نور سليمان x “درج”: السياسة تقتل النقاش مجددًا   


2024-03-05    |   

نور سليمان x “درج”: السياسة تقتل النقاش مجددًا   
سكرتيرة تحرير "درج" ديانا مقلّد والصحافية نور سليمان

قبل أسبوع تقريبًا، استقالت الصحافيّة نور سليمان من منصة “درج” بعدما وجّهت لها الإدارة تنبيهًا على خلفيّة فيديو نشرته على صفحتها على إنستغرام تتناول فيه تغطية بعض الإعلام للحرب في الجنوب وتماهيه مع السردية الإسرائيلية. وفي حين اعتبرت نور أنّ التنبيه أتى في إطار “تقويض حقّها  في التعبير عن رأيها بحرية” و”دفعها لممارسة رقابة ذاتية على آرائها قبل نشرها على صفحتها” اعتبرت إدارة “درج” أنّ التنبيه يرتبط بـ “تحريف موقف المؤسّسة وتصويرها كأنّها تُعاقب الجنوبيين على خياراتهم السياسيّة” إذ اعتبرت المؤسسة أنّ الفيديو يردّ على مقال نُشر على المنصّة في اليوم ذاته وتمّ تحريف مضمونه، لتضع التنبيه في إطار “خرق الأمانة المهنيّة وخرق الثقة” وليس أبدًا بحقّ نور في التعبير عن رأيها.

وبما أنّ نور لم تذكر المقال المشار إليه ولا كاتبه ولا منصة “درج” في الفيديو، لتُتّهم بـعدم “الأمانة المهنيّة”؛ وبما أنّ لـ “درج” الحقّ ربما بعدم الإفصاح عمّا أسمته “سياقًا” يؤكّد أنّ نور ردّت على المقال وحرّفته الأمر الذي فرض برأي إدارة “درج” تنبيهًا ليس لديه مفاعيل قانونيّة؛ كان من المفترض أن تستدعي هذه الحادثة نقاشًا جادًّا حول أسئلة لطالما شكّلت مادة إشكاليّة بدت أكثر حدّة بعد السابع من أكتوبر. نقاش حول الخطّ الفاصل بين السياسة التحريريّة لأيّ مؤسّسة إعلاميّة وحرّية الصحافي وخياراته السياسية، نقاش عن الأطر الناظمة لهذا الخطّ الفاصل والنّاظمة للتغطيّة الإعلاميّة نفسها، التي يُساهم غيابها أو عدم وضوحها على الأقلّ في “التضييق على صحافيين وتهميش آخرين ورفع نسبة الرقابة الذاتيّة” حسب روي الجريجيري، الباحث والدكتور المحاضر في كلية الصحافة بالجامعة اللبنانية، أو إلى استجلاب، وعند أي موقف كالذي حصل بين نور و”درج”، “تضامنٍ خاضعٍ لمعايير الاستقطاب السياسي” حسب ربيع بركات الصحافي والأستاذ في كلية الإعلام في الجامعة الأميركية في بيروت. فيتحوّل النقاش من نقاش الحريّات والعمل الصحافي إلى نقاش موقف الطرفين السياسي ليتوسّع إلى نقاش أيضًا في الخط السياسي للجهات الفاعلة في موضوع حماية الحريّات ورصد الانتهاكات. نقاش يستتبع بطبيعته في لبنان لغة التخوين والتحريض والشيطنة أي الأدوات نفسها التي تُستخدم من قبل السلطة لقتل وحرف أيّ نقاش جادّ في قضايا محوريّة منها ما يتعلّق بالفساد أو استقلاليّة القضاء أو حقوق الفئات المهمّشة. ولعلّ أبرز مثال هو قضيّة التحقيق بانفجار المرفأ. 

وأبعد من ذلك، ربما تفتح هذه الحادثة وما تلاها من ردود فعل أيضا النقاش حول “أيقنة” المؤسّسات الإعلامية والتغاضي عن فكرة أنّ “كل شيء قابل للنقد والتفكيك ويحمل إمكانيّة الخطأ فضلا عن وجود بعض المصالح السياسية، هذا على صعيد مؤسّسات إعلاميّة عالميّة لديها معايير تحاول قدر الإمكان ولو بالحدّ الأدنى الحفاظ عليها خوفا على سمعتها فكيف بلبنان” حسب بركات. 

“تقويض لحريّة التعبير” أو “تحريف موقف سياسي” 

وفي تفاصيل القصّة، تروي نور أنّها نشرت يوم الخميس الماضي مقطع فيديو على صفحتها على إنستغرام تتحدّث فيه عن التغطية الإعلامية للحرب جنوبًا والخطاب السائد في البلد الذي يعتبر كلّ من يدافع عن الجنوب وكلّ من يسأل عن غياب التغطية الإعلامية جنوبًا، “ممانعًا”. وتوضح  في اتصال مع “المفكرة القانونيّة” أنّه في حين أنّها تحدّثت من منطلق شخصي وردًا على عدد من التعليقات وصلتها وأسئلة حول موقفها السياسي، فوجئت بتوجيه إدارة “درج” تنبيهًا لها مع سوق جملة من الاتهامات منها “تحريف موقف المؤسسة السياسي” باعتبار أنّ الفيديو تزامن مع مقالٍ نُشر في “درج” يحمل رأيًا مغايرًا عمّا تناولته في الفيديو.

وكان التنبيه الذي اطّلعت عليه “المفكرة” ذكر أنّ نور نشرت فيديو يتناول في جانب منه مادة رأي وردت في “درج” نُشرت في اليوم نفسه تتعلّق بمراجعة المواقف من “حماس” و”حزب الله”، وأنّه صحيح أنّها لم تذكر في مقطع الفيديو المقال أو “درج” ولكن استخدام بعض العبارات، برأي الإدارة،  كان واضحًا لجهة الردّ على ما ورد في المقال. وأشار التنبيه إلى أنّ الأمر ليس للنقاش في “موقف نور السياسي الذي هو حقها” وأنّه يتعلق بـ “الأمانة المهنية والثقة” وإغفال أنّ مقاربة “درج” “تضمنت إدانة واضحة للجريمة الإسرائيلية وحرصًا على حياة المدنيين وليس من زاوية معاقبة الجنوبيين على خياراتهم”. 

وكانت نور انتقدت في مقطع الفيديو الذي نشرتْه عدم قيام بعض الإعلام في لبنان، والذي يملك موارد كافية، ونتيجة توجهات سياسيّة، بدوره في ظلّ الإبادة التي ترتكبها إسرائيل، معتبرة أنّه على هذا الإعلام أن يقوم بمراجعة خصوصًا إذا كان لا يقوم بدوره جنوبًا لأنّه يُعاقب الناس على خياراتهم السياسية وسط الإبادة. وتحدّثت نور في الفيديو عن إعلام لا يكتفي فقط بعدم القيام بدوره بل ينقل الرواية الإسرائيلية. وقالت: “من يُطالبني الآن وسط الإبادة بمراجعة سياسية، كيف يمكن أن أتعامل معه؟ ماذا أُجيبه؟ أُجيبه بأنّه أنا وآخرين لن ننسى أن هناك من طالبني بمراجعة سياسية وقت قلت أنّ أهلي تحت خطر الموت بأيّ لحظة لأنهم في منزلهم وبأرضهم، وقال لي أنّ خطابي ممانع، انتبهي على نفسك”، مضيفة: “أنا لا أجتمع سياسيًا مع أي أحد ليس لديه مشكل أن يموت أهلي، وأن يدفعوا ثمن وجودهم بهذه البقعة … لا أمان ولا حرية  في ظل الاحتلال”. 

تستغرب نور أن يتمّ تنبيهها من قبل المؤسسة التي تعمل فيها بسبب هذا المقطع قبل أن يتمّ التحقيق معها أو استدعاؤها، وتُشير إلى أنّها لم تكن تقصد “درج” وأنّها “لم تقرأ المقال الذي اعتُبرِت تردّ عليه” وأنّها لم تذكر المقال ولا كاتبه وحتى لا اسم المؤسسة التي تعمل فيها على صفحتها الخاصة لأنّها مساحتها الشخصية، غير أنّ لا سياسة داخليّة تمنعها من التعبير عن آرائها على صفحاتها الشخصية. وتُشير إلى أنّ استقالتها جاءتْ من منطلق قناعتها بأنّ لهجة الإنذار “كانت عالية” وأتتْ في إطار “تقويض حقّها في حريّة التعبير وأنّ هدفه أن تفكّر وتخضع لرقابة ذاتيّة قبل أن تكتب أي محتوى على صفحتها الشخصيّة مضيفة: “هذا ينسف كل المعركة التي نقودها كصحافيين لنكون أحرارًا. أنا باستقالتي أعلن أنني ضدّ لغة التحذيرات والتنبيهات. أنا أرفض أن أوصف بـقلّة المهنيّة، أو بتحريف موقف، كيف يمكن أن أُحرّف موقفا لم أنقله  ولم أذكره”.

حقّ نور في التعبير تُشدّد عليه الصحافية ديانا مقلّد، شريكة مؤسّسة وسكرتيرة تحرير “درج” معتبرة أنّه من حقّ نور، كما أيّ صحافي أو إنسان، التعبير عن رأيها ولو كان يختلف مع موقف “درج” وعلى حقّها في انتقاد أيّ محتوى حتى لو كان نُشر في “درج”. وتوضح مقلّد في حديث مع “المفكّرة” أنّ نور تنشر منذ السابع من أكتوبر على صفحتها على إنستغرام، ولم يوجّه لها أيّ تنبيه أو كلام لأنّ حريّة التعبير مصانة، ولكنّ ما حصل مؤخرًا في مقطع الفيديو الذي نشرته أنّها “ردّت على مقال واتّهمت درج كأنّها تُعاقب الجنوبيين على خياراتهم”. وتقول مقلّد لـ “المفكرة””: “من حقّ نور أن تُبدي رأيها، من حقّها أن تنتقد، ونحن قلنا في نصّ التنبيه كما نُكرّر في الاجتماعات، أنّها لو طلبت نشر مادة رأي أو فيديو لعرض وجهة نظرها كان سيكون الجواب إيجابيًا طالما كان ملتزمًا بالمعايير المهنية. وسبق لدرج أن نشرت مقالات من غزة ومن لبنان ومن كتّاب آخرين تتقاطع مع نقاط وردت في الفيديو الذي نشرته نور”. وتؤكّد مقلّد أنّ الموضوع ليس له علاقة بموقف نور السياسي أو بتعبيرها عن هذا الموقف بل بمحاولتها “تحريف موقف درج السياسي بشكل غير أمين وغير مهني”، الأمر الذي يؤثّر سلبًا ليس فقط على إدارة التحرير بل على الزميلات والزملاء”، لافتة إلى أنّ “ما تمّ توجيهه لنور هو تنبيه فقط وليس إنذارا له بعد قانوني”.  وفيما تصف مقلّد نور بالصحافية الجيّدة والذكيّة، تُشير إلى أنّ المؤسّسة لم تقبل استقالتها فورًا كما أُشيع بل على العكس دعتْها وجلستْ معها وأخبرتْها أنّها تعرف رأيها السياسي وليس هو المشكلة، الأمر الذي لا تنكره نور إلّا أنها تُشير إلى أنها لم تشعر بأنّ المؤسسة متمسّكة بها، خصوصًا أنّ استخدام خطاب التنبيه بحسبها، تعارضه “درج” وتدافع عمّن يتعرّض له، “وهو بالنسبة إليّ دفع واضح نحو الاستقالة”، على حد تعبيرها.

وفيما تُذكّر مقلّد بأنّ السابع من أكتوبر وما بعده فرض انفعالات ومعارك في معظم غرف الأخبار وأنّ منصّة “درج” بطبيعة الحال لم تكن استثناء، تشير إلى أنّ “درج” وضعت سياسة تحريريّة وأعلنت انحيازها التامّ ضدّ الإبادة ولم تغفلْ حقّ الشعوب في المقاومة ولكن من دون الذهاب إلى خطاب “الممانعة”، وأنّ هناك من عارض هذه السياسة. ولكنّ “درج” ستبقى مساحة حرة ومتنوّعة على أكثر من صعيد ومنه السياسي، على حد قولها.  

اصطفافات سياسيّة وغياب للخطاب البديل

كما أسلفنا كان من المفترض أن تفتح هذه الحادثة نقاشات حول حريّة تعبير الصحافيين على صفحاتهم الشخصيّة أو عن الخط الفاصل بينها وبين السياسات التحريريّة للمؤسّسة ولاسيّما أنّ هذا النقاش فرض نفسه بقوّة في غرف الأخبار في معظم مؤسّسات الإعلام عربيًا وعالميًا بعد العدوان على غزّة، إلّا أنّ النقاش تحوّل إلى حديث عن الخط السياسي للفريقين وإلى تضامن على أساس هذا الخط. 

بدأ التحوّل في النقاش بعدما نشرت صحيفة “الأخبار” مقالًا تحت عنوان ” استقالة صحافية من “درج”: إعلام يعاقب (أهل) المقاومة” رأت فيه أنّ ما حدث مع نور عرّى “موقع “درج” الذي يتبجّح بشعارات حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان، فيما يمارس سياسة القمع إزاء أيّ موقف نقدي ويصوّب ضمن أجندته السياسية على حركات المقاومة ضد إسرائيل، نازعًا السياق التحرّري من بعده السياسي المقاوِم”. وهو ما استدعى ردًا من مقلّد التي تحدّثت عن تعرّضها وموقع “درج” إلى “حملة افتراء سياسية واضحة تقودها مواقع وشخصيات محسوبة على “حزب الله” وتيار “الممانعة”، موضحة أنّ منصة “درج” لم تطرد ولم توجّه إنذارًا لأي زميل أو زميلة بشأن موقف سياسي، وأنّها جاهزة “للتوضيح لأي شخص مهتمّ بمعرفة الحقائق كما هي وليس من خلال مزايدات عبر السوشيال ميديا”.

وذكّرت مقلّد في منشور على منصة “إكس” بانحياز “درج” الكامل للحق الفلسطيني في وجه الإبادة الإسرائيلية وفي وجه ازدواجية المعايير الدولية والانحياز لإسرائيل مع عدم الانجرار خلف شعبوية حركات “الممانعة” التي قرّرت الاستفادة من لحظة مصيرية لتقامر بمصائر الناس باسم القضية وتقوّض أي نقاش يطرح مساءلة حول الجبهات المفتوحة في الجنوب ومن يحرّكها وهل حقًا تفيد أهل غزة أو اللبنانيين”، مستعيدةً ما أسمتْه مآثر الجهات التي تقود الحملة “لجهة “تحسّس الرقاب” وتعاملها مع تظاهرات 17 تشرين وانفجار المرفأ واغتيال لقمان سليم. 

وعلى أثر مقال “الأخبار” ومواقف صدرت عن بعض الأشخاص المحسوبين على الخط السياسي نفسه، برزت مواقف مقابلة “متضامنة” مع “درج” ومقلّد في وجه ما وُصف بـ “الحملة” ضدّهما، مع تجاهل تامّ لما حصل مع نور سليمان على خلفية الفيديو الذي نشرته وما يمكن أن ينطوي عليه من مسّ بحرية الصحافي في التعبير.   

وفي مقابل هذا التسييس في المواقف، كان منتظرًا من الجمعيات أو المنظمات التي تُعنى بحماية الصحافيين أن تعيد تصويب النقاش إلى أساسه وتطرح خطابًا بديلًا لا يُقحم موضوع حريّة تعبير الصحافيين أو حتّى حقّ أيّ مؤسّسة إعلاميّة برسم خطّها وسياستها التحريريّة في استقطابات سياسيّة تصل إلى حدّ التخوين، إلّا أنّ ردود أفعالها هنا أيضا لم تكن على قدر هذه الانتظارات. 

فقد رأى المسؤول الإعلامي في “مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية” (سكايز) جاد شحرور أنّ عدم إصدار المؤسّسة أي تعليق يعود إلى أنّها لم ترصد انتهاكًا فليس هناك طرد تعسّفي وهذا ما قالته نور نفسها إذ تكلّمت في منشورها عن استقالة. ويقول شحرور في حديث مع “المفكرة” وعند سؤاله عن موقف “سكايز” من توجيه تنبيه لصحافي على خلفية منشور على صفحته الخاصة: “بالطبع لسنا مع هذا الأمر ولكن ما دفعنا إلى اعتبار أنّ الموضوع لا يتعلّق بانتهاك حريّة تعبير نور هو أنّ التنبيه كان واضحًا في نصّه بأنّه لا يتعلّق بموقف نور السياسي بل بتحريف موقف درج فضلًا عن دعوتها بشكل صريح للتعبير عن آرائها في مادة صحافية داخل “درج”. ويُشدّد شحرور على أنّ المؤسّسة تُدين أي انتهاك بحقّ أي صحافي أو ناشط بغض النظر عن أي انتماء سياسي فالمعيار هو انتهاك الحقّ في التعبير الأمر الذي لا ينطبق على حال نور. ويُضيف أنّ ما حصل نقاش بين طرفين لا يستطيع أحد حسمه ولكنّ الأخطر في الموضوع هو ما حصل بعده من توليد خطاب كراهية ضد “درج” وضع المنصّة وكأنّها ضد الجنوبيين في هذا الوقت تحديدًا.

منسّقة تجمّع نقابة الصحافة البديلة إلسي مفرّج، أوضحت بدورها أنّ التجمّع لم يقف متفرّجًا في قضيّة نور وقام بما يقوم به عادة عند أي إشكال يعرف بحصوله أو يتبلّغ فيه بين صاحب عمل وعامل من وضع إمكانياته القانونية بتصرف العامل ودرس معه إمكانيات المتابعة القانونية للملف مشيرة إلى أنّ التجمّع لا يقوم بنشر بيانات عن كلّ قضيّة يتدخل فيها وليس هذا المطلوب منه. وشدّدت مفرّج على ضرورة تأمين المؤسسات الإعلامية أوسع مساحة ممكنة من احترام حرية الرأي والتعبير وتطوير آليات داخلية تكفل ذلك وتؤمّن الحماية للعاملين داعية الجميع إلى نبذ لغة الاتهامات التي تصل في بعض الأحيان إلى التخوين المتبادل، بخاصة في ظل الظروف العصيبة التي نمرّ بها من حرب وتهجير وتهديد مستمر لحياة وسلامة زملائنا المستمرين في التغطية لنقل جرائم العدو الإسرائيلي.

غياب الأطر الناظمة

يرى الصحافي والأستاذ في كلية الإعلام في الجامعة الأميركية في بيروت ربيع بركات أنّه من الصعب أن  نتحدّث عن هذه الحادثة كأنها حادثة معزولة، فهي تتعلّق بغياب ميثاق للأخلاقيات الإعلامية code of ethics ولو نظريًا يُجمع عليه الإعلام في لبنان ويُحدّد عناوين عريضة متعلقة بالتغطية وأساليبها بالإضافة إلى غياب أو نقص الأطر القانونيّة العامة الناظمة لعلاقة الصحافي بالمؤسسة والتي تضع الخط الفاصل بين الخط التحريري وحرية الصحافي وخطه السياسي. وفي حين لا ينكر بركات أنّ هذه الأطر قد تشكّل قيودًا أيضًا إلّا أنّه يرى عدم تكريسها بشكل واضح ليكون الصحافي على دراية وإحاطة بالضوابط يُعطي مجالًا للاستنسابية. وفي ظلّ غياب هذه الأطر أيضًا يتحوّل النقاش، وحسب بركات، إلى توظيف سياسي ويصبح التضامن خاضعًا لمعايير الاستقطاب السياسي، وهذا ينطبق على مواضيع عدّة أخرى.

ويرى بركات أنّه لا يمكن فصل لبنان عمّا يحصل في العالم. فخلال الأشهر الثلاثة الماضية، تراكم عالميًا جدل كبير حول تعاطي المؤسسات الإعلامية مع مختلف القضايا والتمييز بين الموظفين حسب مواقفهم السياسية ولا بدّ من إكمال هذا النقاش.

من جهة أخرى تحدّث بركات عن ضرورة نقاش “أيقنة” المؤسّسات فكل شيء قابل للنقد والتفكيك ويحمل إمكانيّة الخطأ فضلًا عن وجود بعض المصالح السياسية، برأيه، وهذا في المؤسّسات الإعلاميّة الكبرى التي لديها معايير تُحاول قدر الإمكان الحفاظ عليها ولو بالحد الأدنى خوفًا على سمعتها، فكيف الأمر بلبنان على حد تعبيره. 

الأطر ذاتها أيضًا يتحدّث عنها وعن ضرورتها الباحث والدكتور المحاضر في كليّة الإعلام في الجامعة اللبنانيّة روي الجريجيري معتبرًا أنّ هذه الأطر الداخليّة قد تفرض قيودًا أو قد تُعطي الصحافي الحقّ بالتعبير عن خطّه السياسي داخل وخارج المؤسّسة وخارجها ولكنّ غياب هذه الأطر قد تعرّض صحافيين للتضييق أو التهميش أو حتّى لرفع الرقابة الذاتيّة، لأنّ لا أطر واضحة فيصبح تحديد الحد الفاصل بين حريّتهم والسياسة التحريريّة عمل يومي ربما. 

وفي حين يُشير الجريجيري إلى أنّه يجب ألّا تتوسّع السياسة التحريريّة إلى صفحات الصحافي الخاصة يُشير إلى أنّ الأمر يبقى نسبيًا في لبنان إذ تؤدي عوامل عدّة دورًا في ذلك منها مثلًا رغبة المؤسّسة بالوصول إلى جمهور أوسع فتسمح بهذا الهامش.

ويرى الجريجيري أنّ النقاش ربما يجب أن يركّز أيضًا على إمكانيّة وضع مثل هذه الأطر في ظلّ تحاصص الإعلام في لبنان والانقسام السياسي والوضع الاقتصادي، فكلّها عوامل تضيّق هامش واحتمال استنباط أفكار وطرق لإعادة هيكلة تكوين دور وسائل الإعلام ولاسيّما التقليديّة منها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، مؤسسات إعلامية ، حرية التعبير ، لبنان ، مقالات ، إعلام



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني