مقترح قانون حماية الأطفال من جرائم الاعتداءات الجنسية بالمغرب، هل يرى النور؟


2023-04-12    |   

مقترح قانون حماية الأطفال من جرائم الاعتداءات الجنسية بالمغرب، هل يرى النور؟

تقدمت المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية وهي إحدى فرق المعارضة بمجلس النواب بالمغرب بمقترح قانون يرمي إلى حماية الطفلات والأطفال من جرائم الاعتداءات الجنسية. ويهدف المقترح إلى مراجعة 9 فصول من القانون الجنائي بهدف ضمان ملاءمتها مع المعايير الدولية، وبالأخصّ في الجانب المتعلق بتدقيق الإطار المفاهيمي لجريمتيْ الاغتصاب وهتك العرض، وتشديد العقوبات على هذه الأفعال بما يكفل عدم إفلات مرتكبيها من العقاب.

أسباب وأهداف مقترح القانون

أرجعت مذكّرة تقديم مقترح القانون أسباب هذه المبادرة التشريعية إلى “تزايد ظاهرة الاعتداءات الجنسيّة ضدّ الأطفال والتي تمّ تداولها على نطاق إعلامي واسع بشكل جعل العديد من الأمهات والآباء خائفين على مصائر أطفالهم”. وتكمن خطورة هذه الظاهرة في كونها من “الجرائم المسكوت عنها” كما أنها من “الجرائم التي يتداخل فيها ما هو تربوي وتحسسي، وتتداخل فيها المسؤولية بين الأسرة والمدرسة والإعلام”.

أما أهداف هذه المبادرة بحسب مذكّرة التقديم، فتتمثل في ملاءمة الإطار التشريعي الوطني للمعايير الدولية وبالأخصّ بعد المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الطفلات والأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية، فضلا عن تعزيز دور القضاء في التصدي لجرائم الاعتداءات الجنسية ضد الطفلات والأطفال بما يكفل تحقيق التناسب بين فظاعة الجريمة والعقاب.

مضامين مقترح القانون

تضمّن مقترح القانون الجديد عدة مقتضيات، أبرزها الآتية:

(1) تغيير عنوان الفرع السادس من القانون الجنائي من “انتهاك الآداب” إلى الاعتداءات الجنسية،

(2) تغيير عنوان الفرع السابع من “الاستغلال الجنسي وإفساد الشباب”، إلى “الاستغلال الجنسي”، وهو تعديل يستهدف فلسفة القانون الجنائي الذي ما يزال يعالج الاعتداءات الجنسيّة ضدّ البالغين وضدّ الأطفال على حدّ سواء ضمن ما يعرف بانتهاك الآداب والأخلاق، وليس كاعتداءات تطال حق الأفراد في السلامة الجسدية، ولعل التبويب الحالي هو ما يُفسّر سبب تساهل القضاء في إعمال الصلح والتنازل لتمتيع المتورّطين بعقوبات مخففة حفاظا على الأسرة ومراعاة للآداب العامة،

(3) تدقيق الإطار المفاهيمي للنص الجنائي من خلال إعادة تعريف جريمة الاغتصاب، لتشمل “كلّ اعتداء جنسي يقع على الضحية بغضّ النظر عن جنسها أو الوسيلة التي ارتكب بها أو طريقته أو مكان ارتكابه أو مرتكبه، أو العلاقة التي تربطه بها. سواء كان ذلك الاعتداء باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها، أو استغلال عدم قدرة الضحية على المقاومة، إما بسبب الخوف أو المرض أو العنف أو الإكراه أو استعمال السلطة”. والملاحظ عن هذا التعديل المقترح أنه أشمل من التعريف الحالي الوارد في القانون الجنائي والذي يحصر هذه الجريمة في “مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها”. ويبدو أن التعريف الجديد هو مدخل من أجل تشريع جزاء قانوني للاغتصاب الزوجي بحيث استعمل مقترح القانون عبارة “بغض النظر عن العلاقة التي تربط الضحية بالجاني”، كما أنه تعريف يسمح بتجريم اغتصاب الذكور وفق نفس المنطق المجرم لجريمة اغتصاب الاناث، فضلا عن أن هذا التعريف لا يحصر فعل الاغتصاب في الإيلاج المهبلي بل يشمل كل أشكال الاعتداءات الجنسية بغض النظر عن الوسيلة المستعملة، ودون اشتراط عنصر الايلاج.

(4) تغيير تسمية جريمة “هتك العرض” -والتي لا يعرفها القانون الحالي – إلى الاعتداء الجنسي، وعرّفها بأنها تشمل “كلّ السلوكات ذات الطبيعة الجنسية والتي تمارس على القاصرين أقلّ من ثماني عشرة سنة، أو أي شخص معروف بضعف قواه العقلية ذكرا كان أو أنثى”. ويبدو من خلال هذا المقترح أن المشروع حافظ على التمييز بين جريمتي الاغتصاب وهتك العرض، بحيث اعتبر جريمة الاغتصاب كجريمة تطال الرشداء، وجريمة هتك العرض كجريمة تطال الأطفال أو الأشخاص في وضعية إعاقة ذهنية.

(5) تشديد العقوبات المقررة لجريمة الاعتداء الجنسي على الطفلات والأطفال، من خلال إعادة النظر في العناصر التكوينية لهذه الجريمة. فبعدما كان القانون الحالي يميّز بين حالة هتك العرض الذي يتعرض له قاصر دون استعمال العنف، ويعاقب على ذلك بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات، وبين حالة هتك عرض قاصر مع استعمال العنف ويعاقب عليها بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، جاء مقترح القانون الجديد لرفع العقوبة المقررة لجريمة الاعتداء الجنسي ضد الأطفال إلى السجن من عشر إلى عشرين سنة وبغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم، وهو جزاء يعادل ضعف العقوبة السجنية المقررة لجرائم الاغتصاب في حقّ الرشداء.

تعليق على مقترح قانون حماية الطفلات والأطفال من جرائم الاعتداءات الجنسية

يعتبر مقترح القانون الجديد من بين أهم المبادرات التشريعية ذات الصلة بحقوق الأطفال التي تقدمت بها فرق المعارضة، تجسيدا لدورها الدستوري، وقد تطرّق إلى موضوع على درجة كبيرة من الأهمية وهي حماية الطفلات والأطفال من جرائم الاعتداءات الجنسية، بعد أشهر قليلة من قصص مآسٍ تعرّض لها أطفال في عدد من المدن المغربية سقطوا ضحايا لهذه الاعتداءات البشعة. كان من آخر هذه الحالات قضية الاغتصاب الجماعي الذي تعرّضت له الطفلة سناء وقضية الطفل عدنان والطفلة خديجة ومن قبلهما مأساة أمينة الفيلالي التي كانت سببا في تدخّل البرلمان لإسقاط الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي التي لطالما استعملت كغطاء لشرعنة تزويج المغتصبة من مغتصبها. 

وبالرغم من أهمية هذا المقترح فإنه يمكن إبداء مجموعة من الملاحظات عليه.

  • من حيث الشكل، يلحظ أن اسم مقترح القانون لا ينطبق على مضمونه. فهو لا يقتصر على معالجة مقتضيات التجريم والعقاب المتعلق بحماية الطفلات والأطفال من الاعتداءات الجنسية، وإنما يشمل تجريم كلّ أشكال هذه الاعتداءات بغضّ النظر عن سنّ ضحاياها. وهو ما يبدو في إعادة تعريف مقترح القانون لجريمة الاغتصاب. في نفس السّياق، يُلحظ أن المشروع ظلّ متأرجحا على مستوى المصطلحات بين استعمال مصطلح “أطفال” وهو المتلائم مع اتفاقية حقوق الطفل ومع البروتوكول الاختياري الملحق بها بشأن بيع الطفلات والأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية، واستعمال مصطلح “القاصرين” الذي له دلالة مختلفة في القانون المدني حيث يشمل أيضا الى جانب الأطفال الأشخاص المحجر عليهم قانونا، المصابين باعاقة ذهنية، علما بأن هذه الفئة نفسها نصّ عليها القانون مستعملا مصطلح “الأشخاص المعروفون بضعف قواهم العقلية”. وكان حريا بالمقترح توحيد المصطلحات.
  • من حيث الموضوع، حاول مقترح القانون الجديد أن يعمل على مطابقة الإطار التشريعي الوطني مع المعايير الدولية خاصة فيما يتعلق بإعادة تعريف جريمتيْ الاغتصاب باعتبارها جريمة تقع على الراشدين، وجريمة الاعتداء الجنسي كجريمة يتعرّض لها الأطفال والأشخاص المصابون بإعاقة ذهنية. وبالرغم من التعريف المتقدم الذي اقترحه المشروع وهو تعريف يتطابق مع المعايير الدولية ذات الصلة، إلا أنّه لم يتمكّن من تجاوز باقي الانتقادات الموجّهة للإطار القانوني الحالي المجرم للاغتصاب والذي يقيم تمييزا غير مبرّر في حقّ ضحايا هذه الجريمة بحسب ما إذا ترتّب عنها افتضاض للبكارة أو لم يترتّب عليها ذلك. بل وقد أضاف المقترح وضعية جديدة اعتبرها ظرفا مشددا في جريمة الاغتصاب وهي الحالة التي ينتج عنها حمل.
  • من جهة أخرى، ورغم أنّ مقترح القانون الجديد اتّجه في عموميّته إلى تشديد عقوبة الاعتداءات الجنسيّة التي تطال الأفراد عموما، والأطفال والطفلات على وجه الخصوص، إلا أن المقترح جاء خاليا من عقوبة الإعدام، وهو موقف ينسجم مع التوجّه الحداثي للحركة الحقوقية المغربية في نبذ العمل بعقوبة الإعدام.
  • في المقابل ورغم تشديد عقوبة الاعتداءات الجنسية على الأطفال، إلا أن مقترح القانون الجديد لم ينصّ على منع المحكمة من تمتيع المحكوم عليهم في هذه القضايا بظروف التخفيف، وهو ما يؤدي على مستوى الممارسة الى توسيع إعمال الصلح والتنازل في هذه القضايا على حساب حقوق الأطفال. كما يشجع تزويج المغتصبات بالمغتصبين والاستفادة من عقوبات مخففة في إطار سلطة المحاكم في تفريد العقاب. وهو ما سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن حذّر منه في تقريره حول التبليغ عن العنف ضد النساء ومناهضة الإفلات من العقاب، وكذا في دراسته حول المبررات القضائية المعتمدة في تزويج الطفلات حيث رصد استمرار ظاهرة تزويج المغتصبات بالمغتصبين.

وأخيرا، يُلحظ أنّ مقترح القانون الجديد لم يحدّد سنّا أدنى للرشد الجنسي لدى الأطفال واعتبر أنّ أيّ علاقة جنسية تجمعهم بشخص راشد تمثّل اعتداء جنسيا، بغضّ النظر عن توفّر الرضى.

لقراءة الاقتراح، إضغطوا هنا

مواضيع ذات صلة

تقرير حول واقع التبليغ عن العنف ومناهضة الإفلات من العقاب بالمغرب

هكذا يبرر القضاة تزويج الطفلات في المغرب

عقوبات مخففة في قضية اغتصاب جماعي لطفلة بالمغرب: جمعيات تنتفض ضد التعاطف مع المغتصبين

نهاية مأساوية لقصة اختفاء الطفل عدنان بالمغرب: عودة الجدل حول طريقة معاقبة مغتصبي الأطفال

محكمة النقض المغربية ترفض تجريم قاصر بالخيانة الزوجية

قرار مبدئي لمحكمة النقض بالمغرب حول الإعتداء الجنسي على القاصرين

أمينة الفيلالي… حين يعاد اغتصاب المغتصبة

انتحار خديجة.. قضية تلخص معاناة الناجيات من العنف بالمغرب

عودة نقاش حماية القاصرات في المغرب عقب اغتصاب جماعي لفتاة قاصر

البرلمان المغربي يصادق على عدم افلات المغتصب من العقاب وأمل بان تعمّ هذه الخطوة نصوص الدول العربية الأخرى

إلغاء الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي هل ينهي افلات المغتصب من العقاب؟

إدعاءات باختطاف واغتصاب وتشويه جسد قاصر مغربية .. تنديد، تضامن، واتهامات بالكذب

محكمة أكادير تطلق سراح متهم في قضية اغتصاب طفلة: تفعيل التنازل شرعنة لإفلات المغتصبين من العقاب

فرنسا تعتمد قواعد أكثر مرونة في إثبات الجرائم الجنسية: هكذا نحمي الضحايا

بعد تعرّضهم للعنف: كيف نحمي الأطفال من الإعلام؟

اقتراح قانون حول تزويج الأطفال: من أجل ورشة تشريعية أكثر واقعية

أي قيمة لشهادة الأطفال في قضايا العنف الأسري؟ أسئلة طرحتها المفكرة على الأخصائية هلا كرباج على هامش قضية رولا يعقوب

ملاحظات حول المسؤوليات في الاعتداء على طارق الملاح: الحكومة ترتكب خيانة عظمى في التنكر لآلاف الأطفال

طارق الملاح، شاب قرر أن يقاوم نظام الرعاية: أي جبر لضرري؟ وكيف نحمي آلاف الأطفال المودعين هنالك؟

منصور لبكي، اغتصاب الأطفال والقضاء اللبناني: نحو طبقية قانونية جديدة؟

تونس تنضمّ رسميا لاتفاقية لانزروت لمكافحة الاستغلال الجنسي للأطفال

انشر المقال



متوفر من خلال:

البرلمان ، إقتراح قانون ، حقوق الطفل ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني