أُعلن مؤخرا في الجزائر عن مشروع تعديل جديد وشامل للقانون العضوي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة الذي يأتي بعد أشهر قليلة من نشر قانون المجلس الأعلى للقضاء بالجريدة الرسمية، وبعد حراك شعبي وقضائي غير مسبوق أثمر ضمانات لاستقلالية القضاء كرسها دستور 2020 تنتظر التنزيل. وتنشر المفكرة القانونية قراءة أولية في مشروع القانون الجديد الذي يأتي متأثرا بالإصلاحات القضائية في المغرب وفي تونس (ما قبل 25 جويلية 2021). ويطرح المشروع إشكاليات حقوقية حول استعمال بعض المفاهيم التي أوردها من قبيل “واجب الانضباط” و”الخطأ الجسيم “.
مذكرة تقديم لتنزيل مشروع نقل صلاحيّات وزارة العدل إلى مجلس القضاء
يأتي مشروع القانون العضوي المتضمن للقانون الأساسي للقضاة في إطار تنزيل دستور 2020 والذي نص على مبدأ استقلالية السلطة القضائية والاشراف الحصري للمجلس الأعلى للقضاء على كل المسائل المهنية والتأديبية المتعلقة بالقضاة. وهو ما يفرض إدخال تعديلات تروم نقل الصلاحيات من وزارة العدل إلى مجلس القضاء فضلا عن تكريس ضمانات استقلالية القضاة في أداء مهامّهم المتمثلة في صون الحقوق والحريات.
وفي هذا الإطار، تضمّن مشروع القانون الجديد 100 مادة توزعت على 5 محاور تتعلق بتجسيد مبدأ الاستقلال المؤسساتي للمجلس وتدعيم حقوق القضاة وتكريس ضمانات المتابعة التأديبية العادلة للقضاة وضبط أحكام التقاعد وأحكام انتقالية ونهائية.
إشراف المجلس الأعلى للقضاء على تدبير وضعية القضاة وعلى تكوينهم مع استمرار التنسيق مع وزارة العدل
ينص المشروع الجديد على مراجعة المقتضيات المتعلقة بتعيين وتكوين القضاة من خلال:
- منح صلاحية توزيع القضاة الجدد على مستوى الجهات القضائية لمكتب المجلس الأعلى للقضاء بالتنسيق مع وزارة العدل؛
- التنسيق بين المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل فيما يتعلق بتكوين القضاة اعتبارا لكون مهام التكوين من صلاحيات السلطات العمومية، وفي هذا الاطار يقترح المشروع أن يصادق المجلس الأعلى للقضاء على برامج التكوين المستمر والتكوين التخصصي التي تعدها وزارة العدل وتعمل على تنفيذها؛
- ضبط معايير الترقية والتسجيل في قوائم التأهيل بموجب مداولة للمجلس الأعلى للقضاء، بما يسمح بتقنين اجتهادات هذه المؤسسة الدستورية من خلال تجميع مداولاتها ونشرها؛
- إخضاع ترقية القضاة إلى نظام التنقيط بحيث يقوم كل مسؤول قضائي في حدود اختصاصاته بتقييم أداء القضاة؛
- استحداث وظائف قضائية جديدة مؤهلة للترقية إلى العمل بالمحكمة العليا ومجلس الدولة، وهي الوظائف التي ينتدب اليها القضاة قبل تعيينهم مستشارين بهذه المؤسسات. ويتعلق الأمر بوظيفة مساعد مستشار، ويروم هذا التعديل تخفيف العبء المتزايد على المحكمة العليا ومجلس الدولة وهي المؤسسات التي تعرف تزايدا في عدد الملفات المعروضة عليها، فضلا عن إعداد القضاة تأهيلهم للعمل مستقبلا في هذه المؤسسات.
- إقرار مبدأ حصانة قضاة الحكم ضد النقل، طبقا للمادة 172 من الدستور حيث يقترح مشروع القانون الأساسي للقضاة استثناءات على هذا المبدأ تبيح للمجلس الأعلى للقضاء بموجب قرار معلّل في حالة توافر شروط المصلحة وحسن سير القضاء إمكانية تنقيل القضاة من دون طلب، بما يسمح تجسيد التداول العادل بين جميع القضاة على المستوى الوطني.
ومن خلال هذه المقتضيات، يلحظ أنه تم نقل مجموعة من الصلاحيات التقنية التي كانت لوزارة العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء من دون إحاطة هذه المقتضيات بضمانات حقيقية تكفل احترام الاستقلال الداخلي للقضاء، أي استقلال القضاة في مواجهة زملائهم القضاة. وهو ما يبدو من خلال اعتماد معايير فضفاضة في معاجلة ملفات الانتداب للعمل بالمحكمة العليا أو مجلس الدولة أو في بعض الهيئات الحكومية وترك مجال واسع للسلطة التقديرية للمجلس في معالجة ملفات الانتداب والترقية والانتقالات مما قد يحول دون المساواة بين القضاة في تدبير وضعيتهم الفردية.
المحاكمات التأديبية للقضاة : توسيع نطاق الخطأ الجسيم وواجب الانضباط
يقترح مشروع القانون إخضاع المسطرة التأديبية للقضاة بشكل حصري لإشراف المجلس الأعلى للقضاء. وفي هذا الإطار يلحظ أن المادة 66 من المشروع أضافت إلى مفهوم الخطأ الجسيم الموجب للعزل، خرق واجب التحفظ من طرف القاضي من خلال القيام ب “أي عمل من شأنه المساس بسمعة القضاء أو عرقلة حسن سير العدالة”. ويبدو أنّ المشروع اعتمد مفهوما واسعا لموجب التحفظ، بعدما كان هذا المفهوم يقتصر في إطار القانون الحالي على حالة “ربط القاضي المعروض عليه النزاع لعلاقات بينة مع أطراف القضية بكيفية يظهر منها افتراض قوي لانحيازه”، وهو ما يعني تجريم قيام القضاة بالإضراب واعتبار الاضراب خطأ جسيما موجبا لعزل القضاة، علما بأن الدستور الجزائري يكفل للقضاة الحق في العمل النقابي كما يعتبر الإضراب حقا مضمونا، ويأتي هذا المقترح كردّة فعل على التحركات التي قام بها قضاة الجزائر خلال فترة الحراك من إضراب وإعلان رفض الإشراف على انتخابات الرئاسة .
كما أضاف المشروع إلى مفهوم الخطأ الجسيم صورة أخرى وهي عدم احترام قواعد الانضباط من دون أن يوضح مفهوم هذه القواعد، وما إذا كان يسري فقط على قضاة النيابة العامة أم يشمل قضاة الحكم، بخاصة أنّ الصيغة التي أوردها المشروع جاءت بطريقة عامة[1].
وبخصوص إمكانية التوقيف الفوري للقضاة، أكد المشروع على استفادة القاضي من أجرته لمدة 8 أشهر، رغم التوقيف. ولا يمكن أن يكون هذا التوقيف موضوع نشر أو تشهير. وفي حالة مرور هذه المدة دون صدور حكم نهائي، يحدد المجلس نسبة المرتب الممنوح للقضاة.
ويقترح المشروع نقل صلاحية توجيه تنبيه للقاضي في حالة تقصيره في أداء مهامهم، من وزير العدل إلى رئيس الجهة القضائية. وفي هذا الاطار، نظم ولأول مرة إجراءات تظلم القاضي في التنبيه الموجّه إليه من خلال حقّ التظلّم أمام رئيس الجهة القضائية وحقّ التظلّم أمام المجلس في أجل شهر من تاريخ التبليغ برفض التظلّم .
وبخصوص مدونة الأخلاقيات القضائية[2]، يلحظ أن المشروع ركز على جانبها الزجري حينما نص في مادته 78 على أنه: تحدد مدونة أخلاقيات مهنة القضاة تصنيف الأخطاء المهنية والعقوبات المنصوص عليها في هذا القانون.
نقابة القضاة تطالب بإشراك القضاة في مناقشة قوانين السلطة القضائية
انتقدت نقابة القضاة تغيب هياكل القضاة في مناقشة مشروع قانون النظام الأساسي وقانون المجلس الأعلى للقضاء معتبرة أن استقلالية القضاء تكون بإرادة سياسية وبمجلس أعلى للقضاء قوي وقادر على ممارسة صلاحياته. وفي هذا الإطار، اعتبر العيدي عوداش رئيس النقابة الوطنية للقضاة أنه من المستحيل تمرير قانون ينظم القضاة من دون إشراكهم في مناقشته ومن دون نقاش مجتمعي تشارك فيه كل أطياف المجتمع باعتبار الدفاع عن استقلال القضاء مطلبا شعبيا ورسميا[3]. وأوضح أن الجميع يطالب باستقلالية القضاء، لكن الجميع متوجّس من وضع القاضي الذي هو عماد هذه الاستقلالية في مأمن قانوني من خلال ترويج مقولة تغول القضاة، مؤكدا تشبث النقابة بتقديم ملاحظاتها لوزارة العدل بخصوص مشروع النظام الأساسي وكافة القوانين التي تنظم مجال العدالة.
مواضيع ذات صلة
دستور الجزائر الجديد: الحراك يثمر ضمانات لاستقلالية القضاء
قانون جديد للمجلس الأعلى للقضاء في الجزائر: أكثر من ثلثي أعضاء المجلس قضاة منتخبون ولكن…
نادي قضاة الجزائر ينشأ في ظل الحراك ولدعمه: نرفض الإشراف على انتخابات الرئاسة
نادي قضاة الجزائر يضع القضاء في خدمة الشعب: مقاطعة الإشراف على الانتخابات الرئاسية
إضراب مفتوح لقضاة الجزائر: حركة قضائية تشمل 3000 قاض خلافا لمبدأ عدم نقل القاضي إلا برضاه
نقابة القضاة بالجزائر تنتخب قياداتها الجديدة: انتصار قضاة الحراك ووعود بخدمة الشعب
النقابة الوطنية للقضاة بالجزائر تشكل مجموعة عمل مع وزارة العدل لدراسة ملفها المطلبي
نقابة القضاة بالجزائر تعقد مجلسها الوطني الأول: مطالبة بالتعديل الفوري لقوانين السلطة القضائية
ملاحظات نقابة القضاة في الجزائر حول مسودّة مشروع تعديل الدستور
نقابة قضاة الجزائر تعارض إستئناف القضايا التي عيّن فيها محامٍ: اغتصاب لمبدأ المساواة أمام القضاء
نقابة القضاة بالجزائر تطالب وزارة العدل باحترام القانون
نقابة القضاة بالجزائر ترفض التعليمات الفوقية
نقابة القضاة بالجزائر ترفض التدخل في استقلال القضاء
[1]– تنص الفقرة الثانية من المادة 65 من المشروع على أنه: “يعتبر خطأ تأديبيا بالنسبة لقضاة النيابة العامة ومحافظة الدولة الاخلال بالواجبات الناتجة عن التبعية التدرجية”.
وتنص المادة 66 على أنه: “تعتبر أخطاء تأديبية جسيمة: …
عدم احترام قواعد الانضباط”
[2] تنص المادة 68 من المشروع على أنه: تحدد مدونة أخلاقيات مهنة القضاة التي يعدها المجلس الأعلى للقضاء قواعد وأخلاقيات المهنة.
[3] حوار رئيس النقابة الوطنية للقضاة مع جريدة الخبر الجزائرية يوم الاثنين 06 فبراير 2023 ص 4.