مغالطات عويدات في حديثه مع أهالي ضحايا تفجير المرفأ


2021-09-02    |   

مغالطات عويدات في حديثه مع أهالي ضحايا تفجير المرفأ

نفذ ذوو ضحايا جريمة تفجير مرفأ بيروت تظاهرة في 30/8/2021 أمام منزل النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات. التقى عويدات بالمتظاهرين، ليقول لهم أنّه “متنحٍّ عن ملف إنفجار الرابع من آب لأنّ النائب غازي زعيتر صهره”، وأضاف: “النظرية التي تقول أنّي يمكن أن أبتّ بأيّ شيء خاطئة، وأنا تنحّيت “غصب عني”. وأضاف عويدات أنّه لا يؤيد ذهاب رئيس الحكومة (حسان دياب) إلى التحقيق لأنّه ذهب وقدّم إفادته، وبحسب الدستور كمدّعى عليه يجب أن يدّعي عليه مجلس النواب، وأن يُحاكم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وقد خالف من خلال ذلك تفسير المحقّق العدلي للمادة 70 من الدستور والذي يسمح بملاحقة دياب و4 غيره من الوزراء السابقين في الجرائم المعزوة إليهم في قضية تفجير المرفأ أمام القضاء العدلي. بالمقابل أبدى تماهيه مع تفسير رئيس مجلس النواب ونائبه نبيه بري و إيلي الفرزلي وعدد من القوى السياسية لهذه المادة والذي على العكس من ذلك تماما يحصر محاكمة هؤلاء أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو مجلس لم ينعقد يوما ويشكّل استكمال إجراءات الاتهام أمامه أمرا شبه مستحيل.

وفي تصريح لقناة الجديد عقب التحرّك، سُئل عويدات عمّا إذا كان سينفذ مذكرة الإحضار بحقّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، فأجاب بأنّه متنحٍّ عن “قضية شاملة” ولا علاقة له بالتنفيذ. وإذ تضمنّت تصاريح عويدات مغالطات عدّة خاصة لجهة تنحّيه عن الملف، فإنها تستدعي العديد من الملاحظات التي نبيّنها أدناه.

ويجدر التذكير هنا أن عويدات كان أعلن تنحيه عن القضية بعد 5 أشهر من التفجير رغم توفر أسبابه منذ حصول التفجير وفق ما أثبتتْه المفكرة منذ آب 2020. كما بادر في متن القرار نفسه إلى تعيين المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري محله.

 

1- ليس للنائب العام التمييزي أن ينحّي نفسه أو يعيّن بديلا عنه

تشكّل علاقة المصاهرة بين عويدات ووزير الأشغال العامة والنقل الأسبق غازي زعيتر المطلوب الادّعاء عليه، حالة من حالات التنحّي الإلزاميّة التي نصّ عليها قانون أصول المحاكمات المدنية (المواد 120، 121، و128). هذا فضلا عن أنّ عويدات نفسه كان نظر سابقاً في قضية تخزين النترات في المرفأ قبل تفجيرها وأصدر مساعدُه غسان خوري قرارا بحفظها وفق ما جاء في بيان مكتب الادّعاء في نقابة المحامين في الذكرى السنوية للجريمة.

وإن كان من المسلّم به أن على عويدات أن يعرض تنحيه عن القضية، يبقى أنّه ليس لأي موظف عام أن يتنحى عن القيام بأي من مسؤولياته أو مهامّه بإرادته المنفردة ولا أن يعين بنفسه البديل عنه طالما أن أي تعارض مصالح في شخصه سينسحب على من يعينه بنفسه بديلا عنه. بل يبقى من الواجب عليه أن يقدّم عرض تنحّيه للمرجَع الصّالح لقبوله بما يعفيه من هذه المسؤوليات، ويخوّل هذا المرجع أن يعين بديلا عنه في نفس قرار قبول تنحيه. لكن، وبمعزل عن هوية المرجع الصالح (وهو أمر نناقشه أدناه)، من المُسلّم به إذا أنّ مبادرة عويدات إلى تنحية نفسه بنفسه مع مبادرته إلى تعيين بديل عنه هو أمر غير قانوني.

 

2- ليس لغير النائب العام التمييزي أن يمارس صلاحياته الإدارية أو صلاحيته ك “رئيس للنيابات العامة”

فضلا عمّا تقدم، يتولى النائب العام التمييزي صلاحيات بالغة الأهمية وفق ما جاء في قانون أصول المحاكمات الجزائية ونظام الموظفين العامين. ومن هذه الصلاحيات الحق بإعطاء الأوامر الخطية والشفهية لكل قضاة النيابة العامة وبشكل أعم الضابطة العدلية، وأيضا الحق بمنح تراخيص الملاحقة لكل الموظفين العامين من دون استثناء (وهي صلاحية إدارية وغير قضائية). ولا ينص القانون على إمكانية تفويض أيّ من هذه الصلاحيات الملازمة لشخص النائب العام التمييزي لأي قاضٍ آخر.

وعليه، فإن أي تفويض من عويدات لأيّ من صلاحياته يكون غير قانوني طالما أنها تبقى ملازمة لشخصه دون سواه. وعليه، فإنّ ادّعاء عويدات أنّه ليس له اتخاذ أي قرار بشأن طلب رفع الحصانة عن اللواءيْن عبّاس إبراهيم وطوني صليبا هو ادّعاء غير صحيح وهو بمثابة تخلّ غير قانوني عن مسؤولياته.

 

3- المرجع الصالح للنظر في تنحية النائب العام التمييزي

ما هو المرجع الصالح للنظر في طلب النائب العام التمييزي تنحيته عن الملف بفعل وجود تضارب مصالح لديه أو اتخاذ مواقف سابقة فيه؟

لا نجد نصا صريحا في هذا الشأن. إلا أنه أمكن منطقيّا أن نستشفّ الجواب من المادة 354 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تتناول كيفية ملاحقة النائب العام التمييزي. تنصّ هذه المادة بوضوح كلي على الآتي:

“إذا ارتكب أي من رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس شورى الدولة والنائب العام التمييزي ورئيس ديوان المحاسبة ورئيس هيئة التفتيش القضائي جريمة، من نوع الجنحة أو الجناية خارج وظيفته أو أثناء قيامه بها أو بمناسبتها فيحاكم أمام هيئة قضائية مؤلفة من خمسة قضاة تعين بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل.

يتولى النائب العام التمييزي بنفسه الملاحقة ما لم يكن ممّن ارتكب الجريمة أو أسهم فيها، عندها يعين بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء قاضٍ لا تقل درجته عن السابعة عشرة للقيام بمهام النائب العام التمييزي لتولي الملاحقة في الجريمة فقط.”

ونستشفّ من هذه المادة أن لا مجال لملاحقة النائب العام التمييزي في قضيّة معينة إلا في حال تعيين بديل عنه بإمكانه أن يمارس كل صلاحياته كنائب عام تمييزي بموجب مرسوم يتخذ في الحكومة، وبالصيغة نفسها المعتمدة لتعيينِه عملا بمبدأ توازي الصيغ. ففي هذه الحالة، يصبح للبديل ممارسة جميع المسؤوليات الإدارية والقضائية المناطة بالنائب العامّ التمييزيّ بكلّ ما يتّصل بالقضية موضوع الملاحقة. ورغم أن هذه المادة تنحصر في إمكانية ملاحقة عويدات، فإنها في الآن نفسه تخبرنا أمورا ثلاثة: (1) عدم جواز إبقاء منصب النائب العام التمييزي شاغرا ولو في قضية واحدة بالنظر إلى الصلاحيات الواسعة الممنوحة له، و(2) أن تعيين بديل عن النائب العام التمييزي لا ينقل إليه صلاحياته كاملة في قضية معينة ما لم يتم بالطريقة نفسها لتعيينه أي وفق مرسوم حكومي بالنظر إلى خطورة هذه الصلاحيات وحجمها و(3) أنه ليس للنائب العام التمييزي أي دور في تنحية نفسه أو تعيين بديل عنه. وعليه، نستشفّ بوضوح من هذه المادة (354) أن الطريقة الوحيدة التي تؤدي إلى تنحية عويدات بشكل كامل وتعيين بديل عنه في هذه القضية تتم وفق الأصول نفسها أي من خلال إصدار مرسوم حكومي بتعيين بديل عنه في هذه القضية.

ثمة طريق ثانية من الجائز سلوكها لتنحية عويدات وإن أدّت إلى نتائج محصورة. تقوم هذه الطريق على أن يقدّم عرض التنحّي لغرفة يعيّنها الرئيس الأول لمحكمة التمييز (المادة 123 و128) فتنظر فيه وتعين بديلا عنه فيها بما يتصل بإشراف النيابة العامة على التحقيق القضائي. لكن في هذه الحالة، لا يكون لمحكمة التمييز بحال من الأحوال أن تنقل للبديل المعين عنها أيا من صلاحيات النائب العام التمييزي الإدارية (مثل النظر في طلبات أذون الملاحقة).

 

هذا ما اقتضى توضيحه. وخلاصته أن كل ما يدور من حديث عن تنحي عويدات أو عن تكليف خوري هو أمور غير صحيحة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، قرارات قضائية ، لبنان ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني