابل، لفت إلى أن "كل شخص يبقى حرا في الفضاء الخاص به ولا حق لأحد التدخل فيه. أما حينما يتعلق الأمر بالفضاء العام فينبغي مراعاة مشاعر عموم الناس حفاظا على مبادئ العيش المشترك مؤكدا أن منع الإفطار العلني يستهدف أيضا حماية أمن الأشخاص المفطرين من أي اعتداءات تقع عادة بسبب ثقافة المجتمع"، حسب تعبيره.

بدوره، شدد وزير العدل، محمد أوجار، على أن الحكومة المغربية لا تضيق على الحريات الفردية، إذ ربطها بعدم الدخول في مصادمة مع المجتمع، داعيا إلى احترام الحياة الخاصة والشخصية للأفراد، دون تجاوز الفضاء العام". وأوضح الوزير في تصريحات سابقة لموقع هسبريس، أنه "إذا كانت اختيارات المواطنين هي ممارسة الحريات، فإنه لا يجب أن تمارس في الفضاء العام"، موردا أن "العلاقات الجنسية الرضائية مثلا بين راشدين بدون عنف لا تعني المجتمع، ولكن يجب احترام الآخرين عند ممارستها".

وشدد على أنه "من يُريد أن يفطر رمضان فهذا شأنه مع الله، ولكن لا يجب أن يستفز مشاعر الناس، ومن يريد ممارسة حريته هذا شأنه؛ لكن عليه أن يحترم الآخرين"، معلقا بالقول "إن قراءتي منفتحة وإيجابية، فلكل الحق في حياته الخاصة، وأن يفعل ما يشاء.. فقط يجب احترام الآخرين؛ لأننا، في النهاية، أمام ممارسات لا تحظى بإجماع المجتمع".

 

 

*لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، تراجع المقالات التالية المنشورة بموقع المفكرة القانونية:

المغرب: أحكام بالسجن تلاحق مجاهرين بالإفطار في رمضان

المغرب: حراك لإلغاء تجريم الافطارالعلني في رمضان

في مواجهة مطالبات حقوقية ونيابية باحترام حق الإفطار في تونس: وزير الداخلية يتمسك بحق الأغلبية والضرورة الأمنية

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني