استكمال محاكمة ملوثي الليطاني: سياسيون ونافذون أمام قوس المحكمة


2018-12-21    |   

استكمال محاكمة ملوثي الليطاني: سياسيون ونافذون أمام قوس المحكمة

“كلنا تحت القانون، لا فرق بين مواطن وآخر في هذه المحكمة”. هكذا عبر القاضي المنفرد الجزائي في زحلة محمد شرف الناظر في ملفات تلوث الليطاني، عن عدم تمييزه بين سياسي وأي مواطن تطاله قضية تلوث الليطاني. كلام القاضي شرف جاء خلال عقده جلسات لـ 39 ملفا في يوم الخميس 20 كانون الأول 2018، كانت إحداها تطال شركة “شاتو كفريا” والتي يملك زعيم حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أسهما فيها ويشغل منصب رئيس مجلس إدارتها ايضاً.

تبين في قضية “شاتو كفريا” أن النيابة العامة لم تدّع على المفوض بالتوقيع عن الشركة، فأبدى القاضي تشدده في أنه مهما كان المفوض بالتوقيع يجب أن يحصل الادعاء عليه، أي حتى لو كان جنبلاط، فطلب إعادة الملف إلى النيابة العامة لتصحيح الادعاء.

الأسلوب نفسه اعتمده القاضي شرف في ملف يطال سياسي آخر في جلسة سابقة، وهو النائب ميشال ضاهر مالك مصنع “ماستر تشيبس”. فقد تبيّن أن النيابة العامة ادعت على موظف لديه يحمل الاسم نفسه.

وفي موازاة تشدد القاضي شرف في التعامل مع قضية الليطاني وحزمه في عدم التمييز بين المواطن والسياسي في هذا الملف، استكمل في اليوم نفسه قاضي التحقيق الأول في البقاع عماد الزين التحقيق في قضية معمل ميموزا، واستمع إلى إفادة مالكه رئيس بلدية ريم القاع وسام التنوري المتهم بتلويث مجرى البردوني التابع لنهر الليطاني والتعدي على الأملاك العمومية. وعلمت “المفكرة” أن الأخير لا يزال قيد التوقيف  على أن يستكمل القاضي الزين تحقيقه معه نهار الإثنين المقبل للاستماع إلى شاهدين من المصلحة الوطنية لنهر الليطاني.

لا يوجد “صيف شتاء” في هذه المحكمة

استكمالاً لجلسة نهار الثلاثاء 18 كانون الأول التي جرى النظر خلالها بنحو 35 ملفاً، تابع القاضي شرف النظر في قضية تلوث نهر الليطاني وقد امتلأت القاعة بالمدعى عليهم والمحامين. بالتفاصيل، إن ما حصل في قضية “شاتو كفريا”، أظهر أن الادعاء حصل على رجل يدعى م. ف. وهو ليس المفوض بالتوقيع عن الشركة. وإذ أوضح القاضي شرف أن هذا “المعتر” لا علاقة له بموضوع الدعوى، شرح لوكيلة الشركة المحامية حلا فرنجية بأن “المفوض بالتوقيع عن الشركة يجب أن يحضر”، أي إن كان جنبلاط أم غيره. ومن خلال الأوراق التي أبرزها وكيل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني المحامي علي عطايا، فإن هناك شخصين قد يكونان المفوضيّن بالتوقيع عن المعمل أحدهما جنبلاط. فأبدت فرنجية اعتراضها على وضع اسم جنبلاط، معتبرة أنه ليس المفوض بالتوقيع عن الشركة بل هو رئيس مجلس الإدارة. عندها سألها “القاضي: “أنت لماذا خائفة؟ نحن في هذه المحكمة كلنا تحت القانون ولا نعمل بسياسة “صيف شتاء” أي لا نميز بين أحد وآخر”. لذا، طلب القاضي إحالة الملف إلى النيابة العامة لإجراء المقتضى القانوني، وطلب من فرنجية إحضار الإذاعة التجارية الخاصة بـ Chateaux Kefraya لتصحيح الادعاء، على أن يُظهر التحقيق لاحقاً مَن الشخص الموجب الادعاء عليه أمام المحكمة. في هذا الصدد، أوضح عطايا ل “المفكرة” أن هذه الأخطاء كالتي حصلت في قضية الادعاء على “شاتو كفريا” و “ماستر تشيبس” “حصلت في ملفات عدة، بسبب أنه خلال التحقيق الأولي لم تُعط أسماء ممثلي الشركات الحقيقيين”.وعلى نفس المنوال الذي اعتمده في جلسة الثلاثاء، طلب القاضي شرف تعيين خبراء للكشف على المؤسسات التي صرحت بأنها قامت بإجراءات إصلاحية على منشآتها، كإنشاء برك صحية ومحطات تكرير. وأبدى تشدداً في التعامل مع طالبي المهل لتصحيح أوضاعهم، بعدما استنفذوا المهل الإدارية منذ بدأت مصلحة الليطاني إجراء الكشوفات في أواخر الصيف. فتم استجواب نحو 14 مدعى عليهم، وتم إرجاء هذه الملفات إلى 16 كانون الثاني 2019 بانتظار تقارير الخبراء، فيما أمهل 14 آخرين منهم للإطلاع على الملف وتعيين محام، وغيرهم للإحالة الى النيابة العامة لتصحيح الادعاء، وأرجأ تلك إلى تاريخ 7 كانون الثاني 2019، كذا وتبين أن نحو 10 ملفات أخرى لم يجر تبليغ أصحابها.

من ناحيتها، طلبت مصلحة الليطاني إقفال كافة المنشآت كتدبير مؤقت إلى حين إصدار الحكم النهائي، كي لا تستمر بتلويث النهر خلال فترة المحاكمة. فاتخذ القاضي شرف قرار إقفال مؤسسة ألبان زهور تعنايل بالشمع الأحمر لمالكها عمر الملحم في بلدة المرج، وذلك بعدما تبين أنه مبلغ ولم يحضر كافة الجلسات. وقد رجح المحامي عطايا أن يكون الملحم موقوفاً. وقد تريث القاضي في البت في طلبات الإقفال الأخرى، بهدف تعيين خبراء للكشف على المنشآت التي صححت وضعها. كذا وطلبت مصلحة الليطاني من كافة المؤسسات التي تم استجوابها أن تتعهد بعدم تلويث النهر، وبأن تسمح لمصلحة الليطاني أن تقوم بكشوفات دورية للتأكد من التزامها المعايير البيئية وأنها لا تلوث النهر. يوضح عطايا بأنه بذلك يُكرس حق للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني بمراقبة التزام المؤسسات بالأحكام القضائية، عبر أخذ عينات لإجراء الفحوصات المخبرية بشكل دوري. كذا، وتبين أنه حتى الآن جرى توقيف أربعة أشخاص يحاكمون أمام القاضي شرف في هذه القضية، بالإضافة إلى مالك معمل ميموزا.  وجنوباً، أصدر محافظ الجنوب منصور ضو قراراً بإقفال مسلخ وفروج المازح الذي كان يُلقي مخلفاته في قناة ري القاسمية، بناء على شكوى من مصلحة الليطاني.

كفوا عن التدخل مع القضاء

“كفوا عن التدخل مع القضاء وإلا سنقاضيكم”، هكذا رفع أهالي بلدة حوش الرافقة الصوت ضد كل من يحاول التدخل في القضاء في قضية تلوث نهر الليطاني، تزامناً مع انعقاد جلسات قضية الليطاني أمام القاضي شرف. وقفوا نساء ورجالاً وطلاب مدارس أمام قصر العدل في زحلة في البرد القارس، بمشاركة “لجنة إنقاذ نهر الليطاني” و”شباب حوش الرافقة”. والحال، أنه لا يزال الموقف “التضامني” الذي أبداه ثلاثة نواب في البرلمان اللبناني مع معمل ميموزا جراء إغلاقه وإيقاف مالكه رئيس بلدية قاع الريم وسام التنوري، يبعث الغضب في قلب أهالي البقاع، بعدما تبين للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني أن المعمل يلوث مجرى البردوني. والأهالي هم الذين عانوا ما عانوه من مرض السرطان الذي أزهق أرواح الكثيرين منهم، فوحدها بلدة حوش الرافقة تخطت فيها حالات مرضى السرطان الـ 45 حالة في آخر عشر سنوات بحسب الأهالي. من جهته، سأل رئيس لجنة إنقاذ الليطاني في البقاع علي القاق في بيان “هل يعقل أن يقوم مسؤول ليساعد معتديا بحق النهر والشعب؟ وهل يقبل قاض بأي تدخل معه خلافا للحق والقانون؟”

وتابع العلي بيانه مشدداً على أن مأساة الليطاني تكشف حقيقة الإنهيار الإنساني الذي بات يعصف بكل مناحي الحياة في هذا الوطن، مما يتطلب مراجعة كل منا لذاته ليعود الوعي إلى العقول واللقاء إلى القلوب والروح إلى الجيد“.

وفي سياق الاعتصام، أعلنت اللجنة مؤازرتها وتقديرها لمصلحة الليطاني، طالبة منها “تبيانا للأعمال المتعلقة بإنشاء محطات التكرير بدءا من العليق حتى بحيرة القرعون تمهيدا لوصول المياه المبتذلة من البلدة الى المحطة. وأكدت اللجنة على “وجوب تشكيل لجان شعبية في كل بلدة بدءا من العليق وانتهاء بالقرعون تكون معنية بمتابعة مأساة التلوث في نطاقها تمهيدا لوضع الحلول المناسبة والممكنة في إطار حل شامل للموضوع”. كما اقترحت “إنشاء صندوق خاص في المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، تودع فيه الغرامات التي يفرضها القضاء على المعتدين على النهر وعلى الشعب لتساعد في تكاليف اعادة الحياة للنهر الذي ساهمت المؤسسات في قتله وقتل من حوله”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني