وزير الاتصالات يخشى توقيع صفقة البريد التي صنعها: البحث عن تغطية الحكومة قبل مراسلة “الديوان”


2023-08-03    |   

وزير الاتصالات يخشى توقيع صفقة البريد التي صنعها: البحث عن تغطية الحكومة قبل مراسلة “الديوان”
رسم رائد شرف

ليس همّ وزير الاتصالات جوني القرم تأمين أفضل عرض لإدارة البريد. لو أراد ذلك لكان تعامل مع المزايدة التي أعلن عنها في 6 حزيران الماضي بشكل مختلف. لكنه فضّل التغاضي عن أولوية تعزيز المنافسة وتخطّي كلّ الاعتراضات التي وصلته من مهتمين بالمشاركة في المزايدة، مصرّاً على السير بصفقة يُدرك سلفاً أنّ عارضاً وحيداً سيتقدّم إليها. العارض هو نفسه الذي سبق أن أُعلن فوزه بالمزايدة الثانية قبل أن توصي هيئة الشراء العام بإلغاء النتيجة لأن العرض المُقدّم لم يكن مراعياً لدفتر الشروط ويضرّ بالمال العام. 

بالنسبة لوزارة الاتّصالات، كان التعامل مع هذه التوصيّة سهلاً. إذا كانت الشركة لا تراعي شروط الصفقة، يمكن تعديل دفتر الشروط بما يراعي مؤهلات الشركة. وبالفعل، بالتوازي مع إلغاء المزايدة، تمّ تعديل دفتر الشروط بحجّة توسيع الشروط للحصول على عروض أكثر. لكن نقطة واحدة أطاحتْ بأي احتمال للحصول على عروض جديدة هي حصر مهلة التقدم بخمسة أسابيع فقط. وهي مهلة، تبعاً لطبيعة الصفقة، غير كافية لتحضير مستندات أي شركة جدّية. الأمر الذي أكدت عليه هيئة الشراء العام، وكذلك الاعتراضات التي قُدمت رسمياً من أكثر من شركة (شركة “غانا بوست” المحدودة وشركة “تراست تريدينغ” المتحالفة مع شركة “دي أتش أل”) وشفهياً من شركة بريد مصر، حيث تعاملت الوزارة مع هذه الطلبات بخفّة متناهية إلى درجة إبلاغ المدير العام للبريد محمد يوسف شركة “تراست” بأن عرضها سطحي، وتبريره عدم إعطاء مهلة إضافية بالحفاظ على مصداقية الدولة – وزارة الاتصالات. كما تجدر الإشارة إلى أن شركة “غانا بوست” كانت تقدّمت باعتراض إلى كل من هيئة الشراء العام والنيابة العامة في ديوان المحاسبة وإلي مجلس شورى الدولة تعرض فيه ملاحظاتها على دفتر الشروط طالبة “توضيح وتصحيح بعض الأخطاء الجوهرية الواردة في دفتر الشروط وإعادة نشره” (صدر القرار من الغرفة الأولى الناظرة في قضايا العجلة برد الطلب لانتفاء موضوعه نتيجة حصول واقعة فضّ العروض قبل صدور القرار، إلا أن القرار نفسه لحظ إمكانية اللجوء إلى قضاء مجلس الشورى الناظر في الأساس للطعن بقانونية فض العروض والالتزام). لتكون النتيجة تقدّم العارض نفسه ووحده إلى المزايدة الثالثة لكن هذه المرة مع ثقة كاملة بمطابقة ملفه لشروط المزايدة المُعدّة على قياسه إلى درجة التلاعب بعنوان الصفقة، أي “تلزيم الخدمات البريدية”. فبدلاً من أن تكون الصفقة موجهة إلى شركات البريد، أي إلى الشركات التي تدير قطاعاً بريدياً، سمحت الوزارة لأي شركة تملك ترخيصاً “لنقل مواد البريد أو المراسلات أو الطرود أو الرزم الصغيرة” بالمشاركة في المزايدة وجعلتها بمرتبة شركات البريد الوطنية، فتمكّن ائتلاف شركتي “ميريت” و”كوليه بريفيه” المملوكتان من شركة CMA CGM من المشاركة في المزايدة مجدداً، واثقاً هذه المرة أن شروط الصفقة تتلاءم مع ملفه. وهو ما تحقق فعلاً في المزايدة التي فُضّت عروضها في 12 تموز الماضي. لكن لأنه لم يتقدم غيره إلى المنافسة، سمح وزير الاتصالات بإرساء الالتزام المؤقت على التحالف نفسه الذي رسا عليه الالتزام المؤقت في المزايدة التي جرت في 30 آذار 2023.

بعد ذلك، طلبت هيئة الشراء العام ملف المزايدة عملاً بالمادة 76 من قانون الشراء العام، وأصدرت ملاحظاتها عليها في 31/7/2023. وقد لوحظ تجنّبها تقديم توصية بالموافقة على نتيجة المزايدة أو برفضها كما فعلت سابقاً، إلا أنها عمدت إلى تعداد الإجراءات التي اتبعتها الوزارة قبل المزايدة وبعدها مبيّنة ملاحظاتها واعتراضاتها عليها: 

  • تعديل دفتر الشروط بما يسمح بمشاركة عارضين يعملون في نقل الطرود وليس بالضرورة في الخدمات البريدية لتلافي تقدم عارض وحيد.
  • الإعلان عن المناقصة في عدد من وسائل الإعلام المحلي فقط، مع الاكتفاء بإبلاغ وزير الخارجية بهذا الإعلان.
  • حددت جهة التعاقد مهلة الاعلان عن الصفقة بـ 5 أسابيع، بالرغم من أن المادة 12 من قانون الشراء العام تنص على تحديد مدة الاعلان وفقاً لأهمية المشروع وتعقيداته، أضف إلى أن الهيئة سبق أن أرسلت كتاباً إلى الوزارة تطلب فيه إعطاء العارضين المهلة الكافية لتحضير عروضهم بالنظر إلى موضوع وحجم الصفقة.
  • إن العرض المقدم يستجيب جوهرياً لدفتر الشروط الخاص بالمزايدة.
  • ورد إلى الهيئة اعتراضان يطلبان تمديد المهلة من دون تجاوب الجهة الشارية.
  • نص محضر التلزيم على “استعداد الجهة الشارية، وزارة الاتصالات – المديرية العامة للبريد، للتعاقد مع مقدم العرض الوحيد في حال استوفى عرضه جميع الشروط”. وهو ما تمت الإشارة إليه صراحة من قبل الجهة الشارية. إلا أن القرار لم يعرض مدى توافر الشروط المنصوص عنها في المادة 25 من قانون الشراء العام مجتمعة (التعاقد بالتراضي).

وقد ختمت الهيئة تقريرها بالتأكيد أنّ قرار التعاقد مع مقدم العرض الوحيد المقبول هو قرار استثنائي جداً يخرج عن مبدأ المنافسة، لذلك حصر المشرع اللجوء إليه ب3 حالات محددة اشترط توافرها مجتمعة (المادة 25):

  • أن تكون مبادئ وأحكام القانون مطبقة وألا يكون العرض الوحيد ناتجاً عن شروط حصرية تضمنها دفتر الشروط الخاص بمشروع الشراء.
  • أن تكون الحاجة أساسية وملحة والسعر منسجم مع دراسة القيمة التقديرية.
  • أن يتضمن نشر قرار الجهة الشارية بقبول العرض الفائز (التلزيم المؤقت) نصاً صريحاً بتقدّم العارض الوحيد المقبول ونيّة التعاقد معه.

بعد هذا التقرير، لم يكن أمام وزير الاتصالات سوى أمر من اثنين: إما رفض التوقيع مع الشركة ربطاً بالملاحظات التي تضمّنها تقرير هيئة الشراء العام والشروط التي تتضمّنها المادة 25 من قانون الشراء العام، وإما التغاضي عن كل الملاحظات والتوقيع معها، بعد عرض مشروع العقد على ديوان المحاسبة للحصول على موافقته المسبقة. لكن القرم لم يفعل أياً من الأمرين، بل ذهب إلى تقديم طلب إلى مجلس الوزراء للحصول على تفويض بالتوقيع على العقد. وقد بدا واضحاً استعجال الوزير إرسال الطلب (بعد يوم واحد من إصدار هيئة الشراء العام لتقريرها). وكان لافتاً في الطلب تسجيل تقرير الهيئة ضمن المراجع مع تحديد تاريخه ب 17/7/2023 بدلاً من 31/7/2023، علماً أن صلاحية التوقيع ليست بحاجة إلى تفويض، فهو الوزير المعني ومجلس الوزراء سبق أن طلب منه إطلاق المزايدة وتلزيم قطاع البريد. وعليه، فُسّرت خطوة الوزير على أنها محاولة لرفع أي مسؤولية عنه، خاصة أن الصفقة يرجح أن  يتم إبطالها في حال طعنت شركة غانا بوست بالنظر إلى المخالفات المرتكبة في معرض الإعداد لها. كما فسّر البعض لجوءَه إلى مجلس الوزراء على أنها محاولة غير مباشرة للضغط على ديوان المحاسبة وحثّه على الموافقة على العقد، في ظل خشية الوزير أيضاً من رقابة الديوان، وبخاصة تبعا للقرار المؤقت الصادر بحقه في قضية صفقتي مبنييْ تاتش. 

أيا يكن، يفهم من سلوك الوزير أنه لن يقوم بالإجراءات اللازمة لاستكمال الصفقة إلا بعد الحصول على تغطية من مجلس الوزراء. إذ ذاك سيتعيّن عليه تحويل مشروع العقد موقعاً من الطرف المتعاقد معه إلى الديوان على أن يبتّ به هذا الأخير، بعدما يتأكد من كامل إجراءات المزايدة ومدى التزامها بالتوصية التي تضمنها تقريره الخاص عن قطاع البريد، الصادر في 8/6/2021. فإما يرفضه بالنظر إلى الاعتراضات التي وصلت إليه والإشكالات التي رافقت المزايدة والتي كانت نتيجتها تقدم عارض وحيد، أو يوافق عليه فيوقعه الوزير. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

البرلمان ، مؤسسات عامة ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني