يساريات في قبضة الاستبداد: حكايات المنسيات بين الالتزام والمُعاناة والإصرار


2023-05-24    |   

يساريات في قبضة الاستبداد: حكايات المنسيات بين الالتزام والمُعاناة والإصرار

لم تكن سرديّة النضال اليساريّ وفيّة لمساهمات الرفيقات العديدة رغم امتدادها على سنين طوال، ولم تُخلِّد تحمّلهنّ التعذيب والتنكيل والعقاب بالتساوي مع “الرفيق المناضل”. حفظَت الذاكرة الجماعية تجارب الرجال وتضحياتهم حتى حُفرت أسماؤهم كمناضلين وقادة، بينما تناسَت أسماء المناضلات وتجاربهنّ، في عملية تمييز واضحة على أساس جندريّ. وباستثناء بعض الشهادات التي تمّ تقديمها إلى هيئة الحقيقة والكرامة[1]، لم تُكتب قصص مناضلات اليسار ولم توثّق مواجهاتهنّ للمستبدّ والجلاّد حتّى بعد مرور سنوات من الثورة.[2]

في هذا السياق المسكُون بالتجاهل والنسيان، يُحاول هذا المقال -دون الادعاء أنه عمل توثيقي مفصّل- العودة إلى تجارب ثلاث مناضلات يساريات، روضة الغربي ونجوى الرزقي وجواهر شنة. ثلاث نساء اخترن مواجهة آلة القمع النظامية في حقب زمنية متباعدة وانتمين إلى أجيال يسارية مختلفة. والجيل هنا لا يعبّر عن مرحلة عمرية بقدر ما يؤرّخ لفترات نضالية تدلّ على تحوّل هيكلي في تاريخ اليسار. هذه المسارات النسائية تقاطعت في روحها النضالية التي لم تنطفئ إلى اليوم، ولكنها اختلفت في التكوين والتنشئة الاجتماعية والمسارات الحياتية، وهي تُشكّل ملمحًا لكفاح إنساني حيّ وقف بإمكاناته الصغيرة أمام جبروت السلطة والمجتمع.      

سياقات مختلفة، بدايات مختلفة ونضال طلابي واحد

وُلدت روضة الغربي سنة 1950 بتونس العاصمة في محيط تميّز برأس ماله الثقافيّ لا الماديّ، ونشأت بمنطقة باردو وسط عائلة متوسّطة ومحافظة نوعا ما، حسب المعايير المجتمعيّة آنذاك. فقدت روضة الغربي أباها المعلّم والمناضل والمنتمي لنخبة من المثقّفين والنقابيين في سنّ الثانية من عمرها. فتحمّلت الأمّ التي لم تزاول مقاعد الدراسة مسؤولية سبعة أبناء وبنات وحرصت على تكوينهم وتحصيلهم العلميّ. شابَهت روضة في إكمال مسارها العلمي شقيقتيها المعلّمتين وأشقّاءها الذكور، الطبيب والصحفي والمتحصّل على شهادة الدراسات العليا للتجارة بباريس، فتميّزت بتعليمها الابتدائيّ والثانويّ والتحقت فيما بعد بكليّة الآداب بتونس سنة 1968 لتَدرس علم النفس. رغم مرور ما يزيد عن خمسين سنة تحدّثت روضة الغربي بكثير من الحيويّة والحمَاس والشغف عن أيام الجامعة ودينامية طلاّبها، فقد كانت الجامعة التونسية في سنوات الستين تعجّ بجيل نشيط، متعلّم، ثائر، متحرّر ويتابع زخمّ الحركات الطلابية المنتشرة في العالم ويُساهم في النقاشات الفكرية والإيديولوجية التي سَادت إثر نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية استقلال العديد من بلدان الجنوب.

تصف محدّثتنا التجربة الطلابية وأجواء الجامعة آنذاك بالمتأجّجة واللاّمعة. فقد تراوَحت بين محاضرات قدّمها ألمع الأساتذة والمفكّرين ونقاشات وخطابات شهدتها ساحات الجامعة وحدائقها. نقاشات فكرية حماسية حول الماركسية والإمبريالية والتحرّر والهيمنة والنسويّة. حرّكت فكر الطلاّب والطالبات وحرّرت طاقاتهم، فوصفهم ميشال فوكو الذي درّس أواسط الستينات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس، خلال حوار له عن الحراك الطلابي الفرنسي في ماي 1968، قائلا:

” أمّا في تونس (..) لمست شيئا مخالفا تماما لكلّ ما نشهده في أوروبا من لغو المؤسسات والخطب السياسية.(..) أتذكّر برودة تلك النقاشات الأكاديمية الخالية من الحماس والتي شاركتُ فيها حول الماركسية في الستينات. في حين في تونس، يحدث العكس تماما، إذ الجميع يتبنّون الماركسية على نحو عنيف وبدرجة من الراديكالية والاندفاع المذهل. فالماركسية، بالنسبة لهؤلاء الشبّان، لم تكن فقط طريقة أفضل لتحليل الواقع بل كانت في نفس الوقت نوعا من الطّاقة الأخلاقية أو الدّفع المعنوي وفعلا وجوديّا مثيرا. شعرت وقتها بالمرارة والخيبة تنتابني كلّما قارنت بين كيفية تبنّي الطلبة التونسيون لماركسيتهم وكيف يعيشونها وبين ما كنت أعلمه عن كيفية اشتغال الماركسية في أوروبا (فرنسا، بولونيا أو الاتّحاد السوفياتي).”[3]

ولم تكن روضة سوى واحدة من بنات جيلها الشغوف والمندفع والذي حلم بالتحرّر والتغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، مقابل نظام حكم ما زال يتغنّى بالظفر بالاستقلال ومجده ويدّعي الإيمان بالحداثة والانتصار لمبادئها، بينما يرفض تمكين أبناء دولة الحداثة الفتية من حقوقهم ومواطنتهم. وهو ما حتَّم المواجهة بين الطرفين.

في تلك الأثناء وتحديدا في 07 جانفي 1973، وُلدَت نجوى الرزقي في منطقة ريفية تابعة لمعتمدية الكريب[4]. نشأت نجوى في عائلة فقيرة تقطن أرضًا على ملك شخص من جنسية جزائرية ويعمل بها أبوها كخمّاس[5] وراعي أغنام. تقول نجوى بأنّها كانت البنت الأقرب لأبيها من بين أخواتها الأربع، حيث كان يكنّيها “بالجرو” بسبب مرافقتها له في كلّ خطواته. بعد انقطاع أخواتها الثلاث عن الدراسة بسبب طول المسافة التي تفصِل بين المنزل والمدرسة وخطورتها (تقطع أماكن خالية وبرية)، اضطرّ الأبوان على إرسال نجوى للعيش في منزل أحد الأقارب القاطنين بالقرب من المدرسة. تقول نجوى: “لقد كبرت بعيدا عن عائلتي.. كما كانت نشأتي وسط فوارق اقتصادية واجتماعية هامّة”.

بالاضافة إلى انخراط العديد من أفراد العائلة في تيارات سياسية مختلفة، التقت نجوى بعالم السياسة خلال سنّ مبكّرة، فقد درَست بالمعهد الثانوي لدى أساتذة مسيّسين ووسط حركة تلمذيّة يساريّة نشيطة بالمعهد. خلال دراستها الثانوية، شاركت نجوى في بعض حلقات النقاش التي نظّمها أقرباؤها من القوميين الناصريّين، كما شهدت خلالها حرب الخليج وما تخلّلها من مظاهرات بالمعهد ومواجهة مع البوليس مازالت آثارها على جسدها حتّى الآن. التحقت نجوى سنة 1993 بجامعة الآداب برقّادة بولاية القيروان، حيث كان لقاؤها الأوّل بالعديد من المناضلين بالاتحاد العام لطلبة تونس. تعتبر نجوى أنّ هذا اللقاء كان مفروغا منه. فقد كانت النقابة الطلابية تتبنى المطالب والصعوبات التي تعترض طريق الطلبة المنتمين إلى طبقات فقيرة، منادية بالعدالة الاجتماعية وهو ما كان له صدى عندها نظرا لما تتقاسمه مع هؤلاء من انتماء ومعاناة. اتّسمت تلك الفترة باستقرار حكم بن علي وبداية التضييق على الحركة اليسارية بعد أن شنّ أعتى هجوماته على الإسلاميين بداية من سنة 1990. وتُشكّل بداية التسعينات، التي تخلّلتها أقسى عمليّات التنكيل والتعذيب للناشطين السياسيين والمعارضين، مرحلة الانغلاق التي جاءت بعد سنوات قليلة من الانفتاح السياسي ومن النشاط الجمعياتي والنقابي المفتوح الذي تخلّل مرحلة الانتقال من نظام بورقيبة إلى نظام بن علي. كما جاءت أيضا بعد سنوات من الحراك والمقاومة الطلاّبية لكلاَ النّظامين. فبالإضافة للأحداث التاريخية التي خلّدَها الحراك الطلابي في السبعينات والثمانينات، شهدت بداية التسعينات محاولات عدة من قبل السلطة لتدجين الحراك الطلابي ووضع اليد عليه خصوصا عبر تنصيب طلبة الحزب الحاكم على مستوى القيادة النقابية الطلاّبية. خلال سنة 1993، ومع طرحه لمشروع إصلاح التعليم[6]، واجهَ نظام الاستبداد الحراك الطلابيّ بالتنكيل والتعذيب قصد إخماد أي موجة معارضة، وقد كانت نجوى الرّزقي إحدى ضحاياه.

أسابيع قليلة قبل انقلاب بن علي ودخول تونس مرحلة جديدة من الاستبداد، وُلدت جواهر شنّة في 17 أكتوبر 1987 بمنطقة ريفية بولاية المهدية. نشأت جواهر في وسط ريفيّ وفي عائلة متعلّمة وتقليدية. عمل الأب المنخرط بالحزب الحاكم في دار الشباب والرياضة بينما اهتمّت الأمّ المُعلّمة بالشعر والأدب ومناصرة القضية الفلسطينية (عبر المساهمة رفقة زميلاتها في العديد من نشاطات منظمة اللاجئين الفلسطينيّين). الوعي بالقضية والشّغف بالأدب سعت الأم إلى مشاركتهما مع أطفالها. تميّزت جواهر خلال تعليمها الابتدائيّ والثانوي بتفوّقها الدراسي وبشخصية مندفعة وقوية. في هذا السياق تقول جواهر بأنّها كانت تُعرف في المعهد بكثرة انتباهها إلى شؤون زملائها وتقدّمها للدفاع عنهم في مواجهة الإدارة والأساتذة.

على غرار العديد من أبناء جيل تلك الفترة، لم تهتمّ جواهر بالسياسة خلال سنواتها التلمذية ولم تكن على دراية بالشؤون السياسية التونسية والشأن العام آنذاك. فقد اتّسمت آخر التسعينات وبداية الألفية الثانية بتراجع الحياة السياسية في البلاد وانغلاقها خصوصا بعد تضييق الخناق على كلّ الناشطين السياسيين المعارضين ومحو كلّ الشروط الموضوعية لإقامة فضاء عام حرّ. التحقت جواهر بالجامعة سنة 2005 واختارت أن تبدأ دراستها بالمعهد التحضيري للدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية بتونس رغم تخصّصها خلال التعليم الثانوي في شعبة الرياضيات. تماما كروضة ونجوى، ستبدأ جواهر أولى خطواتها السياسية من خلال النقابة الطلابية التي كانت المتنفّس الوحيد للعمل السياسي، وستغيّر هذه التجربة مسارَها الحياتي.

في مواجهة سلطة الاستبداد وقمعها: بين آلام التعذيب والتّضامن الرفاقيّ

انعقد المؤتمر الثامن عشر للاتحاد العام لطلبة تونس، النقابة الطلابية الوحيدة آنذاك، في أوت 1971 بمدينة قربة. وقد كانت روضة الغربي إحدى المشاركات فيه. ركّزَ الطلبة اهتمامهم خلال هذا المؤتمر على تغيير النظام الداخلي وإعادة هيكلة اتحاد الطلبة على النحو الذي يحمي استقلاليته من الحزب الحاكم ومن تدخّلات السلطة. إثر ذلك، شهد المؤتمر تدخّلا مباشرا من قبل البوليس الذي قام بتطويق المكان وإيقاف العديد من الطلبة، كما تمّ الانقلاب على مخرجاته، خصوصا بعد أن تبيّن فوز الجناح غير الموالي للسلطة وعلى رأسهم الطلبة اليساريين. إثر هذه الأحداث، قرّر الطلبة اليساريون عدم اختتام المؤتمر وإرجاء بقية أعماله إلى السنة الجامعية الموالية. بعد العودة الجامعية اللاحقة شاركت روضة الغربي في أعمال التنظيم والحشد للمؤتمر الخارق للعادة الذي استمرّ على امتداد الأيام الفاصلة بين يومي 02 و05 فيفري 1972، بحضور آلاف الطلاب[7] الذين واكبوا مختلف أعماله. يوم 05 فيفري 1972 تمّ إيقاف أشغال المؤتمر بتدخّل عنيف من البوليس، وهكذا نفّذَت السلطة حملة إيقافات طالت مئات الطلبة[8] ومن بينهم روضة الغربي التي كانت تنتمي آنذاك للتنظيم السياسي اليساري “العامل التونسي”.

خلال فترة الإيقاف التي امتدّت على أسابيع (لم تكن مدة الإيقاف تخضع لتسقيف زمني أو لأيّ ضمانات حقوقية)، تمّ استجواب روضة عن تفاصيل مشاركتها في تنظيم المؤتمر وعن التنظيمات السياسية السرية التي تقف وراءه وعن مظاهر قوّة الحراك الطلابي. بعد إطلاق سراحها وبالتزامن مع فترة تخرّجها من الجامعة، تمّ إحداث لجنة داخل تنظيم العامل التونسي للدفاع عن المساجين السياسيين، وكانت روضة الغربي عضوة فيها. اهتمّت لجنة الدفاع أساسا بتوفير “القفّة”[9] للمساجين وفكّ الحصار الإعلامي عنهم عبر مساندتهم والتشهير بإيقافهم في وسائل الإعلام الأجنبية. تقول روضة ساخرة أنّ هذه اللجنة أدخلت الرعب في صفوف البوليس الذي كان يشكّ في سلمية أعمالها وكان يفتش عن احتمال حيازتها على أسلحة نظرا لوصفها “بلجنة الدفاع”. كانت مشاركتها في لجنة الدفاع سببًا وراء اعتقالها أكثر من مرة في فترة لاحقة، في نوفمبر 1973 وأكتوبر 1974 ومارس 1975.

تمتدّ الإيقافات في كلّ مرّة على أشهر من دون إعلام العائلة أو المقرّبين عن مكان تواجد روضة، وفي الأثناء، تتواصل الاستجوابات ومحاولات انتزاع المعلومات عبر التعذيب والتنكيل. خلال الإيقافات المتكرّرة، تمّ اقتياد روضة مع مجموعة من الرفيقات إلى مكاتب أمن الدولة[10]. تعرّضت خلالها روضة ورفيقاتها إلى شتّى أنواع التعذيب الممنهج عبر ضربهنّ وشتمهنّ بعبارات ذات إيحاءات جنسية وتعرية أجسادهنّ وربطهنّ في وضعية “الرّوتي”[11]، ثم تهديدهنّ بالقتل ومكافحتهنّ برفاقهم وهم عراة، إضافة إلى استجوابهنّ في ساعات متأخرة من الليل ومنعهنّ من النوم والراحة عبر الإضاءة المستمرّة للمكاتب، مع حرمانهنّ من الاغتسال وتغيير ملابسهنّ لمدة طويلة. خلال سنة 1975، تذكر روضة أنّه وقع حرمانها من الاغتسال وتغيير ملابسها من 19 مارس إلى 06 جوان 1975، ثم وقع تحويلها إلى سجن النساء بمنوبة حيث تم إيداعها الحبس الانفرادي في الأسابيع الأولى، ليتمّ بعدها إلحاقها ببقة رفيقاتها السجينات.

تُشبّه روضة محنة السجن الانفرادي بتجربة حجز أحدهم داخل خزانة مطبخ. فكلتا التجربتان تتشاركان في واقع الظلمة والضيق. رغم المعاناة التي رافقت التجربة السّجنية صرّحت روضة خلال حديثها إلينا بأنّها كانت مسرورة نوعا ما عندما تمّ اقتيادها إلى السجن وعدم إطلاق سراحها، لأنه كان في نظرها أقل وطأة من الحصار الأمني اليومي. إذ تعرّضت في كلّ الفترات التي تلت الإيقافات إلى الملاحقة البوليسية اللصيقة، وعانت من المداهمات الليليّة والتّهديد والمراقبة الشديدة أمام المنزل وملاحقتها في كل مكان ذهبت إليه. وهو ما كان يضيّق الخناق عليها وعلى أفراد عائلتها. حُوكمت روضة ورفيقاتها أمام القضاء الاستثنائي خلال مناسبتين: فتمّ في سنة 1974، محاكمة 202 متّهم من بينهم 26 إمرأة، وفي سنة 1975 تمّت محاكمة 101 متّهم من بينهم 14 امرأة من أجل تهمٍ فضفاضة تدور أساسا حول التآمر على أمن الدولة والانتماء إلى جمعية غير مرخّص فيها (العامل التونسي)[12]. خلال المحاكمتين، قضتْ محكمة أمن الدولة بأحكام قاسية في حقّهنّ تراوحت بين 7 سنوات سجن وعدم سماع الدعوى،[13] وهو ما تمتّعت به روضة الغربي. وبعد إطلاق سراحها، عادت روضة إلى مساندة رفاقها المسجونين، وخصوصا رفيقها الطاهر شقروش الذي حُكم بسبع سنوات سجن، إذ جمعتها به علاقة غراميّة وتزوّجا بعد سنوات من انتظار إخلاء سبيله.

تماما مثل تجربة روضة الغربي، كانت نجوى الرزقي شاهدة على فترة تاريخية عرِفت أزمة حقيقية بين النظام والجامعة. فخلال السنة الجامعية الثانية لنجوى (1994)، تبنت السّلطة مشروع قانون جديد “لإصلاح التعليم العالي” المتضمّن للفصل 72 الذي نصّ على رفت الطلاّب الرّاسبين لسنتين على التوالي. حينَها قررت الحركة الطلابية التصدّي لهذا المشروع الذي سمّي “بنظام الخراطيش”، الذي اعتُبِر مجحفًا في حقّ الطلبة، خاصة المهمّشين اقتصاديا واجتماعيا. واقعيّا، مَثّل نظام الخراطيش حكمًا بحرمان آلاف الطلبة من مواصلة تعليمهم العالي وإقصائهم من التحصّل على الشهادات الجامعية نظرا إلى الظروف الصعبة التي كان يعانيها الطلبة. كان النظام الجامعي القائم أواسط التسعينات يمكّن الطلبة من منحة مالية ضعيفة وسكن جامعي لسنة واحدة فقط، رغم أن التكوين الجامعي يمتد لأربع سنوات. وهو ما يعدّ تمييزا في حقّ الطلبة الذين يعيشون ظروفا مادية صعبة، وأصبح يُنظر إلى التعليم الجامعي بوصفه حكرا على الطبقة الاجتماعية المرفّهة، وهو ما دفع النقابة الطلابية إلى التحريض ضدّ هذه الظروف.

تمّ تنظيم عدّة تحرّكات طلابية قادها الاتحاد العام لطلبة تونس في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس وكلية الحقوق بتونس وكلية الآداب بولاية سوسة وجامعة الآداب بولاية القيروان[14]. في الأول من نوفمبر 1994 شاركت نجوى الرزقي التي كانت تنتمي حينها إلى اتحاد الشباب الشيوعي التونسي (التنظيم الشبابي لحزب العمّال) في الاجتماع العام الطلابي الذي تمّ تنظيمه في كلية الآداب برڨّادة بولاية القيروان. وبعد انتهاء الاجتماع العام بالكلية، قرّر الطلبة التصعيد والاعتصام هناك وهو ما رفضته العميدة وهدّدت بفضّ الاعتصام باستدعاء بالقوة العامة. بالفعل شرعت السلطة في فضّ الاعتصام الطلابي عبر تدخّل البوليس الجامعي وقامت فرق أمنية مختلفة بتطويق الكلية لتفريق الطلبة المحتجّين باستعمال الهراوات والغاز المُسيل للدموع والكلاب والأحصنة والدراجات النارية. تمّ إلقاء القبض على العناصر الناشطة بالاتحاد العام لطلبة تونس، بمساعدة البوليس الجامعي[15] الذي كان يتولّى مراقبة النشطاء داخل الجامعة. كانت نجوى الرزقي ورفيقتها عفاف بالناصر من بين المعتقلات. فقد تمّ إيقافهما إثر عودتهما إلى المبيت الجامعي بعد أن نجحتا في مرحلة أولى في الهروب من قبضة البوليس خلال عملية فضّ الاعتصام. تمّ سَحل نجوى الرزقي وصديقتها وضربهما بالهراوات التي سبّبت جروحا عدة بعد جرّهما أمام صفّ من أعوان البوليس وإرهابهم بالكلاب المدرّبة. ثمّ وقع اقتياد الطلبة الموقوفين إلى منطقة الأمن وحشدهم وسط غرفة كبيرة، حيث تمَّ تكبيلهم ووضعهم قبالة الحائط حتّى لا يتمكنوا من رؤية تحرّكات البوليس وتوقّع ما سيحدث لهم.

خلال خوضها في ذكريات تلك الليلة، اعتبرت نجوى أنها تعرّضت وصديقتها إلى التنكيل والتشفيّ مقارنة بالموقوفين الآخرين. إذ تعرّضت عفاف للجلد من قبل أحد عناصر البوليس الذي كان يقول لها بأنه لن يتوقف عن جلدها إلا عندما تُعبّر له عن شعورها بالألم. وتمّ تهديد نجوى من قبل البوليس بالاغتصاب بواسطة الهراوة، وهو ما جعلها تسقط من شدّة الرعب وتنكمش على نفسها قصد حماية جسدها، هذا بالاضافة إلى تعرّضهما للإهانة باستعمال شتائم أخلاقية. تمّ الإبقاء على الموقوفين بتلك الوضعية لساعات متأخرة من الليل، حيث تمّ الشروع بعدها في التحقيق معهم بشكل فرديّ. استمرّت عملية الاستنطاق والبحث لمدة سبعة أيام، مُورست خلالها شتى أنواع التعذيب قصد انتزاع اعترافات ومعلومات تخصّ ناشطين آخرين في اتحاد الطلبة، ثم إرغامهم على توقيع محاضر استنطاق مفبرَكَة.  كُسٍرت قدرات نجوى وصديقتها على المقاومة في اليوم السابع، حيث أجبرَتَا على التوقيع على أقوال واعترافات لم تصدر عنهما بعد أن تمّ تعذيبهما بطرق شتّى، من ضمنها الضّرب على الرأس والصدر والظهر والأقدام والتعليق في وضعية “الرّوتي”، إضافة إلى الضرب على الأصابع وكسرها، وهو ما تحمِل نجوى آثاره إلى اليوم.

بعدها تمّت إحالة الموقوفين على الإيقاف التحفظي بالجناح المخصّص للنساء بسجن سيد أحمد بمنطقة القيروان، حيث قضّت الرفيقتان هناك ثمانية أشهر. تذكر نجوى السجّانة “هدى السّايح” التي استقبلتهما هناك وأحسنت معاملتهما، حتى أنّها حاولت العثور عليها بعد الثورة لشكرها على ما قدّمته من أجلهما. فقد سمحت لهما بالمشاركة في أعمال مطبخ السجن رغم أن قانون السجن يحجّر ذلك على المحتجزات اللاتي لم تصدر ضدّهن أحكام، وسهّلت حصولهما على السجائر، كما لم تُخف عطفها عليهما ودعاءها من أجلهما. حُوكمت نجوى بعامين وأربعة أشهر سجنا من أجل تهم عدة كالاعتداء على موظف أثناء أداء عمله ووضع حواجز بالطريق العام والإضرار بملك الغير وتكوين وفاق. وتمّ الدفاع عنها (كما كان الحال بالنسبة لبقية الموقوفين) من قبل مجموعة من المحامين المتطوعين وأنهت مدة عقوبتها بسجن النساء بمنوبة. تواصلت معاناة نجوى بهذا السجن بعد أن تمّ حرمانها من تلقي رسائل المساندة من العائلة والأصدقاء، كما تمّ منعها من قراءة الكتب والجرائد. وبما أنّها سجينة “ذات صبغة خاصة” كما كان يحلو للنظام تسمية السجناء السياسيين، تمّ منع سجينات الحقّ العامّ من التواصل معها قصد مضاعفة عزلتها داخل السّجن. هذه العزلة سيتحتّم على نجوى مواجهتها أيضا حتّى خارج أسوار السّجن.

كان لقاء جواهر مع الاتحاد العام لطلبة تونس في عامِها الأوّل من الحياة الجامعية من خلال حضورها اجتماع عام بالمعهد، ومازالت تتذكّر الطريقة التي خطب بها مالك الصغيري[16] وسط الطلبة وتأثّرها به حدّ البكاء: “لم أصدّق ما سمعته..لم أكن أعلم أنّ هنالك أشخاصا يطرحون علانية مثل هذه المواضيع.. بكيت حينها لأنني أحسست أنني وجدت الأشخاص الذين أنتمي إليهم”. انطلقت حينها رحلة جواهر مع اتحاد الطلبة والتحقت بعد عام من ذلك باتحاد الشباب الشيوعي التونسي إثر تجربة قصيرة مع الطلبة القوميين.

بخصوص تجربتها التنظيمة، قالت جواهر: “لم يتمّ استقطابي من قبل الرفاق الشيوعيين… لقد طرقت أبوابهم بنفسي.. ظللت أتابع كافة لقاءاتهم وأرتاد الأماكن التي اعتادوا الذهاب إليها..  علمت بعد ذلك أنّ اهتمامي البارز بهم أخافهم لأنّهم كانوا يحتاطون من اختراقات النظام الحاكم”. انطلقت مواجهة جواهر مع السلطة بعد عام من الدراسة الجامعية بتونس العاصمة، فقد شارَكت باعتصام مفتوح بالمعهد مع نشطاء آخرين في الاتحاد العام لطلبة تونس، للمطالبة بتوفير نقل جامعي للطلبة وتغيير منهجية احتساب نتائج الاختبارات التي كانت تتمّ بطريقة عشوائية وغير متناسبة مع اختصاصات الطلاب. تمّ فضّ الاعتصام الذي شهد تصعيدا في الخطاب السياسي من قبل الطلبة، وتمت معاقبة المشاركين فيه بعقوبات متفاوتة، طُرِدت إثرها جواهر من المعهد التحضيري فانتقلت للدراسة بكلية الآداب بسوسة. انطلقت رحلة جواهر في الاشتباك مع السلطة والبوليس منذ سنة 2006 وامتدّت إلى حدود اندلاع الثورة وما بعدها.

قبيل 14 جانفي 2011، تمّ اعتقال جواهر عدة مرات. الاعتقال الأول حصل حتّى قبيل انتمائها الفعلي لاتحاد الشباب الشيوعي التونسي. خلال حديثها معنا، اكتفت جواهر بالإفصاح عن وقائع ثلاثة إيقافات فقط، كانت بالنسبة إليها الأكثر وقعا على نفسها وعلى ذاكرتها. تحدّثت جواهر عن مشاركتها سنة 2007 في مسيرة طلابيّة تجاوزت أسوار الكليّة فتمّ قمعها من قبل قوات البوليس وإيقافها رفقة العديد من الطلاب والاعتداء عليهم بالعنف الشديد داخل سيارات الشرطة واقتيادهم إلى مركز الأمن أين وقع تشديد العنف عليهم وضربهم أثناء الاستجواب، ممّا أدّى إلى فقدانها الوعي. أمّا حادثة الايقاف الثانية فكانت سنة 2008 بولاية المهدية، حيث تنقّلت جواهر إلى هناك لمساندة مجموعة من الطلبة وقع طردهم على خلفيّة عملهم النقابي. تمّ إلقاء القبض على جواهر بعد أن عضّت يد أحد أعوان البوليس لمساعدة إحدى الطالبات على الإفلات من قبضته. تمّ تعذيب جواهر ورفاقها إلى حدّ فقدان الوعي، ثم قاموا برشّها بالماء البارد ومواصلة الاعتداء عليها ومحاولة تمزيق سترتها، وهو ما أصابها بالذعر الشديد حسب تعبيرها.

لم تكتفِ سلطة الاستبداد بالاعتداءات الجسدية بل قامت بالاتصال بوالد جواهر لإعلامه بنشاطاتها السياسية التي كانت تخفيها عنه. كما تمّت إحالتها مع رفاقها لمقاضاتها من أجل تهم أخلاقية ومن أجل تهمة الاعتداء على موظّف عمومي أثناء أداء عمله. حُوكِمت جواهر بالسجن لمدة ثمانية أشهر نافذة وقامت برفع دعوى استئنافية بمعيّة محامين متطوّعين لتحصل على حكم بعدم سماع الدعوى بعد الثورة. أمّا حادثة الإيقاف الثالثة والتي كانت الأكثر إيلاما ووحشية، فكانت يوم 09 جانفي 2011، حيث تمّ إيقاف جواهر على خلفية مشاركتها في أحداث الثورة وتمّ تعذيبها بالضرب الشديد والتعليق في وضعية “الروتي” والحرق بالسجائر على مستوى الظهر والفم، مما ترك آثارا تحملُها جواهر على جسدها إلى الآن.

ما بعد المواجهة: مثابرتهنّ للنجاة بين ثقل المسؤوليات وشغف النضال

لم تتعلّق معاناة التجربة السجنية والملاحقات الأمنية فقط بالضرب والتعذيب والتنكيل، بل ارتبطت أيضا بموقف العائلة من العمل السياسيّ وثمنه الباهظ الذي كان على المناضلات تحمّله. تحدّثت روضة الغربي عن عتاب أخواتها لها عندما تدهورتْ صحة أمّها أثناء سجنها، وتذكّرت نجوى الرزقي باكية مشهد والدها وهو يُدفَع إلى الوراء من قبل أعوان البوليس أمام المحكمة، ويهمس لها “لماذا فعلت هذا بنفسك؟” كما تصف جواهر موقف عائلتها المتأرجح بين الخوف عليها والخوف من تبعات نشاطها السياسي على مستقبل العائلة. لعلّ أهمّ ما تشترك فيه المناضلات الثلاث هو موقف الأمّ الذي كان أكثر حدّة من مواقف بقية أفراد العائلة. فبينما انقطعت أمّ روضة عن الأكل عند سجن ابنتها، لم تزر أمّ نجوى ابنتها في السجن إلاّ مرة واحدة. لقد تحمّل الأب في تجربة نجوى مشقّة الزيارات الشهرية وغيّرَ شيئا فشيئا من موقفه تجاه نشاطها، فعبّر عن مساندته لها وافتخارها بما تقوم به قائلا: “ارفعي رأسك فليس هناك ما تخجلين منه.. لم تقومي بشيء خاطئ، لقد قلت فقط كلمة حقّ”.

أمّا بالنسبة لجواهر، فقد تركّزَ لوم الأمّ واهتمامها على مدى تأثير العمل السياسي على فرص زواج ابنتها وحياتها الشخصية في المستقبل: “من سيتزوّجك الآن؟.. لن يرتبط بك أحد”. تركيز الأمّ على هذه النقطة بالذات لا يجد فقط جذوره في معايير المجتمع الريفي الذي كانت تنتمي إليه جواهر بل كان يعكس نظرة مجتمعية عامة للناشطة السياسية في تلك الفترة، هي نظرة ذكورية تُترجم أساسا إحساسا بالخوف من تلك المرأة القوية التي لها ما يكفي من الشجاعة والصمود لمعارضة نظام الاستبداد وتحدّي جبروت أجهزته رغم التعذيب والتنكيل، جنبا إلى جنب مع رفاقها الذكور. وكان من مظاهر الخوف والحذر من الناشطات السياسيات تحاشي الطلبة غير المنخرطين في العمل السياسي إقامة علاقات وديّة وغراميّة معهنّ، بينما كان الرفاق الذكور يحظون بنظرات الإعجاب والانبهار حسب ما أدلت به جواهر.

تواصلت معاناة كلّ من روضة ونجوى بعد التجربة السجنية إلى حين بلوغ تاريخ 14 جانفي 2011. فبعد إطلاق سراحها، تواصلت مشقّة روضة الغربي التي واظبت على مساندة حبيبها والتكفّل بزيارته  بانتظام في السجن الذي قضّى فيه عقوبة مدتها سبع سنوات، ليتزوّجا فيما بعد ويتحمّلا صعوبة توفير أبسط مقوّمات العيش الكريم تحت وطأة المضايقات والمحاصرة الأمنية. كما كان عليها أيضا أن تتخلّى عن فكرة العمل في اختصاصها الجامعي، والتحقت للعمل كأستاذة تعليم ثانوي من أجل التمتّع بحماية الاتحاد العام التونسي للشغل التي كان يوفّرها لمنخرطيه من الناشطين السياسيين. بعد وفاة أختها وتأثّرها الشديد لفقدانها، وبعد بلوغها مرحلة متقدمة من التعب والإرهاق النفسي إثر التضييق على النقابة التي كانت تنتمي إليها، وبسبب صعوبة التوفيق بين مسؤوليات العمل والاهتمام بالعائلة والاضطلاع بالزيارات السّجنية، قرّرت روضة مغادرة سلك التعليم والالتحاق بمركز الدراسات والتوثيق بوزارة الثقافة. أمّا نجوى الرزقي فقد كانت معاناتها مضاعفة بعد مغادرتها السجن، فبعد أن قرّرت الانقطاع عن زيارة العائلة لحمايتهم من كلّ مضايقة أمنية وتزوّجها من رفيقها في حزب العمال عبد الجبّار المدّوري وحملِهَا بابنها الأوّل انطلق جزء جديد من محنة طويلة ومؤلمة.

عند بلوغ ابنها شهرا واحدا تواترت أنباء عدة عن أخطار أمنية تُحيط بزوجها وبعض رفاقه، وهو ما استدعى اتخاذهم قرار الدخول في السرّية[17]. قبيل لقائها بزوجها وانتقالها للعيش معه بمنزل سريّ، وقع القبض على نجوى رفقة رضيعها وتمّ الإبقاء عليها بمكان الإيقاف بينما ارتفعت حرارة ابنها ولم تجد أيّ طريقة لتخفيضها إلاّ عبر تمزيق سُترتها واستعمالها ككمّادات. بعد إطلاق سراحها، توجّب على نجوى تحمّل مسؤولية رضيعها، فاشتغلت في مخازن الخضر والغلال بمنطقة صنهاجة الفلاحية (ولاية منوبة) في ظروف عمل صعبة. عندما قرّرت العودة إلى الدراسة الجامعية، تحتّم على نجوى العمل بعدة أراضي فلاحية خصوصا في الصيف لتوفير مصاريف العيش والإيجار، وكانت تترك ابنها عند الجيران كلّما أرادت الذهاب إلى الدراسة. استمرّ عمل نجوى بالفلاحة حتى بعد تخرّجها لاستحالة حصولِها على عمل بسبب نشاطها السياسي، إلى حين اندلاع الثورة وانتدابها فيما بعد كمدرّسة. 

عند سؤالهنّ عن كيفية تجاوزهنّ لكلّ تلك المحن الثقيلة والتجارب المؤلمة، أجابت كلّ منهنّ انطلاقا من مسارها واختياراتها الحياتية. فبينما عبّرت نجوى الرزقي عن وفاء كبير لتجربتها الحزبية وعن إصرارها المستقبلي من أجل ضمان مصير أفضل لأبنائها وحمايتهم من مصاعب ماضيها، أكّدت جواهر على قيمة الروح الرفاقية وأهمية قيم التضامن التي جمعت الرفيقات والرفاق، وخفّفت من آثار بطش الجلاّد ووقعها على أنفسهم، كما ساهمت في إسنادهم معنويا ودفعتهم إلى الاستمرار في النضال. أما عن روضة الغربي، فقد عملَت على توجيه التزامها النضالي نحو القضايا الحقوقية، لأنها تعتبر أنّ المسألة الحقوقية لا تتطور إلا بالنضال داخل الحركة الديمقراطية، فالتحقت في مرحلة أولى بنادي الطاهر الحداد، ثم ساهمت في تأسيس الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، كما عملت متطوعة بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. في جوابها عن سؤال أي شعار أو قضيّة تحملين إلى الآن؟ تقول روضة الغربي: “في سنة 1972، عندما كنّا ننظّم مؤتمر اتحاد الطلبة، جمعتُ تبرّعات أصدقائي وتوجّهت إلى باب سويقة لشراء 20 متر من القماش الأبيض وعلبة دهان أحمر. فور عودتي للمنزل، أغلقت باب الغرفة لكي أختبئ عن أنظار أمي وكتبت شعار “Pour une UGET démocratique et autonome[18]” الذي تمّ رفعه فيما بعد بمدرج الكلية. مازلت إلى اليوم أحمل هذا الشعار ومازلت أناضل من أجل مجتمع مدني مستقلّ، يعبّر بديمقراطية عن إرادات المنتمين إليه، فيكون بذلك صدّا منيعا في وجه الاستبداد والظلم.”


[1] تراكمت مواقف العديد من مناضلي ومناضلات اليسار التونسي الرافضة للتعامل مع هيئة الحقيقة والكرامة وبالتالي تقديم شهاداتهم بهدف توثيقها وحفظها. تعدّدت أسباب الرفض المتسقة بالسياق السياسي الذي شهدته البلاد أثناء عمل الهيئة ودارت أساسا حول الشكوك المتعلّقة بمدى تدخّل حزب حركة النهضة بأعمالها وبالمواقف المتخذة من رئيستها.

[2] يعد كتاب بنات السياسة: سردية مناضلات برسبكتيف-العامل التونسي في السبعينات، الذي صدر سنة 2020 استثناء في هذا السياق.

[3] حوار مع « ميشيل فوكو » (باريس – أواخر 1978) صدر بـمجلّة ( ألكنتريبيتو Il Contribiuto  – السنة الرّابعة – العدد 1 – جانفي/مارس 1980)،  ترجمة فتحي بن الحاج يحيى ونشر على موقع جمعية نشاز.

[4] تقع مدينة الكريب في ولاية سليانة الواقعة شمال غرب العاصمة التونسية، وهي منطقة معروفة بنشاطها الفلاحي، حيث تشكل فيها الأراضي الصالحة للفلاحة حوالي 95 بالمائة.

[5] الخمّاس أو الخمّاسة (بالجمع) هم الفلاحون دون أرض، وقد أطلِقت عليهم هذه الصفة في تونس لأنهم يحصلون على خُمس عائدات الإنتاج الفلاحي مقابل عملهم في أرض لا يملكنوها، وعادة ما تكون علاقتهم مع ملاك الأراضي قائمة على الاستغلال والاحتقار، وتعتبر هذه العلاقة الشغلية من آثار الإقطاعية في تونس وقد ظلت موجود في بعض المناطق الفلاحية حتى أوائل السبعينات والثمانينات، ويُرجح أن بعض مظاهرها مازالت موجودة في بعض واحات الجنوب التونسي (على غرار واحات توزر).

[6] مشروع قانون  لإصلاح التعليم العالي، تضمّن الفصل 72 الذي ينصّ على الرفت النهائي للطلاّب الرّاسبين لسنتين على التوالي، لذلك لاقى رفضا من قبل الحركة الطلابية ومعظم الطلاب.

[7]شهادة روضة الغربي بجلسة الاستماع العلنية، هيئة الحقيقة والكرامة، 10 مارس 2017.

[8]  التقرير الختامي الشامل، الملخّص التنفيذي، هيئة الحقيقة والكرامة، 2018، ص 262.

[9] القفّة هي عبارة يتمّ استعمالها لوصف السلّة التي يتمّ تقديمها للسجين عند زيارته وتحمل أساسا بعض الأكل والمستلزمات التي قد يحتاجها.

[10] هي مكاتب بمقرّ وزارة الداخلية يتمّ إخلائها وتحويلها لأماكن احتفاظ واستجواب سرّيّة.

[11] تحيل أساسا هذه العبارة الفرنسية للدجاج المشوي. تعبّر عن طريقة تعذيب، تتمثّل أساسا في ربط أيدي وأرجل الشخص بعصا ومن ثمة تعليقه في وضعية مشابهة لطريقة شواء الدجاج.

[12] بنات السياسة، سردية مناضلات برسبكتيف العامل التونسي في السبعينات، إعداد هيفاء زنكنة، مارس 2020.

[13] نفس المصدر.

[14] التقرير الختامي الشامل، الملخّص التنفيذي، هيئة الحقيقة والكرامة، 2018، ص 269.

[15] البوليس الجامعي أو “الأمن الجامعي” هي وحدات أمنية لها مقرات رسمية داخل الجامعات في ظل نظام بن علي، وفي الظاهر تم تركيزها للحفاظ على الأمن داخل الجامعات، إلا أن دورها الفعلي كان يتجسد في مراقبة الطلبة المعارضين للنظام.

[16] مالك الصغيري قيادي طلابي سابق درس بالمعهد التحضيري للدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية ودار المعلمين العليا، كما عرف بنشاطه السياسي في تنظيمات سياسية وشبابية مختلفة على غرار اتحاد الشباب الشيوعي التونسي وحركة جيل جديد والحزب الديمقراطي التقدمي والتيار الديمقراطي، وقد عُرف الصغيري بموهبته الخطابية ومواقفه المعادية للاستبداد التي كلفته الطرد من المعهد التحضيري والملاحقة الأمنية والاعتقال أثناء أحداث الثورة التونسية. تُوفي مالك الصغيري في حادث غرق أليم عندما حاول إنقاذ صديقه شهر في جوان 2021، وقد خلفت وفاته حسرة كبيرة لدى رفاقه وعائلته ومختلف العائلات السياسية في تونس.  

[17] ما يعبّر عنه بالسريّة هو أن يغيّر الناشط السياسي نمط حياته عبر قطع علاقته بكلّ المحيطين به وانقطاعه عن شتى مجالات الحياة العادية واختبائه بمكان سرّيّ مع حمل اسم مستعار قصد الاختباء من أجهزة البوليس التي تلاحقه.

[18]  الترجمة إلى العربية: “من أجل اتحاد طلبة مستقلّ وديمقراطي”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الحياة ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني