نقابة المحرّرين ستطعن في قرار القاضي مخيبر: القضاء ينتصر لحرّية التعبير والتجمّع


2021-12-21    |   

نقابة المحرّرين ستطعن في قرار القاضي مخيبر: القضاء ينتصر لحرّية التعبير والتجمّع

انتصر القضاء اللبناني مرّةً جديدةً، بالأمس، لصالح الحرّيّات العامّة وحرّيّة إبداء الرأي والتعبير، وسقطت ورقة التوت عن نقابة محرّري الصحافة اللبنانية بعدما حاولت “كمّ أفواه” “زملائهم” في “تجمّع نقابة الصحافة البديلة” عبر إقصائهم وتغريمهم، بدلاً من حمايتهم والدفاع عن حقوقهم.

وفي خطوة تُحسَب للقضاء، ردّ القاضي المنفرد في قضايا الأمور المستعجلة الياس مخيبر، أمس، طلب نقابة المحرّرين منع “التجمّع” من القيام بأيّ نشاط، عبر كافّة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة على كافّة الأراضي اللبنانية، وطالبت بغرامة إكراهية قدرها 100 مليون ليرة من أعضاء لجنة التنسيق الـ 12 عن كلّ مخالفة للقرار. واستند القاضي مخيبر في قراره إلى عدم استناد طلب نقابة المحرّرين إلى أساس قانوني سليم.  واعتبرت المفكّرة القانونية في تعليق لها أنّ قرار القاضي هو بالدرجة الأولى “درساً قضائياً لنقابة المحرّرين حول حرّيّة التعبير والتجمّع، وأنّ النقابة انوجدت أصلاً لتكون رأس حربة في الدفاع عن حقوق المحرّرين”، وأنّ القرار جاء “ليعيد التذكير أنّ لا القضاء كلّه قامع للحرّيّات ولا الصحافة كلها متمسّكة بالحرّيّة”.

وإذ أعلن محامي نقابة المحرّرين أنطون الحويّس نيّته الطعن في القرار ضمن المهل القانونية المتاحة، رحّب “التجمّع” بقرار القاضي مخيبر معتبراً، في بيان له، أنّ القرار هو انتصار للحرّيّات العامّة “في وجه ممارسات القمع الممنهجة من السلطة وأدواتها السياسية والأمنية والنقابية (…) كما أنّه انتصار بالمعركة المفتوحة لتحرير التمثيل الإعلامي من سيطرة السلطة (…) فيما نقابة المحرّرين تناست دورها وسعت للاعتداء على الحقّ بحرّيّة الرأي والتعبير”.

وكان طلب النقابة قد جاء بعدما تقدّم “التجمّع”، عبر مرشحّته لانتخابات نقابة المحرّرين إليسار قبيسي، بدعوى طعن في نتائج الانتخابات بعد توثيقها 10 مخالفات، جرت قبل وخلال العمليّة الانتخابية. مخالفات وصلت حدّ تهديد قبيسي بملاحقتها نقابياً ومسلكياً وجزائياً في حال خوض أيّ “مغامرة قضائية”، وهو ما وصفته الجمعيّة اللبنانية لديمقراطيّة الانتخابات “لادي” في تقريرها عن سير العمليّة الانتخابية التي راقبتها بـ “الترهيب”.

دعاوى متبادَلة والمعركة مفتوحة

 لم تنته معركة انتخابات نقابة المحرّرين، التي جرت في 1 كانون الأوّل 2021، مع انتهاء  فرز الأصوات وصدور النتائج، إنّما بدت كأنّها بدأت انطلاقاً من التاريخ نفسه، إذ تقدّم “تجمّع نقابة الصحافة البديلة” عبر وكيله ومستشاره القانوني المحامي فاروق المغربي بدعوى قضائية لإبطال نتائج الانتخابات النقابية، وإلزام مجلس النقابة الحالي تعديل الموادّ الرقم 10، 11، 18، 19، 20، 27، 29، و32 من النظام الداخلي للنقابة، ضمن مهلة شهر من تبلُّغه القرار، وتكليف خبير للكشف على جدول الانتساب وإجراء تحقيق للتأكّد من قانونيّة انتساب الأعضاء على أن يرفع تقريره إلى المحكمة، بحيث يُصار إلى إلزام النقابة شطب كلّ مَن يتبيَّن أنّه منتسب خلافاً للقانون.

واستندت الدعوى المقدّمة أمام المحكمة الابتدائية في بعبدا إلى تقرير الجمعيّة اللبنانية لديمقراطية الانتخابات، لادي، التي راقبت العمليّة الانتخابية بناء على طلب الزميلة قبيسي وأربعة وعشرين مرشّحاً آخرين، بالإضافة إلى الخروقات والمخالفات التي رصدها التجمّع، والتي تمحورت حول نقاطٍ ثلاث: مخالفات سُجِّلت خلال العمليّة الانتخابية وقبلها وتؤثّر في نزاهة العمليّة وشفافيّتها، الخلل في النظام الداخلي الذي يتعارض ومبادئ الانتخابات العادلة والنزيهة، بالإضافة إلى الخروقات القانونية في جدول المنتسبين إلى نقابة المحرّرين.

وارتكزت دعوى تجمّع الصحافة البديلة، التي قدّمها عبر الزميلة قبيسي، على أمور عدّة من بينها “عدم مراعاة مبادئ الشفافيّة والنزاهة، نظراً إلى تكليف نقيب المحرّرين وبعض أعضاء المجلس المرشّحين، بمهمّة الإشراف بأنفسهم على العمليّة الانتخابية وتنظيمها، محاولة منع الزميلة إليسار قبيسي من ممارسة حقوق أساسية، عبر تأخير تسليمها جدول الشطب في مخالفة للمادّة 23 من النظام الداخلي للنقابة، وتهديدها، عند مطالبتها بحقوقها، رسمياً بملاحقتها نقابياً ومسلكياً وجزائياً في حال خوض أيّ “مغامرة قضائية”،  وجود تنسيب غير قانوني إلى النقابة، في مخالفة واضحة للمادّة 22 من قانون المطبوعات والمادّة 6 من النظام الداخلي، بدء العمليّة الانتخابية قبل اكتمال النصاب القانوني، عدم وضع آليّة مُنصفة للمرشّحين في ترتيب اللوائح على قسائم الاقتراع، الخرق الواضح لمبدأ سرّيّة الاقتراع، من خلال الاقتراع خارج العازل ووجود أكثر من ناخب خلف العازل، واقتراع شخصَيْن لم يرد إسماهُما على لوائح الانتخاب، بأمر من النقيب تحت عنوان: “سقط سهواً”، حصول ضغوط معنوية على بعض الناخبين، عبر قيام أحد أفراد لجنة الإشراف على الانتخابات بتوزيع لائحة النقيب على طاولة الاستقبال الرئيسية ومرافقة بعض الناخبين إلى صندوق الاقتراع، وخرق الصمت الانتخابي من قِبل عدد من المرشّحين، من خلال قيامهم بتصاريح لوسائل الإعلام داخل أقلام الاقتراع”.

بدورها تقدّمت نقابة المحرّرين، بواسطة وكيلها المحامي أنطون الحويّس، بطلبٍ أمام قاضي الأمور المستعجلة في بعبدا الرئيس إلياس مخيبر، لمنع التجمّع من ممارسة أيّ نشاط عبر كافّة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والإلكترونية، ومن نشر أيّ أخبارٍ أو بياناتٍ أو مقالاتٍ من أيّ نوع، تحت طائلة تغريمها بمبلغٍ قدره مئة مليون ليرة لبنانية عن كلّ مخالفة لهذا القرار. 

التجمّع “المعركة مع مئات الصحافيين والصحافيات”

اعتبرت إلسي مفرّج، المنسّقة العامّة لتجمّع نقابة الصحافة البديلة، في تصريح للمفكّرة القانونية أنّ القضاء انتصر للحقّ بالتعبير والتجمّع، في حين أنّ النقابة، التي يُفترَض أن تحافظ على الحرّيّات، كانت تقوم بخلاف ذلك، “هذا هو القضاء الذي نطمح إليه”. واعتبرت أنّ المعركة مستمرّة من أجل تحرير السلطة الإعلامية، كما تحرير السلطة القضائية، مصنِّفةً نقابة المحرّرين بأنّها نقابة سلطة ونقابة “كمّ الأفواه”.

وكان التجمّع قد ردّ على دعوى نقابة المحرّرين في بيانٍ اعتبر فيه أنّ “المعركة المفتوحة من أجل استقلاليّة السلطة الإعلامية وتحريرها من سطوة السلطة السياسية وأحزابها”، مؤكّداً أنّ مواجهة نقابة “كمّ الأفواه” ليست مع أعضاء لجنة تنسيق “تجمّع نقابة الصحافة البديلة” وحدهم، بل ستكون “مع مئات الصحافيات والصحافيين الأحرار المعترضين/ات على أدائكم وسياساتكم وأساليبكم التدميرية للصحافة ورسالتها وأهدافها”.

بدوره المحامي فاروق المغربي شرح للمفكّرة القانونية، أنّه سيتم، في اليومَيْن المقبلَيْن، إبلاغ نقابة المحرّرين بدعوى الطعن المقدَّمة بشكل رسمي، ليُصار بعدها إلى ردّ قانوني من قِبلهم، مطالباً المحكمة تكليف لجنة موثوقة للكشف والتدقيق في الجدول النقابي في نقابة المحرّرين للتأكّد من هوّيّة ووظيفة الأسماء المسجّلة، واعتبر أنّ ثمّة أسماء لمنتسبين لا علاقة لهم أصلاً بمهنة الصحافة، ويتمّ تنسيبهم لأسباب انتخابية “في أسماء لسائقين عموميين وموظّفين لا دخل لهم بالصحافة، مش كاتبين مقال بحياتهم”، وفق ما أكّد. وتعليقاً على قرار القاضي مخيبر، اعتبر المغربي “أنّها المرّة الأولى التي تدّعي فيها نقابة محرّرين ضدّ قواعد ومبادئ أساسية وهي حرّيّة التعبير والتجمّع وعدم الرقابة المسبقة على موضوع النشر”. وشرح أنّ القاضي مخيبر استند في قراره إلى مبدأ أساسي، هو “عدم إمكانيّة التنبّؤ بالضرر قبل حدوثه، وهذا ما تطلبه نقابة المحرّرين في دعواها التي هي بمثابة الرقابة على منشورات قبل نشرها”، معتبراً أنّ دعوى النقابة ضربٌ لحقّ التجمعّ والاعتراض والتعبير. 

وكان القاضي مخيبر قد ردّ الطلب لعدم استناده إلى أساس قانوني سليم، وعلى اعتبار أنّ العهود والمواثيق الدولية أولت أهمّيّة كبرى لحقّ حرّيّة الرأي والتعبير، وحرصت على تثبيت هذا الحقّ وإلزام الدول النصّ عليه في دساتيرها المحلّية، وقد نصّت مقدّمة الدستور اللبناني، على أنّه عضو مؤسِّس وعامل في منظّمة الأمم المتّحدة، وبالتالي ملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. من جهة ثانية، وفق استناد القاضي مخيبر، كرّس الدستور في المادّة  13  حرّيّة إبداء الرأي قولاً وكتابةً وحرّيّة الطباعة، وأنّ نشاط “تجمّع نقابة الصحافة البديلة” يندرج ضمن حرّيّة الرأي والتعبير، كما وحرّيّة التجمّع. وذكّر القاضي مخيبر في مطالعته أنّ القضاء هو حامي الحرّيّات وأنّ طلب نقابة المحرّرين يهدف إلى اتّخاذ تدبير وقائي لرفع ضرر احتمالي.

ورأى جاد شحرور، المسؤول الإعلامي في مؤسّسة سمير قصير، أنّ تجمّع النقابة البديلة وُجد في الأساس “ليشكّل قوّة ضاغطة على النقابة الكلاسيكية، وحقّ الاعتراض لأيّ مواطن تجاه نقابته هو حقّ محفوظ”. واعتبر أنّ نقابة المحرّرين “لا تقوم بواجباتها تجاه من تمثّلهم، فهم لم يقفوا على خاطر الكمّ [الهائل] من الانتهاكات بحقّ الصحافيين التي تجاوزت 110 انتهاكات إعلامية وثقافية لغاية شهر تشرين الثاني من العام 2021، معتبراً أنّ القانون والدستور كفلا حرّيّة الرأي والتعبير والاعتراض”.

نقابة المحرّرين تعاقب “التجمّع” على تجرّؤه

وفيما رفض النقيب القصيفي التعليق على القرار، شرح محامي نقابة المحرّرين أنطون الحويّس، في اتّصال مع المفكّرة القانونية، الحجج التي قامت عليها دعواهم وأبرزها: قيام تجمّع نقابة الصحافة البديلة بانتحال صفة “نقابة” من خلال التسمية، إضافة إلى غياب الشكل القانوني عن التجمّع وعدم حيازته على أيّ ترخيص، وأنهم، كتجمّع، قد تجاوزوا حرّيّة التعبير إلى درجة القدح والذمّ بنقابة المحرّرين، كما قال، مؤكّداً أنّ النقابة “ستطعن في قرار القاضي مخيبر”.

واعتبر الحويّس أنّ النقابة هي من مناصري حرّيّة التعبير والتجمّعات وتأسيس الجمعيّات، لكنّ ما يحدث هو انتحال صفة “هم انتحلوا صفة نقابة”، مشدّداً على أنّ المشكلة ليست بالأفراد إنّما بالمبدأ والإهانات التي تُكال للنقابة كـ “بوق السلطة” وغيرها، معتبراً أنّ سكوت النقابة في الفترة السابقة عن التجمّع هو ما دفع بهم إلى التمادي، رافضاً التعليق على قرار القاضي مخيبر، مؤكّداً أنه سيتّبع “الأطر القانونية” في هذا المجال. 

وفي صدد دعوى الطعن المقدّمة لإبطال الانتخابات، استغرب الحويّس عدم تقبّل التجمّع خسارة الانتخابات، “في انتخابات صارت، حدا ربح وحدا خسر”، معتبراً أنّ النقابة تحترم النظام الداخلي الموجود حالياً، وأنها توافق التجمّع على وجوب تعديل بعض الموادّ التي سيُعمَل عليها، “في نظام داخلي موجود بدنا نحترمه، وكلّ شي قابل للنقاش”.

زملاء المهنة “النقابة ليست بخير”

وما إن استعرت المعركة بين نقابة المحرّرين و”تجمّع نقابة الصحافة البديلة” حتّى خرجت أصوات مؤيّدة وداعمة للتجمّع، ومن ضمنها مرشّحو “لائحة الصحافيين المستقلّين” بأعضائها أنطوني العبد جعجع، مي عبّود أبي عقل، يقظان التقيّ ونهاد طوباليان، وهم بصدد تأسيس تجمّع معارض من داخل النقابة، بحسب ما أفادت أبي عقل للمفكّرة القانونية.

واعتبرت أبي عقل أنّ نقابة المحرّرين “ليست بخير” طالما ثمّة نقيب يتجرّأ على رفع دعوى لإسكات صحافيين محرّرين آخرين، وأن ثمّة “خطيئة مميتة يجب أن تتمّ محاسبة المسؤولين عنها وليس فقط تصحيحها”. وكان تجمّع الصحافيين المستقلّين قد أصدر بياناً إثر الانتخابات في 19 كانون الأوّل 2021 أعلن فيه وقوفه إلى جانب المدافعين عن حرّيّة التعبير وحقوق الصحافيين في إبدء الرأي قولاً وكتابةً وتجمّعاً ونشاطاً. وراهن البيان على “القضاء العادل للوقوف إلى جانب الإعلام المستقلّ ولإعادة النقابة إلى أبنائها الصحافيين ووضعها من جديد على المسار الصحيح لاستعادة دورها الوطني والنقابي والاجتماعي والثقافي والريادي”. 

كما وأيّدت جمعيّة “إعلاميون من أجل الحرّيّة” دعمها قرار القاضي مخيبر في بيان أكّدت فيه “أنّ القضاء في لبنان قادر، متى أزيلت عنه سطوة السلطة، أن يكون كما يريده اللبنانيون”. وتوجّه البيان إلى نقيب المحرّرين ومجلس النقابة بالقول إنّ “الخطوة أكثر من دعسة ناقصة، وهي اعتداء موصوف على الحرّيّات الإعلامية والعامّة”، واصفاً إيّاها بـ “صوت وصدى للسلطة في زمن يلفظ أدوات مساحيق التجميل”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، عمل ونقابات ، نقابات ، حرية التعبير ، حرية التجمّع والتنظيم ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، حقوق العمال والنقابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني