القضاء يستجيب لجهود مصلحة الليطاني لتنظيف النهر: ثلاثة أحكام جديدة في قضايا تلوث الليطاني


2019-04-27    |   

القضاء يستجيب لجهود مصلحة الليطاني لتنظيف النهر: ثلاثة أحكام جديدة في قضايا تلوث الليطاني

تزامنت جلسة 24 نيسان 2019 الخاصة بمتابعة محاكمة ملوثي الليطاني أمام القاضي المنفرد الجزائي في زحلة محمد شرف مع المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس لجنة ألإدارة والعدل النيابية النائب جورج عدوان والمدير العام لمصلحة الليطاني الدكتور سامي علوية في المجلس النيابي. التزامن الذي أتى مصادفة ليحمل رسالة مهمة تفيد بضرورة تكامل أدوار المؤسسة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب مع السلطة التنفيذية المناطة بوزارات البيئة والصحة والصناعة والزراعة والطاقة وكذلك بالمصلحة صاحبة صلاحية الحوكمة على النهر وفق القانون 63/2016، على أن تقوم السلطة القضائية بدورها في حماية الحق العام وأن تكون ضمانة لحقوق الناس وصحتهم وكذلك وأمنهم الغذائي والإقتصادي.

في المؤتمر قدم فيه عدوان وعلوية كتابا موثقا لكل ما قامت به المصلحة خلال عام هي مدة تسلم علوية لإدارتها، أعلن ألأخير، رئيس مجلس إدارة المصلحة(علوية) أنه تم تخفيض التلوث بنسبة 20 إلى 25 في المئة، آملاً الإستمرار في التقدم بعد تعاون كل الوزارات المعنية من صناعة وبيئة وصحة وزراعة وكذلك الإدارات من المحافظين إلى القائماقامين والبلديات وطبعا القضاء على رأس لائحة المؤثرين.

وتأكيدا على دور القضاء الردعي في حماية الليطاني وصحة ناسه، أصدر القاضي المنفرد االجزائي في زحلة محمد شرف ثلاثة أحكام جديدة تضاف إلى ثلاثة سبق إصدارها، تغرم وتدين ثلاثة ملوثين، حيث أدت الغرامات والأحكام وفقا لنوع الجرم. والأهم أن المحمكة أرسلت خبيريّن ليتأكدا من تقيّد الملوثين بتركيب محطات تكرير صناعية أو اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تمنع استمرار تلويثهم لليطاني وروافده.(المحرر)

بتاريخ 24 نيسان 2019 أصدر القاضي المنفرد الجزائي في زحلة محمد شرف ثلاثة أحكام جديدة في قضية تلوث نهر الليطاني. الأحكام صدرت بحق مؤسسة لصناعة مواد التنظيف، ومؤسسة صناعة بلاط الموزاييك والأرصفة، وبحق مالك مبنى. وكما في الأحكام السابقة التي صدرت عن القاضي شرف، اتجهت جميعها إلى استبدال عقوبات السجن بالغرامات المالية، التي اختلفت نسبتها مع اختلاف نوع التلويث المدعى به. والجدير ذكره أن المحكمة تتجه إلى عقوبات أخف لدى قيام المدعى عليه بالتزام الشروط البيئية المطلوبة مثل تركيب محطة تكرير للمياه الصناعية، وإزالة أسباب التلوث. وقد استندت المحكمة على مبدأ أساسي لتحديد التعويضات بأن يكون التعويض الواجبللمتضرر من الجرم معادلاً للضرر الذي حل به، سنداً لنص المادة 132 من قانون العقوبات المعطوفة على المواد 134 و136 من قانون الموجبات والعقود.

ويتبين حتى اللحظة أن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تتجه إلى طلب محاكمة الأشخاص الذين اعتبرتهم ملوثين إثر كشف خبراء من المصلحة ووزارات الصحة والصناعة والبيئة مع خبير من المصلحة،  بطرق عدة منها: رمي المخلفات الصناعية أو الصرف الصحي مباشرة في النهر، أو عبر رمي المخلفات في شبكات الصرف الصحي من دون معالجة، وهذه الأخيرة تسيل في الشبكة التي تتجه إلى محطة تكرير المنطقة  أو تسلطها مباشرة إلى مجرى الليطاني. ويظهر من التوجه الأخير، بأن المعامل التي ترمي مخلفاتها في شبكات الصرف الصحي هي مسؤولة بطريقة أو بأخرى عن تلوث النهر، وهذا ما أكده تقارير الخبراء المكلفين في المحكمة. ومن هذا المنطلق كان للمحكمة أن تفاضل بين المصلحة البيئية من جهة والمصلحة الاقتصادية من جهة أخرى في نطقها للأحكام. إذ ترى المحكمة ضرورة المواءمة بين المصلحتين ضمن المعايير القانونية، بحسب ما جاء في كافة الأحكام الصادرة حتى الآن والتي عددها ستة.

رمي المياه الصناعية في الصرف الصحي يضر بشبكة التكرير العامة

يظهر من تقرير الخبيرين د. ناجي قديح ود. نادين ناصيف اللذيّن كُلفا من المحكمة الكشف على معمل لصناعة مواد التنظيف والصابون في زحلة أهمية تكرير المياه الصناعية قبل تسييلها في مياه الصرف الصحي. إذ يلفت التقرير إلى أن تسييل المياه الصناعية التي تحتوي على مواد كيميائية في شبكة الصرف الصحي من دون معالجة، ينتج عنها ضرر يلحق بمحطة التكرير التابعة لمنطقة  زحلة، والتي تعتبر من أهم محطات التكرير في البقاع. وبإمكان هذا النوع من النفايات السائلة أن يساهم في تعطيل النشاط البيولوجي للبكتيريا المسؤولة عن معالجة المياه المبتذلة في المحطة، مما يصعب ويعيق معالجتها ويعطلها تماماً، كما ورد في حكم معمل صناعة مواد التنظيف.

بالتفاصيل، إن المعمل المذكور موجود في منطقة زحلة المعلقة، وتبين نتيجة الكشف الذي قام به خبراء من وزارات الصحة والبيئة والصناعة والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني أن صاحبته قامت بتركيب  محطة تكرير صناعية ولكنها غير فعالة. وبعدما راجعت مالكة المعمل المختصين قامت بتركيب محطة تكرير جديدة، وأثبت فعاليتها الفحوصات المخبرية اللاحقة. ولفت الخبيران ناصيف وقديح، في تقريرهما  إلى أنه قبل تركيب المحطة كان يتم التخلص من المياه الصناعية عبر تسييلها في شبكة الصرف الصحي، والتي تصب في محطة زحلة لمعالجة المياه المبتذلة. ويُشير التقرير إلى أن تسييل هذا النوع من مياه الصرف الصناعي والتي تحتوي على بقايا من مواد كيميائية، في شبكة الصرف الصحي دون معالجة، لا تتوافق مع لوائح المواصفات البيئية المطلوب الالتزام بها لدى رميها في شبكات الصرف الصحي. وهذه المواد هي من أنواع (بروبانامين، ثنائي إيثانول أميد، وهيدروكسيد الصوديوم الصودا الكاوية، وأيزو بروبيلول وثلاثي بولي فوسفات الصوديوم)، وأن جميع هذا المواد لا يمكن أن ترمى في الأوساط البيئية من دون معالجة.

وكما في الأحكام السابقة، اتجهت المحكمة لإدانة المدعى عليها بالمادتبن 9 و10 من قانون المحافظة على البيئة رقم 64/1988، والمادتين 58 و59 من قانون حماية البيئة رقم 444/2002، والمادة 95 من قانون المياه رقم 77/2018 والمادة 748 من قانون العقوبات. وجاء الحكم ليخفف العقوبة مبرراً الأمر بإزالة أسباب التلوث، إذ أدان المدعى عليها بالعقوبة الأشد أي الحبس لمدة 6 أشهر والتي استبدلت بغرامة مالية قدرت بمليون ليرة، بالإضافة إلى غرامة 7 ملايين ليرة، وأن تزرع 300 غرسة من أشجار الصنوبر، وأن تدفع إلى مصلحة الليطاني مبلغ وقدره مليون ليرة تعويضاً عن الضرر الذي لحق بها.

بركة ترسيب غير مستوفاة للشروط

صدر الحكم الثاني بحق مؤسسة لصناعة بلاط الأرصفة والموزاييك والصناعات الاسمنتية في بلدة رياق – البقاع ويبعد حوالي 600 متر عن نهر الليطاني. ويُبين الحكم بأن تقرير المصلحة الوطنية لنهر الليطاني المستند إلى الكشف الذي أجراه خبراء من وزارات الصناعة والبيئة والصحة ومصلحة الليطاني زار المعمل، يُشير إلى أن “الصرف الصناعي الناتج عن المعمل هو ملوث، والمياه الناتجة عنه غير معالجة، وتحتوي على مخلفات صلبة وتذهب إلى شبكة الصرف الصحي في مدينة رياق”.

ويُشار إلى أن المدعى عليه أدلى أمام المحكمة أن لديه “بركة الترسيب غير مستوفاة للشروط المطلوبة”. وكانت المحكمة قد عينت الخبير البيئي د. ناجي قديح الذي أدلى في تقريره بأن “المدعى عليه يقوم في معمله بقص ألواح الرخام وبنشرها بواسطة منشار حجر كبير يُبرد بالمياه التي تحمل معها بقايا طلبة”. وأضاف، “أن هذه المياه المحملة بمسحوق الجزئيات الصلبة المتولدة عن عملية نشر وقص ألواح الرخام، كانت تذهب إلى شبكة الصرف الصحي منتجة أضراراً في الأوساط البيئية التي تصب فيها”. ولفت التقرير إلى أنه بعدما قام المدعى عليه بإنشاء ثلاث برك ترسيب أصبح معمله مطابقاً للمواصفات البيئية المطلوبة”.  كما أوضح التقرير بأن كميات الإنتاج في المعمل محدودة، ويعمل بشكل متقطع غير مستمر، كذا وإن كميات المياه المستعملة هي كميات محدودة ولا تتعدى أمتارا مكعبة.

الحكم اعتبر أن فعل المدعى عليه لجهة تسييله مياه الصرف الصناعي الصادرة عن معمله والتي تحتوي على ترسبات صلبة، وعلى جزئيات معدنية صلبة متولدة عن عملية نشر ألواح الحجارة والرخام، وهذه المواد كانت تذهب مباشرة إلى شبكة الصرف الصحي، يكون مستجمعاً لعناصر الجرم المواد نفسها التي ذُكرت في الحكم الأول. واللافت أن اختلاف نوع الملوثات الخارجة من معمل البلاط عن معمل مواد التنظيف قد يكون السبب وراء انخفاض الغرامة المالية. إذ حوكم المدعى عليه بالعقوبة الأشد أي بحبسه لمدة 5 أشهر (تم استبدالها بالغرامة البالغة مليون ليرة لبنانية) وتغريمه 5 ملايين ليرة، بحيث بلغ مجموع العقوبة 6 ملايين ليرة. وقد برر الحكم تخفيض العقوبة بأن المدعى عليه أوقف التلوث وأزال أسبابه. إضافة إلى ذلك، حدد الحكم قيمة مبلغ مليون ليرة لبنانية يدفعها المدعى عليه للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، وذلك تعويضاً عن العطل والضرر الذي أصابها. كذا وألزم المدعى عليه أن يزرع مئتي غرسة من أشجار الصنوبر على ضفتي النهر وفي المنطقة الموازية لمعمله.

محاكمة أول مبنى سكني

الحكم الثالث يتميز بأنه الوحيد حتى اللحظة الذي صدر بحق مبنى سكني على خلاف الأحكام الأخرى التي صدرت بحق مؤسسات ومصانع. المبنى المذكور يتواجد في منطقة بر الياس ويختلف الكشف الذي حصل عليه عن المعامل. فهويظهر أن عناصر من مخفر شتورا قاموا بالكشف على المبنى وليس الخبراء من الوزارات المعنية والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني. المبنى مؤلف من ثلاث طبقات تبلغ مساحة كل طابق 120 متر مربع، وفيه شقق سكنية ومحلات تجارية. المدعى عليه كان قد أدلى في التحقيقات الأولية أن المبنى قام أولاً بإيصال  تمديدات المياه المبتذلة إلى مجرى النهر، وكان قد تقدم بطلب تمديد المياه الناتجة عن منزله إلى شبكة الصرف الصحي لكنه لم يلق جوابا. وكانت المفكرة قد حضرت جلسة الاستجواب الخاصة بالمدعى عليه، والذي أشار حينها إلى أنه استخدم هذا القسطل لمياه الشطف قبل السكن في المبنى، وأنه لم يستخدمها للصرف الصحي. ويُشير الحكم على أن المدعى عليه أزال التمديدات التي تصل إلى النهر، وتالياً قام باستحداث جورة صحية للمياه المبتذلة. وهذا الأمر أكد عليه رئيس قلم المحكمة المكلف بالكشف على البناء. وخلص الحكم إلى إدانة المدعى عليه بعقوبة الحبس لمدة 3 أشهر على أن تُستبدل بغرامة مالية تبلغ مليون ليرة، وبتغريمه مبلغ 3 مليون ليرة، وبأن يزرع مئة غرسة من أشجار الصنوبر، وبأن يدفع مليون ليرة تعويض للمصلحة.

يُلحظ أن ادعاءات المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في الملفات المعروضة أمامنا، هي نفسها في كافة الملفات، إن كان لناحية الطلبات التي تقدمت بها في كل ملف: “إقفال المعمل، والتعويض بمبلغ 100 مليون ليرة”. كذا وطلبت في كافة الملفات الادعاء بجرم المادة 747 عقوبات والتي تُعاقب بـ “الحبس حتى سنتين وبالغرامة 500 ألف ليرة لمن هدم أو قلب أو خرب كل أو بعض الانشاءات المشيدة للانتفاع بالمياه العمومية…”. ويذكر في هذا السياق أن المحكمة لم تُحاكم بنص هذه المادة أي من المدعى عليهم في الأحكام التي صدرت والتي أصبح عددها ستة أحكام، لعدم تحقق عناصرها الجرمية.

جلسات محاكم الليطاني

القضاء أمام اختبار إحياء الليطاني: الملوّثون يمثلون للمرة الأولى أمام قوس المحكمة

الليطاني يواجه ملوثيه أمام القضاء: 43 ملفاً أمام المنفرد الجزائي في زحلة

استكمال محاكمة ملوثي الليطاني: سياسيون ونافذون أمام قوس المحكمة

ملوثو الليطاني أمام القضاء وسط أصداء ميموزا: هل بدأ العد العكسي لمحاسبة ملوثي البيئة في لبنان؟

إرجاء دعاوى تلويث الليطاني بانتظار تقارير الخبراء: الطقس العاصف حال دون إنجازها

“الليطاني” تتسلح بالقانون لمحاربة المهل الإدارية للملوثين

قضايا تلويث الليطاني بانتظار تقارير الخبراء: النيابة العامة لا تصحح ادعاءها ضد شركة النائب ميشال ضاهر للمرة الثانية

تقدم في محاكمة ملوثي الليطاني: أحكام قضائية قريباً

ثلاثة أحكام في قضايا تلويث الليطاني: عقوبات معتدلة تهدف لوقف التلوث وتأهيل النهر

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني