100 يوم من احتجاجات ساكنة إقليم فكيك بالمغرب: حراك من أجل الحق في الماء تتقدمه النساء


2024-03-11    |   

100 يوم من احتجاجات ساكنة إقليم فكيك بالمغرب: حراك من أجل الحق في الماء تتقدمه النساء

تواصل ساكنة مدينة فكيك في أقصى شرق المغرب احتجاجاتها رفضا لمصادقة مجلس المدينة على قرار لتفويت تدبير المياه إلى شركة لتوزيع الماء والكهرباء، بعدما كان هذا التدبير يتم سابقا طبقا لأعراف المنطقة.

ودخلت الاحتجاجات السلمية التي تقوم بها الساكنة يومها المائة، حيث تميّزت بحضور لافت للنساء بزيهن التقليدي “الحايك” في مشاهد ملحميّة، أعادت الى الأذهان حراك مناطق أخرى منسيّة في المغرب العميق قبل سنوات قليلة مثل حراك الريف وحراك جرادة احتجاجا على انعدام العدالة المجالية.

لمحة عن مدينة فكيك

تقع مدينة فكيك في أقصى شرق المغرب على الحدود المغربية الجزائرية، وهي عبارة عن واحة كبيرة تتكوّن من عدد ضخم من النخيل، و تتوسطها مجموعة من “القصور” وهي التسمية التي تطلق على التجمعات السكنية في المنطقة. تعتمد المدينة بشكل كبير في اقتصادها على إنتاج التمور، وعلى عائدات الجالية المغربية المقيمة بالخارج بعد ارتفاع معدلات الهجرة في صفوف الرجال بحثا عن العمل، كما تعتبر قبلة سياحية لهواة الأسفار والمغامرات رغم الإكراهات التي يواجهها هذا القطاع بسبب ضعف البنية التحتية والبعد الجغرافي.

ويعتبر الماء عنصرا حيويا داخل المدينة، التي تعرف تطبيق أحد أقدم الأنظمة المائية التي ابتكرها الإنسان لعقلنة تدبير المياه، وهو ما يعرف بنظام “الخطارات “، وهي قنوات مائية على شكل رواق أفقي، تمتد لكيلومترات تحت الأرض، وترتبط بالصهاريج، بهدف جمع المياه لفترة أطول، وتوزيعها بعد ذلك على الواحات، مما يساهم في تأمين حاجيات سكانها من الماء خلال  فترات الجفاف التي تطبع مناخ المنطقة.

قرار بخوصصة قطاع الماء يطلق شرارة الاحتجاجات

انطلقت شرارة الاحتجاجات بمصادقة مجلس المدينة خلال نوفمبر سنة 2023 في دورة استثنائية على قرار بتفويت استغلال الماء والكهرباء بمدينة فكيك إلى احدى الشركات الجهوية التي أحدثت طبقا لقانون الشركات الجهوية متعددة الخدمات الذي دخل حيّز التنفيذ مؤخرا. وكشف محمد ابراهيمي عضو “التنسيق المحلي للدفاع عن قضايا فكيك” أن مجلس المدينة كان قد صوت برفض المصادقة على هذا القرار في توقيت سابق، غير أن تدخل السلطة بشكل رسمي ومطالبة الرئيس بعقد دورة استثنائية بعد ثلاثة أيام وفق القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، غيّر من رأي أغلبية المجلس، وتم تمرير القرار بأغلبية 9 أعضاء مقابل 8 وهو ما أدى الى اشعال فتيلة الاحتجاجات”.

وأضاف الناشط الحقوقي أن التنسيق المحلي اختار الاحتجاج بشكل سلمي بعد إغلاق باب الحوار معه، وذلك بفتح اعتصامات يومية للسكان أمام مقرات السلطات المحلية، وخوض كل الأشكال النضالية الأخرى، مشيرا في هذا الصدد إلى شروع عدد من الأعضاء بمجلس المدينة الرافضين للانضمام في تحضير استقالاتهم من المجلس .

التضامن مع نساء فكيك يطبع احتفالات الثامن من مارس في المغرب

خلدت نساء فكيك يومهن الأممي في سياق يطبعه الغضب حيث خرجن في مسيرة الثامن من مارس وهن يهتفن بصوت واحد : “المياه مياهنا والقرار قرارنا“.

وأكدت فاتحة قدي، الفاعلة الجمعوية وإحدى أبرز ناشطات حراك الماء بالمدينة، أن النساء  يخضن هذا اليوم بتنظيم مسيرة نسائية ضد القهر والتهميش الذي تعانيه المنطقة، ونوهت المتحدثة بالتزام النساء على اختلاف أعمارهن بالنزول إلى الشارع لأشهر دون انقطاع نضالا من أجل حق المدينة في مائها، معتبرة أن عيد المرأة الأممي ينبغي أن يكون محطة تأمل لما لم يتحقق لهؤلاء النساء، وضد ما تعانيه المرأة على وجه الخصوص من “حكرة”.

وأضافت: “لنساء الواحة علاقة خاصة بالماء” متحدثة على سبيل المثال عن “المغاسل العمومية” فوجود الماء داخلها يعتبر “متنفسا وفضاء لتربية أجيال من أبناء الواحة”، مؤكدة أنه: “لا يمكن اليوم بجرة قلم أن تتغير هذه العادات التي دأبت عليها النساء، ولا يمكن لهن أن يقبلن بحرمانهن من حقهن في الماء بسبب قرار التفويت المشؤوم”.

 من جهتها عبرت منظمة النساء الاتحاديات عن اعتزازاها بالمشاركة الواسعة والحضارية لنساء فكيك في الاحتجاجات السلمية للدفاع عن الحق في الماء، والذي يعكس مدى وعي النساء بحقوقهن، ومدى قدرتهن على المساهمة في تدبير الشأن العام المحلي، وأشارت المنظمة أنها سجلت في تقارير سابقة “تقدم الوعي النسائي في ما يعرف بمناطق الهامش البعيدة من المركز”، داعية السلطات المحلية والمركزية لإعمال “مقاربة الحوار والإنصات على قاعدة الاستجابة لمطلب الساكنة في إلغاء تفويت تدبير قطاع الماء لشركة الشرق الجهوية متعددة التخصصات، نظرا لخصوصيات المنطقة في علاقتها مع الماء كمادة وقيمة وثقافة”.

وطالبت البرلمانية  فاطمة التامني وزارة الداخلية بالتدخل ووضع حد للاحتقان الذي تعرفه مدينة فكيك بسبب عدم احترام الإرادة الجماعية للساكنة، ودعت النائبة عن حزب فدرالية اليسار الديمقراطي أحد أحزاب المعارضة إلى تقديم ضمانات تتضمن إيجاد الأجوبة المناسبة لانتظارات المواطنين والمواطنات بالمنطقة وسط التخوف السائد من ضرب القدرة الشرائية، والزيادة في ثمن الماء والكهرباء، الأمر الذي ينذر بزيادة الاحتقان في المنطقة..

حراك أبيض دفاعا عن ذاكرة جماعية تناشد الانصاف ضد التهميش والاقصاء

قال الناشط الحقوقي والسياسي محمد امباركي : “إن حراك فكيك ليس مجرد حراك اجتماعي هدفه وقف خوصصة قطاع الماء، بل إنه حراك رمزي يعكس هوية سوسيوتاريخية غنية تتأسس على تقاليد وطقوس ضاربة في أعماق التاريخ والحضارة وتستمدّ شرعيتها ومشروعيتها من ذاكرة جماعية صاغها تلاقح المجال والناس، التاريخ والجغرافيا، منذ ما قبل استقلال المغرب بحوالي تسعة قرون، مرورا بالنضال الوطني ثم مقاومة الاستفراد بالسلطة والثروة في مرحلة ما بعد الاستقلال”.

وأضاف أن المعاني الرمزية العميقة لهذا الحراك تتضح من خلال “الحضور المقدس للماء في المنظومة الاقتصادية والرمزية للواحة بالشكل الذي جعل الساكنة تنتج بشكل جماعي تدبيرا مشتركا وعقلانيا للعيون المتدفقة بفكيك خارج البنيات الرسمية، وهو ما أدى إلى شعور الساكنة بالإهانة جراء الخطط الجارية لمصادرة هذه الإرادة الجماعية الديمقراطية دون مشاركتها”.

فضلا عن أن “الخروج الجماعي للنساء في مسيرات احتجاجية بيضاء باللباس التقليدي “الحايك “، يكتسي نفس الدلالة الرمزية في العلاقة بالماء، اذ يعتبر خط دفاع عن هوية محلية تقع في قلب بنياتها وتفاعلاتها المرأة سواء على مستوى حضورها القوي في الاقتصاد المحلي القائم على الواحات والاشتغال جنبا إلى جنب مع الرجل وبالتالي العلاقة القوية بالماء، أو على صعيد المكانة الاعتبارية التي تحظى بها المرأة في المجتمع المحلي وهن اللائي يختزن جراحات الذاكرة الفردية والجماعية لهذه المنطقة الحدودية نتيجة عقاب جماعي وظالم أطالها خاصة خلال سنوات الرصاص الأليمة، كما أنهن حماة المجال في سياق يشهد تفوقهن الديمغرافي في ظل هجرة متواصلة لأبناء المنطقة نحو أماكن وفضاءات أخرى داخل المغرب وخارجه”.

في نفس السياق، أعرب كل من “حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي-فرع بركان” و “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” و “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” و”الحزب الاشتراكي الموحد” و “الاتحاد المغربي للشغل” في بيان مشترك، عن انشغالهم الشديد إزاء تدنّي الحركة الاقتصادية وانتشار البطالة في فكيك، مندّدين بـتجاهل السلطات لمطالب سكان العادلة والمشروعةـ مما قد يترتّب عنه من ازدياد منسوب الاحتقان لدى مختلف الفئات الاجتماعية بالمدينة.

وأكد البيان عن التضامن مع الساكنة في احتجاجها ضد سياسة التهميش والإقصاء التي تعرفها المنطقة، في غياب أي مخطط تنموي استراتيجي للنهوض باقتصادها المحلي.

المسيرات مستمرة خلال رمضان

قبل انتهاء احتجاجات الثامن من مارس بفكيك، كان هناك سؤال هام يتقاسمه النسوة المحتجات وهو أي الأوقات تناسبهن للاحتجاج في الفترة اللاحقة، وبالتحديد خلال شهر رمضان، على اعتبار أن السؤال في الاستمرار في الاحتجاج من عدمه لم يعد مطروحا حسب عموم المحتجين، بالنظر إلى أن كل مسببات الاحتجاجات لا زالت قائمة.

وبعد حوار مطول بين النساء المحتجات تم اخضاع القرار لآلية “التصويت الجماهيري الديمقراطي“، حيث أكدت النساء بصوت واحد سنحتج في رمضان بعد صلاة التراويح، وضربن موعدا جديدا مع الشارع يوم الجمعة القادم في نفس المكان.

مواضيع ذات صلة

جدل قانوني بالمغرب حول اعتقالات حراك الريف

أول تقرير رسمي حول حراك الريف في المغرب: إقرارٌ بأحقية الحراك يلازمه تسليمٌ بمعاقبة ناشطيه

أحكام “ثقيلة” في حق قادة حراك الريف في المغرب: المحكمة توزع ثلاثة قرون سجنا على 46 معتقل

محكمة الاستئناف بالدار البيضاء تؤيد الأحكام القضائية القاسية في حق نشطاء حراك الريف

قائد حراك الريف” يضرب عن الطعام “حتى الموت”.. وإدارة السُجون: ظروف الاعتقال مطابقة للقانون

الحبس سجنا لمحامي حراك الريف على خلفية تدوينات وتصريحات إعلامية

الحبس لصحافي بتهمة تغطية احتجاجات حراك الريف

محامو حراك الحسيمة يحتجون على ظروف التخابر مع موكليهم ومندوبية السجون توضح

النيابة العامة تكلف محاميا للدفاع عن إجراءاتها في ملف حراك الحسيمة: أي دور للإعلام القضائي؟

مدرجات المغرب، مساحة عامة لحراك سياسي اجتماعي

انشر المقال

متوفر من خلال:

حركات اجتماعية ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، المغرب ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني