لم يكد يحتفل وزير الاتصالات جوني القرم بالتوقيع المبدئيّ على عقد بالتراضي لإدارة مرفق البريد مع تحالف شركتيْ ميريت إنفست ش. م. ل. اللبنانية المملوكة من شركة CMA CGM وشركة Colis privé france المملوكة من الشركة نفسها، حتى كشفت هيئة الشراء العام أن العرض المقدّم غير مطابق لدفتر شروط الصفقة كما يمكن أن يساهم في الإضرار بالمال العام. وعليه، أوصت الهيئة بعدم السير بالعرض وإعادة إطلاق المزايدة.
كانت “المفكرة القانونية” قد شكّكتبنقطتين عند إعلان لجنة التلزيم المُعيّنة من قبل وزارة الاتصالات، الأولى تتعلق بتقديم التحالف لعرض مبني على تقاسم الربح لا على تقاسم الإيرادات خلافاً لما ينص عليه دفتر الشروط، والثانية تتعلق بخبرة الشركة التي تبيّن أنها تعمل في نقل الطرود بين البائعين والمشترين عبر بوابات التجارة الالكترونية ولا تملك أيّ خبرة في إدارة المرفق البريدي. وبالفعل، أكدت هيئة الشراء العام، بعد دراستها للملف “وفقاً لمسؤوليتها في مراقبة عمليات الشراء”، أن هاتين النقطتين تُشكّلان عائقاً أمام السير بالصفقة، أسوة بنقاط أخرى تطّرقت لها في التقرير الذي حوّلته إلى وزارة الاتصالات وعدد من المراجع الرسمية.
في ما يتعلق بالعرض المالي، سارع وزير الاتصالات إلى تسويق “إنجاز” مبني على معلومات مغلوطة كان تلقّاها من لجنة التلزيم تفيد أن العرض يحدد حصة الدولة من الأعمال البريدية وغير البريدية بـ 15.5%، أي بزيادة 5.5% عن الحدّ الأدنى الذي كان محدداً في دفتر الشروط ب 10%، ما اعتبره يتيح السير بالعرض الوحيد المقدّم إلى مزايدة البريد بالتراضي. لكن ما أغفله أعضاء اللجنة المعنيّون مباشرة بالتدقيق بالعقد والتأكد من مطابقته للمواصفات والشروط المحددة للصفقة أنّ هذه النسبة تتعلّق بتقاسم الأرباح لا الإيرادات، وهو أمر لم يُخفه التحالف في عرضه، مبيّناً النّسب التي ستحصل عليها الدولة من “إجمالي الربح”. وأمام هذا الواقع، أوضحت هيئة الشراء العام، في تقريرها، أن وثيقة “خطة العمل” المقدّمة من العارض تفصّل طريقة احتسابها إجمالي الربح والتي على أساسها ستدفع للدولة اللبنانية مستحقاتها بعد أن تكون قد حسمت كل مصاريفها، “الأمر الذي يخالف جوهرياً وثائق المزايدة ويحوّل حصة الدولة من نسبة مئوية من الإيرادات كما ورد في دفتر شروط العقد إلى نسبة مئوية من ربح قد يقع النزاع لاحقاً على كيفية احتسابه وقد يتحقّق وقد لا يتحقّق”. وتعرض الهيئة، بالاستناد إلى الأرقام الافتراضية التي وضعها العارض، أن الحصّة الفعلية للدولة من إجمالي الإيرادات هي أقل من 5% ل6 سنوات وليست 15.5% ولا تتجاوز معدل 5.5 % عن مجمل السنوات التسع المحددة للعقد.
إضافة إلى ذلك، تناول التدقيق الذي أجرته الهيئة مدى مطابقة الملفّين الإداري والتقني لدفتر الشروط. وقد تبيّن وفقاً للنظام التأسيسي لكلّ من الشركتين المتحالفتين أنه لا يقع ضمن نشاط أيّ منهما توفّر الخدمات الإلزامية التالية: الخدمات غير البريدية للهيئات الحكومية، بما في ذلك المعاملات الحكومية (تحصيل الضرائب، رسوم الترخيص…) ومعاملات الجهات الخارجية (المرافق العامة…). كما تبين أن الخدمات الإضافية التالية لا تتوافق مع نشاط أي من الشركتين:
الخدمات والمنتجات غير البريدية الجديدة للهيئات الحكومية.
خدمات التجارة الإلكترونية (تنمية الخدمات الإلكترونية والأسواق) .
خدمات ضمن القطاع المصرفي وقطاع التأمين.
الخدمات المالية البريدية (تحويل الأموال الإلكترونية).
وعليه يخلص التقرير إلى أنه نتيجة افتقار العارض إلى الخبرة الكافية هناك “استحالة قانونية لتقوم الشركتان بالإيفاء بمتطلّبات دفتر الشروط الخاصّ بالصفقة”.
في تفاصيل عملية التقييم، التي يُفترض أن تكون مبنية على معايير واضحة بشأن الخدمات البريدية وقدرة الخدمة البريدية، تبيّن على إثر التدقيق:
أنّ الشركة الفرنسية التي يفترض أن تكون العضو الرئيسي في التحالف، لا تقوم بإدارة مكاتب بريد بل تنقل الطرود لمصلحة شركات تجارية أو أفراد عن طريق موقع على الشركة على الإنترنت. وهذا ما تؤكده الشركة نفسها، إذ أشارت إلى أنها لا تملك مكاتب بريدية أو صناديق بريدية إلا أنها من خلال شبكة “PUDO” الخاصة بها يمكن للمرسل إليه تسلّم واستلام الطرود البريدية، علماً أن “بودو” ليست سوى نقاط إيداع أو جمع الطرود وليست في أي حال مكاتب بريدية. لذلك، يرى التقرير أنه لم يكن ممكناً إعطاء علامة وفقاً لوثائق المزايدة على المعيار المتعلق بعدد المكاتب البريدية التي تديرها الشركة للفرد الواحد والمعيار المتعلق بعدد الصناديق البريدية.
أنه لدى الشركة الفرنسية ترخيص في فرنسا لتشغيل الخدمات البريدية، إلا أنها لم تقدم ما يثبت خبرة عملية في هذا المجال.
أنه في ما يتعلق بالمعيار المتعلق بحجم البريد سنوياً للفرد الواحد، أوضحت الشركة في وثيقة التعريف أنها في طريقها للوصول إلى 60 مليون طرد تمّ تسليمها. وبالتالي، فإن الرقم المذكور يتعلق بالطرود وليس بالبريد كما نصت عليه وثائق المزايدة،. ولم يكن يقتضي بالتالي إعطاء العارض علامة على هذا المعيار، ما يجعلها غير مؤهلة لعدم حصولها على الحد الأدنى للتأهيل أي 50 من 100 (أعطتها اللجنة 92 نقطة).
أنّ الأرقام الواردة في الخطة التشغيلية المُقدّمة من العارض، في ما يتعلق بالكفاءة الفنية وصلاحية الخطة التشغيلية، هي أرقام افتراضية وضعت حتى من دون زيارة المواقع والنقاط البريدية ومعاينة برامج المعلوماتية، وهو ما كان يجب أن تشير إليه لجنة التلزيم، لتوضّح أيضاً أن الأرقام المُقدّمة هي أرقام افتراضية متحركة، وفقاً لما سيظهر من زيارة المواقع لاحقاً (كما هو وارد في الخطة) وبالتالي لا يمكن الركون إليها ويقتضي عدم وضع علامة عليها. فالخطة وفقاً لمنطق وثائق المناقصة تأتي بعد معاينة المواقع وليس قبلها. وبالتالي فإن تقييم لجنة التلزيم والعلامة التي أعطتها (89 من 100 نقطة) لا يقع هنا أيضا في موقعه الصحيح.
وبناءً عليه، يسأل المدير التنفيذي للمفكرة القانونيّة نزار صاغية عن كيفية أداء لجنة التلزيم دورها والمعايير التي استندتْ إليها لتصل إلى تقييم مناقض تماما لتقييم هيئة الشراء العام. كما يشير صاغيّة إلى أنّه من شأن أيّ تحقيق جدّي في هذا المضمار أن يقودنا لخلاصات بشأن، ليس فقط مسؤولية أعضاء التلزيم، ولكن أيضاً بشأن مسؤولية الجهة التي عينتهم وبخاصة إذا ثبت انتفاء الخبرة أو تضارب المصالح لدى أيّ من هؤلاء. وعليه، يدعو صاغية الهيئات الرقابية المعنية، ولاسيما ديوان المحاسبة، إلى تولّي التحقيق في هذا الخصوص مع أعضاء اللجنة.
إلى ذلك، كان تردد أن بنك سرادار، وهو المصرف نفسه الذي يملكن أسهم “ليبان بوست”، يملك أسهماً في الشركة مقدمة العرض الوحيد، علماً أن النبذة الشخصية لعدد من المدراء على موقع “لينكد إن” يظهر أنهم كانوا يعملون في سرادار أيضاً قبل الانتقال إلى شركة MERIT. فهل كان العرض المقدّم هو واجهة لاستمرار “ليبان بوست” في إدارة القطاع لكن هذه المرة من الباطن، أم أن الأمر محض صدفة؟
بالنتيجة، أوصت هيئة الشراء العام، بالاستناد إلى مجمل ما عرضته، بعدم السير بالتلزيم نظراً إلى المخالفات الجوهرية التي شابت العملية، وأدت إلى قبول عرض لا يراعي المقتضيات التي وضعتها الإدارة في دفتر الشروط. ويضع صيغة مالية تقوم على تقاسم رصيد الربح الأولي وفقاً لعناصر يحددها العارض من شأنها إلحاق الضرر بالمال العام وتقليص حصة الدولة.
كما أوصت بإعادة الإعلان عن التلزيم وصياغة ملاحق العقد ودفتر الشروط الخاص باستبدال عبارة “الربح الإجمالي” في عملية احتساب إيرادات الوزارة، أينما وردت، بعبارة “الإيرادات الإجمالية” وفقاً لما ورد في مشروع العقد ودفتر الشروط الخاص بالتلزيم.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.