موازنة داعش و”ولاية” دير الزور بالمستندات والأرقام “الرسمية”


2016-03-27    |   

موازنة داعش و”ولاية” دير الزور بالمستندات والأرقام “الرسمية”

يصح تسمية العام 2016 بعام عجز الموازنات بامتياز، فقد سجّلت موازنات الدول العربية والإقليمية عجوزات مالية كبيرة بفعل تراجع أسعار النفط (الخليج) أو المواجهات العسكرية (سوريا، ليبيا، العراق) أو المخاطر الأمنية المصحوبة بأزمات إقتصادية (مصر، تونس، إسرائيل). واللافت أنّ تنظيم داعش الإرهابي سجّل في ظل كل هذا، فائضاً مالياً كبيراً في موازنتي العامين 2015 و2016 رغم الحروب التي تخوضها في كل الإتجاهات وتُخاض عليها نظرياً من كل الإتجاهات. يُضيء هذا المقال على الفائض في موازنة هذا التنظيم مظهّراً مصادر إيراداتها ونسب توزعها كما طبيعة نفقاتها بالإستناد إلى الدراسات العلمية؛ ثم يبيّن موازنة محافظة دير الزور، بالمستندات “الرسمية” المهربة ل “مسودة عمل مشروع إدارة الأموال – ديوان بيت المال في ولاية الخير – الدولة الإسلامية”، لناحيتي الإنفاق والإيرادات على مختلف أنواعها.

1.     تقديرات موازنة “الدولة الإسلامية”

بحسب آخر دراسة ل Centre d’Analyse du Terrorisme à Paris – CATقُدّرت ثروة “الدولة الإسلامية” في نهاية العام 2015 ب 2425 مليار دولاراً أميركياً (2424.98 بشكلٍ دقيق)[1]، والمقصود بالثروة قيمة التجهيزات النفطية والغازية ومناجم الفوسفات والأراضي الزراعية والمواقع الثقافية والأثرية … الموجودة في “أراضي الدولة”. وقد زادت هذه الثروة خلال عام، بحيث كانت بقيمة 2043 مليار دولاراً عام 2014، بفعل التوسع وما سيطرت عليه “الدولة” مع الغزوات الجديدة. أما موازنة الدولة الإسلامية” في نهاية العام 2015 فقد قُدّرت ب 2.6825 مليار دولاراً(أي 000 500 682 2 دولاراً)[2] بحسب دراسة CATالسابق ذكرها ومجموعة دراسات أميركية وبريطانية[3]. أما الفائض الفعلي فوصل في نهاية العام المالي إلى ما يُقّدر ب 12.5% من الموازنة. مع الإشارة إلى أن “الدولة الإسلامية” أقرّت ميزانيتها للعام 2015، دون نشرها، في 4 كانون الثاني 2015.

‌أ           إيرادات متنوعة المصادر

لناحية الإيرادات، ثمة إعتقاد شعبي وإعلامي، بأن التنظيم الإرهابي يتموّل بشكل أساسي من النفط والدعم الخارجي. تُظهر الإحصائية المقّدمة إلى الكونغرس الأمريكي، أنّ موازنة ما يسمى ب”الدولة الإسلامية” لا تتكئ على النفط وحده، فالإيرادات النفطية لا تزيد عن 31% من مجموع الإيرادات. الأمر نفسه يتصل بالدعم والتمويل الأجنبي والذي لا يتجاوز 4% من مجموع إيراداتها (وهو ما يتفق مع تقرير CAT).وتتعدد مصادر إيرادات موازنة “الدولة الإسلامية” من “الضرائب والرسوم والغرامات” والمصادرات ومبيعات النفط والغاز والفوسفات والقطن، مروراً برسوم المرور Transitوالخدمات كالكهرباء والماء والنظافة، وصولاً إلى الإتجار بالآثار والمخدرات إضافةً للفديات والمساعدات. ويُظهر الرسم الدائري التالي النسب المئوية لإيرادات موازنة “الدولة الإسلامية” بحسب تقرير CAT.

نسب إيرادات موازنة “الدولة الإسلامية” لعام 2015 (الاطلاع على الرابط المرفق)

المصدر: Centre d’Analyse du Terrorisme(CAT) avec Datawrapper
ملاحظة: إذا فُصل البترول عن الغاز والفوسفات تصبح الضرائب والمصادرات الإيراد الأول.

تزداد تدريجياً أهمية “الضرائب والرسوم” في إيرادات “الدولة الإسلامية” بدل النفط. فقد عُوِّض إنخفاض أسعار الأخير عبر الإيرادات “الضريبية” المتزايدة بفعل المأسسة المالية التدريجية. فقد ازدادت “الإيرادات الضريبية” من 360 مليون دولاراً في العام 2014 إلى مليار دولاراً في العام 2015، تستوفيها “الدولة” من حوالي 10 ملايين “مكلّفاً” يعيشون تحت سلطتها. تتنوع “الضرائب” في “الدولة الإسلامية”، منها الضرائب غير المباشرة كضرائب الإستهلاك الموضوعة على السلع وعلى الخدمات كالإتصالات وسحب وتحويل الأموال، ومنها الضرائب المباشرة كضرائب الدخل، حيث تصل ضريبة الدخل إلى 50% على رواتب الموظفين الحكوميين الذين لا يزالون يتقاضون رواتبهم من حكومة بغداد ويعملون في الأراضي المُسيطر عليها من “الدولة الإسلامية” (عددهم يزيد عن 50000 موظفاً في محافظة نينوى وحدها التي تضم الموصل). وقد فُرض عليهم أيضاً دفع ما يقارب ال 2500 دولاراً للحصول على “بطاقة توبة” تجدّد سنوياً بحوالي 200 دولاراً. كما يٌقتطع 5% من رواتب العاملين في “أراضي الدولة” لما تسميه “الحماية الإجتماعية”. أما الرسوم فهي عديدة على الكهرباء والماء والنظافة. ولكنّ أهمها هي رسوم العبور والترانزيت التي يصل معدلها إلى 200 دولاراً لمرور الشاحنة الواحدة على طرق شمال العراق و800 دولاراً لمرورها عبر أراضي “الدولة” من وإلى الدول الأخرى المجاورة كالأردن وإيران وتركيا و”كردستان العراق”[4] (يختلف الرسم حسب نوع الحمولة). وإضافة للضرائب والرسوم المعروفة في مختلف الأنظمة الضريبية، في موازنة “الدولة الإسلامية” ما يسمى ب “ضريبة الحماية لغير المسلمين” أو الجزية التي يدفعها ل “خزينة الدولة” المسيحيون والإيزيديون والشيعة. حالياً، لا تفرض “الدولة الإسلامية” ضريبة مباشرة واضحة ودقيقة على أرباح الشركات (يستوفي “الجباة” هكذا ضريبة من المحال التجارية وفق تخمين ميداني). تضاف إلى الضرائب المصادرات التي هي أيضاً جزءٌ هام من تمويل موازنة “الدولة الإسلامية”،والمقصود بالمصادرات كل ما أجبر السكان على التنازل عنه وفق “قوانين الدولة”[5] إضافة إلى غنائم الهجمات بما فيها الغنائم العسكرية خلال العام المالي.

بعد “الضرائب”، يحلّ النفط ثانياً في إيرادات الموازنة (إذا فُصل عن الغاز والفوسفات)، وقد انخفضت الإيرادات النفطية ممّا يقارب مليار دولار عام 2014 إلى 600 مليون دولار عام 2015 بفعل إنخفاض أسعار النفط واستهداف المصافي ووسائل نقل النفط خلال هذا العام. تُحقق “الدولة الإسلامية” إكتفاءً ذانياً من النفط إذ تسيطر على 80% من الثروة النفطية السورية وأقل من 10% من العراقية (السيطرة تختلف عن الإنتاج والتصدير). ويقدّر تصدير “الدولة الإسلامية” للنفط بين 000 35 و000 40 برميل يومياً[6].

بعد “الضرائب” والمصادرات ثم النفط، تتنوع إيرادات “الدولة الإسلامية” من مبيعات الآثار والمخدرات والإسمنت والقمح والقطن والأعضاء البشرية وتجارة الجنس. تسيطر “الدولة الإسلامية” على أماكن أثرية عدّة (أكثر من 4000 موقعاً)، فتقوم ببيع الآثار والتماثيل والموزاييك وما يوجد في المتاحف(بعضها يعود ل 10000 سنة). تُرحّل القطع الأكثر قدماً إلى أوروبا، فيما تباع بعض الآثار الأحدث نسبياً في متاجر لبنان وتركيا[7].واللافت أنّ البيع منظم، إذ يوجد وزارة آثار تنظم عمليات التجارة بأذونات رسمية تُشترى منها، فيحصل الشاري على طوابع (مكتوب على الطوابع عبارة ترحيب ورافقكم الله) للدخول إلى “أراضي الدولة” ليبحث عن الآثار. بعدها يصرّح عما وجد ويدفع المبلغ اللازم ل “الدولة” في المقابل.كما تبيع “الدولة” المخدرات، وبحسب russian federal drug control serviceالحكومية، فإنّ نصف هيرويين أوروبا حالياً من “الدولة الإسلامية” التي حوّلت المدينة القديمة في نينوى إلى مركز لتجارة الهيروين. وإضافة للذهب الأسود السابق ذكره، بات للتنظيم في الأشهر الأخيرة مصدر جديد هو الذهب الأبيض أي القطن. فهي تسيطر على ¾ القطن السوري، بحسب كتاب DAECHl’Histoireل RégisLeSommier[8]، مع العلم أنّ سوريا كانت المنتج التاسع للقطن عالمياً. كذلك تساهم تجارة الإسمنت والقمح ببعض الإيرادات الإضافية. أيضاً لبيع الأعضاء البشرية دورٌ مالي[9]، إذ يُذكر في هذا الإطار أنّ “الدولة الإسلامية” عمدت إلى تصفية عدد من الأطباء الذين رفضوا انتزاع أعضاء الجنود القتلى والأسرى والجرحى[10].

أيضاً، تساهم الفديات بتمويل “الدولة” فتشكل هذه الأخيرة، 4% من إيرادات موازنتها. أما المصدر الأخير من حيث القيمة فهو التبرعات، التي تساهم ب 3.2% من الموازنة.

ب      
النفقات العسكرية وشراء الولاء الشعبي

لناحية النفقات، تتنوع أبواب الإنفاق في موازنة “الدولة الإسلامية”. ولكن تهيمن عليها النفقات الجارية العسكرية إضافة لمحاولة بناء شبكة أمان إجتماعية لعوائل المقاتلين و”الشهداء” والفقراء. أما الإنفاق الإستثماري لا سيما في البنى التحتية فهو غائب لسهولة استهدافها.
أغلب النفقات هي على الرواتب والأجور للمقاتلين والتجهيزات العسكرية. بعد ذلك يُدفع رواتب للموظفين في “مؤسسات الدولة” كالشرطة والإعلام وسائر الخدمات.القضية الرئيسية ل”الدولة الإسلامية” هي الحفاظ على “أراضيها”، وهي تحتاج تاليّاً لشراء “ولاء” المدنيين الذين يعيشون في هذه الأراضي تجنّباً لتعاونهم مع قوات خارجية. ولشراء هذا “الولاء” توظف “الدولة” عدداً كبيراً من الناس وإن برواتب منخفضة. كما أقرت عام 2015 برنامج مساعدات للعائلات الأكثر فقراً في المدن. كما تُخصص الموازنة تعويضات لعوائل من تصنّفهم “الدولة” “شهداء” (لا سيما من يقتلون بقصف الطائرات). إضافة للإنفاق على الرواتب، تنفق “الدولة” على إداراتها ومؤسساتها لتقديم الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والنظافة وتنظيم المرور.

أما لناحية التنمية، فقد تضمنت الموازنة 250 مليون دولار كمشروع تنمية للمنطقة المسيطر عليها من “الدولة” دون توضيح طبيعة برامج التنمية. كما افتتحت هذه الأخيرة أيضاً مصرفاً إسلاميا في مدينة الموصل.

2.     موازنة “ولاية الخير” (دير الزور) ب المستندات “الرسمية”

بعد رؤية تقديرات الموازنة العامة ل “الدولة الإسلامية” لا سيما مصادر الإيرادات وأهمية كل مصدر منها، لا بد من مقاطعتها مع ما يتوفّر من “مستندات رسمية” صادرة عن “إدارات الدولة الإسلامية”. ونظراً لعدم توفّر هذه البيانات “الرسمية” سنقاطع التقديرات العامة السابقة مع المستند “الرسمي” الوحيد المهرّب من “ديوان بيت المال في ولاية الخير” أي محافظة دير الزور الذي يضيء على تفاصيل إيرادات وأبواب إنفاق هذه “الولاية” لشهر ربيع الأول 1436هـ أي بين 23 كانون الأول 2014 و21 كانون الثاني 2015. هذا المستند هو “مشروع عمل إدارة الأموال” المُرسل من “بيت المال” إلى “ديوان الولاية” و”ديوان الحسبة” في 5 شباط 2015. وقد تم تسريب المستند من خلال الباحث أيمن جواد التميمي، وهو باحث في منتدى الشرق الأوسط في الولايات المتحدة وفي مركز “هيرتزيليا الإسرائيلي”، ونشره أحد المواقع “الجهادية الإسلامية”.

الصفحة الأولى من موازنة “ولاية الخير” (دير الزور) (الاطلاع على الرابط المرفق)

تبلغ قيمة موازنة محافظة دير الزور 000 438 8 دولاراً أميركياً؛ وتُظهر بيروقراطية وتنظيما إداريا. ف”الدولة الإسلامية” تقسم “ولاية الخير” إلى 5 مناطق هي البوكمال، الميادين، البادية، حدود وتجمعات. واللافت في موازنة “الولاية” أنها، كالموازنة العامة ل “الدولة”، تحقق فائضاً بقيمة 000 8512 دولاراً (أي 33.78% من الموازنة)؛ فيما يلفت أيضاً أنها بالدولار الأميركي وليست بالعملة التي أصدرتها “الدولة”.

‌أ           النفط، مصدرٌ ثالثٌ للإيراد في “ولاية” نفطية

الإيرادات في موازنة “الولاية”، أو الوارد لصندوق الولاية” بتعبير الموازنة، متعددة كالموازنة العامة المشار إليها سابقاً. للموازنة 5 مصادر إيرادات هي : المصادرات، الجباية (أو “الضرائب والرسوم والغرامات”)، آبار النفط، الغاز والكهرباء. وتظهر نسب هذه الإيرادات في الرسم البياني التالي:

نسب إيرادات موازنة “ولاية الخير” (دير الزور) في “الدولة الإسلامية” لشهر ربيع الأول 1436 (بين 23 كانون الأول 2014 و21 كانون الثاني 2015) (الاطلاع على الرابط المرفق)

المصدر الأول للإيرادات هو المصادرات التي تؤمّن 000 774 3 دولاراً، أي ما يوازي 44.73% من الموازنة. فقد صودر خلال هذا الشهر 200 دنم من الأراضي ومواد بقيمة 300 496 دولاراً إضافةً إلى 79 منزلاً و96 سيارة و48 شاحنة و1920 رأس غنم و50 بقرة و93 رأس ماشية غير محدد النوع. كما صودرت مجموعة “محرمات” (3000 علبة دخان و1800 صندوق دخان[11]). مع الإشارة إلى أنّ السلع “المحرّمة” وفق “قوانين الدولة الإسلامية” كالدخان والكحول قد اختفت من الأسواق وتحوّل بيعها إلى السوق السوداء، إذ يدفع المستهلك نهاراً ثمن السلعة للبائع وتصل إليه ليلاً تحت باب منزله عبر دراج.

المستند “الرسمي” لجدول المصادرات في موازنة “ولاية الخير” (دير الزور) (الاطلاع على الرابط المرفق)

المصدر الثاني للإيرادات هو “الضرائب والرسوم” (الجباية بتعبير الموازنة) البالغة 000 998 1 دولار وتشكّل 23.68% من مجمل إيرادات موازنة “الولاية”. تُستوفى هذه الإيرادات عبر الدخول إلى المنازل والمتاجر مباشرة والدفع يجب أن يكون نقداً، والضريبة هذه ليست مرتبطة بما يُصرح عنه المكلّف بل بما يقدرّه جباة “الدولة”. ويُشار إلى أنّ المواطنين السوريين لجؤوا إلى شراء الذهب كملاذ آمن تجنباً لتراجع سعر صرف الليرة السورية وقاموا بتخبئته. ومع وصول حكم “الدولة الإسلامية” إلى سورية وإذا دخل جباتها إلى منزل أحد السوريين، يمكن القول أن هذا الذهب ليس مالاً خاصاً للإستخدام بل هدية زواج فيُعفى “المكلّف” من دفع “الضريبة” على هذا المال. أيضاً، تفرض “الدولة” “غرامات” في حالات عدّة كعدم حيازة أوراق أو كاللحية القصيرة أكثر من “المسموح” أو الطويلة أكثر من “المسموح”.

المصدر الثالث للإيرادات هو البترول الذي يؤمّن 000 993 1 دولاراً ويشكل 23.62% من الإيرادات، علماً أنها غير كافية حتى لدفع الأجور (أي أقل من 000 440 2 دولار للمقاتلين). ولعل هذه النسبة (23.62%) هي من أهم ما تُظهره هذه الموازنة، فالنفط لا يؤمن ربع تمويل “الدولة” حتى في دير الزور التي هي أغنى المناطق السورية بالنفط. بحسب DavidButter(الخبير في قطاعي الأعمال والطاقة في الشرق الأوسط في مؤسسة ChathamHouseالبحثية في بريطانيا)، فإن منشآت النفط في دير الزور تعمل بأقل من نصف طاقتها الإنتاجية لافتقاد “التنظيم” إلى التقنيات والمعارف في هذا المجال.

المصدر الرابع للإيرادات هو الغاز ويؤمّن 000 342 دولار أي ما يوازي 4.05% من الإيرادات. والمصدر الخامس للإيرادات هو الكهرباء (التي تصل إلى المستهلك بين ساعة وإثنتين في اليوم الواحد) وتؤمّن 000 331 دولار أي ما يوازي 3.92% من إيرادات “الولاية” (دون توضيح إذا هذا كان المبلغ هو مبيعات الكهرباء أو الرسوم، علماً أن لا نفقات على توليد الكهرباء في الموازنة).

المستند “الرسمي” لجدول إيرادات “ولاية الخير” (دير الزور) بين 23 كانون الأول 2014 و21 كانون الثاني 2015 (الاطلاع على الرابط المرفق)

‌ب       نفقات “دولة” في حالة حرب

لناحية النفقات، يصل مجموعها في “الولاية” إلى 000 587 5 دولاراً، يذهب معظمها لصالح المقاتلين والتجهيزات اللوجيستية للمقرات العسكرية. إذ يُخصص 000 546 3 دولاراً للنفقات العسكرية، أي 63.48% من مجمل النفقات، موزعة بين 000 440 2 دولاراً لمسمى “مجاهد”، أي 43.67% من مجمل النفقات، و 000 106 1 دولاراً للمقرات العسكرية (بينها 000 104 دولاراً لمطار) أي 19.8% من مجمل النفقات.

إضافة للنفقات العسكرية، يٌخصص 23.37% من مجمل النفقات للمساعدات والخدمات (000 306 1 دولاراً) غالبيتها لريف المحافظة، 10.38% للنفقات الأمنية (000 580 دولاراً)، ما يسمّى في الموازنة ب “مراكز الشرطة الإسلامية” و2.77% للإعلام (000 155 دولاراً).

واللافت أنّ الموظفين الذين يقرّرون بدء سيرة مهنية مع “الدولة” في ولاية دير الزور (من غير موظفي الحكومة السورية وغير “المتعاقدين مع الدولة”)، المثبتين في “ملاك الدولة” إذا صح التعبير، يحصل كل واحد منهم، إضافة إلى الراتب، على منزل وسيارة ومسدس شخصي.

المستند “الرسمي” لنفقات “ولاية الخير” (دير الزور) بين 23 كانون الأول 2014 و21 كانون الثاني 2015 (الاطلاع على الرابط المرفق)

من خارج الموازنة، يمكن الإشارة سريعاً إلى كيفية قيام عناصر “الدولة” بصرف رواتبهم في أسواق “الولاية”[12]: في أسواق دير الزور، سلعٌ لعناصر “الدولة” وأخرى للمدنيين؛ العناصر يصرفون عشوائياً لدى الباعة ويقوم الباعة السوريون برفع الأسعار لعناصر “الدولة” الذين يبتاعون على السلع الفاخرة ك “نوتيلا” و”تويكس”؛ تمتلئ المطاعم بعناصر “الدولة” دون سواهم الذين يأكلون الهمبرغر والبيتزا والكباب، كما يملكون سيارات فاخرة ك “دودج” و”هامر” ويشترون العطور الفرنسية من المتاجر، مع الإشارة أنهم ينفقون حتى لشراء الواقيات الذكرية.

قبل الختام، ودون الدخول في التحليل لمصادر الإيرادات والجهات التي تشتري النفط والغاز والقطن ووسائل نقله وكيفية تجارة الآثار والمخدرات ووجهة تصديره لعدم إقحام السياسة في المقال، تُظهر الرؤية التقديرية العامة لموازنة “الدولة الإسلامية” كما تلك المتعلّقة بالمستند المهرّب من “ولاية الخير” (دير الزور) جملة أمور هامة تعطي نظرة جديدة لمالية “الدولة الإسلامية”:

–        أولاً، إنّ مصادر إيرادات التنظيم الإرهابي متنوّعة وهو لا يعوّل، كما يُقال إعلامياً، على دعم خارجي سياسي.
–        ثانياً، إنّ ما يُشاع عن النفط كممول لتنظيم إرهابي فيه تضخيم، فالنفط ليس مصدر إيراداته الأول حتى في دير الزور (أغنى مناطق سورية بالنفط) وذلك لإفتقاده ل know-howوللقدرات التقنية ولسهولة استهداف المنشآت ووسائل النقل.
–        ثالثاً، إنّ غياب تجارة الآثار عن المستند الفعلي المهرّب من “ديوان” التنظيم في جدولي الإيرادات والمصادرات يطرح العديد من الإحتمالات (اعتبار “الدولة” مدخول الآثار من ضمن “الجباية” كون التجار يدفعون رسوماً للتفتيش عن الآثار ومبالغ مقابل حصولهم عليها كما تشير التقارير الدولية؛ أو المبالغة في تصوير إيرادات بيع الآثار لتغطية مصادر الإيرادات الفعلية لا سيما “الضرائب… الخ).
–        رابعاً، إنّ تحوّل “الضرائب” إلى المصدر الأول لإيرادات تنظيم إرهابي وفق التقديرات وإلى المصدر الثاني وفق المستند الفعلي يظهر جنوحاً تدريجياً نحو المأسسة والبيروقراطية ضمن الأراضي المسيطر عليها عسكرياً من التنظيم.
–        خامساً، إن منح التنظيم للولايات سلطة الإنفاق والجباية يُظهر أنّ “الدولة” التي يبنيها تعتمد اللامركزية إلى حد كبير دون التفريط بأحد المبادئ الخمسة للموازنات وهو “وحدة الموازنة”، فالمستند مُرسل إلى “ديوان الحسبة” (وزارة المالية).
–        سادساً، إنّ إقرار تنظيم إرهابي لبرنامج تنمية بقيمة 250 مليون دولاراً وتخصيصه 23.37% من نفقات إحدى مناطقه للخدمات وللمساعدات الإجتماعية رغم الحروب التي يخوضها والتي تخاض عليه يُظهره وكأنّه لا يشعر بخطر فعلي يتهدد وجوده.

للاطلاع على النص الكامل، اضغط/ي على الرابط ادناهنشر في العدد 4 من مجلة المفكرة القانونية تونس


[1] اعتمدت معادلة القطع بين اليورو والدولاروفق سعر سوق تاريخ نشر التقديرات في 19/11/2015، وليس سعر القطع الحالي.
[2] اعتمدت معادلة القطع بين اليورو والدولاروفق سعر السوق في تاريخ نشر التقديرات في 19/11/2015، وليس سعر القطع الحالي.
[3] تتقاطع بشكل كبير أرقام دراسة CAT، والتي تشكل المصدر الأساس لما سيرد في المقال حول الموازنة العامة ل “الدولة الإسلامية”، مع عدة دراسات حول هذه الموازنة لا سيما تقريري الكونغرس الأميركي وLondon anti-radicalisation think tank the Quilliam Foundationوما أشار إليه ديفيد كوهين، وكيل شؤون الإرهاب في وزارة الخزانة الأميركية.
[4] يعتبر إقليم كردستان العراق بالنسبة ل”الدولة الإسلامية” على الصعيد المالي دولة غير الدولة العراقية.
[5] أراضٍ وبيوت وذهب وعفش وأثاث منزلي.
[6] بحسب دراسة ErikaSolomon,RobinKwongetStevenBernardفي Financial Timesفي 11 كانون الأول 2015.
[7] بحسب تقرير جون هال في DailyMail.
[8] الكتاب صدر عن EditionsdeLa Martinèreتحت إدارة BertilScaliفي آذار 2016.
[9] بحسب تقرير Office of the High Commissioner for Human Rights (OHCHR)وشهادة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق المنتهية ولايته نيكولاي ملادينوف أمام مجلس المنظمة والقناة الثانية بالتلفزيون “الإسرائيلي”.
[10] بحسب ما أعلن عنه سفير العراق لدى الأمم المتحدة محمد علي الحكيم في 17-02-2015.
[11] لا يوجد تحديد دقيق لمحتوى “صندوق دخان” في الموازنة.
[12] بحسب ما أُعلن في NationalPublicRadio(NPR)الأميركي عبر برنامج PlanetMoneyوفق مقابلة مع محمد قادر في 4 كانون الأول 2015(الذي عرض عليه تنظيم “الدولة” العمل معه في الإعلانات في دير الزور لكنه فرّ إلى خارج الأراضي المسيطر عليها من “التنظيم”رافضاً العمل معه).
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، سوريا ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني