القضاء أمام اختبار إحياء الليطاني: الملوّثون يمثلون للمرة الأولى أمام قوس المحكمة


2018-11-07    |   

القضاء أمام اختبار إحياء الليطاني: الملوّثون يمثلون للمرة الأولى أمام قوس المحكمة

بتاريخ 6 تشرين الثاني 2018، جلست سيدة تتشح بالسواد على المقعد الخلفي في محكمة الجزاء في قصر عدل زحلة، وعيناها مسمرتان على القاضي المنفرد الجزائي محمد شرف الذي جلس على قوس المحكمة. السيدة من بلدة حوش الرافقة البقاعية علمت، عبر الحراك الذي شهدته بلدتها احتجاجاً على تفشي مرض السرطان بين أهلها نتيجة تلوث نهر الليطاني، بموعد جلسة لمحاكمة 31 مؤسسة صناعية تساهم في تلويث النهر وقتل ناسه.

السيدة، لم ترغب بذكر اسمها، شاركت قبل عشرة أيام من اليوم في تشييع ابن بلدتها الشاب حسين الكيال (21 عاماً) وهو الضحية الرقم 45 التي يقتلها السرطان في البلدة في السنوات الأخيرة، والحبل على جرار انتشار المرض كوباء ليس في الحوش فقط بل في جاراتها تمنين التحتا وبر الياس والقرعون، حيث تبلغ نسبة السرطان فيها ثلاثة إلى خمسة أضعاف المعدّل العام في البلاد. الكيال نفسه كان صديق ابنها الذي اغتاله تلوث النهر بالمرض عينه قبل عامين من اليوم.

مع السيدة، التي قالت ل”المفكرة” “أتمنى أن يدرك القضاة، ومن بينهم القاضي شرف، حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وحجم الأمل الذي يعقده ناس الليطاني ومعهم كل اللبنانيين على القضاء. نريد إيقاف هذه الجريمة، وليس أمامنا سوى الأمل بالقضاء”.

مع السيدة ذات الوشاح الأسود، شخصت عيون أهل البقاع في الحوض الأعلى لنهر الليطاني ومعهم سكان الحوض الأسفل في جنوب لبنان إلى قصر عدل عروس البقاع، علّ القضاء يقوم بالواجب الذي تخلفت عنه القوى السياسية المشاركة في القرار والسلطة جمعاء في رد التلوث عن الليطاني. القوى نفسها المستمرة في السلطة منذ الطائف ولغاية اليوم، وبالتالي المشاركة في قرار إنشاء شبكات صرف صحي لنحو مائة بلدة وتسليطها إلى مجرى الليطاني، ومعها النفايات السائلة ل 640 مؤسسة صناعية من الفئات الأولى حتى الرابعة من دون أي معالجة. المؤسسات الصناعية التي نص القانون 63/2016 الخاص بتنظيف الليطاني على معالجة تلوثها، زادت في إثر عزم أهل السلطة على مكافحتها، من 640 إلى 723 مؤسسة مخالفة للقانون وملوثة، وفق المسح الذي أجرته مصلحة الليطاني مؤخراً.

الإستهتار نفسه الذي يصل إلى حدود التواطؤ ما زال مستمراً مع عدم إيقاف المؤسسات الملوثة لا بل يتبلور في المهل التي ما زال وزير البيئة طارق الخطيب يمنحها ومنها تلك المعطاة إلى مؤسستي جرجورة في جديتا ومنشار حجر السيد في أبلح وفق الكتب التي أرسلها إلى محافظ البقاع ووصلت منها نسخ إلى مصلحة الليطاني.

شارك في مسح المؤسسات الملوثة مصلحة الليطاني بمؤازرة مفرزة زحلة، ومندوبون عن وزارات الصحة والصناعة والزراعة والبيئة الممثلة في محافظة البقاع. وتعتبر جلسة 6 تشرين الثاني 2018، أول الغيث لمحاكمة الملوثين الذين ادعت عليهم النيابة العامة في البقاع إثر كتاب-إخبار من مصلحة الليطاني، وهي الأولى على مدى تاريخ طويل من الإعتداء الصناعي على نهر الليطاني أمام القضاء. فقد اقتصرت الشكاوى التي وصلت إلى القضاء قبلاً على سرقة مياه من المنشآت التابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني كما هو الحال مع ثلاث منها في منطقة صبغين اليوم.

بدت قاعة المحكمة خالية نسبة إلى عدد المصانع المشتكى عليها والبالغ عددها 31 مصنعاً. تمر ملفات الدعاوى الجزائية تباعاً ليبدأ مباشر المحكمة بتلاوة أسماء أصحاب المصانع ومؤسساتهم المدعى عليها. تكر سبحة ال 31 مصنعاً ليتبين أن هناك أربع مؤسسات فقط تم تبليغها أصولا، بالرغم من مرور شهر كامل بالتمام والكمال من تاريخ الإدعاء. شهر لم يكن كافياً لتبليغ المؤسسات المعنية كافة، بينما لم تتم محاكمة ممثلي المؤسسات الأربعة. هؤلاء طلبوا، شخصيا أو عبر وكلائهم، الإستمهال للإطلاع على الملف وتقديم الدفعات الشكلية.

وشهدت الجلسة تطوراً لافتاً تمثل بتقدم مصلحة الليطاني، وبواسطة وكيلها القانوني المحامي علي عطايا، بشكوى مباشرة مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي بوجه الجهات المدعى عليها أمام القاضي المنفرد الجزائي. وطلبت المصلحة من القاضي إصدار القرار باتخاذ تدبير احترازي معجل يقضي بإقفال محل (مصنع) الجهة المدعى عليها الملوثة قبل صدور الحكم وذلك لمنع تفاقم الضرر الناتج عن نفاياتها وصرفها الصحي لحين التوقف عن التسبب بالضرر والتلوث، وفقاً لصراحة نص المادة 73 و103 من قانون العقوبات.
كما طالبت بإلزام الجهة المدعى عليها “بدفع مبلغ مئة مليون ليرة لبنانية كتعويض عن العطل والضرر المرتكب وفقاً لنص المادة 138 من قانون العقوبات -على قاعدة الملوّث يدفع- التي ثبت قيامها بالتسبب بالتلوث مع العلم أنها مستمرة حتى الساعة بالتسبب به على أن يصدر في متن الحكم قرار بتعجيل قسم من التعويض المطالب به من قبل المدعية (المصلحة الوطنية لنهر الليطاني) وفقاً لصراحة نص المادة 202 من قانون العقوبات

وتضمنت دعوى المصلحة طلباً يقضي ب “نشر الحكم الذي سيصدر عن القضاء وفقاً لنص المادة 135 من قانون العقوبات التي أعطت للقاضي الحق بنشر الحكم في جريدة أو عدة جرائد على نفقة المحكوم عليه بناء على طلب المدعي الشخصي، وذلك حفاظاً على الشفافية وتمكيناً للمواطنين من الاطلاع على الحكم الذي سيصدر في ملف متعلق ومرتبط بقضايا الرأي العام”.
وأكدت مصلحة الليطاني، على لسان رئيس مجلس إدارتها، المدير العام الدكتور سامي علوية، أنها ستتقدم بشكاوى مماثلة بوجه كافة المؤسسات التي ستحال أمام القضاء المنفرد الجزائي بموجب ادعاء النيابة العامة”.

وبناء عليه، أرجئت جلسة 6 تشرين الثاني 2018  إلى تاريخ 18/12/2018، وحددت جلسات محاكمة للدفعة الثانية من الشكاوى بتاريخ 15/11/2018.

الإرجاء لنحو شهر ونصف الشهر لم يعجب سيدة حوش الرافقة “يمكن لازم يعجلوا بالجلسات، الموت والسرطان مش عم يأجلوا”، قالت ذلك قبل أن تصعد في حافلة صغيرة من ساحة زحلة وتعود إلى بلدتها المنكوبة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، تحقيقات ، استقلال القضاء ، لبنان ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، الحق في الصحة والتعليم ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني