واقع الحريات الفردية في تونس بنظر جمعية حقوقية مختصة

واقع الحريات الفردية في تونس بنظر جمعية حقوقية مختصة

تسعى الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية إلى توثيق وضع الحريات الفردية في تونسمن خلال تقارير دورية. وقد خصت المفكرة القانونية بملخص عن تقريرها التجريبيعن الفترة الأولى من سنة 2013 (المحرر).

الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية

من يراقب وضع الحريات الفردية في تونس في الأشهر الستة الأولى من 2013، سرعان ما يلحظ تردياً بشأنها، وذلك بالرغم من وجود بعض العناصر الإيجابية التي من شأنها أن تعطي بعض الآمال في ما يتعلق بمستقبل هذه الحريات. فإلى جانب الأسباب العميقة لانتهاك هذه الحريات (وأبرزها غياب مفهوم الفرد في الثقافة الاجتماعية السائدة والذي لا ينظر اليه إلا من خلال العائلة)، طرأت في الآونة الأخيرة أسباب ظرفية أبرزها وصول حركة إسلامية إلى الحكم بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 وتصاعد الخطاب الديني المنكر لخصوصية الفرد من ناحية، والمشكك في الاتفاقيات الدولية الحقوقية.

تعدد وسائل الانتهاكات
أبرز وسائل انتهاك الحريات الفردية هي الآتية:

تطويع الوسائل المشروعة لانتهاك الحريات الفردية:
أخطر هذه الوسائل هو تجريم كل ما يمس “بالنظام العام أو بالأخلاق الحميدة أو بالأمن العام والمقدسات”، حيث يفتح ذلك الباب واسعاً أمام تدخل الضابطة العدلية ومن بعدها كل الجهاز القضائي للإيقافات والاستنطاقات والجلب وإصدار الأحكام؛ وهو ما يمكن استعماله أيضاً كوسيلة ضغط على المبدعين والفنانين وأصحاب الرأي الحر.

وأكثر القضايا إثارة للجدل في هذا المضمار، قضية أمينة السبوعي وهي ناشطة تونسية في منظمة “فيمن”، وضعت في مارس 2013 صورة لها عارية الصدر على الفيسبوك، وذهبت في 19/5/2013 إلى مدينة القيروان للاحتجاج على اجتماع لأنصار الشريعة يقام هناك منعته وزارة الداخلية، وقامت بكتابة رمز منظمة “فيمن” على أحد الجدران للمقبرة المجاورة لجامع عقبة بن نافع. وتبعاً لذلك، تم إلقاء القبض عليها وإيقافها بعد استشارة النيابة العمومية وتغريمها 300 دينار، وهي تواجه تهماً تتعلق بالتجاهر بما ينافي الحياء وهتك حرمة المقابر وتكوين وفاق من أجل الاعتداء على الأشخاص.

ويمكن الإشارة الى قضية مغني الراب علاء اليعقوبي شهر بولد الـQuinzeالذي صدرت ضده بطاقة إيداع بالسجن على خلفية إصداره كليب “البوليسية كلاب” الذي استهجنته الجهات الأمنية، ما أدى الى مقاضاته، وأصدرت المحكمة الابتدائية ببن عروس في 21/3/2013، أحكاماً بسجنه عامين غيابياً مع النفاذ العاجل ضده وضد 4 آخرين، لا لشيء إلا لكون أسمائهم وردت في آخر الكليب على اعتبار أنهم أصدقاؤه. كما قضت بالسجن مدة 6 أشهر مع تأجيل التنفيذ ضد ممثلة في الكليب وضد المصوّر.

إصدار التصريحات والبيانات الرسمية أو الصادرة عن جهات مؤثرة:
هذه التصريحات والبيانات الرسمية تصدر بالأساس عن الهياكل الرسمية، وخاصةً “الوزراء والمسؤولين في الدولة” وليس لها أي مفعول قانوني بحيث إنها لا تؤثر مباشرة على الحقوق والواجبات، إلا أن خطورتها تتمثل في انتهاك الحريات عن طريق الوصم والمساهمة في التحريض ضد أصحاب الحريات. وفي مقدمة هذه التصريحات ما يصدر بصورة تكاد تكون دوريةً عن وزارة الشؤون الدينية في ما يتعلق بموقفها من الأقليات الدينية أو المذهبية أو من التصرفات أو السلوكيات اللادينية (كالإفطار في رمضان)، إلى جانب ما يصدر عن أشخاص أو مجموعاتٍ بإمكانها التأثير في قطاعات واسعة من المجتمع مثل الجمعيات الدينية كالجمعية الوسطية للتوعية والإصلاح، أساساً التي تحرّض ضد النساء والأقليات والمتمسكين بالحق في الاختلاف والمبدعين وأصحاب الرأي الحر.

الاختلالات الصادرة عن وسائل الإعلام:
تحتوي أغلب وسائل الإعلام،التقليدية منها أو الرقمية، على اختلالات واضحة بالحريات الفردية، حيث يبالغ الإعلام أحياناً في رسم ملامح “الجريمة” أو “الحادثة”، ويصف لنا وصفاً دقيقاً كل التفاصيل دون أن يدرك أن الحادثة فيها انتهاك لحرمة أو مس بكرامة أحد الأفراد. ومن أهم الانتهاكات في هذا الشأن، ما نجده على موقع “التونسية” بخصوص قضية الفتاة التي اتُّهمت بالفعل الفاضح بعد أن تم الاعتداء عليها بالاغتصاب: فإذ أكد الموقع جريمة الاغتصاب، فإنه أظهر من جهة أخرى الفتاة كمذنبة على أساس أنها “مارست الزنا في الطريق العام” و”ضبطت في وضعية مسترابة”.
كما نلاحظ هذه الانتهاكات أيضاً بمجرد النظر الى عناوين المقالات: فقد يسقط الصحافي في الثلب والتشهير من خلال عناوين تحوي أحكاماً مسبقة أو آراءً تمس بالأفراد في حياتهم الشخصية أو في كرامتهم، إذ نجد على موقع “الفجر نيوز” عدة عناوين من هذا القبيل، حيث يقول عند تغطية الموقع لأحداث العبدلية “العبدلية: معرض الفواشل”. وفي مقال آخر، نجد عنواناً أكثر حدة “رفاق إبليس في تونس”، “رسوم الخزي والعار تسللت إلينا داخل الديار”.

يضاف الى ذلك مجمل الانتهاكات الفردية وأساليب العنف اليومي المصلت على الحريات الفردية والتي تتمثل أساساً في العنف اللفظي المسلط على حرية الاختيار في اللباس والمظهر والسلوك، وتعاني من هذه الانتهاكات النساء والأقليات والمراهقون وكل الأشخاص المختلفين عن المجموعة السائدة.

مظاهر الانتهاكات:
مست الانتهاكات والاختلالات التي تم رصدها مجموعة كبيرة من الحريات الفردية. فإلى جانب تواصل إصدار الاعتداء على الحق بالحياة من خلال الأحكام بالإعدام (سُجل حكمان في الفترة المذكورة)، تم تسجيل الاعتداءات الآتية:

– الاعتداء على الحق في حرية الضمير والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية عن طريق كل التصريحات الرسمية وغير الرسمية ضد الأقليات الدينية، والاعتداء على أماكن العبادة بالاعتداء على الزوايا بهدمها أو حرقها أو غلقها أو تغيير استعمالها. وقد تجاوز عدد الأضرحة المعتدى عليها تخريباً أو حرقاً 52 ضريحاً منذ 14 جانفي، وفي مقدمها مقام الولي الصالح سيدي المحارب الكائن بالمنستير، وقبة زاوية سيدي يعقوب بمنطقة مطماطة، وضريح الولي الصالح سيدي عسيلة في بادرو، ومقام الولي عمر السماتي الموجود بمقبرة في ضواحي مدينة سبيبة، ومقام السيدة المنوبية بتونس، ومقام سيدي بوسعيد الباجي.

– الاعتداءات المتكررة على حرية الإبداع، وذلك بالاعتداءات الجسدية على المبدعين ومنعهم من تقديم أعمالهم ورفع الدعاوى القضائية ضدهم، ومحاكمتهم، وصدور أحكام بالسجن ضد عدد منهم. وهذه هي الحال في قضية جمعية “فني رغماً عني” حيث أحيلت مجموعة من الفنانين “مجموعة فني رغماً عني” أمام قضاء التحقيق بالكاف في 6/7/2013 من أجل تهمة التجاهر بما ينافي الحياء، وذلك لارتدائهم زياً اعتبره البعض من الأطراف المنتمية للتيار السلفي منافياً للحياء وفيه استفزاز لهم.

– الاعتداء على الحياة الخاصة، وذلك بوسائل عدة، منها الدخول إلى المحال بقصد التفتيش عن اختلالات (جنح أو جرائم أخلاقية) والتشهير بالأشخاص بنشر صورهم وأسمائهم ومعلومات عن حياتهم المهنية والعائلية.ونشير في هذا الإطار الى قضية محام مشتبه فيه بممارسة اللواط مع شاب قاصر، حيث تم القبض عليه داخل غرفة بنزل في ضاحية العاصمة، وغطّى العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية قضيته، مع نشر صورته وإيراد اسمه ولقبه ومهنته ولمحة عن حياته الشخصية والسياسية.

إلا أن الانتهاكات المسلطة على الحق في الاختيار الحر والاعتداء على الحياة الخاصة تبلغ درجاتها القصوى في المناطق غير الحضرية وفي الأحياء داخل المدن؛ وهو ما يلاحظ أيضاً في الاعتداء على حريات النساء والأقليات.

إيجابيات في مجال الحريات الخاصة
أبرز الإيجابيات في هذا المجال الحراك العام في الدفاع عن حقوق الإنسان عامة والحريات الفردية خاصة، والذي يتمثل بالدرجة الأولى في أنشطة هيئات مدنية عدة. كما شهدت تونس ولادة ائتلافات وطنية للدفاع عن حقوق معنية كالائتلاف الوطني لمناهضة العنف والائتلاف الوطني لحرية التعبير. وقد أدى هذا النشاط والتعاضد إلى تحسين مجموعة الحقوق والحريات في مسودات مشروع الدستور، سواء التي صدرت في 6/8/2012 أو 14/12/2012 أو في الفترة التي يشملها هذا التقرير في 22/4/2013. وقد تم إيداع المشروع لنقاش الجلسة العامة في 1/6/2013. وقد أدى إلى تشكيل “لجنة التوافقات” من أعضاء المجلس التأسيسي لتقريب وجهات نظر النواب حول المسائل الخلافية، ومن بينها باب الحقوق والحريات. فقدنص المشروع في التوطئة على أن الدولة تضمن “احترام الحريات وحقوق الإنسان”، كما خص (الفصل 20) الحريات الفردية بضمانة خاصة. إلا أن هذه الضمانات تبقى منقوصة في ضوء بقية مبادئ الدستور من ناحية، ومن ناحية أخرى في ضوء الضوابط التي وضعها الدستور لممارسة الحريات الفردية.

أما على صعيد القضاء، فأبرز الإيجابيات تمثل في الحكم الاستئنافي الاستعجالي الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس، والذي أقر بأن “دستور 1 جوان 1959 (الذي تم تعليق العمل به في أعقاب سقوط نظام بن علي) يبقى نافذاً في أحكامه الضامنة للحقوق والحريات الأساسية لكونها غير قابلة للإلغاء بطبيعتها”. والواقع أن إقرار المحكمة بأن أحكام الدستور الضامنة للحقوق والحريات الأساسية غير قابلة بطبيعتها للإلغاء هو إعلاء من شأن هذه الحقوق والحريات وجعلها حقوقاً طبيعيّة وأحكاماً فوق دستورية لا تتأثر بعدم وجود دستور أو بعدم التنصيص عليها صلب الدساتير.
  نُشر في العدد الثاني عشر من مجلة المفكرة القانونية

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني