هل تزول الحماية الأمنية لسارقي منشآت النفط؟


2022-11-26    |   

هل تزول الحماية الأمنية لسارقي منشآت النفط؟

منشآت النفط في طرابلس لا تزال مقفلة، بقرار من وزير الطاقة وليد فياض، “بعد انعدام السبل، أمنياً وقضائياً، لإنهاء ظاهرة التعدّي على المنشآت وسرقتها”. 

تلك الخطوة فتحتْ الأعين على واقع تعيشه المنشآت منذ سنوات. لكنه لم يتحوّل إلى ظاهرة فعلية قبل بداية العام الحالي، حين تكثّفت سرقات الفيول والمازوت والحديد من دون أن تنفع كلّ المناشدات والشكاوى في الحدّ منها. قبل الإقفال، كانت أحصت المنشآت سرقة ما مقداره 720 ألف ليتر من الفيول في مختلف أنواعه، على ما تؤكد رئيستها أورور فغالي. 

من أثار المسألة إعلامياً كان الوزير السابق وئام وهّاب، الذي أشار عبر حسابه على تويتر إلى علمه أنّ “هناك مليون ليتر مازوت مفقودة من منشآت ​طرابلس، بالإضافة إلى كمية كبيرة من الحديد، أفيدونا أفادكم الله من السارق ولماذا تستعجلون إقفال المنشآت؟ هل للتغطية؟”

حينها، وجّه وهّاب أصابع الاتّهام إلى موظّفين متورّطين مع السّارقين. وبالفعل، تمّ استدعاء مدير منشآت طرابلس هادي حسامي إلى التحقيق كون السرقات تقع في حرم المنشآت المسؤول عنها، ثم تمّ توقيفه، كما أوقف معه رئيس دائرة الحرس راشد أبو مراد وشقيقه العامل في دائرة التخزين. 

سرقة لا مفرّ منها؟ 

بحسب عاملين في المنشآت، فإنّ مسألة السّرقات ليست جديدة. كلّ فترة كان يتم اكتشاف نقص في المخزون. لكن بعد الأزمة المالية، وخاصة بعد رفع الدعم عن المحروقات، تحوّلت السرقة إلى عمل أكثر تنظيماً. وهو ما تدلّ عليه الكميات الكبيرة المفقودة والتي تصل كلفتها إلى نحو مليون دولار. 

المشكلة التي واجهتْ المنشآت في طرابلس تتمثل بالمساحة الضخمة لحرمها، إذ تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 3 مليون متر مربع (في نطاق بلديتيْ البداوي ودير عمار)، تُشكّل منها منطقة الخزّانات مساحة مليون و200 ألف متر مربع (قدرة تخزينية تصل إلى 50 مليون ليتر). 

للمناسبة، تنقسم المنشآت إلى قسميْن: قسم الجبل وقسم الساحل، بحيث تُفرّغ البواخر في خزّانات الجبل على أن تُنقل لاحقاً إلى خزانات الساحل بقوة الجاذبيّة (صمّمت المنشآت في العام 1935)، ليتمّ من بعدها تعبئة الصهاريج. وبحسب المتعارف عليه، فإنّ المجمّعات التخزينيّة تكون أنابيبها ظاهرة احتياطاً في حال حصل أي تسرّب أو تقرّر تفريع الخطّ بهدف توسيع القدرة التخزينية (تتّسع الخزانات ل50 مليون ليتر). 

وبالرغم من المساحة الشاسعة للمنشآت، فإنّ عدد الحرّاس لم يتجاوز 8 حراس فقط، يتناوبون خلال ال24 ساعة على تأمين حمايتها. وهذا يؤدي تلقائياً إلى استحالة  مراقبة كل حرم المنشآت، أولاً لأن السرقات يمكن أن تتمّ في مساحات شاسعة لا يمكن تغطيتها بحارس واحد، وثانياً لأن حارساً واحدا أو اثنين لن يكونا قادرين على مواجهة عصابات السرقة خوفاً على حياتهم، من دون أن يعني ذلك عدم وجود احتمال لتواطؤ بعض الموظفين مع السارقين. 

ولذلك، كانت المنشآت أمام خيارين: إما توظيف عدد كبير من الحراس وهو ما لم يكن ممكناً بسبب القيود على التوظيف، وإما الاستعانة بالأجهزة الأمنية الرسمية. وبالفعل، تمّ التواصل مع الجيش والقوى الأمنية لتأمين الحماية للمنشآت، خاصّة أن هذه الأجهزة تملك مخزوناً في المنشآت، ومن مصلحتها حمايته. لكنها مع ذلك، رفضتْ تلبية الطلب بحجّة عدم توفّر العديد الكافي من العناصر. 

اللافت في هذا السياق أن أغلب السرقات تمت بالقرب من مخفر الدرك الموجود في حرم المنشآت (منطقة الخزانات – الجبل)، علماً أن الجيش أيضاً يملك نقطة في حرمها وكذلك مخابرات الجيش (منطقة المصفاة والمصب – الساحل). إذ يعمد السارقون إلى إحداث ثقوب في الأنابيب ومن ثم تثبيت صنابير عليها، وقد لاحظ المعنيون أن السارقين طوروا أساليب السرقة، بما يسمح لهم بالحصول على كميات أكبر من السابق، علماً أن هذه السرقات تتم في منطقة الجبل، أثناء نقل المخزون إلى الساحل. وبالتالي فإن إقفال المنشآت يساهم تلقائياً في وقف السرقات، كون الأنابيب تصبح فارغة، وإن كان ذلك لا يلغي احتمال الاستمرار بسرقة الحديد، مثل أغطية الخزانات والأنابيب. 

أمام هذا الواقع تبيّن أن المنشآت سبق أن قدمت عدداً من الشكاوى والكتب بشأن السرقات التي تحصل في منشآت طرابلس من دون أن تحرّك النيابات العامة أو الأجهزة الأمنية ساكناً. ورداً على الحملة التي استهدفت المنشآت متّهمة إياها بالتقصير، راسلت المديرية العامة للنفط، في 15 تشرين الثاني الحالي، النيابة العامة المالية، مقدّمة جردة بالإجراءات والشكاوى المقدمة بموضوع التعديات، وهي كالتالي: 

  • 16 محضراً فورياً بإشارة من النيابة العامة الاستئنافية في الشمال، أولها قدم بتاريخ 19/1/2022، وآخرها في 15/9/2022، وتتعلق جميعها بجرميْ السرقة والتعدّي. 
  • 5 شكاوى مقدمة من المديرية العامة للنفط أمام كل من النيابة العامة المالية والاستئنافية.
  • كتابان من المديرية العامة للنفط، إلى كل من قيادة الجيش (2/2/2022) والمجلس الأعلى للدفاع (21/1/2022)
  • 6 كتب من وزارة الطاقة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدفاع ووزارة الدفاع، يطلب فيها حماية أمنية لحماية خطوط منشآت النفط.

وقد لفتتْ المديرية إلى أن مجلس الوزراء كان شكّل لجنة وزارية لمعالجة التعديات.  وعقدتْ اللجنة عدداً من الاجتماعات بحضور ممثلي الأجهزه الأمنية لبحث ودراسة التقارير التي كانت تنظمها المديرية، إلا أن الوضع بقي على حاله لا بل ساء بدليل العدد الكبير من الشكاوى المقدمة والتي لا تزال قيد المتابعة والتحري من الأجهزة الأمنية والقضائية ذات الصلاحية المكانية التي تمكنت من إلقاء القبض على العديد من السارقين المحوّلين أصولاً إلى القضاء. وقد حال الاعتكاف القضائي عن متابعة الدعاوى توصّلاً لإصدار أحكام بحق الموقوفين. 

وبرّرت المديرية توجهها بالكتاب بإحاطة النيابة العامة المالية علماً بطبيعة وحجم التحرك الإداري والقضائي والفوري الذي باشرت به وزارة الطاقة في إثر كل تعدٍ أو سرقة أو تخريب بهدف منع التعديات والسرقات التي تعرّضت وتتعرّض لها المنشآت بسبب الوضع الاقتصادي والفوضى فضلاً عن المراجعات العديدة ذات الطابع الأمني مع كل الأجهزة والوزارات والقضاء للحفاظ على المال العام.

السرقة كباب لتعويم حليس؟ 

بعد تغريدته، كان لافتاً إعطاء وهاب القضية بعداً سياسياً، متعمداً السعي إلى تبرئة سركيس حليس، الرئيس السابق للمنشآت، من أيّ مخالفات حصلت في عهده. وهذا ما برز بشكل خاص في كلام وهاب في سياق حديثه عن السرقة، حيث أشار حرفيا إلى أن “الفوضى بدأت في المنشآت بعدما أزيح عنها (حليس) من خلال تركيب ملف سياسي له”. وفيما ربط تصريح وهّاب بزيارة سبق أن قام بها لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، المحسوب عليه حليس سياسياً، فقد تساءلتْ مصادر عديدة عن احتمال وجود قرار بتعويم حليس مجدداً. علماً أن الأخير كان في منصبه أيام فضيحة المازوت المدعوم، كما سبق أن أدعي عليه بقضية سوناطراك بتهمة الرشوة، ثم توارى عن الأنظار بتغطية من سليمان فرنجية وفق المؤتمر الصحافي الذي عقده في بنشعي بتاريخ 11/5/2020. وبعدما وصف فرنجية حليس بأنه “صديق الطفولة”، اعتبر ملاحقته إلى جانب تيدي رحمة (المدعى عليه في الملف نفسه) ”كيديّة” مؤكّدا “أنّ المشتبه بهما المذكورَيْن سيمثلان فعلياً أمام القضاء في مراحل القضيّة اللاحقة، وتحديداً بعد انتهاء مرحلة التحقيقات الابتدائية أمام القاضيين عون ونقولا منصور (قاضي التحقيق) المقرّبَيْن من التيّار الوطني الحرّ”. وقد صدرت بحق حليس مذكرات توقيف غيابية لم ينفذ أي منها. وأُحيل فيما بعد في قضية الفيول المغشوش أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان إلى جانب موردي الفيول وعدد من الموظفين، منهم أورور فغالي أيضا. 

في تلك الفترة، فُصل حليس من عمله بسبب مرور المدة القانونية لانقطاع الموظفين عن الوظيفة من دون عذر. بعد ذلك، تمت العودة إلى الأصول القانونية التي تحكم إدارة المنشآت، حيث ينص القانون على أن يكون رئيسها هو نفسه المدير العام للنفط في وزارة الطاقة، فترأست أورور فغالي (المدعى عليها والتي تم توقيف لأيام عدة في القضية نفسها) المنشآت بالتوازي مع إدارتها لمديرية النفط ولا تزال. 

إلى الآن، لا يزال الملف في عهدة محكمة جنايات جبل لبنان، فيما لم يتغير شيء على الأرض. فلا القوى الأمنية أمنت حماية إضافية للمنشآت ولا الأخيرة فتحت أبوابها. وإذ وعد الرئيس نجيب ميقاتي بإعادة فتح المنشآت بعد إفراغ أول باخرة مازوت مع إقامة نقطة أمنية ثابتة لحمايتها من الاعتداءات، لكن بحسب المعلومات فإن لا بواخر ستستقبلها المنشآت قريباً، بسبب تشبّع السوق. ما يعني أن المنشآت في طرابلس ستبقى مغلقة إلى أجل غير مسمى.

انشر المقال

متوفر من خلال:

أجهزة أمنية ، محاكم جزائية ، أملاك عامة ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني