أبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردني: عندما تنتصر الديمغرافيا على المواطنة


2013-12-31    |   

أبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردني: عندما تنتصر الديمغرافيا على المواطنة

في لبنان كما الأردن، وصلت قضية المطالبة بحق الأمهات بنقل جنسيتها لأبنائها الى النقطة نفسها: نكران لهذا الحق وما قد يترتب عنه من حقوق سياسية، وبالمقابل وعود بإقرار حقوق مدنية معينة من باب استيعاب الحراك ورفع العتب. وبالطبع، ما من أحد يستعجل على الصعيد الحكومي تنفيذ هذه الوعود. والمبررات الحكومية لإنكار الحق بالجنسية أنه قد يتسبب بتغييرات ديمغرافية من شأنها الاخلال بالتوازنات السياسية أو الطائفية، مما يتعارض مع المصالح العليا لهاتين الدولتين. وبالطبع، تستخدم الفزاعة الفلسطينية هنا بامتياز. مهما تكن هذه الحجة صائبة في أبعادها، ما كان يمكن لها أن تقوم أصلا لولا الذكورية: فالذكورية وحدها هي التي تجعل مولودا من أب فلسطيني وأم لبنانية أو أردنية فلسطينيا من دون ان يكون أردنيا او لبنانيا. والذكورية وحدها التي تبرر مقاربة إمكانية منحه الجنسية من منطلق أنه فلسطيني (المحرر).
 
طالما تعرضت الأردن للانتقاد بسبب قانونها الخاص بالجنسية رقم (6) لسنة 1954، وبذلك تكون من ضمن 29 دولة في العالم التي ما تزال قوانينها الخاصة بالجنسية تميز بين الرجل و المرأة فيما يتعلق بنقل الجنسية للأبناء[1]. تبقى هذه الدول محافظة على قوانينها بالرغممن إقرار مبدأ المساواة بين النساء والرجال في العام 1945 من خلال ميثاق الأمم المتحدة وما تلاه من اتفاقيات معنية بحقوق الإنسان، أبرزها اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979. فالفقرة الأولى من المادة 9 من هذه الاتفاقية تلزم الدول الأطراف بمنح "المرأة حقوقا مساوية لحقوق الرجل في اكتساب جنسيتها أو تغييرها أو الاحتفاظ بها. وتضمن بوجه خاص ألا يترتب على الزواج من أجنبي، أو على تغيير الزوج لجنسيته أثناء الزواج، أن تتغير تلقائيا جنسية الزوجة، أو أن تصبح بلا جنسية، أو أن تفرض عليها جنسية الزوج". كما تلزم الفقرة الثانية من ذات المادة بمنح "المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما".

وبالرغم من انضمام الدول السابقة إلى الاتفاقيات المعنية بحقوق الانسان، الا أنها تجنبت المساواة بين الرجال والنساء بموضوع الجنسية من خلال التحفظ على النصوص المتعلقة بهذا الخصوص، كما هو الحال بالنسبة للأردنالذي يبرر هذا التحفظ بقوله "تم التوافق بين دول جامعة الدول العربية على حظر إعطاء الجنسية من أي دولة عربية للفلسطينيين حفاظاً على الهوية الفلسطينية."[2]. ويلاحظ على الرد السابق ان سبب تحفظ الأردن يعود إلى الحفاظ على الهوية الفلسطينية، إلا اننا لا نجد أي تبرير في حالة الأردنية المتزوجة من غير الأردني يحمل جنسية أخرى[3]. وبالتالي يبقى هذا الالتزام قائما لأن التحفظ استثناء والاستثناء يفسر في أضيق الحدود.

ويكاد ان يكون هناك إجماع بأن السبب الرئيسي في الإبقاء على هذا التمييز هو الخوف من تجنيس أبناء الأردنية المتزوجة من غير أردني، وبالتالي تختل تركيبة السكان الديمغرافية وبذلك نكونأمام أكبر خطر يهدد الأردن برمته. وبالواقع، لا توجد بحسب علمي إحصائية دقيقة بشأن عدد الأردنيات المتزوجات من أجنبي، باستثناء دراسة واحدة صدرت في العام 2011، استندت إلى إحصائيات وزارة الداخلية تشير إلى أن عدد النساء الأردنيات المتزوجات من غير أردني هو 69 ألف سيدة. أما بالنسبة لجنسية الأزواج فقد احتل المصريون المترتبة الأولى، ومن ثم السوريون ومن ثم الفلسطينيون، أما عن المراتب اللاحقة فهم من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة. 
 
التمييز في قانون الجنسية الأردني
لا ننكر بان القوانين الأردنية المختلفة قد ساوت في الحقوق بين الرجل والمرأة، الا ان حق المرأة ما زال منقوصا أمام الرجل فيما يتعلق بنقل الجنسية للأبناء، حيث أهملت هذه القوانين حق المرأة الأردنية المتزوجة من غير الأردني بحق اعطاء جنسيتها لأبنائها. كما ميز القانون نفسه بين زوج الأردنية وزوجة الأردني؛ إذ أعطى للرجل الأردني حق منح زوجته الجنسية بعد مضي ثلاث سنوات من الزواج إذا كانت تحمل جنسية عربية، وبعد مضي خمس سنوات إذا كانت تحمل الجنسية الأجنبية وفقا للمادة (8) من قانون الجنسية وبعد الحصول على موافقة وزير الداخلية.

وهناك سؤال يفرض نفسه بقوة وهو ما مدى دستورية هذا القانون؟  فقد نص الدستور الأردني لسنة 1952 في الفقرة الأولى من المادة (6) على الآتي: "الاردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين"، ولا يخفى على أحد ان الفقرة الأولى من المادة (6) اثارت جدلا في تفسيرها فيما إذا كانت تشمل الأردني والأردنية أم الأردني فقط، ونحن بدورنا نؤكد ان كلمة "الأردنيون" تشير إلى كلا الجنسين دون تفرقة بينهما، وبالتالي لا يوجد تمييز بين الذكر والأنثى بهذا الخصوص، و أي تفسير آخر يخالف المنطق القانوني؛ وإلا اعتبرنا ان الحقوق والحريات العامة الواردة في الدستور هي حكر على الأردني دون الأردنية. كما أن هذا التفسير السابق تبناه الأردن على الصعيد الدولي. فعلى سبيل المثال جاء في التقرير الدوري المقدم لدى لجنة مكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة "يأتي توجها لأردن نحو تمكين المرأة الأردنية من ممارسة حقوقها وأداء واجباﺗﻬا منسجمًا مع مبادئ الدستورالأردني الذي أقرفي المادة السادسة منه بالمساواة الكاملة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص،مميزا إيجابيًا لصالح المرأة بالنص على ضرورة تعيين الشروط الخاصة بعمل النساء والأحداث".كمانص الميثاق الوطني على أن الأردنيين رجالا ونساءً أمام القانون سواء لا تمييزبينهم فيا لحقوق والواجبات.وأكدت مبادرة "كلناالأردن" لسنة٢٠٠٦على التقيد بالتزامات الأردن بالمواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بالمرأة"[4]. وبنفس المعنى السابق أوضحت الأردن في التقرير الدوري المقدم إلى اللجنة المعنية لحقوق الإنسان في العام 2009 بقولها "انسجاماً مع ما جاء في المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حول كفالة الحقوق لجميع الأفراد دون أي تمييزبينهم، فقدأكدالدستور الأردني بالمادة السادسة منه، أن الأردنيين أمام القانون سواء لا تمييزبينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أوالدين. ولا يعُاب على هذه المادة أﻧﻬا لم تذكر معيار الجنس من ضمن هذه المعايير، وذلك لكون النص الدستوري جاء عاماً ليشمل الذكر والأنثى"[5].
 
الإشكاليات المتربة على التمييز
قد يقول البعض أنه لا توجد مشكلة بهذا التمييز ويمكن للأبناء التمتع بجنسية الأب ويمارسون حياة طبيعية. المشكلة في الاساس هي مشكلة مواطنة، حرمان المرأة الأردنية من أبسط حقوقها لأننا بكل بساطة ما زلنا لا نعترف بمساواتها الحقيقية مع الرجل، فالجنسية لا تنتقل إلا من خلال الرجل؛ أما المرأة فهي غير مؤتمنة على اختيار شريك حياتها. مع العلم ان هناك حالات عدة تضطر فيها المرأة على الإقامة مع أولادها في الأردن اما بسبب وفاة زوجها أو الطلاق أو غير ذلك من الأسباب، فما الذي يترتب على ذلك؟

النتيجة بكل بساطة أن أولاد الأردنية يعاملون معاملة الأجنبي العادي، ولا يستفيدون من أي معاملة تفضيلية، وبالتالي يمكن أن يتعرضوا للأبعاد أو التسفير بسبب مخالفتهم لقانون الإقامة أو العمل.

إذا نجا أبناء الأردنية من الإبعاد والتسفير، فانهم يتعرضون للتمييز في التمتع بحقوقهم الأساسية مثل التنقل، الإيجار، استملاك الأموال غير المنقولة، التعليم، الرعاية الصحية وغيرها من الحقوق لأن الأنظمة والتعليمات الصادرة بموجب القوانين المختلفة تميز بالتمتع بهذه الحقوق على أساس الجنسية، فعلى سبيل المثال ان هناك تمييز في الرسوم الجامعية لدى الجامعات الحكومية على أساس الجنسية[6]، كما أنهم لا يتمتعون بأيامتيازات عن باقي الأجانب في تملك الأموال غير المنقولة ولا بد لهم الحصول على موافقة رسمية وضمن شروط معينة، صعوبة الحصول على رخصة قيادة، وغير ذلك من الامور.

النصوص التمييزية السابقة وما يترتب عليها من آثار قد تصل الى جعل زوج الأردنية وأبنائها في وضع مخالف للتشريعات الناظمة للعمل وإقامة الأجانب ويجعل بعض أفراد أسرتها عرضة للإبعاد. ومن هذه الزاوية، نحن أمام انتهاك صريح لمبدأ وحدة الأسرة الذي كرّسه الدستور في الفقرة 4 من المادة 6 إضافة إلى العهدين الدوليين المصادق عليهم حسب الأصول. وقد سبق للجنة حقوق الطفل أن عبرّت عن قلقها العميق للتمييز الذي يتعرض له أبناء الأردنية من زوج غير أردني، بشكل يخالف الدستور والالتزامات الدولية المترتبة على عاتق الأردن[7].
 
الحلول المقترحة
في العام 2012، تعهدت الحكومة الأردنية أمام اللجان الدولية بإزالة الصعوبات الرئيسية التي تواجه هذه الفئة عند التمتع بحقوقهم وتذليل العقبات من أجل التمتع ببعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الضرورية كالتعليم والرعاية الصحية والإقامة[8]، إلا ان التعهدات السابقة لم يتم تفعيلها.
وفي شباط 2013، ظهر ائتلاف من قبل مجموعة من الناشطين والمنظمات غير الحكومية يطالبون بالنص على مبدأ المساواة بين الجنسين في الدستور وإزالة كافة أشكال التمييز على هذا الأساس بقانون الجنسية وغيرها من القوانين، إلا ان هذا الائتلاف تعرض لهجوم شرس من قبل البعض على اعتبار أنه يقدم خدمة مجانية لإسرائيل من خلال تجنيس الفلسطينيين بالجنسية الأردنية واقامة وطن بديل في الأردن إضافة إلى تغيير الديمغرافيا بحيث يزداد عدد الأردنيين من أصول فلسطينية وغيرها من الأسباب المبنية على نزعة اقليمية بحتة. وقد حرك نشاط الائتلاف أورقة مجلس النواب الأردني، الأمر الذي دفع عشرة نواب الى صياغة مشروع قانون يطالب بمنح أبناء الأردنية حقوقا مدنية في حزيران 2013، إلا أنه لم تتم أي متابعة لهذا القانون.

وفي تشرين الأول 2013، خضع الأردن للمراجعة الدورية أمام مجلس حقوق الإنسان. وكان للتمييز بين الأردني والأردنية بقانون الجنسية نصيب لا بأس به من توصيات الدول الأعضاء بمجلس حقوق الإنسان، خاصة الأوروبية منها، لكن ممثل الأردن أعلن بشكل صريح رفض هذه التوصيات.
وفي تشرين الثاني 2013، أي بعد شهر من رفض توصيات المراجعة الدورية المتعلقة بهذا الموضوع، تم الإعلان عن موافقة رئيس الوزراء الأردني، د. عبد الله نسور، على منح الحقوق المدنية لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين، دون الحقوق السياسية، أو حق الحصول على الجنسية الأردنية، علما بأن هذه التصريحات نُسبت إلى مسؤول رفض التصريح عن اسمه.

على الرغم من أن الحل المذكور غير مرض بالكامل، الا أن من شأنه أن يخفف من مظالم كثيرة. هذه هي حالة الشاب المولود من أم أردنية وأب مصري، والذي تم ترحيله إلى القاهرة لأنه خالف قانون العمل، وكان أن لاقى حتفه بحادث سيارة هنالك. وهو حل عملي لا يحتاج إلى فترة زمنية طويلة لإنفاذه. فهو يتطلب تعديل الأنظمة والتعليمات الصادرة بمقتضى القوانين المختلفة المتعلقة بالأجانب كافة ليتم إعفاء أبناء الأردنية من أية قيود، أذونات أو تصريحات لممارسة حقوقهم المتعلقة بالتعليم، الرعاية الصحية، العمل، التملك واستخراج رخص قيادة السيارات ومعاملتهم معاملة الأردنيين من دون أن يحتاج بالضرورة الى تعديل قانون معين. وفيما يتعلق بقانون الإقامة وشؤون الأجانب، فيمكن إعفاء أبناء الأردنية من الخضوع إلى أحكامه لأسباب إنسانية بقرار من وزير الداخلية سندا إلى أحكام المادة (29/ح) من قانون الاقامة وشؤون الأجانب. لكن، يبقى فيه الكثير من الاستخفاف بالأردنيات اللواتي يظل التعامل معهن على أنهن فاقدات الإرادة، غير مدركات لأفعالهن. الا أنه إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه سبق اثارة هذا المقترح من قبل الحكومة في العام 2012 من دون أن يستتبع ذلك في حينه أي اجراء لتطبيقه، أمكن القول بأن الجدية بالتنفيذ تبقى هنا أيضا مفقودة.

ختاما، يجدر التذكير بتصريح لوزيرة شؤون المرأة في إحدى الحكومات الأردنية السابقة عندما سئلت عن هذا الموضوع، فأجابت ان الحل هو توعية المرأة الأردنية بالنتائج المتربة عن زواجها بغير أردني لأنها إذا عرفت بهذه النتائج قد تغير رأيها. منطق كهذا يشكل طبعا استصغارا من شأن النساء اللواتي يستمر التعامل معهن على أنهن قاصرات غير مدركات لأفعالهن.
 



[1]يمكن تقسيم هذه الدول على النحو التالي: 13 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الأردن، قطر ، الكويت ، لبنان، ليبيا ، السعودية، الإمارات، العراق، سوريا، البحرين، عُمان  وموريتانيا)، 9 دول واقعة جنوب الصحراء الأفريقية (الصومال، سوازيلاند ، مدغشقر ، سنغال ، سيراليون ، بوروندي ، السودان ، ليبريا و توجو)، 4 دول في القارة الأسيوية (بروناي دار السلام ، ايران ، نيبال ، ماليزيا ) و3 دول في الأمريكيتين (جزر البهاما ، سورينام و بربادوس).
 
[2]Jordan's periodic report to the Committee on the Elimination of Discrimination against Women, CEDAW/C/JOR/5, 24 September 2010, Para 121.
[4]Jordan's periodic report to the Committee on the Elimination of Discrimination against Women, CEDAW/C/JOR/5,  24 September 2010, Para 7
[5] Jordan's periodic report the Human Rights committee, CCPR/C/JOR/330, March 2009 para 8.
[6]فعلى سبيل المثال: رسم الساعة المعتمدة للطالب الأردني في برنامج ماجستير للعلوم الإنسانية لدى جامعة اليرموك هو 70 دينار، في حين يلزم الطالب غير الأردني بدفع مبلغ 225 دولار أمريكي. رسم الساعة المعتمدة تخصص بكالوريوس الحقوق في الجامعة الأردنية للأردني 16 دينار تنافس و50 دينار على البرنامج الموازي، اما بالنسبة للطالب غير الأردني فهي 160 دولار أمريكي حتى لو تقدم إلى امتحان الثانوية العامة الأردنية.
[7]Consideration of Reports Submitted by States Parties, Concluding Observations: Jordan, CRC/C/JOR/CO/3, 29 September 2006, para 29
[8]CEDAW/C/JOR/Q/5/Add.1, 13 February–2 March 2012, para 4.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني