محكمة أمن الدولة تحرج الحكومة الأردنية مجددا


2013-09-26    |   

محكمة أمن الدولة تحرج الحكومة الأردنية مجددا

تناقلت وسائل الإعلام خبر حصول الأردني عدي أو عيسى على صفة اللجوء في تركيا بسبب ما تعرض له في الأردن؛ فقد سبق وأدين من قبل محكمة أمن الدولة بجرم القيام بأعمال من شأنها المس بكرامة الملك على خلفية احراق صورة الملك في مبنى بلدية مادبا (33 كلم جنوبي عمان)، إلا ان الملك أوعز بإصدار عفو خاص عنه في شباط 2012 وتم إخلاء سبيله. لكن بحسب ما أفاد أبو عيسى ومحاميه لوسائل الإعلام ان هروبه إلى تركيا كان بسبب خوفه من تعرضه للمحاكمة مرة أخرى.

وما يجدر الإشارة إليه أن الحكومة التركية لم يكن لها أي دور بمنح أبو عيسى اللجوء لأنها لا تمنح اللجوء للقادمين من الدول العربية؛ إذ يقتصر تطبيق تشريعاتها الخاصة باللجوء على القادمين من أوروبا. فعندما عرّفت اتفاقية 1951 اللاجئ قالت "كل من وجد، نتيجة لأحداث وقعت قبل الأول من كانون الثاني (يناير) 1951، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينه أو بسبب آرائه السياسية، خارج البلاد التي يحمل جنسيتها ولا يستطيع أو لا يرغب في حماية ذلك البلد بسبب ذلك الخوف، أو كل من لا جنسية له وهو خارج بلد إقامته السابقة ولا يستطيع أو لا يرغب بسبب ذلك الخوف في العودة إلى ذلك البلد"[1].وتركت الاتفاقية الحريةللدول المتعاقدة في اختيار التفسير الذي يناسبها بالنسبة لعبارة "الأحداث الواقعة قبل الأول من كانون الثاني (يناير) 1951، باعتبارها وقعت في أوروبا فقط أو وقعت في أوروبا أو أي مكان آخر[2]. بمعنى ان الاتفاقية مخصصة للتعامل مع اللاجئين في أوروبا بسبب الحرب العالمية الثانية، لأن تصور المجتمع الدولي في ذلك الوقت كان محصوراً ولم يتوقع ظهور مشكلة لاجئين مرة أخرى بالزخم نفسه، إلا أن الأحداث التي وقعت في الخمسينيات والستينيات، وعلى الأخص في أفريقيا، آسيا، وأمريكيا اللاتينية التي أصبحت مسرحاً لحروب التحرير والثورات والانقلابات أدى إلى لجوء أعدادٍ كبيرةٍ حفاظا على حياتهم، الأمر الذي أثبت خطأ تصور المجتمع الدولي.لذلك كان لا بد من التدخل من جديد أمام هذه التحديات ليشمل اللاجئين الجدد في هذه الاتفاقية، وهكذا أُعدّ البرتوكول الخاص بوضع اللاجئين لسنة 1967. وطبقاً لأحكام الفقرة (2) من المادة الأولى من هذا البروتوكول تتعهد الدول بتطبيق الأحكام الأساسية لاتفاقية 1951 على جميع اللاجئين وفقاً للتحديد الوارد فيها ودون القيد الزمني، إلا إنه أبقى الحق للدول بالتمسك بالقيد الجغرافي. تركيا كانت من الدول القليلة التي أبقت على القيد الجغرافي بحيث أنها لا تعترف لطالب اللجوء من دولة غير أوروبية بصفة اللاجئ حتى لو انطبق عليه تعريف اللاجئ بحسب اتفاقية 1951. وانطلاقا من ذلك، تتولى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين دراسة طلبات اللجوء والبت فيها سندا لأحكام نظامها الأساسي.

لكن السؤال المطروح: ما هو السبب الذي أدى إلى الاعتراف بـ (عدي أبو عيسى) كلاجئ خاصة وأنه صدر بحقه عفو خاص بعد إدانته من قبل محكمة أمن الدولة؟

بحسب ما هومتاح من معلومات، يمكن ان نستنتج ان مجرد مثول شخص أمام محكمة أمن الدولةسبب كاف لمنحه صفة اللجوء إذا كانت التهمة الموجهة ضده لها علاقة بأحد الأسباب الخمسة التي وردت في تعريف اللاجئ وهي العرق، الدين، القومية، الرأي السياسي أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة لأن المحكمة تناقض بشكل صارخ المعاير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان كونها تفتقر إلى ضمانات المحاكمة العادلة؛ فهي لا تتبع للمجلس القضائي ومن يعين قضاتها هم رئيس الوزراء ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأمر الذي يشكك بنزاهتهم وحيادتهم، فضلا عن اختصاصها الواسع الذي يشمل النظر في جرائم تمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي والأمن الاقتصادي والسلامة العامة، والمخالفة لأحكام قانون حماية أسرار ووثائق الدولة ولأحكام قانون العقوبات والمتعلقة بالتجمهر غير المشروع والجرائم المخلة بالأمن العام، إطالة اللسان على الملك، الملكة، ولي العهد أو أحد أوصياء العرش، أو أحد أعضاء هيئة النيابة.

انتهاك ضمانات المحاكمة العادلة يُشكل اضطهادا لأنه في الغالب يؤدي إلى الحرمان من الحرية بشكل تعسفي، كما ان الحق بالمحاكمة العادلة هو حق أساسي لا يجوز المساس به بحسب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حتى لو كانت الدولة تواجه حالة طوارئ تهدد وجودها سندا لأحكام المادة 4[3]. الاضطهاد يجعل من الفرد إما غير قادر أو غير راغب بحماية البلد الذي يحمل جنسيته أو موطن إقامته المعتاد، أي أنه يؤدي إلى تمزق الرابطة العادية التي تربطه بهذا البلد، والتي تفترض وجود واجبات وحقوق متبادلة أساسها الحماية والمساعدة من قبل الدولة والولاء والثقة من جانب مواطنيها أو المقيمين على أراضيها في حالة عديمي الجنسية. وبما أن وثائق حقوق الإنسان قررت مجموعة من الواجبات على الدولة تجاه مواطنيها فإن الإخلال ببعض هذه الواجبات يؤدي إلى خلل في مسؤوليتها تجاه مواطنيها، واعتماداً على ذلك نجد أن البعض قد عرف الاضطهاد على أساس أنه فشل أجهزة الدولة في حماية المستحقات الأساسية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي.

هذا وقد سبق لمحكمة أمن الدولة ان حرمت الأردن من محاكمة أحمد الجلبي في قضية بنك البتراء عام 1988 لأن بريطانيا رفضت تسليمه إلى الأردن بسبب الإشكاليات القانونية الخاصة بهذه المحكمة ومخالفتها للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، علما أن المحكمة أصدرت بحقه حكما غيابيا يقضي بحبسه 22 عاما بعد ادانته بــ 48 تهمة من أصل 72 وجهها له الادعاء العام تلخصت بحيازة الجلبي لـ30 مليون دولار من اموال بنك البتراء بطرق غير قانونية وغير شرعية. وفي التسعينات تكررت الحالة عندما رفضت الحكومة البريطانية تسليم أبو قتادة إلى الأردنبسبب محاكمته أمام أمن الدولة على خلفية ارتباطه بتفجيرات إرهابية حدثت في أماكن متفرقة في المملكة.

خلاصة القول ان محكمة أمن الدولة تشكل عبءا كبيرا على الأردن فهي لا تفرز فقط حالات لجوء فردية، بل تمنع من معاقبة الجناة إذا ما تمكنوا من الهرب إلى دولة تحترم المعايير الدولية لحقوق الإنسان. هذا وقد قام الملك الشهر الماضي بتوجيه الحكومة الأردنية لإجراء تعديل على قانون محكمة امن الدولة وحصر صلاحياتها ضمن احكام الدستور على جرائم الخيانة والتجسس والارهاب وجرائم المخدرات وتزييف العملة وذلك بحسب ما جاء في التعديلات الدستورية لسنة 2011[4]. والغريب ان الحكومة أو البرلمان لم يبادرا إلى تعديل قانون محكمة الدولة بالرغم من أهميته ومخالفته الصريحة لأحكام الدستور بل بديا كمن ينتظر تدخل الملك.
 



[1]المادة 1|أ|2 من الاتفاقية.
[2]المادة 1|ب| 1 و 2 من الاتفاقية.
[3] تنص المادة 4 من العهد على "1. في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي. 2. لا يجيز هذا النص أي مخالفة لأحكام المواد 6 و 7 و 8 (الفقرتين 1 و 2) و 11 و 15 و 16 و 18." علما بأن من ضمن الحقوق المشار إليها في الفقرة الثانية هو الحق بالمحاكمة العادلة
 
[4]نصت المادة 101 من الدستور على لمادة 101 1-المحاكم مفتوحة للجميع ومصونة من التدخل في شؤونها. 2-لا يجوز محاكمة أي شخص مدني في قضية جزائية لا يكون جميع قضاتها مدنيين، ويستثنى من ذلك جرائم الخيانة والتجسس والإرهاب وجرائم المخدرات وتزييف العملة. 3-جلسات المحاكم علنية إلا إذا قررت المحكمة أن تكون سرية مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب، وفي جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية. 4-المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قطعي .
انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني