قرار قضائي يلقّن نقابة المحررين درسا في حريّة التعبير: “نقابة الصحافة البديلة” مستمرّة


2021-12-20    |   

قرار قضائي يلقّن نقابة المحررين درسا في حريّة التعبير: “نقابة الصحافة البديلة” مستمرّة

أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بعبدا الياس مخيبر قرارًا في 17/12/2021 بردّ طلب نقابة محرّري الصحافة اللبنانية الرامي إلى منع “تجمّع نقابة الصحافة البديلة” من القيام بأي نشاط تحت طائلة غرامة إكراهية قدرها 100 مليون ليرة عن كلّ مخالفة. وكانت نقابة المحرّرين، التي يفترض فيها الدفاع عن حرية التعبير، قد تقدّمت بهذا الطلب عقب إجراء انتخابات مجلس النقابة وفوز لائحة تحالف أحزاب السّلطة فيها. وقد بدا هذا الطلب بمثابة ردّ على الطعن الذي تقدّمت به المرشحة عن تجمّع نقابة الصحافة البديلة إليسار قبيسي بنتائج الانتخابات بعد توثيق عشرة مخالفات خلال العملية الانتخابية. ومن أهمّ المخالفات المدلى بها في هذا الطعن، تهديد قبيسي عند مطالبتها بحقوقها رسمياً بملاحقتها نقابياً ومسلكياً وجزائياً في حال خوض أي مغامرة قضائية ووجود تنسيب غير قانوني إلى النقابة. 

ولردّ الطلب، استند القاضي مخيبر في قراره على العهود والمواثيق الدولية التي انضمّ إليها لبنان ومقدّمة الدستور اللبناني والمادة 13 منه التي أكّدت جميعها على ضرورة احترام الحريات العامة وحمايتها. وقد اعتبر مخيبر في هذا الصدد أنّ “الحق في حرية الرأي والتعبير يُشكّل إحدى الدعائم الجوهرية للمجتمع الديمقراطي، ويلعب دورًا مفصليًا في حماية حقوق المواطن وصيانة الديمقراطية وحكم القانون وتطور المجتمع وإصلاحه”. وقد ربط مخيبر الحق بحرية التجمّع السلمي بالحقّ بحرية الرأي والتعبير معتبرًا الارتباط بينهما وثيقًا. كما استند إلى المادة 21 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن “يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي…”. إلى ذلك، أكّد القرار على أنّ القضاء مولج بحماية الحريات ومنها حرية التعبير والحريات الفردية والشخصية. وإذ أعاد القاضي مخيبر التأكيد على مبدأ التناسب بمعنى أنّ القضاء المُستعجل لا يأخذ تدابير تحدّ من الحريات أو تؤدي إلى إعمال رقابة مسبقة على حرية النشر إلا استثنائيًا، وفقط متى ثبت تجاوز حق المحافظة على سمعة الفرد حق الإعلام والاستعلام، رأى أنّ طلب نقابة المُحرّرين لم يتضمّن ما يُثبت أي إساءة من نقابة الصحافة البديلة أو مسّ بأيّ من حقوقها المحمية قانون وأن الضرر المثار منها بقي ضررا احتماليا. 

هذا القرار يستدعي ثلاث ملاحظات مقتضبة: 

1. تصور القاضي لوظيفته في حماية الحقوق والحريات

أنه يعكس مرة أخرى تنامي تصوّر قضائي للوظيفة القضائية قوامه أنها تقوم أولا على حماية الحقوق والحريات بما يتلاءم مع الدستور والعهود والمواثيق الدولية. ومن شأن هذا التصوّر أن يدفع القضاة إلى الاجتهاد في اتّجاه يضمن التمتّع الفعلي بهذه الحريات المحمية دستوريا وقانونيا في مواجهة أي تعسّف. وبالطبع، يرتبط هذا التصور عموما بتصوّر القضاة لاستقلاليتهم حيال قوى النفوذ الأكثر تهيؤا وقدرة على التعسف على هذه الحقوق والحريات، 

2. درس قضائي لنقابة المحرّرين حول حرية التعبير والتجمّع

أنه يشكّل درسا لقنه قاضٍ لنقابة المحررين حول حرية التعبير والتجمع، وهي النقابة التي انوجدت أصلا لتكون رأس حربة في الدفاع عن حقوق المحررين وحريتهم في التعبير قبلما تتحول إلى نادٍ شبه مغلق في وجه مئات الصحافيين وبخاصة أكثرهم تمسكا بدورهم النقدي في مساءلة السلطة الحاكمة. وقد جاءت هذه الدعوى لتعرّي تماما النقابة ومجلسها الجديد وتظهرها في مظهر قامع للحريات، مظهر يستوجب مزيدا من الجهد لتعزيز المواجهة داخلها وصولا إلى تغييره، 

3. نحو إعادة النظر في العلاقة النمطية بين القضاء والإعلام

أنه يشكّل مدعاة لإعادة النّظر في العلاقة النمطيّة بين القضاء والإعلام، هذه العلاقة التي غالبا ما تصوّرهما في خصومة دائمة، خصومة بين قضاء يتولّى قمع الحريّات وصحافة تتمسّك بها. فإذا بالقرار يُعيد التّذكير أنّ لا القضاء كلّه قامع للحريات ولا الصحافة كلها متمسكة بالحرية. وهو تذكير يفتح الباب لتلاقٍ عابر لهذيْن الجسميْن، تلاقٍ يحمي فيه القضاة المستقلّون حرية الإعلام وينبري فيه الصحفيون المستقلون للدفاع عن استقلال القضاء، وهو تلاقٍ يحتاج إليه المجتمع في ظروفه الحالية، أكثر من أي وقت مضى. 

أخيرا، تهنئ المفكرة القانونية لنقابة الصحافة البديلة معموديّة الحرية، معموديّة يؤمل أن تجعلها أكثر قوة وصلابة وأن تفتح أمامها آفاقا أكبر.

للاطلاع على القرار اضغطوا هنا.

انشر المقال



متوفر من خلال:

حريات عامة والوصول الى المعلومات ، قضاء ، حريات ، عمل ونقابات ، المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، حرية التعبير ، الحق في الوصول إلى المعلومات ، حرية التجمّع والتنظيم ، استقلال القضاء ، لبنان



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني