أول تقرير رسمي حول حراك الريف في المغرب: إقرارٌ بأحقية الحراك يلازمه تسليمٌ بمعاقبة ناشطيه


2019-07-05    |   

أول تقرير رسمي حول حراك الريف في المغرب: إقرارٌ بأحقية الحراك يلازمه تسليمٌ بمعاقبة ناشطيه

أصدرت المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان بالمغرب تقريرا حول “أحداث الحسيمة وحماية حقوق الإنسان”، ويهدف التقرير الذي يعتبر الأول من نوعه، إلى الوقوف عند العوامل والظروف والشروط التي وقعت فيها أحداث حراك الريف، بغية فهمها، وتحليلها، مع تسليط الضوء على الجهود التي قامت بها السلطات والمؤسسات الدستورية، ومبادرات الفاعلين المدنيين، كما يقدم مجموعة من التوصيات.

انطلاق الأحداث

انطلقت أحداث حراك الريف إثر واقعة وفاة بائع السمك محسن فكري بتاريخ 28/10/2016، داخل شاحنة لتدوير النفايات، وهو يحاول إنقاذ بضاعته التي قامت بحجزها السلطات بعلة أنها غير مرخصة.

وقد تعددت الروايات حول هذه الحادثة، حيث تداولت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن أن مسؤولا أمنيا هو من أعطى أوامره لسائق الشاحنة بتشغيل آلية الضغط على النفايات المتواجدة في المقطورة الخلفية، مما أفضى إلى الوفاة.وفي اليوم اللاحق، أصدرت المديرية العامة للأمن الوطني بلاغا نفت فيه هذه المزاعم.

وقد دفعت هذه الحادثة بالمئات من شباب مدينة الحسيمة إلى الخروج إلى شوارعها احتجاجا على وفاة ابن مدينتهم. وتحولت جنازة محسن فكري بتاري 30/10/2016 إلى تظاهرة رفعت فيها شعارات قوية.كما انطلقت الاحتجاجات في عدة مدن مغربية، وأعلن نشطاء عن تشكيل لجنة للاعلام بتاريخ 14/01/2017 عملت على إعداد أرضية للوضعية الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها منطقة الريف، كما قدمت مطالب ذات طبيعة حقوقية وقانونية واجتماعية واقتصادية.

ملاحظات حول حراك الريف

أشار التقرير إلى عدة مميزات طبعت الحراك الذي عرفته منطقة الريف، أهمها:

السلمية: فعلى مدى أزيد من 7 أشهر،ظلت احتجاجات الريف سلمية، دون أن تكون هناك أي جهة معينة تتبناها، حيث جاءت كرد فعل عاطفي وعفوي جماعي لتداعيات وفاة محسن فكري. كما سجل التقرير سلمية تدخلات القوات الأمنية.

الشبابية: خلص التقرير إلى أن القاعدة الأساسية المشكلة للحراك هم شباب عاديون غير مؤدلجين، تتراوح أعمارهم بين 15 و35 سنة، غالبيتهم من دون عمل، وغير متمدرسين، وبعضهم يزاول أعمالا غير مستقرة وموسمية، فحراك الريف “صرخة من أعمال التاريخ من أجل الاعتراف الرمزي والمعنوي بقيمة الشباب المستاء والساخط على الوضع الاجتماعي والسياسي”.

تعدد صيغ التجمهر وابتداع أشكال جديدة: أشار التقرير إلى أن المحتجين استخدموا أساليب جديدة مبتدعة، منها: قرع الأواني، إطفاء الأضواء بالمنازل، رفع الأعلام السوداء على الأسطح صبيحة أيام الأعياد إعلانا عن الحداد والتضامن مع معتقلي الحراك..، كما تفننوا في المسيرات، بتنظيم مسيرات “الأكفان من أجل الحياة”، مسيرات “الشموع”، مسيرة “الورود”، ومسيرة “08 مارس”، ومسيرة “الغضب ضد الاتهامات بالانفصال”.

ثقل التاريخ: “ما زال ثقل التاريخ يوجه المواقف والمشاعر”.بهذه العبارة أشار التقرير إلى الخلفية التاريخية لحراك الريف، حيث يتم استحضار محطات من تاريخ المنطقة باعتباره دليلا على نية التهميش، وهو معطى يسائل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ومختلف الهيئات المدنية، ويظهر التماطل في تنزيل مخرجات هيئة الإنصاف والمصالحة التي أوصت بجبر الضرر الجماعي، حيث لم تعط الأهمية المطلوبة لرفع التهميش عن المنطقة وإدماجها في التنمية.

حراك من أجل مطالب مجتمعية آنية

أوضحالتقرير أن “وثيقة مطالب الحراك“وضعت إشكالية التعليم، من منظور التهميش ومحدودية أفقه العصري، واضطهاده الفعلي لتطلعات الفتاة الريفية.

وأضاف التقرير أن الصحة تتقدم سلم الأولويات مسنودة بالمطالب التي اكتست طابعالإجماع، بخصوص إحداث مستشفى العلاج من السرطان، وباقي التجهيزات على مستوى البنيات والتخصصات، مما جعل المادة المطلبية في هذا المستوى، تنشد تأهيل المنظومة الصحية وتأمين الولوج إلى الخدمات العامة والتخصصية دون إغفال كفالة التوزيع المجالي.

وأضافت الوثيقة أن الثقافة الأمازيغية تتبوأ المرتبة الثالثة، موسومة بحفظ الذاكرة وتاريخ الريف.

في نفس السياق، يلاحظ أن المرأة تبقى حاضرة في مركز الانشغالات بهذا الخصوص. ويتوسط القطاعان البيئي والرياضي، هندسة المطالب بتموقعهما، بين أولوية الأولويات سالفة الذكر، من جهة (الصحة والتعليم والثقافة)، ومن جهة أخرى باقي المطالب الاقتصادية، على رأسها قطاعات، الصيد البحري والفلاحي والتشغيل والنقل والمواصلات والبنكي والضريبي ومراقبة الأسعار، وصولا لما يتعلق بنزع الأراضي وما يشمل المستويين الإداري والتدبيري.

ويلاحظ التقرير أن هذه المطالب، “بأولوياتها وصيغها ونبراتها، كما صاغها وقدمها أصحابها، وهم في فورة الأحداث، تطرح، واقعيا ونظريا، سؤال الفجوة، بين الحاجيات الآنية للساكنة والمشاريع المنفذة أو في طور الإنجاز أو المبرمجة”.

توصيات

كان لافتا في التقرير أنه ركز على توصية حفظ الذاكرة حيث دعا إلى تخليد ذكرى “بائع السمك” محسن فكري من خلال وضع تمثال له أو إطلاق اسمه على إحدى ساحات مدينة الحسيمة الشاهدة على وفاته. كما دعا إلى رفع حقيقي للتهميش والحصار الاقتصادي على إقليم الحسيمة والريف عموما.

وشدد التقرير على ضرورة القيام بتقييم شامل، يأخذ بعين الاعتبار احتياجات ساكنة المنطقة ومؤشرات الولوج إلى الخدمات العمومية وتمدرس الفتيات وجودة التعليم وتأهيل المنظومة الصحية وضمان الولوج إلى الخدمات الصحية، على نحو مستدام.

كما دعت الوثيقة إلى رفع القيود التي تعيق المصالحة مع ذاكرة المنطقة وتذلل الصعوبات الإدارية والهيكلية والقانونية المعيقة للتنمية، من ضمن ذلك الإفراج عن دراسة سابقة حول انتفاضة الريف 58 و59 المنجزة في إطار برامج المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

كما اقترحت المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان على مؤسسة الوسيط “إجراء مسح شامل للنزاعات القائمة أو المفترضة، بين المواطن والإدارة على مستوى المعيقات الهيكلية والتنظيمية والقانونية، المعيقة لإعمال أحكام الدستور والمفهوم الجديد للسلطة، ومتطلبات العدالة المجالية، وإصدار تقرير في هذا الصدد”.

إلا أنه بالمقابل، خلا التقرير من أي اقتراح عفو عن نشطاء الحراك الذين صدرت بحقهم أحكام مشددة عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء معتبرا أنها تشكل “معطيات واقعية وقضائية متحصلة من عمل المحاكم”، لا يمكن للمندوبية الوزارية إلا احترامها، .حيث اكتفى بتعداد أجوبة المحكمة عن الدفوع الشكلية المقدمة أمامها، معتبرا أن غالبية منتقدي هذه الأحكام لم يطلعوا على وقائعها وحيثياتها، داعيا في ختام توصياته إلى ضرورة التفكير في إطار الشراكة والتعاون في سبل وضع “برنامج مستعجل لتحليل ونشر وتقديم الأحكام والقرارات القضائية في مجال حماية حقوق الانسان”.

من هذه الوجهة، بدا التقرير وكأنه ينبني على اتجاهات متناقضة: ففيما أقرّ بحرمان شباب الحسيمة وسكانها من حقوق أساسية كحقوق التعليم والصحة والعمل وتاليا بأحقية الحراك إلى درجة الدعوة لإقامة تمثال تذكاري لبائع السمك الذي اندلع الحراك تبعا لوفاته، فإنه بقي بالمقابل متمسكا بالعقوبات المشددة الصادرة بحق ناشطيه بمنأى عن أي تسامح أو تفهم.

مواضيع ذات صلة:

جدل قانوني بالمغرب حول اعتقالات حراك الريف

محامو حراك الحسيمة يحتجون على ظروف التخابر مع موكليهم ومندوبية السجون توضح

أحكام “ثقيلة” في حق قادة حراك الريف  في المغرب: المحكمة توزع ثلاثة قرون سجنا على 46 معتقل

محكمة الاستئناف بالدار البيضاء تؤيد الأحكام القضائية القاسية في حق نشطاءحراك الريف

قائد حراك الريف يضرب عن الطعام “حتى الموت”.. وإدارة السُجون: ظروف الاعتقال مطابقة للقانون

عفو ملكي عن 189 معتقلا في حراك الحسيمة: لا عفو عن قيادات الحراك

نقابة المحامين تندد بالتضييقات التي تطال دفاع حراك الريف

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، حراكات اجتماعية ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني