أقام عدد من المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان يوم السبت 26 أغسطس 2017 طعنًا أمام محكمة القضاء الإداري لوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس محكمة استئناف القاهرة بتجديد ندب قاضي التحقيق في قضية المنظمات الحقوقية المستقلة رقم 173 لسنة 2011 والمعروفة إعلاميًا باسم قضية التمويل الأجنبي[1]، وذلك لمخالفة القرار لنص القانون وضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، الأمر الذي يلقي بمزيد من الضوء على الخروقات القانونية والإجرائية التي شابت هذه القضية منذ بدايتها في عام 2011.
قضية التمويل الأجنبي القضية رقم 173 لسنة 2011
تعود وقائع قضية تمويل الأجنبي للمنظمات القضية رقم 173 لسنة 2011 إلى إعلان وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا عن طلبها تشكيل لجنة تقصي حقائق من وزارة العدل للتحقيق في "التمويل الدولي المباشر لمنظمات مجتمع مدني مصرية وأجنبية". وشكلت اللجنة التي كان تقريرها اللبنة الأساسية في القضية وتم القبض على عدد من النشطاء العاملين بالمجتمع المدني بينهم 17 من المتهمين الأجانب في القضية (بينهم تسعة أمريكيين)، ثم أغلقت القضية في وقت لاحق في 2013 بإصدار أحكام مع إيقاف التنفيذ في مواجهة المصريين المتهمين في القضية.
إلا أن القضية أعيد فتحها مرة ثانية بلا مقدمات أو أسباب، في 2014 حيث تم ندب قاضي تحقيق لاستكمال التحقيقات في القضية. وعلى مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة، استخدمت هذه القضية في التضييق على الحقوقيين المصرين من خلال عدة إجراءات منها المنع من السفر، والتحفظ على أموال عدد من المنظمات الحقوقية والنشطاء العاملين بهذه المنظمات[2].
قاضي التحقيق … صلاحياته وشروط عمله
حدد قانون الإجراءات الجنائية في المواد 64 و65 الحالات التي يجوز فيها ندب قاضٍ للتحقيق في إحدى الجنايات أو الجنح، وهي ثلاث:
- بناء على طلب النيابة العامة، إذا رأت أن تحقيق الدعوى بمعرفة قاضي التحقيق أكثر ملاءمة بالنظر إلى ظروفها الخاصة،
- بناء على طلب المتهم أو المدعي بالحقوق المدنية، إذا لم تكن الدعوى موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط بجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها،
- بناء على طلب وزير العدل: للوزير أن يطلب من محكمة الاستئناف ندب قاض لتحقيق جريمة معينة أو جرائم من نوع معين،
وفي الحالات الثلاثة يكون الندب بقرار من الجمعية العامة للمحكمة أو من تفوضه في ذلك في بداية كل عام قضائي.
تجديد الندب يتم بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية
حددت المادة 66 من قانون الإجراءات الجنائية مدة ندب قاضي التحقيق حيث ألزمته بإنجاز عمله خلال 6 أشهر، يجوز تجديدها لمرة واحدة لمدة 6 أشهر إضافية في حالات معينة.
ومع وجود هذا النص، يُعتبر استمرار مباشرة قاضي التحقيق نفسه للعمل في هذه القضية لمدة 3 سنوات، مخالفة صريحة لنص المادة 66 من القانون. وعليه، ادّعى الطاعنون في بيان صادر عنهم أن قاضي التحقيق في هذه الحالة باشر عمله ولمدة عامين على الأقل دون ولاية قانونية أو قضائية، وأصدر خلالهما عشرات القرارات الباطلة قانونًا بالمنع من السفر وطلبات بمنع التصرف في الأموال، فضلاً عن قرار واحد على الأقل بالضبط والإحضار للمدافعة عن حقوق الإنسان عزة سليمان. وقد سجل الطاعنون أيضا أن الإصرار على إسناد هذه القضية لقضاة معينين بالاسم- بالمخالفة للقانون- والإبقاء عليهم لمدد إضافية غير قانونية، يحمل شبهة وجود نية مبيته لاستصدار أحكام بعينها ضد الحقوقيين.
ولما كان قرار ندب قضاة التحقيق يصدر من رئيس محكمة الاستئناف، باعتباره ضمن القرارات الإدارية الخاصة بتنظيم العمل داخل المحاكم، فإنه يصبح خاضعا لرقابة القضاء الإداري. وعليه، أقام الطاعنون دعواهم أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، باعتبار أن قرار الندب المطعون عليه قد خالف الشروط الإجرائية وانطوى على مخالفة صريحة لنص القانون.
بطلان الندب يهدد قرارات قاضي التحقيق بالبطلان
أكد الطاعنون في بيانهم أن مخالفة قرار الندب لنص القانون وامتداد فترة التحقيق لما يقرب من 3 سنوات يتعارض مع الهدف الجوهري من تعديل المادة 66 من قانون الإجراءات الجنائية بشأن تحديد مدة ندب قضاة التحقيق. وقد أشار هؤلاء إلى تحويل التحقيق إلى سيف اتهام معلق فوق رقاب الناس دون تصرف في الدعوى لفترات طويلة، ناهيك عن الضرر الناجم عن القرارات والتدابير المصاحبة للتحقيق والمتمثلة في قرارات المنع من السفر أو طلبات التحفظ على الأموال[3] والتي تحولت إلى عقوبة في حد ذاتها بسبب طول المدة. فعلى سبيل المثال يستمر منع كل من حسام الدين علي وأحمد غنيم من السفر لما يقرب من الثلاث سنوات دون تحقيق، بينما يمتد منع بهي الدين حسن، وجمال عيد من التصرف في أموالهم لأكثر من عام. الأمر الذي يعكس نية مبيتة للتنكيل بهؤلاء الحقوقيين وغيرهم، بتلك الإجراءات طويلة الأمد، والبعيدة كل البعد عن معايير إجراء التحقيقات المستقلة والشفافة كما تزعم الدولة في خطابها الداخلي والدولي.
وقد بين الطعن أنه على مدار ثلاث سنوات، شهدت القضية 173 خرق قانون بالجملة ومنها:
- جلسات دون إعلان مسبق، حيث دأب قاضي التحقيق على إحالة قرارات التحفظ على الأموال لمحكمة الجنايات دون اتخاذ إجراءات الإعلان القانونية للأفراد والمؤسسات المطلوب التحفظ على أموالها[4]،
- إصدار قرارات بالتحفظ على أموال بعض المنظمات والافراد من اول جلسة ودون كفالة حق الدفاع،
- الامتناع عن إجابة طلبات الممنوعين من السفر على ذمة هذه القضية. وكان محمد زارع من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أحد المتهمين بالقضية، تقدم في وقت سابق بطلب للسيد رئيس محكمة استئناف القاهرة للحصول على صور من قرارات ندب قاضي التحقيق بالقضية، وأسباب تجديد تلك القرارات، وكذا صور من المذكرات- التي يقتضي القانون أن يكون القاضي قد تقدم بها شارحًا أسباب عدم تمكنه من إنهاء التحقيق في الوقت المحدد قانوناُ، طالبًا تجديد انتدابه، إلا أن الأمانة العامة لمحكمة استئناف القاهرة أحالت الطلب لقاضي التحقيق، والذي رفضه بدوره من دون إبداء أي سبب.
استقلالية القضاء في خطر
في ظل إصرار السلطة على التنكيل بالمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، يشكل الزج بمنصة القضاء في هذه المعركة وتسخيره لإبقاء التدابير المقيدة للحرية على عدد منهم والسيف معلقا على رقاب آخرين، اعتداء على حياد القضاء واستقلاليته. وعليه، يهدف الطعن المقدم بالدرجة الأولى إلى وقف هذا الاعتداء وعلى الأقل تظهيره منعا لمزيد من الانزلاق.
[1] حقوقيون يطعنون في شرعية قضاة أمام القضاء الإداري قاض”المنظمات الحقوقية” فقد ولايته منذ عامين، واستمراره باطل قانونًا ويثير الشبهات حول سبب التمسك به http://www.cihrs.org/?p=20195
[2] للاطلاع علي التفاصيل الكاملة للتضيق علي المجتمع المدني المصري الحقوقيون المصريون وحيدون في مواجهة التنين https://legal-agenda.com/article.php?id=3418
[3] التحفظ على أموال الحقوقيين المصريين: خطوة إضافية نحو الإطاحة الكاملة بالقواعد القانونية https://legal-agenda.com/article.php?id=3323
[4] التحفظ على أموال الحقوقيين المصريين: خطوة إضافية نحو الإطاحة الكاملة بالقواعد القانونية https://legal-agenda.com/article.php?id=3323