الادّعاء العامّ يطلب القبض على نتنياهو: “المحكمة الجنائية الدولية لم تنشأ من أجل قادة أفريقيا وبوتين فقط”


2024-05-22    |   

الادّعاء العامّ يطلب القبض على نتنياهو: “المحكمة الجنائية الدولية لم تنشأ من أجل قادة أفريقيا وبوتين فقط”
من موقع المحكمة الدولية الجنائية الرسمي

قدّم المدّعي العامّ لدى المحكمة الدولية الجنائية كريم خان في تاريخ 20 أيار 2024 طلبات لإصدار أوامر قبض بحق إثنين من المسؤولين الإسرائيليين (رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت) وثلاثة من قياديي حركة حماس (رئيس الحركة يحيى السنوار، والقائد الأعلى للجناح العسكري محمد دياب إبراهيم المصري المعروف بمحمد الضيف، ورئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية) لوجود شبهات جديّة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية منذ 7 أكتوبر في إطار عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزّة. وستنظر في هذه الطلبات الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة المكوّنة من ثلاثة قضاة وتبتّ فيها خلال الأسابيع القادمة. وقد اعتبر المدعي العام في بيانه أنّ طلباته نابعة من ضرورة “تطبيق القانون على قدم المساواة”، وتفادي التطبيق الانتقائي لأنّ ذلك سيؤدّي إلى انهيار المنظومة القانونية برمّتها. وإذ تعتبر هذه الخطوة تاريخية في إطار القطع مع إفلات المسؤولين الإسرائيليين من العقاب، إلّا أنّ التدقيق في طلبات خان وخطابه يظهر تحيّزات معيّنة للسرديّة الإسرائيلية وتنازلات يرجح أن يكون اضطرّ عليها أملا بتجاوز الضغوط المهولة عليه أو التخفيف منها.

ضغوطات على المحكمة الجنائية 

انتقدت حماس طلب مكتب الادّعاء معتبرةً أنه جاء “متأخرًا 7 أشهر”، وأنّه “يساوي بين الضحية والجلاد”. أمّا الرد الاسرائيلي، فجاء كعاداته محمّلًا بتهمة معاداة السامية المعتادة وبخطاب بروباغندا يرفض أيّ شرعية دولية، ومحمّلا بعبارات دينية مثل “الحرب العادلة”.  وذهب نتنياهو إلى حد اعتبار أنّ كريم خان هو “عميل حماس في لاهاي”. وفي ردّ هجومي على المحكمة، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتلي بينيت دول العالم إلى “سحب التمويل من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي”.

من جهته، اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أنّ إجراء المدعي العام بحق المسؤولين الإسرائيليين “مشين” outragous، وأكّد على وقوفه الدائم إلى جانب إسرائيل ضد “التهديدات التي يتعرض لها أمنها”. كما ذهبت في الاتجاه نفسه مواقف المملكة المتحدّة التي شككت في اختصاص المحكمة لإصدار هذه الأوامر واعتبرت أنّ طلب توقيف نتنياهو “غير مفيد”، وألمانيا التي أشارت إلى الخطأ في المساواة بين القادة إسرائيل وحماس، بالإضافة إلى هنغاريا التي اعتبر رئيس حكومتها أنّ هذا الطلب “عبثي ومعيب”.

تأتي لهجة المسؤولين الاسرائيليين والأمريكيين العدائية تجاه المحكمة وتجاه شخص المدعي العام في إطار سلسلة من الضغوطات والتهديدات الصريحة، منها رسالة تهديد مباشرة صادرة عن 12 نائباً في مجلس الشيوخ الأميركي، والتي كانت قد دفعت سابقا بمكتب الادعاء إلى إصدار بيان في 3 أيار أشار فيه إلى تعرّض استقلالية المحكمة وحياديتها للخطر من جراء التهديد باتخاذ “تدابير انتقامية في حال اتّخذ المكتب قرارات معينة بشأن التحقيقات والدعاوى الداخلة ضمن اختصاصه”. وقد أعاد المدعي العام الإشارة إلى هذه التهديدات في بيانه الأخير مصرًّا على “الوقف الفوري لكل محاولات عرقلة مسؤولي هذه المحكمة أو إرهابهم أو التأثير عليهم بشكل غير لائق”، مشيرًا إلى جهوزيته لملاحقة الأشخاص الذين يقترفون جرائم مخلّة بمهمة المحكمة في إقامة العدل بحسب المادة 70 من نظام روما في حال استمرار هذه الممارسات. وختم بيانه بالتأكيد على أنّ هذا الإجراء يهدف إلى المحافظة على شرعية المحكمة وتفادي انهيارها.

في مقابل هذه التهديدات، أصدرت عددٌ من الدول الأعضاء في نظام روما بيانات تُعلن فيها تمسّكها باستقلالية المحكمة، ومنها ما صدر عن سفيرة سويسرا لدى الأمم المتحدة ووزارات الخارجية في بلجيكا واسبانيا وايرلندا وسلوفينيا وفرنسا، وهي مواقف هامّة نظراً لدور الدول الأعضاء في تنفيذ قرارات المحكمة، إذ سيؤدّي التزامها بتنفيذ مذكرات التوقيف، في حال  صدورها، إلى إلقاء القبض على نتنياهو وغالانت في حال دخولهما إلى هذه الدول، وتالياً يُسهم في تقييد حركة سفرهما وعزل إسرائيل.

ويظهر أن خان قد استبق الاتهامات ضدّه من خلال ليس فقط تكثيف تواصله مع الإعلام لدى الإعلان عن طلبه، بل أيضاً إسناد طلبه على تقرير من إعداد لجنة من الخبراء من ثمانية خبراء (من ضمنهم المحامية اللبنانية أمل علم الدين كلوني)، كان قد عينها لدعم تحقيقه في “الوضع في فلسطين” وتقديم المشورة له حول ما إذا كانت هناك “أسباب معقولة للاعتقاد” بأن الأشخاص المذكورين في طلبات أوامر التوقيف قد ارتكبوا جرائم تدخل في اختصاص المحكمة. وقد أكّد خان في مقابلته على CNN في تاريخ 20 أيار 2024 أن من واجبه أن يتعامل مع الضحايا على قدم المساواة، وأن يطلب محاكمة كل من يثبت ارتكابه جرائم مشمولة بصلاحيات المحكمة. وكان اللافت أن أشار إلى أن أحد كبار القادة المنتخبين قد أسرّ له أن المحكمة تمّ إنشاؤها من أجل محاكمة قادة أفريقيا وبعض المارقين مثل بوتين، رافضا من جهته أي تمييز من هذا النوع.

وتعدّ هذه الخطوة سابقة، ذلك أنّه يمكن للمدعي العام أن يستعين بخبرة مستشارين خاصين كأعضاء في مكتب الادعاء، لكنّها المرة الأولى التي يشكّل لجنة مخصصة لتقديم مشورة مماثلة في محاول لإضفاء شرعية إضافية لطلبه.

محاولة خلق توازن في الاتهامات رغم عدم توازن الجرائم

إذن بعد طول انتظار والتشكيك بحيادية المدّعى العام، أصدر كريم خان لائحة اتهامات بحق قادة إسرائيل وحماس. وقد اختار خان أن يبدأ بيانه بأسباب اتهام قيادات حماس (السنوار والضيف وهنية)، فوّجه ضدّهم اتهامات بارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سياق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر وفي سياق الأسر، وتحديداً الجرائم التالية:

  • جريمة الإبادة (extermination) أي القتل الجماعي والتي تختلف عن جريمة الإبادة الجماعية (genocide) كونها لا تشترط توّفر النية الخاصّة بالقضاء على المجموعة أو جزء منها وجريمة القتل العمد؛
  • جريمة أخذ الرهائن،
  • جرائم الاغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي، والتعذيب، والمعاملة القاسية، والاعتداء على كرامة الشخص في سياق الأسر.

أما نتنياهو وغالانت، فاتّهمهما خان بارتكاب الجرائم التالية:

  • جرائم الحرب: تجويع المدنيين كوسيلة حرب؛ تعمّد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم والصحة؛ القتل العمد؛ وتعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين،
  • جرائم ضد الإنسانية: الإبادة (extermination)؛ الاضطهاد؛ وأفعال لا إنسانية أخرى.

وفي إطار شرحه لهذه الاتهامات، ركّز المدّعي العام على الحصار والتجويع والعقاب الجماعي والكارثة الإنسانية في غزة، من دون البحث في قانونية العدوان على غزّة المحتلّة والعمليات العسكرية بحدّ ذاتها. فحتى حين أشار سريعًا إلى الهجمات ضد المدنيين، ركّز على الهجمات المتعلّقة بوصول المدنيين إلى المساعدات الإنسانية أي “الهجمات على أولئك الذين اصطفوا للحصول على الطعام، وإعاقة توصيل الوكالات الإنسانية للمساعدات، وشنّ هجمات على عمال الإغاثة وقتلهم، مما أجبر الكثير من الوكالات على إيقاف أعمالها في غزة أو تقييدها”.

وقد أكّد خان أنّ هذه اللائحة ليست سوى الجولة الأولى من الاتهامات في هذه القضية حيث من المتوّقع صدور المزيد من الطلبات في المستقبل، وأنّها اقتصرت على الجرائم التي وجد مكتبه أدلة قوية على ارتكابها على نحو قد يمهّد للإدانة لاحقًا، وليس فقط الجرائم التي توجد أسباب معقولة للاعتقاد باقترافها. وقد أكّد بيانه أنّ التحقيق متواصل “فيما يتعلق بالقصف واسع النطاق الذي تسبب، وما زال يتسبب، في قتل وإصابة أعداد كبيرة جدا من المدنيين، وفي معاناتهم، في غزة”.

يبقى أنّ لائحة جرائم الحرب التي تقترفها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية (والتي تدخل ضمن صلاحية المحكمة) أطول بكثير مما قدّمه المدّعي العام في هذه الجولة الأولى. فنلحظ مثلاً غياب جريمة الهجمات ضد المواقع المدنية والمباني المحميّة،[1] وأبرزها المستشفيات التي ثبت استهدافها العمدي وتدميرها من قبل الإسرائيليين. كما لم تتناول الاتهامات جريمة أخذ الرهائن ونقل سكان غزة المحتلة إلى خراجها من قبل الإسرائيليين الذين أسروا أكثر من 5 آلاف شخص من القطاع منذ بداية الحرب ونقلوا بعضهم إلى خارج القطاع. كما لم يتناول خان جريمة الإبعاد القسري[2] التي يرتكبها الاحتلال، فلم يشِر إلى  تهجير أكثر من مليون ونصف فلسطيني داخل القطاع رغم وجود تصريحات إسرائيلية واضحة حول نية التهجير.

وحتى جرائم العنف الجنسي التي تعرّضت لها النساء الفلسطينيات على يد قوات الاحتلال والتي أشارت إليها تقارير خبراء الأمم المتحدة فقد غابت تمامًا عن لائحة الاتهامات. ويُذكر في هذا الإطار أنّ اتهامات العنف الجنسي بحق قادة حماس انحصرت في إطار الأسر (أي ما يُشتبه ارتكابه بحقّ الأسرى الإسرائيليين بعد أسرهم)، وذلك خلافاً للرواية الإسرائيلية التي تدّعي أن هذا النوع من الجرائم كان ممنهجاً خلال عملية هجمات 7 أكتوبر. إلا أنّ المدّعي العام أوضح أن مكتبه “يواصل أيضا التحقيق في التقارير التي تفيد بارتكاب أعمال عنف جنسي في السابع من أكتوبر”.

أمّا الغائب الأكبر، فكانت جريمة الإبادة الجماعية. فرغم اعتبار خان أنّ الأدلة “تثبت أن إسرائيل تعمّدت حرمان السكان المدنيين في كل مناطق غزة بشكل منهجي من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم الإنساني”، لم يوّجه تهمة الإبادة الجماعية بحق القادة الإسرائيليين، وذلك على الرغم من تواصلها وعلى الرغم من صدور قرار أوّلي لمحكمة العدل الدولية اعتبرت فيه وجود وقائع تؤكّد احتماليّة تعرّض الفلسطينيين في غزّة للإبادة الجماعية. كذلك غابت جريمة الإبادة الجماعية عن تقرير الخبراء الذي شدد أيضّا على تصريح المدعي العام بأنّه لا يزال يحقق بجرائم أخرى. ولدى سؤاله عن أسباب ذلك، أوضح خان في مقابلة تلفزيونية أنّ التحقيق لا يزال مستمراً في ظروف صعبة نظراً لمنعه من الدخول إلى غزة من قبل السلطات الإسرائيلية، وأنّه وجّه تهماً بالإبادة أي القتل الجماعي التي لا تتطلب توّفر النية الخاصّة بإبادة المجموعة التي تشترطها جريمة الإبادة الجماعية.

شواهد على تحيّز مكتب الادّعاء في مقاربة النزاع

برز في طلب مكتب الادعاء عدد من التحيّزات لبعض ما انبنت عليه السردية الإسرائيلية. أبرز هذه التحيزات، الآتية:

1-   تغييب سياق الاحتلال: “نزاع مسلّح غير دولي”

أصّر خان في بيانه على اعتبار أنّ “لإسرائيل الحق في اتخاذ إجراءات للدفاع عن سكانها، شأنها في ذلك شأن الدول كلها” من دون أن يعفيها هذا الحقّ من الالتزام بالقانون الدولي. لكنّه أغفل عن وضع الصراع في إطار سياق الاحتلال، متناسيّا تماما حدود هذا الحق بالنسبة لسلطة الاحتلال وفقاً للقانون الدولي.

وقد انعكس ذلك في توصيفه القانوني لطبيعة النزاع المسلح القائم في غزة حالياً. إذ اعتبر خان أنّ الجرائم التي يحقق فيها اقتُرِفت في “إطار نزاع مسلح دولي بين إسرائيل وفلسطين، ونزاع مسلح غير دولي بين إسرائيل وحماس دائرين بالتوازي”. يميز القانون الدولي الإنساني بين النزاعات المسلحة الدولية (وهي النزاعات الناشبة بين جيشين نظاميين) وبين النزاعات المسلحة غير الدولية (وهي النزاعات الناشبة بين قوات حكومية وجماعات مسلحة غير حكومية، أو بين الجماعات المسلحة). لكنّ البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، اعتبر أنّ حروب التحرير الوطني تدخل من ضمن النزاعات المسلحة الدولية وهي النزاعات التي “تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية، وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير، كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة” (الفقرة الرابعة من المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الأوّل).

فعندما يعتبر المدعي العام أنّ النزاع القائم في غزة بين اسرائيل وحماس هو نزاع “غير دولي”، فهو بذلك ينفي عن حماس صفة الحركة المقاومة التحررية ويفتح الباب ضمنيًا للسردية الإسرائيلية التي لا تنفك تصنّف حماس بالمنظمة الإرهابية وتعمد على تشبيهها بداعش لاستعطاف الدول والشعوب الغربية في حربها. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذا الموقف ليس الأوّل لخان في هذا السياق، إذ سبق أن وصف بوضوح حماس بـ”المنظمة الإرهابية” خلال زيارة سابقة إلى إسرائيل والضفة الغربية في أوائل كانون الأوّل 2023.

ويذكر أن تقرير الخبراء أشار إلى أنّ غزة تعتبر أرضا محتلّة حتّى ما قبل 7 أكتوبر، وأن إسرائيل أصبحت سلطة الاحتلال في كامل غزّة أو أجزاء منها بعد بدء الغزو البرّي من قبل الجيش الإسرائيلي، وذلك في إطار التشديد على مسؤولية سلطة الاحتلال في تأمين المساعدات الإنسانية للشعوب المحتلّة.

2-التعاطف مع الضحايا الإسرائيليين من دون الفلسطينيين

فيما شكر خان في بيانه الناجين وضحايا 7 أكتوبر من الإسرائيليين مثنيا على شجاعتهم بتقديم شهاداتهم إلى مكتبه، لم يوجّه أيّ شكر أو كلمة للضحايا الفلسطينيين. وفي حين حدّد رقم الرهائن الإسرائيليين بما “لا يقل عن 245″، غاب عنه تمامًا ذكر عدد الشهداء الفلسطينيين الذين قتلهم الاحتلال بشتّى الوسائل والذي يفوق عدد ال35 ألف شهيد وآلاف المفقودين تحت الأنقاض. كذلك توقف خان عند تفصيل الوجع الذي أصاب الأسر الإسرائيلية، من دون أن يذكر معاناة آلاف الأسر الفلسطينية التي إمّا محيت تماما من السجلات، أو تحوّل آلاف من أبائها وأمهاتها إلى ثكلى، أو نشوء فئة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى واليتامى (WCNSF).

كما أنّ المدّعي العام أبى أن يختم الجزء الأوّل من بيانه من دون المطالبة “بالإفراج الفوري عن كل الأسرى الذين أُخذوا من إسرائيل وبرجوعهم سالمين إلى أُسرهم”، إلا أنّ بيانه لم يتضمن أيّة مطالب صريحة للسلطات الإسرائيلية رغم إقراره باستمرار جرائمها، مكتفياً بالتذكير ببياناته السابقة التي طالب فيها إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل طارئ وواسع، ومكرّراً أنّه أكّد أنّ “الذين لا ينصاعون للقانون ينبغي ألا يتبرّموا بعدئذ من الإجراءات التي سيتخذها  مكتبي ضدّهم. وقد آن الأوان لذلك.”

بشكل عامّ، لم تقتصر تحيّزات المدّعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية على توخّيه حذرا شديدا أقلّه حاليّا في الادعاء على قادة إسرائيل بسلسلة واسعة من الجرائم الاسرائيلية، بل تجلّت أيضا في اختلاف خطابه تجاه الضحايا من الفلسطينيين مقارنة مع الضحايا الإسرائيليين، والأهمّ في تصنيفه القانوني للصراع الحالي الذي يغيّب سياق الاحتلال ومعه سياق المقاومة المشروعة من أجل تقرير المصير بشكل واضح. وفي حين قد يفسّر عدد من هذه التحيّزات بمسعى مكتب الادّعاء لتجاوز الضغوط عليه أو التخفيف منها، فإنه يبقى أن من شأنها أن تولّد لدى الفلسطينيين والمراقبين الحقوقيين ارتيابا مشروعا بمدى قدرة مكتب الادعاء والمحكمة على الصمود أمام التهديدات الأمريكية والإسرائيلية، التي باتت تمارس جهارا ومن دون أي ضوابط. وهو ارتياب كفيل بأن يعقل مشاعر الارتياح لدى هؤلاء إزاء صدور اتهامات هي الأولى من نوعها بحق القادة الإسرائيليين وذلك للمّرة الأولى منذ نكبة فلسطين.

فهل توافق المحكمة على طلبات الادعاء بما يمهد لأوّل محاكمة دولية لجرائم قادة إسرائيل؟ والأهمّ، هل يستكمل مكتب الادعاء تحقيقاته في اتجاه جلاء ما يبقى غامضا في طلبه وتثبيت دور المحكمة والقانون الدولي في الانتصار لأطفال فلسطين؟


[1]  “تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية  والآثار التاريخية  والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى شريطة ألا تكون أهدافاً عسكرية” المادة 8، ب، 9 من نظام روما الأساسي.

[2] المادة 1،7،(د)

انشر المقال

متوفر من خلال:

قرارات قضائية ، مقالات ، فلسطين ، المحكمة الجنائية الدولية ، جريمة الإبادة الجماعية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني