فرض الإقامة الجبرية: الجانب المنسي لقانون منع الجرائم الأردني


2013-10-16    |   

فرض الإقامة الجبرية: الجانب المنسي لقانون منع الجرائم الأردني

قانون منع الجرائم رقم (7) لسنة 1954غني عن التعريف، تناولته العديد من الدراسات القانونية والأكاديمية المتخصصة، ورصدت العديد من التقارير الانتهاكات الناتجة عن ممارسة هذا القانون بل وأشار البعض إلى عدم دستورية نصوصه ومخالفتها للمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان. كما ان شهرته امتدت إلى الصعيد الدولي ولم تقتصر على الصعيد الوطني؛ إذ تردد اسم هذا القانون وما يترتب عليه من نتائج في أورقة الأمم المتحدة وتقارير اللجان الاتفاقية. ليس الهدف من هذه المقالة إعادة تدوير المعلومات السابقة وانما تسليط الضوء على بعض الجوانب التطبيقية لهذا القانون والأضرار التي تلحق بالشخص المطبق بحقه قد تكون التقارير السابقة أغفلتها لأنها ركزّت بشكل أساسي على التوقيف الإداري وما يترتب عليه من نتائج. الإقامة الجبرية و ما يترتب عليها من آثار كانت الجانب المهمل في التقارير المختلفة التي انتقدت هذا القانون بالرغم من جسامة الانتهاكات التي تنتج عن هذه العقوبة.

صلاحيات الحاكم الإداري بموجب قانون منع الجرائم
منح قانون منع الجرائم الحاكم الإداري صلاحية اتخاذ مجموعة من التدابير في مواجهة أي من الفئات[1] التالية:
· كل من وجد في مكان عام او خاص في ظروف تقنع المتصرف بانه كان على وشك ارتكاب اي جرم او المساعدة على ارتكابه.
· كل من اعتاد اللصوصية او السرقة او حيازة الاموال المسروقة او اعتاد حماية اللصوص او ايواؤهم او المساعدة على اخفاء الاموال المسروقة أو التصرف فيها.
· كل من كان في حالة تجعل وجوده طليقاً بلا كفالة خطرا على الناس.

ولا يخفى على أحد ان العبارات المستخدمة في النص السابق تتسم بالغموض و الاتساع و يمكن إعطاء تفسيرات متعددة لها بحسب الشخص القائم على تنفيذ أحكام هذا القانون من مثل " ظروف تقنع المتصرف  بأنه على وشك إرتكاب جريمة" أو "كان في حالة تجعل وجوده طليقا بلا كفالة خطرا على الناس". وقد انعكس هذا الغموض على قرارات المحاكم بحيث جاءت متناقضة في حالات متماثلة؛ فمثلاً اعتبرت محكمة العدل العليا عدم إجراء صلح عشائري سببا ينتج عنه خطر[2]، في حين قررت في قضية أخرى بأنه "لا يوجد في قانون منع الجرائم الذي استند إليه المستدعى ضده ما يوجب توقيف المستدعي لحين تقديم صك صلح عشائري، الأمر الذي يجعل الاستمرار في توقيفه وعدم إطلاق سراحه قرارا مخالفا للقانون مما يستوجب إلغاؤه"[3]. وسنداً لأحكام القانون، فانه يحق للحاكم الإداري في هذه الحالات اتخاذ الإجراءات التالية، وهي:

أولاً: تعهد حسن السيرة والسلوك

فقد أشارت المادة 3 من قانون منع الجرائم أنه إذا اتصل، المتصرف او كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بوجود شخص في منطقة اختصاصه ينتسب لأي صنف من الاصناف المذكورة ورأى ان هنالك اسبابا كافية لاتخاذ الاجراءات، فيجوز له ان يصدر الى الشخص المذكور مذكرة حضور يكلفه فيها بالحضور امامه ليبين إذا كان لديه اسباب تمنع من ربطه بتعهد، اما بكفالة كفلاء واما بدون ذلك، يتعهد فيه بان يكون حسن السيرة خلال المدة التي يستصوب المتصرف تحديدها على ان لا تتجاوز سنة واحدة. 
ثانياً: الإقامة الجبرية
يملك الحاكم الإداري سنداً لأحكام المادة 12 من قانون منع الجرائم سلطة تقييد حرية الإقامة والتنقل بقولها "اذا حضر شخص او احضر امام المتصرف وارتأى المتصرف وجوب تكليفه ان يقدم تعهدا على حسن السيرة حسب مفاد هذا القانون فيجوز له ان يأمر بوضعه تحت رقابة الشرطة او الدرك مدة لا تزيد على سنة واحدة بدلا من تقديم تعهد او بكليهما." وبحسب اجتهاد محكمة العدل العليا فان صلاحية الحاكم الاداري تقديرية بهذا الخصوص[4]. والشخص الذي تفرض عليه الإقامة الجبرية يخضع للعديد من القيود الواردة في القانون جميعها أو بعضها بحسب قرار الحاكم الإداري، وهي[5]:
1-ان يقيم ضمن حدود اي قضاء او مدينة او قرية معمورة في المملكة وان لا ينقل مكان اقامته الى اي قضاء او مدينة او قرية او معمورة اخرى بدون تفويض خطي من قائد المنطقة.
2-ان يحظر عليه مغادرة القضاء او المدينة او القرية التي يقيم فيها بدون تفويض خطي من قائد المنطقة.
3-ان يعلم قائد المنطقة التي يقيم فيها عن تغيير منزله او مسكنه.
4-ان يحضر الى اقرب مركز  للشرطة كلما كلفه بذلك مأمور الشرطة المسؤول عن القضاء او المدينة التي يقيم فيها.
5-ان يبقى داخل مسكنه من بعد غروب الشمس بساعة واحدة لغاية شروقها ويجوز للشرطة او الدرك ان تزوره في اي وقت للتأكد من ذلك. 
وجرت العادة ان يطلب من الشخص مراجعة المركز الأمني مرتين في اليوم؛ الساعة 10 صباحا و4 مساء وذلك للتأكد أنه لم يغير مكان إقامته، كما يطلب منه التوقيع في السجل الخاص لهذه الغاية.  و بحسب اجتهاد محكمة العدل العليا، فانه لا يوجد ما يمنع الحاكم من تطبيق التعهد و الإقامة الجبرية معاً[6].

ثالثاً: التوقيف الإداري
سنداً لأحكام المادة 8 من قانون منع الجرائم، يحق للحاكم الإداري اللجوء إلى التوقيف الإداري اذا تخلف الشخص الذي صدر قرار بتكليفه ان يعطي تعهداً عن تقديم التعهد في التاريخ الذي تبدأ فيه المدة المشمولة بقرار اعطاء التعهد يسجن، وان كان مسجونا يبقى الى ان يقدم التعهد المطلوب او تنقضي المدة المضروبة في قرار اعطاء التعهد.
ويملك الحاكم الإداري صلاحية إصدار قرار التوقيف دون تحديد مدته وفقا لقناعته الشخصية طالما توفرت شروط المادة 8. وتأكيدا على ذلك نجد ان محكمة العدل العليا قد أشارت "إذا اقتنع المتصرف من البينة التي استمع إليها ان المستدعي كان في حالة تدل أنه على وشك ارتكاب جريمة … فان من حقه اللجوء إلى تطبيق القانون"[7].
 
النتائج المترتبة على تطبيق الإقامة الجبرية
بشكل عام لا توجد معايير محددة لفرض الإقامة الجبرية من قبل الحاكم الإداري، في العادة تفرض بعد التوقيف الإداري وقد يرى الحاكم ان حالة الشخص الماثل أمامه لا تستدعي التوقيف و انما يكتفى بفرض الإقامة الجبرية. ويقتضي هذا الإجراء مراجعة المركز الأمني أو مقر الحاكم الإداري والتوقيع مرة أو مرين في اليوم عند الساعة العاشرة صباحا والرابعة مساء. ومن الممكن ان يقوم رجال الأمن بزيارة مكان إقامته للتأكد من تواجده. و في حالة عدم التواجد يتم توقيفه إداريا عند ذهابه للتوقيع في اليوم التالي.
وقد يبدو هذا الإجراء بسيطا من الناحية النظرية، إلا أنه من الناحية الواقعية والعملية يفرض آثارا سلبية للغاية فمن الصعب على من يخضع للإقامة الجبرية فرصة الحصول على عمل لأن عملية التوقيع في الغالب صباحا ومساء تستغرق في كل مرة ساعة من الزمن على أقل تقدير إضافة إلى الذهاب والعودة إلى مركز التوقيع المعتمد الأمر الذي يجعل صاحب العمل أن يتردد في تعيين من يستلزم عليه مغادرة مكان عمله لمدة تتراوح ما بين الساعتين و الأربع ساعات يوميا، إضافة إلى النظرة السلبية النمطية التي يحملها أصحاب العمل تجاه من فرضت عليه الإقامة الجبرية. ويصف أحدهم ما يترتب على هذا الإجراء بقوله  ..و لما يفرضوا ع الواحد إقامة سنتين كيف بدو يشتغل، … مرة بتوقع على الساعة 10 و مرة على الساعة 4 كيف الواحد بدو يشتغل…، الواحد بصير بدو يسرق صح … بدو يطلب خاوة … بدو بسوي أي إشي عشان يجيب مصاري …" وهناك من خضع للإقامة الجبرية لمدة ثمانية سنوات الأمر الذي شكّل عائقا امام تمتعه بحياة طبيعية.

التخلف عن التوقيع، حتى، لو كان لأسباب اضطرارية مثل مرض أحد أفراد العائلة، كفيل بحد ذاته بأن يؤدي إلى التوقيف الإداري.
بعض الأماكن المخصصة للتوقيع لغايات الإقامة الجبرية تكون في أماكن مكشوفة أو على شوارع رئيسية تسمح للجميع بمشاهدة من يصطف على الطابور ويترتب على ذلك من نتائج سلبية بسبب نظرة المجتمع لهؤلاء الأشخاص. ومن المشاهد اليومية في إربد تحديدا، المفروض عليهم توقيع الإقامة الجبرية يقفون في طابور طويل في الشراع الرئيسي أمام أعين المارة الذين ينظرون إليهم على انهم مجرمون لا يستحقون الاحترام.
وتندرج الصلاحيات الممنوحة للحاكم الإداري بموجب قانون منع الجرائم تحت مفهوم الضبط الإداري[8] المتمثل بقيود وضوابط ترد على نشاط الأفراد وحرياتهم بهدف حماية النظام العام. كما تقتضي متطلبات الضبط الإداري الموازنة والمواءمة بين حقوق الأفراد وحرياتهم، وبين تقييد هذه الحريات، إلا أنه للأسف هذه المتطلبات لا تأخذ بعين الاعتبار.

تطبيق الإقامة الجبرية بشكلها الحالي تُشكل انتهاكا للحقوق الأساسية التي كفلتها المواثيق الدولية والدستور الأردني مثل الحق في التنقل واختيار مكان الإقامة، الحق في العمل، تقييد الحرية الشخصية إضافة إلى الأضرار المادية والمعنوية التي تلحق بالضحية. كما أن تطبيق القانون يؤدي إلى معاقبة الشخص على نفس الفعل مرتين أو فرض عقوبة دون ارتكاب جريمة؛ فالحاكم الإداري يطبق قانون منع الجرائم وفقا لقناعته الشخصية حتى لو سبق للشخص المطبق بحقه الإقامة الجبرية ان مثل امام المحاكم بسبب تهمة معينة وثبتت براءته. وهنا تجدر الإشارة إلى انه من البينات  التي يستند إليها الحاكم الإداري في فرض الإقامة الجبرية أو غبرها من الصلاحيات التي قررها قانون منع الجرائم هي القيود الأمنية للشخص المعني، وللتوضيح فان القيود الأمنية لا تعني بالضرورة صدور أحكام قضائية بحق الشخص بأنه ارتكب جريمة معينة، وانما يكفي أن يكون موضع شكوى أو إتهام حتى لو أعلن القضاء براءته أو عدم مسؤوليته عن الجرم المنسب إليه[9].

سبل الانتصاف المتاحة
قرارات الحاكم الإداري بموجب قانون منع الجرائم تعتبر من قبيل القرارات الإدارية التي يمكن الطعن بها أمام محكمة العدل العليا، كما يمكن المطالبة بالتعويض عن هذه القرارات سواء رفعت اليها بصفة أصلية او تبعية. وقد كانت قرارات الحاكم الإداري بالاستناد إلى قانون منع الجرائم، من أوائل تطبيقات محكمة العدل العليا بالتعويض لأن قرار الحاكم الإداري، بحسب المحكمة، الذي صدر خلافا لأحكام قانون منع الجرائم يُشّكل خطأ جسيما[10]، في حين إذا وجدت المحكمة أن العيب الذي لحق بالقرار كان يسيرا ولم يبلغ مبلغ الخطأ الجسيم فلا توجد مسؤولية بالتعويض وتكتفي بإلغاء القرار[11]. و سندا لاجتهاد محكمة العدل العليا فانها تقرر بطلان قرار الحاكم الإداري إذا لم يتم مراعاة الإجراءات التي نص عليها القانون أو عدم وجود وقائع مادية تبرر اللجوء إلى قانون منع الجرائم مثلاً، لكنها لا تفرض رقابتها على قناعة الحاكم الإداري[12] أو حتى اختياره لأي من الصلاحيات التي حددها قانون منع الجرائم[13]، طالما عناصر القرار الأخرى كانت صحيحة.
ويلاحظ ان اللجوء إلى القضاء الإداري للطعن بقرارات الحاكم الإداري امر نادر نسبيا لعدة أسباب من أهمها الجهل بهذا الحق، ارتفاع التكلفة المادية للاستعانة بمحام و والابتعاد عن العاصمة عمان.
 



[1]المادة 3 من قانون منع الجرائم رقم 7 لسنة 1954.
[2]قرار عدل عليا رقم 614/99
[3]قرار عدل عليا رقم  468/2005
[4]قرار عدل عليا 426/1994.
[5]المادة 13 من قانون منع الجرائم
[6]عدل عليا قرار رقم 30/1995 الذي نص على أنه "إذا حضر شخص أو أُحضر أمام المتصرف بمقتضى أحكام المادة الرابعة وارتأى المتصرف وجوب تكليفه ان يقدم تعهدا على حسن السيرة حسب مفاد هذا القانون فيجوز له ان يأمر بوضعه تحت رقابة الشرطة أو الدرك مدة لا تزيد على سنة واحدة بدلا من تقديم تعهد أو كليهما عملا بالمادة (12) من قانون منع الجرائم رقم 7 لسنة 1954
[7]عدل عليا قرار رقم 119/1956 وكذلك القرارات التالية 378/1999، 480/2003، 175/2005 و 66/1995.
[8]هذا ما أكدت علية محكمة العدل العليا في القرار رقم 4320/2002
[9]تجدر الإشارة إلى أن هناك قرار صريح لمحكمة العدل يفيد "بأن مجرد اتهام الشخص بجريمة لا يعني أنه منتسبا لصنف من الأصناف التي نص عليها القانون"، عدل عليا قرار رقم 170/2004
[10]عدل عليا قرار رقم 155/1992 و بنفس المعنى أنظر عدل عليا قرار رقم 91/1995
[11]أنظر على سبيل المثال عدل عليا قرار رقم 109/1995
[12]عدل عليا قرار رقم 119/1956
[13]عدل عليا قرار رقم 426/1994
انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني